IMLebanon

 عاصفة سياسيّة وقانونيّة لتصحيح الحُكم الهزيل.. وعون يُصعِّد اليوم

 

على وقع مداولات قمّة كمب ديفيد والسعي الأميركي الدؤوب لتبديد هواجس دوَل الخليج، دخلت البلاد في أزمة سياسية جديدة بعدما هبَّت على أجوائها عاصفة من ردّات فعل ومواقف تستنكر حكمَ المحكمة العسكرية بسجن الموقوف ميشال سماحة أربع سنوات ونصف السنة، وتجريدِه من حقوقه المدنية، فيما يُنتظر أن تهبّ عاصفة سياسية من الرابية قبل ظهر اليوم نتيجة مواقف سيُعلنها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون حول الأوضاع عموماً والتعيينات العسكرية والأمنية خصوصاً، إلى عاصفةٍ أخرى ستهبّ مِن الضاحية الجنوبية لبيروت مساءَ غدٍ السبت، حيث تَحضر معارك القلمون بقوّة في كلمةٍ متلفَزة للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله عبر قناة «المنار».

إرتفعَ أمس منسوب الاستنفار السياسي والإعلامي ضدّ الحكم في قضية سماحة، وتواصَلت الدعوات إلى إلغاء المحكمة العسكرية، في وقتٍ بدأ مفوّض الحكومة لديها القاضي صقر صقر درسَ الملف، لإعداد الطعن بالحكم وتمييزه أمام محكمة التمييز العسكرية.

جعجع لـ«الجمهورية»

واستغربَ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع «كيف تُسقِط المحكمة العسكرية من مواد الاتّهام تهمةَ القتل عمداً، فيما كلّ الوقائع التي ظهرت في الصوت والصورة والتحقيقات تؤكّد النيّة الجرمية بالقتل عمداً وعن سابق تصوّر وتصميم، ولكن حتى لو تمّ القفز فوق هذه التهمة المثبَتة، فإنّ المواد التي أخذوا بها أساساً لإدانة سماحة والمتّصلة بتأليف عصابة مسلّحة والمشاركة بالتآمر، لا يصحّ فيها الحكم بالشكل الذي صدرَ فيه».

وقال جعجع لـ«الجمهورية» إنّ «الحكم الذي صدر هو سياسيّ أكثر منه قضائي، ويؤكّد الصبغة السياسية له». ولفتَ إلى أنّه «إلى جانب كلّ الجرائم المتّهَم سماحة بها، أخطرُها يكمن في التآمر مع جهاز خارجي لتفجير الوضع اللبناني».

وأسفَ جعجع لما حصل، وقال: «نفعل المستحيل لإعادة ثقة المواطن بالدولة والمؤسسات على اختلافها، فيصدر حكمٌ من هذا النوع ليضرب ثقة المواطن بقيام دولة فعلية وبإمكانية إعادة الاعتبار للقانون والقضاء». وجدّد تأييدَه ردّة فعل وزير العدل اللواء أشرف ريفي ودعا إلى طرح هذه القضية في مجلس الوزراء «لاتّخاذ أقسى التدابير بحق مَن كانوا وراء هذا الحكم لإعادة تصحيح الصورة وتصويب المسار».

وعن الرسالة الكامنة وراءَ هذا الحكم، اعتبَر جعجع «أنّ النظام السوري مع نقاط ارتكازه في لبنان أراد توجيه رسالة واضحة بأنّه ما زال يملك نفوذاً في هذا البلد، وأنّه قادرٌ على التدخّل لإنقاذ مَن يُدان بتهمةٍ هو يقف خلفَها».

وقال: «مِن المعيب بعد عشر سنوات على إخراج الجيش السوري من لبنان وكلّ التضحيات والنضالات والشهادات أن يتمتّع هذا النظام بهذا النفوذ في لبنان، في وقتٍ أصبح معزولاً عربياً ودولياً، وفقدَ تأثيرَه على معظم الدولة السوريّة.

وأكّد جعجع «أنّ أهمّ شيء اليوم يكمن في استكمال ما بدأه الوزير ريفي من خلال خطوات عدّة لتصحيح المسار القضائي وأبرزُها التمييز، وكذلك اتّخاذ كلّ التدابير اللازمة لمنع تكرار هذه الفضيحة»، وأضاف: «لا نريد قضاءً لمصلحة هذا الفريق أو ذاك، بل نريد قضاءً يَحكم لمصلحة الحق والعدالة».

ولفتَ إلى أنّ كلّ المحاكم الاستثنائية مرَّ عليها الزمن باستثناء كوريا الشمالية ربّما، وبالتالي أتمنّى على ريفي طرح مشروع قانون لإعادة النظر في هذه المحاكم والعودة إلى المحاكم المدنية. فاختصاص المحاكم يجب أن يكون حصراً في القضايا المتّصلة بالجيش، وعندما تتوسّع صلاحياتها تكون في ظروف استثنائية فقط، وهذه الظروف ليست قائمة اليوم».

وهل يَخشى من أن تشرّع أحكامٌ من هذا النوع القتلَ والإرهاب؟ أجاب جعجع: «بالتأكيد إنّ هذا النوع من الأحكام يشجّع على الجريمة واستسهال القتل وتعميم الفوضى، كذلك يشجّع كلّ لبنانيّ على التعامل مع أجهزة مخابرات خارجية، وتحويل التعامل مسألةً طبيعية وبديهية، ما يضرب ثقة المواطن بقيام دولة فعلية».

وعن تقويمه لردّة فعل 14 آذار، قال جعجع: «بخلاف آراء عدّة، 14 آذار في ألف خير، عصب 14 موجود، ومشروعها قائم، وفي اللحظة التي ظهرَت قضية حسّاسة تجَلّت 14 مجدّداً، وظهرَ مدى تكاتفها وتصميمها وعنفوانها، وهذا دليل إضافيّ على أنّه عندما لا تتحرّك 14 آذار لا يعني أنّها عاجزة، بل يعني أنّه لا يوجد إمكانيات جدّية للتغيير، وأوّل ما لمسَت هذه الإمكانية تحرّكت وقلبَت الطاولة ولن تهدأ قبل إعادة الأمور إلى نصابها وتصحيح الصورة وتصويب المسار وإعادة إعطاء الأمل للناس بالدولة والقضاء والمؤسّسات».

القلمون

إلّا أنّ «عاصفة سماحة» لم تحجب الاهتمام بمجريات معارك القلمون التي استمرّت فيها المواجهات ضد المسلحين، وانتهت الى تسجيل حزب الله والجيش السوري مزيداً من المكاسب والتقدّم في المنطقة.

وتحدّث «الإعلام الحربي» عن سيطرة الجيش السوري و»الحزب» على غالبية مساحة سلسلة جبال الباروح الاستراتيجية ومرصد الزلازل الذي يقع ضمن سلسلة الباروح» مؤكّداً التقدّم في جرود رأس المعرّة وفليطا.

واجب وطني

وفيما اعتبرَت كتلة «الوفاء للمقاومة» أنّ المواجهات التي يخوضها الحزب في القلمون «هي واجبٌ وطني تتطلّبه مصلحة شعبنا وحقّه في الأمن والكرامة، وأنّ التضحيات التي تُبذل في هذا السياق والانتصارات التي تتحقّق بفضلها، ستعود بالخير والأمن والمنعة على جميع اللبنانيين بمختلف فئاتهم ومناطقهم»، باركَ رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني علاء الدين بروجردي من دمشق «الانتصارات التي يحقّقها الجيش السوري والمقاومة في القلمون».

عون

وسط هذا المشهد، تشخصُ الأنظار إلى الرابية لرصدِ الموقف الذي سيُعلنه العماد عون في الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في مؤتمره الصحافي، فيما تتوجّه إلى الرابية عصراً مواكبُ طالبيّة سيّارة تأييداً لعون ودعماً لمواقفه. وقالت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» إنّ الموقف سيكون أقوى من ذي قبل»، وأضافت: «لقد اعتَدنا على أن نكون بمفردنا في المعارك السياسية.

موقفُنا ضدّ التمديد مبدئيّ ولا نستطيع القبولَ بما يَجري، فالذرائع تَظهر دائماً عند أيّ استحقاق يُطاولُ مراكزَ المسيحيين، ويتحجّجون بأنّ البلد لا يحمل. كلّا، البلد يَحمل، مثلما حَملَ سابقاً يستطيع أن يحملَ اليوم، وأن يجتمعَ مجلس الوزراء ويُعيّن».

برّي

ولم يشَأ رئيس مجلس النواب نبيه برّي الحديثَ عن ما يمكن أن يعلنَه عون اليوم من مواقفَ، مكتفياً بالقول لسائليه: «لا تعليق». وعندما قيل له إنّ عون سيَذهب في الموقف إلى «الآخر»، أجاب: «مَ نِحنا بالآخر».

وقالت مصادر نيابية إنّ مواقف عون لن تُبَدّل في الوضع الحكومي شيئاً في حال أعلنَ المقاطعة الحكومية، فالحكومة باتت أشبَه بحكومة تصريف أعمال، ففي جلسة مجلس الوزراء أمس كان على جدول الأعمال 70 بنداً، فأقِرّ منهم بندان، ثمّ دار خلاف على 3 بنود أخرى، ما أدّى إلى إنهاء الجلسة من دون أن يقَرّ أيّ بَند آخر في جدول الأعمال.

وكان زوّار برّي خرَجوا أمس بانطباع أنْ لا جديد في شأن مصير الجلسة التشريعية ونَقلوا عنه قوله إنّه ما زال ينتظر من الجميع، خصوصاً من المقاطعين، إبلاغَه موافقتَهم على الحضور. وكرّرَ برّي أنّ المشكلة هي في عدمِ انتخاب رئيس جمهورية.

وقال: «سمعنا أنّ «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» وحزب الكتائب سيتّفقون على موضوع انتخاب الرئيس، فليتّفقوا ونحن نرَحّب، لأنّ المشكلة أصلاً تكمن في موضوع عدم انتخاب الرئيس، هم يبرّرون مقاطعتَهم التشريع بعدم وجود رئيس جمهورية لكنّهم في الوقت نفسه لا يقرّون بأنّ المشكلة في موضوع الرئاسة عندهم، فليتّفقوا وعندها فلنَذهب إلى انتخاب الرئيس».

أبو فاعور

وكان برّي التقى أمس الوزير وائل ابو فاعور الذي نَقل إليه رسالة من رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي غادر إلى باريس، ولم يُكشَف عن مضمون هذه الرسالة.

وحذّر أبو فاعور من الدخول في أزمة حُكم ونظام، وقال بَعد لقائه برّي: «يبدو أنّ البعض يستسهل أن تتدرّج الأزمة من أزمة سياسية إلى أزمة حكم ثمّ إلى أزمة نظام، وهذا الأمر نحن في غنىً عنه اليوم».

ورأى «أنّ وقفَ التشريع أو تعطيله غيرُ مبرّر وغير مقنِع، مع التقدير والاحترام لرأي جميع الأطراف التي أعلنَت عن آرائها ومواقفِها في هذا الأمر، وإذا كان دولة الرئيس برّي لا يزال يغَلّب روحَ الميثاقية، فيجب أن لا يُستعمل هذا الأمر لاستضعاف مؤسسة المجلس النيابي ولفرضِ اشتراطات على عمل المؤسسات في لبنان».

الحريري

وفي هذه الأجواء، حضرَت مستجدّات الوضع في لبنان والتطوّرات في المنطقة، ولا سيّما منها في سوريا والعراق واليمن، في اللقاء الذي عُقِد لساعة وربع الساعة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس سعد الحريري، في حضور مدير مكتبه نادر الحريري ومستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان، ومستشار بوتين للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف وممثّل الرئيس لشؤون الشرق الأوسط نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف.

وكان الحريري الذي غادرَ سوتشي الروسية مساء أمس متوجّهاً إلى المملكة العربية السعودية، زار مجلس النواب الروسي («الدوما») وعرضَ مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس ألكسي بوشكوف الأوضاعَ في لبنان والتطوّرات في المنطقة.

شتانماير في بيروت

وعلى صعيد الحركة الديبلوماسية في اتّجاه لبنان، يزور وزير الخارجية الألماني فرانك شتانماير بيروت اليوم على رأس وفد ديبلوماسي رفيع يضمّ عدداً من المعنيين بقضايا الشرق الأوسط والأزمة السورية. وسيلتقي فورَ وصوله برّي قبلَ أن يجتمع في الأولى بعد الظهر مع وزير الخارجية جبران باسيل ويَعقدان مؤتمراً صحافياً في إثره، على أن يلتقي في الرابعة عصراً رئيسَ الحكومة تمام سلام ثمّ يغادر بيروت ليلاً.

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ شتانماير سيتناول في محادثاته الوضعَ في لبنان والمنطقة، ولا سيّما تداعيات النزوح السوري على البلاد من مختلف الجوانب الاقتصادية من زاوية البحث عن وسائل تطبيق مقرّرات مؤتمر برلين الذي عُقد قبل أشهر وكان مخصّصاً للبحث في المساعدات الدولية للدوَل المضيفة للنازحين السوريين ومن بينها لبنان.

وعُلِم أيضاً أنّ سلام أعَدّ بالتنسيق مع الوزارات المختصة، ولا سيّما منها الممثّلة في خلية الأزمة المكلّفة ملف النازحين السوريين، تقريراً سيُسلّمه إلى الوزير الألماني يحدّد فيه حاجات لبنان على مختلف المستويات.

القيادة الوسطى

وكشفَت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية» أنّ وفداً من قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي سيَصل إلى بيروت في الساعات المقبلة ويلتقي وزيرَ الدفاع وقائدَ الجيش بحضور الضبّاط الكبار، وضبّاط مكتب التعاون الأميركي – اللبناني بين الجيشَين والذي يتابع برامجَ التسليح والتدريب المتّفَق عليها بين الحكومتين، إضافةً إلى برامج المساعدات الأميركية المخصّصة للبنان.

«كمب ديفيد»

وفي موقف دوليّ لافت، أكّد البيت الأبيض، أمس، في اليوم الأوّل مِن قمّة «كمب ديفيد» بينَ الرئيس الأميركي باراك أوباما والزعماء الخليجيّين، أنّ «إيران تُواصِل تخصيبَ اليورانيوم سِرّاً، مُنتهِكةً القانونَ الدوليّ»، ولم يَستبعد إعادة درس الخيارات الأميركية لحلّ النزاع السوري، ومنها فرضُ منطقة حظر جَوّي، على رغم اعترافه بأنّ هذا الخيار ليس الأنجَع حاليّاً. وأبدى البيت الأبيض استعدادَه لمنحِ الدوَل الخليجيّة وَضْعَ «حَليفٍ رئيس» مِن خارج نطاق «حلف شمال الأطلسي».

وأطلَعَ أوباما زعماءَ الدوَل الخليجيَّة على تطوُّرات المُحادثات النوويّة مع إيران. وركّزَت المحادثات، بدرجة كبيرة، على الضمانات العامّة والمساعدة التي يُمكن أن تُقدِّمها الولايات المُتّحدة حمايةً للأمن الخليجيّ.

وقالَ نائب مُستشار الأمن القومي الأميركي، بِن رودس، إنَّ الرئيس باراك أوباما والزعماء الخليجيّين بحثوا في الاستراتيجيَّات الخاصَّة بسوريا.

وأضاف أنَّ «البيت الأبيض لا يُمانع من تقييم خيار فرض منطقة حظر طيران للمُساعدة في إنهاء النزاع السوري»، على رغم أنّه أوضحَ أنَّ هذا الإجراءَ لا يُنظَر إليه في اعتباره وسيلةً ناجعةً.

من جهة ثانية، أشارَ بِن رودس إلى أنَّ البيت الأبيض لم يَتحقّق بنحو مُستقلّ من تقارير جديدة عن استخدام أسلحة كيماويّة في سوريا.