السعودية فاجأت العالم مرّتين: المرّة الأولى بإطلاقها «عاصفة الحزم» التي أرَّخَت لمرحلةٍ جديدة في الشرق الأوسط، والمرّة الثانية بإعلانها انتهاءَ الحزم وإطلاقَ عملية «إعادة الأمل» التي فتحَت بابَ التسوية في اليمن، ولكن على قواعد جديدة وثابتة هذه المرّة. وفي المرّتين خطفَت السعودية الحدث، وجعلت الجميعَ في موقع ردّ الفعل والبحث عن خلفية «الحزم» وأبعاد «الأمل». وفي المحطتين أيضاً بدَت السعودية في موقع المهندس لخطواتها باحتراف وإتقان. وإذا كان خصوم المملكة أرادوا جرَّها إلى حرب مفتوحة، إلّا أنّها قطعَت الطريق سريعاً على كلّ رهان من هذا النوع، فأحسنَت التوقيتَ في المرحلتين، حيث حقّقَت الأهداف العسكرية في الأولى من خلال الحصار البحري الذي منعَ تدفّقَ السلاح للحوثيين، والقضاء على الترسانة العسكرية لهذه الجماعة التي كانت تشَكّل تهديداً داخلياً وإقليمياً، الأمرُ الذي أعاد التوازنَ إلى المشهد اليمني، وفتحَت الباب في الثانية أمام التسوية السياسية بشروط الدولة اليمنية، واستيعاب القبائل والمجموعات السياسية، في رسالةٍ واضحة وجَّهَتها إلى الشعب اليمني بأنّها معه وستبقى إلى جانبه. وأهمّية عملية «إعادة الأمل» أنّها تَجمَع ما بين العسكري والديبلوماسي والاقتصادي، وكلُّ الأنظار شاخِصة إلى ما سترسو عليه التسوية اليمنية، كونها قد تشَكّل نموذجاً قابلاً للتعميم على التسويات في الدوَل الساخنة في المنطقة.
إنقسَم المشهد السياسي بين واشنطن، حيث واصَل الرئيس سعد الحريري زيارته لليوم الثاني، والتقى وزير الخارجية الاميركية جون كيري، وبين مجلس النواب الذي شهدَ تأجيلاً جديداً لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى 13 أيار المقبل، في وقتٍ حَضرَت الموازنة في مواقف النوّاب. بينما انشغلَ لبنان الرسمي والشعبي بتطبيق أحكام قانون السير الجديد الذي دخلَ حيّزَ التنفيذ ابتداءً من الأمس.
الحريري ـ كيري
فقد التقى الحريري في وزارة الخارجية الأميركية كيري ومديرَ التخطيط السياسي ديفيد ماكين. وأشاد كيري بدور الحريري لتحقيق الاعتدال والتسوية السياسية المدروسة، في محاولةٍ منه للدفع ببلاده إلى الأمام، خصوصاً خلال فترة التحدّيات الصعبة.
وأكّد كيري قبَيل بدء اللقاء على التزام بلاده باستقرار لبنان وأمنه. وقال: «نحن متشوّقون لرؤية مَلء منصب الرئاسة ورؤية ابتعاد تأثير «داعش» و«النصرة» وسوريا عن لبنان، كي تصبح سيادة هذا البلد محترَمة ويصبح مستقبله محميّاً ومضموناً».
وأضاف كيري: «هناك 1.2 مليون لاجئ نزَحوا من سوريا إلى لبنان، ممّا يزعزع الوضعَ في البلد. ونحن معترضون بشدّة على كيانات مثل «حزب الله» وغيرها التي تستخدِم أماكن في لبنان والجوار كأدوات في الصراع».
ودعا كيري «إيران ونظامَ الأسد إلى احترام سيادة لبنان، وأن يسمحوا له ولشعبِه في الحصول على السلام والاستقرار اللذين تطّلعوا إليهما منذ زمن».
وأبدى سرورَه الكبير»لاستقبال الرئيس الحريري في واشنطن»، مثنِياً «على استمرار نشاطِه المهِمّ جداً للسياسة اللبنانية». وجَدّد التأكيد «على استمرار دعم الجيش اللبناني وقوى الاعتدال وأولئك الذين يريدون أن يعمَلوا بشكل سِلمي لضمان المستقبل الذي يستحقّه اللبنانيون».
من جهته، أكّد الحريري «أنّ لبنان يعيش فترةً عصيبة جداً، وأنّ المنطقة تعيش مرحلة خطيرة جداً». وأشار إلى «أنّ ضلوع بعض المجموعات مثل «حزب الله» وإيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن قد وصلَ إلى نقطة بالغة الخطورة». وقال: «إنّ التدَخّلَ الإيراني في لبنان أمرٌ لا يَرغب به الشعب اللبناني».
وشَكر الحريري لكيري دعمَ بلاده الجيشَ اللبناني، الأمرُ الذي وصفَه بالقاعدة الأساسية للأمن. وخَتم قائلاً: «نواجِه «النصرة» و»داعش» و»القاعدة» على حدودنا، ولدَينا 1.2 مليون لاجئ ونحتاج إلى انتخاب رئيس للجمهورية»، آمِلاً في أن تكون المحادثات إيجابية.
ولدى مغادرتِه وزارةَ الخارجية الأميركية، قال الحريري: «تحادَثنا في المشاكل الحاصلة في المنطقة، حيث إنّ لبنان في قلب العاصفة». وأضاف: «إستطَعنا حتى الآن أن ننجحَ في تحييد لبنان، ولكن لا يمنع أنّنا نرى أنّ دورَ إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن هو دور غير بنّاء. نحن لسنا ضدّ إيران، وقلنا ذلك مراراً ونكرّره، ولكنّ تدَخّلَها في الشؤون العربية هو تدَخّل غير مقبول».
وأكّد «أنّ مَن يريد أن يكون دوره بنّاءً في أيّ دولة في المنطقة عليه أن يقدّم المساعدة للدولة، أي إذا كان هناك شيء يريد أن يقدّمه للبنان فعليه أن يقدّمه للدولة اللبنانية وليس لفريق سياسي فيه كي يستقوي على الأفرقاء السياسيين الآخرين، أو لأيّ فريق سياسي في العراق أو سوريا أو غيرها».
وأعطى مثالاً عن المساعدات التي تُقدّمها السعودية للجيش اللبناني والدولة اللبنانية لتمكينِ المؤسسات اللبنانية من النهوض. واعتبَر أنّ هذا الدور هو الدور الناجح الذي يجب أن تلعبَه الدوَل لمساعدة دوَل أخرى.
وعمّا إذا كان يَعتقد أنّ «عاصفة الحزم» يمكن أن تنتقل إلى سوريا أو دوَل أخرى في المنطقة، قال الحريري: «إنْ شاءالله تنتقل». ودعا إلى ضرورة إنهاء النظام السوري لأنّه قَتلَ السوريين».
عسيري: المطلوب التعَقّل
وفيما تسَلّمَ اللواء اللوجستي في الجيش أمس دفعةً جديدة من الآليات العسكرية، في إطار الهبة العسكرية السعودية، أوضَح السفير السعودي علي عواض عسيري، في حديث إلى «قناة فرانس 24»، أنّ «هِبة المليارات الثلاثة لتجهيز الجيش بأسلحةٍ فرنسية «ليسَت موجّهة ضد أحد، بل إنّ الأسلحة مقدّمة للجيش اللبناني المؤلّف مِن كلّ الطوائف اللبنانية، وهو درعُ الوطن ويَحمي لبنانَ وشعبَه».
وأسفَ مجدَّداً لخطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله «الانفعالي» على خلفية أحداث اليمن، مؤكّداً أنّه «لا يخدم مصلحةَ لبنان والعلاقات السعودية اللبنانية، بل يخدم أجندةً خارجية». وذكَّرَ «بأنّ السعودية أسهمَت في إعمار الجنوب وتقديم المساعدات للّبنانيين الشيعة في الجنوب بعد حرب تمّوز العام 2006»، مؤكّداً أنّ «المملكة لا تنظرُ إلى لبنان كطوائف، بل كبَلد عربيّ مميّز بغِناه الثقافي».
وقال: «إنّنا لم نسمَع بالطائفية إلّا في العام 79 عندما بدأت إيران بتصدير الثورة، وهي مستمرّة بذلك، وهو أمرٌ لا يَخدم إيران أو المنطقة. والمطلوب هو التعَقّل ومعرفة أهمّية الجوار والمصالح المشترَكة بين البلدان، وهذا ما تريده المملكة العربية السعودية». وشَدّد على عدمِ السماح لإيران بأن تهيمنَ على دوَل المنطقة. إذا كانت هذه نيتَها فيجب أن تتوقّف فوراً».
تأجيل مؤتمر البرلمانات العربية
وفي سياق متّصل، أدّى الانشغال العربي، وتحديداً الخليجي، في مواكبة الأزمة اليمنية، إلى تأجيل مؤتمر اتّحاد البرلمانات العربية الذي كان مقرّراً عقدُه نهاية هذا الشهر في بيروت.
وكانت الأمانة العامة لمجلس النواب قد أنجزَت كلّ ترتيباته ووَجَّهَت كاملَ الدعوات لإجرائه في موعده، ولكن اصطدمَت كلّ هذه التحضيرات في رُبع الساعة الأخير بإبلاغ السعودية بيروت باعتذارها عن المشاركة في المؤتمر، ما قادَ الرئيس نبيه برّي إلى الإعلان عن إلغائه، وذلك بواسطة رسائل وجَّهها للبرلمانات العربية، جاء فيها «أنّ المؤتمر أُلغِيَ لأسباب غير لبنانية».
وكان قد جرى إخراجٌ لإعلان إلغاء المؤتمر من خلال زيارة الأمين العام للاتّحاد البرلماني العربي نور الدين بوشكوج الأسبوع الماضي لبرّي في عين التينة، حيث صرّحَ الأخير إثرَها أنّه نتيجة مشاورات بين برّي ورئيس مجلس الأمّة الكويتي مرزوق الغانم، تقرَّر تأجيل المؤتمر الذي كان مقرّراً عَقدُه في بيروت إلى موعد آخر سيتحَدّد لاحقاً. ونقلَ عن برّي في ذات التصريح أنّه كعادته على التضامن العربي وتعزيز الأخوّة العربية، خصوصاً في هذه الظروف التي تجتازها الأمّة العربية.
وبحسب مصدر ديبلوماسي عربي أطلعَ «الجمهورية» على خلفيات هذا التطوّر، فإنّ قرارَ المملكة السعودية بعدَم مشاركتها في دورة بيروت لمؤتمر اتّحاد البرلمانات العربية، كان سيستتبع إعلانَ دوَل أخرى خليجية الموقفَ نفسَه، وأقلّه البحرين والإمارات. وهذا ما قاد برّي لاستدراك إمكانية عقدِ مؤتمر بيروت للبرلمانيين العرب بتمثيل خليجيّ ضعيف، ما جَعله يرتئي أنّه من الأنسب إلغاؤه أو تأجيله.
ولفتَ المصدر عينُه إلى أنّ قرار المملكة بالتغَيُّب عن مؤتمر بيروت لاتّحاد البرلمانيين العرب له خلفيات أمنية أكثرُ ممّا له خلفيات سياسية، من دون أن ينفيَ وجود الخلفية الأخيرة ولو مِن باب أنّ الرياض مستاءَةٌ مِن الحملة الإعلامية التي تُشَنّ عليها انطلاقاً مِن لبنان.
الموازنة… مكانَك راوِح
على صعيد آخَر، طغى ملفّ الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب على الجلسة النيابية أمس، المخصّصة في الأساس لانتخاب رئيس للجمهورية. وشهدَت قاعات المجلس النيابي بعد الجلسة مؤتمراتٍ صحافية عبَّر فيها تيار «المستقبل»، و«القوات اللبنانية» عن تمسّكهما بدمجِ السلسلة بالموازنة، الأمر الذي أكّد بقاءَ المواقف السياسية من الملف متباعدة. وقد انعكسَ الخلاف على أجواء الجلسة التشريعية التي يعمل رئيس المجلس النيابي نبيه برّي على انعقادها تحت عنوان تشريع الضرورة.
وجَدّد برّي امتعاضَه مِن المواقف المقاطِعة للجلسة التشريعية. وقال إنّه لا يجوز وقفُ التشريع وشَلُّ المجلس النيابي، مع العِلم أنّ المشاريع المَنوي إدراجُها على جدول الجلسة هي مشاريع ضرورية وليست موضعَ خلاف أو تبايُن.
وأشار النواب بعد لقاءِ الأربعاء النيابي إلى أنّ الاتّصالات والمداولات ستستمرّ في الأيام المقبلة في هذا الشأن، لكي لا تؤدّي مثلُ هذه المواقف إلى ضربِ عمل المؤسسات الدستورية، لا بل إنّ الاهتمام يجب أن ينصَبَّ على انتخاب رئيس الجمهورية بدلاً مِن تعطيل باقي المؤسسات.
وكان النائب جورج عدوان اعتبَر في مؤتمر صحافي عَقده في المجلس «أنّ البعض يَختبئ وراء قضيّة دمجِ أو فصلِ السلسلة عن الموازنة العامة إمّا تهرّباً مِن الموازنة وإمّا تهرّباً من السلسلة. وأكّد أنّ المطلوب اليوم من الحكومة أمران: «أوّلاً إقرار السلسلة من ضمن الموازنة، ومِن مبدأ شمولية الموازنة كقيمة الكِلفة الإجمالية للسلسلة».
لقاء مع السنيورة
بعد ذلك، عُقِد اجتماع في صالون النوّاب ضمَّ الرئيس فؤاد السنيورة والنوّاب عدوان ومروان حماده ويوسف، كشفَ بَعده عدوان أنّ «الاتفاق تمّ على تكريس الموقف القائل بأنّ ترسِلَ الحكومة مشروع قانون الموازنة مع كِلفة سلسلة الرتب والرواتب، عندها يكون الجميع على استعداد لحضور الجلسة التشريعية».
وسُئل السنيورة تعليقاً على كلام الرئيس نبيه برّي عن حلّ مجلس النواب إذا بقيَ معطّلاً، فأجاب: «الرئيس برّي هو أفضَل مَن يُتقِن لعبة البليار، ويَحضرُني في هذا المقام شِعر عمر بن أبي ربيعة «إذا جئتَ فامنَح طرفَ عينيك غيرَنا لكي يحسَبوا أنّ الهوى حيث تنظرُ». وقال ردّاً على سؤال: «الرئاسة في لبنان مخطوفة والحكومة تعيش كلّ يوم هزّة، ولم يبقَ إلّا مجلس النواب الذي يُفترض أن يعطي الصورة الحضارية بأنّه يعمل».
داتا الاتّصالات
وعشية جلسةِ مجلس الوزراء العادية قبل ظهر اليوم في السراي الحكومي، كشفَت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» أنّ المجلس سيَبتُّ طلبَ وزارة الداخلية «اتّخاذَ التدابير اللازمة لتأمين حركة الاتّصالات كاملةً للأجهزة الأمنية والعسكرية ابتداءً من 1 أيار 2015»، وذلك بهدف دعم الخطط الأمنية الجاري تنفيذُها ومواجهة الشبكات الإرهابية وتلك المتخصّصة بالتزوير ومكافحة الجرائم الدولية. وسيَنظر المجلس في جدول أعمال من 76 بنداً أبرزُها بَتّ اقتراح قانون المنطقة الاقتصادية الخاصة في البترون.
الجلسة التشريعية
وعلمَت «الجمهورية» أنّ الأمانة العامة لمجلس النوّاب عمَّمت أمس على النواب والوزراء جدولَ أعمال الجلسة التشريعية التي ينوي برّي الدعوة إليها قبل نهاية الشهر الجاري من دون تحديد أيّ موعد لها. وضَمَّ جدول الأعمال 8 مشاريع قوانين مهمّة، وعدداً من مشاريع القوانين الواردة بشكل مكرّر ومعجَّل.
إضراب اليوم
في سياقٍ متّصل، تنَفّذ هيئة التنسيق النقابية إضراباً اليوم في الثانويات والمدارس والمهنيات والوزارات والإدارات العامّة، في إطار احتجاجها على عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب، مؤكّدةً أنّ «هذا الإضراب هو مجرّد بداية لسلسلةٍ من التصعيد يَصل إلى تهديد نهايةِ العام الدراسي وشَلّ الإدارات».
قانون السير الجديد
بعد انتظار دامَ سنوات، سَلك قانون السير الجديد طريقَه إلى التطبيق، فنَفّذت قوى الأمن الداخلي حواجزَ توعية وتوزيع مناشير إرشادية على مختلف الأراضي اللبنانية. ورَكّزَت المرحلة الأولى من التوعية التي تستمرّ حتى نهاية الشهر الجاري على: خطورة السرعة الزائدة، القيادة تحت تأثير الكحول والمخدّرات، والقيادة المتهوّرة. على أن تبدأ مطلعَ أيّار عملية التطبيق تدريجاً، وبالتالي تَسطير محاضرِ الضبط بحقّ المخالفين.
وعلى رغم تمَلمُل بعض المواطنين من القانون، خصوصاً لجِهة كِلفة الغرامات العالية، إلّا أنّهم في غالبيتهم أبدوا تعاوناً ومرونةً، ولم يتردّدوا في الاستفسار عن بعض التفاصيل، بعد مراجعتِهم للمناشير الإرشادية. (ص9).