ثلاثة عناوين سياسية محَلّية فرضَت نفسَها بقوّة هذا الأسبوع، ومرشّحةٌ للتفاعل في الأيام والأسابيع المقبلة. العنوانُ الأوّل يتّصل بالحُكم الذي أصدرَته المحكمة العسكرية في ملفّ الوزير السابق ميشال سماحة، والذي شَكّلَ صدمةً وطنية أثارَت عاصفةً من الردود السياسية والشعبية التي لن تهدأ قبل تمييز الحكم وإعادة صدوره، بما يعكسُ خطورة الجريمة الرامية إلى ضربِ السِلم الأهلي وهَزّ الاستقرار وتعميم الفوضى. والعنوان الثاني يتعلق بالتصعيد العوني الذي كان قد بدأ منذ فترة واستكملَه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون أمس بمؤتمر صحافي كرّرَ فيه العناوين التي طرحَها في فترات سابقة والمتّصلة بالانتخابات الرئاسية من الشعب أو إجراء الانتخابات النيابية التي تُحَقّق المناصفة قبل الرئاسية، وهو سيُواصل تصعيدَه، في محاولةٍ لفَرملةِ التمديد العسكري بالحدّ الأدنى والوصولِ إلى تسويةٍ في هذا الملف بالحَدّ الأقصى. والعنوان الثالث يتّصل بإطلالةِ أمينِ عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله اليوم، والتي فرضَت نفسَها بفعلِ التطوّرات العسكرية في القلمون.
خابَ ظنّ مَن اعتقد أنّ ردّة الفعل على قرار المحكمة العسكرية ستكون بنتَ لحظتِها وتنتهي في اليوم التالي، على قاعدة «غداً يومٌ آخر»، حيث إنّ ردّة الفعل كبرَت ككرة الثلج، بدلاً من أن تصغرَ، كما توقّعَ هذا البعض، فانتقلت من المواقف السياسية التي حافظَت على وتيرتها إلى التحرّكات الشعبية الغاضبة على هذا الحكم الذي شرّعَ الجريمة والقتلَ والإرهاب، وسلّط الضوءَ على واقع مرير وهو التمييز بين اللبنانيين، وكأنّ هناك مواطنين درجة أولى فوق المحاسبة، ومواطنين درجة ثانية يقبَعون في السجون من دون محاكمات، الأمر الذي يُنذر بمضاعفات خطيرة في حال لم يُصَر إلى تشديد العقوبة بحقّ سماحة بما يتناسب مع طبيعة الجرم المسنَد إليه وهو القتلُ عمداً.
وقد أبرزَت كلّ المواقف السياسية إصراراً على استكمال المواجهة التي بدأها وزير العدل أشرف ريفي إلى أن تَبلغَ خواتيمَها، وبدَت القوى السياسية، وتحديداً 14 آذار، في حالٍ من الاستنفار السياسي وخليّة النحل التي لا تهدأ من أجل تصحيح هذا الخطأ بل الخطيئة، بُغية تَجنيب لبنان الفتنة التي أراد النظام السوري افتعالَها بتمفجّرات سماحة-المملوك في المرحلة الأولى، ومن خلال الحكم الذي أصدرَته المحكمة العسكرية في المرحلة الثانية.
فالتحرّكات الشعبية ليست مفتعلة ولا مصطنَعة، بل تعكس واقع التعبئة داخل الشارع السنّي واللبناني، هذه التعبئة المتراكمة بفعل الظروف والتطورات وتفاقم الشعور بالغُبن والإقصاء والاستهداف، والتي وصلت إلى الحد الذي يكاد يطفَح فيه الكيل، ما يشَكّل تهديداً جدّياً لشبكات الأمان المتمثلة بالحكومة والحوار، خصوصاً أنّ أحد أبرز أهداف الحوار كان تبريد الاحتقان والتشنّج والغليان تجَنّباً للمحظور، فإذا بقرار المحكمة يُعيد المناخات الشعبية إلى ما قبلَ الوصلِ والتواصل.
فالأمور بعِلم الجميع «هادية على صوص ونقطة»، ولم يكن ينقصها سوى هذا التدبير-الخطيئة الذي شبّهَه البعض ببوسطة عين الرمّانة في 13 نيسان 1975، ودعا إلى تفكيك صاعق التفجير سريعاً من خلال تصحيح الحكم الذي يشكّل مدخلاً لتعطيل اللغم السوري وتبريد الاحتقان وإعادة الثقة بالقضاء والدولة والمؤسسات.
«الجمهورية» تَنشر خلاصة الحُكم
وقد حصلت «الجمهورية» على خلاصة الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية والذي يُظهِر مدى التناقض بين الحيثيات الواردة في القرار، والحكم الذي لم يأخذ بالقرائن المثبَتة لجهة أنّ سماحة «أقدمَ على تأليف عصابة ترمي إلى ارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنَيل مِن سلطة الدولة وهيبتِها، وعلى محاولة قتلِ سياسيين ورجال دين وعلى الحضّ على التقتيل في منطقة عكار وعلى حيازة ونقل متفجّرات بقصد ارتكاب أعمال القتل والقيام بأعمال إرهابية، حيث إنّ هذه الاعمال لم تتمّ بسبب ظرف خارج عن إرادته، وعلى حيازة أسلحة حربية غير مرخّصة وتوابعها وطلقات ناريّة».
فالمستغرَب أنّ الحكم الذي صدر لم يستنِد إلى التهَم بحقّ سماحة، وهي مثبَتة بالنص والصوت والصورة، إنّما قفز فوقَها لأسباب معلومة هدفُها الوصول إلى النتيجة الكارثية التي وصلَ إليها.
إتّساع دائرة ردّات الفعل
وقد استمرّت تداعيات الحكم أمس، واتّسعَت دائرة ردّات الفعل الاحتجاجية عليه، وتحرّك الشارع شمالاً وبقاعاً عبرَ مسيرات في طرابلس وسعدنايل، تنديداً واستنكاراً بقرار المحكمة العسكرية، ودعَت الكلمات إلى إسقاطها وطالبَت بإنصاف الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية.
وعلى الخَط القضائي، علمَت «الجمهورية» من مصادر مطّلِعة بأنّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر يَعكف على إعداد نقضٍ للحكم، ورجّحَت أن يقدّم الطعن قريباً، وأوضحَت أنّ نقضَ الحكم في الأساس لن يؤدّيَ إلى زيادة العقوبة عمَلاً بالمبدأ الجزائي الذي لا يُجيز أن تأتي نتيجة المراجعة أمام درجة أعلى في غير صالح المحكوم، أمّا لجهة النقض في الشكل فدونَه عقبات عدّة أبرزُها أنّ مفوّض الحكومة قَبِل صلاحية المحكمة لمجرّد ادّعائه في القضية، وأفادت المصادر أنّ أمام صقر خياراً بطلب مواجهة سماحة بالتسجيلات المصوّرة التي سجّلها المخبِر ميلاد كفوري، بعدما تبيّنَ أنّ المحكمة لم تعرضها خلال المحاكمة، في وقتٍ يطرح السؤال: هل يؤدّي عدمُ عرض التسجيلات إلى بطلان إجراءات المحاكمة؟
الحريري
وأكّد الرئيس سعد الحريري أنّ سماحة «حاولَ إشعال حرب أهلية فحُكِمَ بأربع سنوات. والشهيد وسام الحسن أحبَط محاولته وأنقَذ جميع اللبنانيين من الحرب فتمّ إعدامه. أمام أيّ محكمة تُستأنَف هذه الأحكام»؟
ريفي
وقال وزير العدل أشرف ريفي لـ«الجمهورية»: «بعدما شاهدنا التسجيلات والأفلام التي عُرضت مساء أمس، وأنا كنتُ على اطّلاع مسبَق عليها، وشاهدنا بأمّ العين وأخذنا حكمَ الناس والشعب الحقيقي وليس الحكم المدوّن على الأوراق والذي لا يمثّل رأيَ الناس، بعدما شاهدنا كلّ فصول الجريمة والمهمّات التي كان مكلّفاً فيها المجرمُ الإرهابي ميشال سماحة. نستطيع أن نقول إنّ الحكمَ ليس متناسباً مع الجريمة، وليس هكذا يُحمَى لبنان وعيشُه المشترك، وما هكذا يُحمى الوفاق الوطني اللبناني».
وردّاً على المطالبين باستقالته، أكّد ريفي أنّه «مستمرّ في حملِ رسالتي وقضيتي». وأعلنَ أنّه يحضّر تمييزاً في قضية سماحة، مؤكّداً أنّه يمارس حقَّه الطبيعي القانوني.
وأضاف: «أنا أطالِب بتعديل قانون المحكمة العسكرية لا بإلغائها، فبَعد الدراسة وجدتُ أنّه يجب أن يحاكَم العسكريون في المحكمة العسكرية للأمور العسكرية فقط لا غير، ومن ثمّ نحذو حذوَ الدوَل الحضارية لجهةِ إلغاء المحاكم الخاصة وإنشاء محاكم متخصّصة».
وقال: «المشكلة ليست فقط بتركيبة المحكمة العسكرية، ولكن من واقعِنا السياسي القائم بسبب وجود الدويلة التي تمارس الضغط والنفوذ، وهي من ورَثة الضغط السوري أي حزب الله، لذا علينا أن نقاتلَ على كلّ المستويات، على مستوى المؤسسات التي لا تزال خاضعةً لنفوذ الأمر الواقع، ونناضل لإقامة الدولة مكان الدويلة».
كتلة «المستقبل»
وأعلنَت كتلة «المستقبل» النيابية، بعد اجتماع استثنائي، رفضَها القاطع «الحكمَ المخفّف الأضحوكة الذي أقلُّ ما يمكن أن يقالَ فيه إنّه يَستهين ويَستهزئ بعقول اللبنانيين وأرواحِهم ووجودِهم وكرامتِهم»، ولم تبرّئ «المسؤول الأساس عن ما آلت إليه أحوال الدولة اللبنانية ومؤسّساتها، ومنها المحكمة العسكرية وسلاح «حزب الله» غير الشرعي ووهجه، المنتشر في لبنان والمتدخّل في المعارك الدائرة في سوريا والعراق واليمن، الذي يفعل فعلَه في تهشيم منطقِ الدولة، والمتسبّب بفَلتان الإدارة والقضاء العسكري في لبنان، وهذا ما ستتصدّى له الكتلة بكلّ ما أوتيَت من قوّة إنْ في السياسة أم في القانون».
ولفتَت إلى أنّ المحكمة «أغفَلت في حكمِها المعيب الدليلَ القاطع الموثّق بالصوت والصورة أسماء المستهدفين، والذي يُثبت توافرَ النيّة الجرمية لدى المجرم الإرهابي وإرادته المصمّمة على ضرب الوحدة الوطنية والعيش المشترك من خلال مخطّط يشمل استهدافَ غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وسماحة مفتي الشمال الدكتور مالك الشعّار وعددٍ من نوّاب الأمّة.
نصر الله يُعلن النصر
وعلى جبهة القلمون، انتهَت عملية تطهير جرود القلمون وتلالها، وعلمت «الجمهورية» أنّ «حزب الله» نفّذَ فجرَ اليوم عمليةً نوعية أحكمَ فيها السيطرة على كامل جرود القلمون التي تدخل ضمن الخطة العسكرية والتي تستثني جرود عرسال، وأمّنَ ربطَ التلال عبر بعضها البعض واستكملَ تثبيتَ مراكزه ومراصدِه بشكل يُتيح للأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله التحدّث عن الإنجاز بارتياح، وإعلان النصر.
كذلك علمَت «الجمهورية» أنّ الأمين العام سيُعلن اليوم النصرَ في معركة القلمون، بعد أن يشرحَ العملية العسكرية منذ بدايتها والمراحلَ التي قطعَتها وأهدافَها، ويتحدّث عن العامل الإقليمي والإسرائيلي في المعركة.
وكان رئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ محمد يزبك قال إنّ «هذه الجرود والمرتفعات كانت تشكّل تهديداً للكثير من قرانا في المنطقة، وقد استهدفَت بالصواريخ العديد منها، وسَقط شهداء وجرحى، فضلاً عن أنّها كانت مركزاً لمعامل إعداد سيارات الموت المحمّلة بالمتفجرات يقودها انتخاريّون، وقد رُوّع الكثيرُ من شعبنا بمجازر وحشية، ولم يفرّقوا بين مواطن وآخر». ورأى أنّ «مسؤولية اللبنانيين تطهير ما تبقّى من جرود عرسال حتى تأمنَ عرسال والمحيط من الشر المستطير».
عون
وأكد العماد عون أنّ «الحلول الممكنة، للخروج من الأزمات الدستورية المتراكمة، لإنقاذ الواقع في هذه الورطة، تكمن في اعتماد الانتخابات الرئاسية المباشرة من الشعب على مرحلتين، الاولى مسيحية، والثانية وطنية، والناجح في هذه الانتخابات تثبت رئاسته في مجلس النواب». وأشار عون خلال مؤتمر صحافي عقده في الرابية أمس، الى انّ «الحل الثاني يكمن ايضاً في اجراء باستفتاء شعبي، ومَن ينل الأكثرية ينتخبه المجلس.
أما الثالث فهو أن يختار المجلس النيابي بين الأول والثاني من الموارنة الأكثر تمثيلاً فيه. فيما الحل الرابع يتمثّل بإجراء انتخابات نيابية، قبل الانتخابات الرئاسية، على أساس قانون انتخاب جديد يؤمّن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وفقاً للدستور ووثيقة الوفاق الوطني. مع التأكيد أنّ الحلول الثلاثة الأولى لا تعدو كونها تسويات، بينما الحل الرابع هو الحل الدستوري».
ورداً على سؤال عن الخطوة المقبلة، قال: «هناك خطوات عدة ستتبع هذا الكلام». ولفت الى «أنني أعيد النظر في أداء الحكومة، إما أن يصحح ما هو ناقص، وإما سيكون لدينا الموقف المناسب، ونحن اليوم لسنا في صدد إعلان المواقف بل تقديم الحلول».
شتاينماير
وفي هذه الأجواء السياسية، حضرَت تطوّرات لبنان والمنطقة وخطر الإرهاب وملفّ النازحين السوريين، إضافةً إلى عمل الكتيبة الألمانية المشاركة في قوات حفظ السلام في جنوب لبنان، في زيارة وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير القصيرة إلى لبنان أمس، والتي التقى خلالها رئيسَ الحكومة تمّام سلام ووزيرَ الخارجية جبران باسيل.
وأكّد شتاينماير أنّ ألمانيا «لن تتركَ لبنان لوحده، وتحاولُ تقديمَ أكبر مساعدة ممكنة للدوَل التي تستقبل اللاجئين السوريين» وأوضَح أنّ مجملَ المساعدات المقدّمة من ألمانيا، سواءٌ للنازحين أو للدوَل المستقبلة لهم، بلغَ مليونَ دولار.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ سلام أسفَ لعدمِ انتخاب رئيس جمهورية جديد، مؤكّداً أنّنا نقوم بكلّ ما يمكن لإنجاز هذا الإستحقاق، مبدِياً قلقَه لعدم وجود أيّ مبادرة جدّية في الأفق. وشاركَ شتاينماير سلام قلقَه، لافتاً إلى أنّه لم يستوعب بعد أن يكونَ بلدٌ ديمقراطي كلبنان بلا رئيس منذ عام، مؤكّداً أهمّية أن ينجزَ اللبنانيون هذا الاستحقاق بما تفرضه الأصول الديموقراطية التي يُتقنها اللبنانيون وحدَهم في هذه المنطقة كما نفهمها جميعنا.
وتحدّثَ سلام عن ضغوط كبيرة حالت دونَ هذا الإنجاز إلى اليوم، متخوّفاً ممّا قد يؤدّي إليه غياب الرئيس من تداعيات بدأت تَظهر في صعوبة العمل الحكومي الحالي، ولا نعرف الى أيّ مدى يمكن أن تؤدّي هذه القضية.
وتناولَ سلام الوضعَ الناجمَ عن النزوح السوري وما ترَكه من تردّدات سلبية على كلّ نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وصولاً إلى الملف الأمني، عدا عن المخاطر التي لا حدود لها والتي ترَكها الوضع في سوريا.
وأبدى شتاينماير تقديرَه الكبير لِما يقدّمه لبنان للنازحين بحجمٍ يَفوق قدرات الدولة اللبنانية. وأكّد أنّ بلاده التي تعهّدَت في مؤتمرات سابقة، ومنها مؤتمرا ميونيخ والكويت، بتقديم العون للبنان، ستلتزم بما قرّرَت تقديمَه لصالح النازحين السوريين في دوَل الجوار. لافتاً إلى أنّ الحصة الكبرى من التزامات ألمانيا ستكون للبنان أوّلاً ومن بعده للأردن، وبنسبةٍ أقلّ بكثير للعراق وتركيا. عِلماً أنّها تعهّدَت بتقديم ما يوازي 155 مليون يورو حتى اليوم، 55 مليون منها في مؤتمر ميونيخ، و100 مليون في مؤتمر الكويت.