مع استمرار الشغور الرئاسي وغياب المؤشّرات إلى إمكانية انتخاب رئيس جمهورية جديد في الجلسة النيابية المقرّرة الأربعاء المقبل، وفي غمرة الانشغال في التحضير لتمديد ولاية المجلس النيابي مجدّداً لتعذّر إجراء الانتخابات النيابية المقرّرة في 16 من الشهر المقبل، واصلَ الجيش اللبناني معركته مع الإرهابيين، وأضاف إلى سِجلّ إنجازاته أمس إنجازاً جديداً ونوعيّاً، تمَثّل بالقبض على خليّة إرهابية بَعد اشتباك معها فجراً في الضنية، نواتُها أخطرُ المطلوبين، الإرهابي أحمد سليم ميقاتي. وأكّدت القيادة العسكرية «أنّ الجيش لن يسمح للإرهاب بإيجاد أيّ محميّة له في لبنان».
أعلنَت قيادة الجيش في نشرة توجيهية بعنوان: «الجيش عصيّ على محاولات التشكيك به والنَيل من وحدته ودوره» عمّمَتها على العسكريين أمس، إستمرارَ الجيش «في مواجهاته المفتوحة ضدّ الإرهاب»، وأكّدت «قرارها الثابت والحازم بعدم السماح للإرهاب بإيجاد أيّ محميّة أو بقعة آمنة له في لبنان، مهما تطلّبَ ذلك من جهود وتضحيات».
وإذ شدّدت القيادة على «أنّ ولاء العسكري لمؤسسته هو ترجمة فعلية لولائه لوطنه وشعبه»، أعلنَت أن لا مكان في صفوف المؤسسة العسكرية للخارجين عن هذا الولاء أو المتقاعسين في أداء واجباتهم، فالجيش في غنى عن خدمات أيّ عسكري يتخاذل أو ينكث بقسَمه ويخون رسالته».
ودعت قيادة الجيش العسكريين إلى «عدم إعارة أيّ آذان صاغية للإشاعات الملفّقة، التي يروّجها الإرهابيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها للتأثير في معنوياتهم، وطمأنَتهم الى أنّ مؤسستهم أقوى من أيّ وقت مضى، وعصيّة على كلّ محاولات التشكيك بها والنَيل من تماسكها».
مصدر عسكري
وفي السياق، أوضحَ مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «النشرة التوجيهية ليست دورية، بل تصدر في الظروف الحسّاسة التي يمرّ بها البلد»، ونفى أن «تكون مرتبطة بالانشقاقات التي تحصل في الجيش، أو الخوف من «داعش»، لأنّ هذه الانشقاقات لن تؤثر على المعنويات، وكذلك فإنّ الجيش صارمٌ في تطبيق القوانين، ومن ينشقّ يخسر نفسه ويدمّر مستقبله».
عملية نوعية
وكان الجيش نفّذ أمس عملية أمنية دقيقة، فبعد رصد مكان وجود الإرهابي ميقاتي، دهمَت قوّة من مديرية المخابرات الشقّة التي كان يقيم فيها مع مجموعة من الإرهابيين، في بلدة عاصون في الضنية وأوقفته، وأصيب أحد العسكريين بجروح طفيفة، وقُتل ثلاثة من المسلحين الموجودين في الشقّة يجري العمل على تحديد هوياتهم. وضبطت في الشقة أسلحة وذخائر متنوّعة وأعتدة عسكرية ومواد متفجّرة.
وأوضحَ بيانٌ لمديرية التوجيه أنّ ميقاتي الملقّب «أبي بكر» و«أبو الهدى»، بايعَ أخيراً تنظيم «داعش» ويُعتبَر من أهمّ كوادره في الشمال، وأنشأ خلايا مرتبطة بهذا التنظيم في المنطقة، وكان يخطط لتنفيذ عمل إرهابي كبير بالتنسيق مع ابنه عمر الذي يقاتل مع «داعش» في جرود عرسال، بالإضافة إلى تواصله مع قياديّين في التنظيم داخل الأراضي السورية، وأرسلَ أخيراً شبّاناً لبنانيين للانضمام إلى «داعش» في جرود القلمون، ومن بينهم ولده عمر الملقب «أبو هريرة»، وابن شقيقه بلال عمر ميقاتي الملقب «أبو عمر ميقاتي» المتورّط في ذبح الرقيب الأوّل الشهيد علي السيّد».
وفيما تردّدت معلومات عن أنّ الشقة كانت تُستخدم لتصوير عسكريين فارّين من الخدمة العسكرية وكان يوجد فيها أحد هؤﻻء العسكريين الفارّين ويدعى عبد القادر الأكومي من بلدة فنيدق، أكّد مصدر عسكري لـ«الجمهورية» أنّ «عملية الضنية تُثبت بما لا يقبل الشكّ أنّ الشمال ليس متروكاً، وأنه لم يصبح في قبضة «داعش» والإرهابيين مثلما يُقال، وهذا دليل على أنه لن يكون بتاتاً منفَذاً بحريّاً لأحد».
وأوضحَ المصدر أنّ مقتل الإرهابيين الثلاثة خلال عملية الدهم لم يحصل عبر إطلاق النار مباشرة، فخلال إشتباك بين عناصر الجيش والإرهابيين، أُطلِقت النار بغزارة، حيث إنّ الشقة التي كانوا يحتمون بها مدجّجة بالذخائر والقنابل والمواد المتفجّرة، فهذه المجموعة كانت تخطّط لتنفيذ تفجيرات وأعمال إرهابية في مناطق عدة، فيما كان أحد الإرهابيين مزنّراً بحزام ناسف، ونتيجة إطلاق النار انفجرَت المواد المتفجّرة، فاشتعلَ حزامه، ما أدّى الى مقتله، وبالتالي لم يفجّر نفسَه قبل وصول الجيش إليه».
وتحدّث المصدر عن امتدادات لهذه الشبكة في مناطق أخرى غير الضنية، إلّا أنّ مخطّطها قد كُشف، والجيش ماضٍ في ملاحقة أفرادها. كذلك فإنّ الجيش يلاحق شبكات إرهابية أخرى وسيقبض عليها في الأيام المقبلة».
برّي يستكشف
من جهة ثانية، وفيما بات التمديد لمجلس النواب أمراً واقعاً لتعَذّر إجراء الانتخابات النيابية في 16 تشرين الثاني المقبل، بدأت الاستعدادات السياسية واللوجستية اللازمة لإقراره مطلع الشهر المقبل على الأرجح.
وفي هذا الإطار قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره امس إنّه لن يحدّد موعداً لجلسة إقرار التمديد قبل استكشاف مواقف جميع الأفرقاء، ولا سيّما منهم المسيحيين، في ظلّ وجود أكثر من رأي، فضلاً عن التركيز على ميثاقية الجلسة، وفي ضوء هذا الاستكشاف سيقرّر الموعد.
وأضاف بري: «لا يمكن الآن إلّا مجاراة التمديد، لأنّ دخول المجلس في الفراغ يعني أنّه لن يُنتخب رئيس للجمهورية بعد الآن، فمَن ينتخب الرئيس هو المجلس النيابي، فكيف ينتخبه في حال كان هناك فراغ نيابي».
وأكّد برّي أنّه بات ميّالاً إلى التصويت مؤيّداً التمديد، خلافاً لموقفه السابق، وذلك في ضوء موقف الرئيس سعد الحريري الذي أكّد فيه أنّه لن يشارك في أيّ انتخابات نيابية قبل انتخاب رئيس الجمهورية، الأمر الذي يجعل أيّ جلسة للتمديد لا يحضرها المكوّن السنّي غير ميثاقية، ولكن إذا قال الحريري إنّه يؤيّد إجراء الانتخابات «فإنّ الأمر لن يتعدّى في هذه الحال بالنسبة إليّ سوى تمديد تقني للمجلس لفترة أقلّ من شهر، نذهب بعدها إلى الانتخابات النيابية، خصوصاً أنّ هناك اقتراحَ قانون بتعليق المهَل».
واعتبرَ بري أنّ غياب جميع الأفرقاء المسيحيين يجعل أيضاً أيّ جلسة نيابية للتمديد غير ميثاقية، وهو سبب مشابه للمكوّن السنّي.
ورأى «أنّ من حقّ أيّ طرف أن يطعن بالتمديد لدى المجلس الدستوري، وهنا تصبح المسؤولية مشتركة بين الطاعن وبين المجلس الدستوري، لأنّنا سنكون أمام فراغٍ نيابي إلّا إذا كان هناك من يريد اقتياد البلاد الى الفراغ بغية الذهاب الى مؤتمر تأسيسي، لكنّني من الآن اقول إنّ حركة «أمل» و«حزب الله» يؤيّدان التمديد للمجلس النيابي».
وفي حديث تلفزيوني، قال برّي إنّ «هناك خوفاً من تأخّر الهبة السعودية للجيش أو تبخّرها، على رغم الحاجة الملحّة إليها، والتأخّر يُفقدها غايتها». واستبعدَ أن «تكون السعودية قد تراجعَت عن هذه الهبة».
وعن الهبة الايرانية للجيش، قال بري: «مجنون فقط من يرفض الهبة وقت الحاجة». وأكّد: «لن أحدّد موعد الجلسة التشريعية قبل أن أنهي مشاوراتي، و«لا يمكن تخطّي موقف رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري حول مقاطعة الانتخابات في حال حصولها قبل انتخاب الرئيس، ولا يمكن أن أنقل الفتنة السنّية ـ الشيعية إلى لبنان بإجراء انتخابات في غياب فريق من اللبنانيين». وأوضحَ أن «لا جديد في ملف الاستحقاق الرئاسي في ظلّ الوضع القائم وثبات الأفرقاء على مواقفهم».
قضية العسكريين
وعلى صعيد قضية العسكريين المخطوفين، علمت «الجمهورية» أنّ اجواء التفاوض ليست سلبية وإنما انتابها بعض البطء بسبب تأخّر عودة الوسيط القطري الى لبنان ليتسلّم من «داعش» و«جبهة النصرة» في جرود عرسال شروطاً ومَطالب خطّية لكي ينقلها الى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، على أن تدخل بعدها المفاوضات مرحلة جديدة يبدأ معها التفاوض الجدّي حول الشروط.
واستوضحت «الجمهورية» اللواء ابراهيم حول ما تمّ تسريبه من شروط وأسماء وصلت خطّياً الى رئيس الحكومة تمام سلام، فنفى هذا الامر، وقال: «إنّ كلّ الاسماء المتداولة لا تعدو كونها أخباراً إعلامية تُسرّب من هنا وهناك، امّا قناة التفاوض الجدّية فلم تتسلّم حتى الساعة ايّ مطلب رسمي جدّي من الجهات الخاطفة حول الشروط، ونحن في انتظار الوسيط القطري».
ولم يشأ ابراهيم كشفَ تفاصيل إضافية، لكنّه تمنّى «إبعاد هذا الملف عن التشويش والتسريب وتركه في إطاره السرّي، لكي لا يشهد انتكاسة ما تؤثّر سلباً على التفاوض ولا توصل الى النتائج المتوخاة، على غرار ما حصل في السابق».
وكان أهالي العسكريين أعلنوا أمس، بعد لقائهم الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، أنّ ما سمعوه في اللقاء «كلام جدّي وتطمينات جدّية ومبشّرة، ولمسنا تعاطي الحكومة جدّياً مع ملف أبنائنا».
مجلس وزراء
وكان الملف السياسي الساخن الوحيد الذي اخترق جلسة مجلس الوزراء هو السجال بين وزير الداخلية نهاد المشنوق و«حزب الله» عندما حاولَ وزراء الحزب وحركة «أمل» الاستفسار عن خلفية تصريحاته في ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن.
وكانت مداخلة للوزير محمد فنيش سأل فيها عن سبب هذا الكلام في الوقت الذي سهّل الحزب عمل الأجهزة الأمنية في البقاع وغيرها، وقال للمشنوق: «هل المطلوب ان تهتزّ الحكومة؟». كذلك انتقد فنيش تصريحات وزير العدل اشرف ريفي التي اتّهمَ فيها الحزب بأنه هو من يطلق النار على الجيش في طرابلس.
وتدخّلَ الوزير حسين الحاج حسن وقال: «إنّ هناك حملة منظمة على الحزب للإيقاع بينه وبين الجيش اللبناني». واعتبر أنّ اتّهام بعض نواب «المستقبل» الحزب بأنّه هو من أطلقَ النار على المقدّم نور الجمل في عرسال «هو اتّهام مرفوض ومُدان، وقد بَيّنت التحقيقات عدمَ صحّة هذه الاتهامات».
وبدوره، الوزير علي حسن خليل أكّد أنّ وزراء حركة «أمل» و«حزب الله» هم مَن طلبوا من الأجهزة الأمنية اتّخاذ إجراءات صارمة في حقّ مجموعة خارجة على القانون في البقاع.
وقال: «إنّ الموضوع يتطلب قراراً وتنفيذاً وتحمّل مسؤوليات وليس رمي الاتهامات جزافا». وأضاف: «إنّ الدولة عندما تحسم أمرها تنجح الخطة الأمنية مثلما حصل في طرابلس، فنحن أوّل المتضررين من المُخلين بالأمن في البقاع، وقلنا وأكّدنا أن لا غطاء على أحد، ونحن شركاء في القرار لضبط الوضع، وطالبنا الأجهزة الأمنية بأن تقوم بواجباتها».
وأفادت مصادر وزارية أنّ رد المشنوق على وزراء حركة أمل وحزب الله «جاء إستيعابياً»، فقال: «لا أبعاد سياسية ولا إقليمية للكلام الذي قلته، كان صرخة أردتُ من خلالها تحريك النقاش الأمني والوصول الى نتائج أكثر جدّية وفاعليّة في الخطة الأمنية». وانتهى النقاش إيجابياً وإلى «غسل قلوب» وبتشديد جميع الاطراف على الحفاظ على استقرار الحكومة ودعم الخطة الأمنية وعدم تسييسها.
عقود النفط
وفي بند عقود النفط الموقعة مع مؤسسة البترول الكويتية ومؤسسة «سوناتراك» الجزائرية لشراء «الفيول اويل» و«الغاز اويل» لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، لم يتفق مجلس الوزراء عليه، للخلاف نفسه بين وزير الطاقة ارتور نظاريان ووزير الخارجية جبران باسيل من جهة، ووزير المال علي حسن خليل من جهة ثانية، حيث تمسك كل طرف بموقفه، فنظريان وباسيل اعتبرا أنّ هذه العقود هي التي نظمت عملية استيراد الفيول وتزويد مؤسسة كهرباء لبنان وهي ذات شروط جيدة،
وهناك تخوّف من عدم تمكّن الدولة من تحصيل شروط افضل في الاسعار والخدمة إذا فُضّت المناقصة على شركات جديدة، وبالتالي تحسين شروط التفاوض مع الشركتين نفسهما. امّا خليل فيفضّل فسخ العقود والذهاب الى مناقصة جديدة تفتح سوق العروض ويصبح موقف الدولة في التفاوض اقوى وتقدّم اسعاراً افضل وفقاً لمبدأ المنافسة.
وبعد ثلاث ساعات من هذا النقاش الذي أثيرَت فيه جوانب عدة ببُعدها التقني والمالي والعلمي ممزوجاً بخلفية سياسية، تقرّر تأجيل البتّ بهذا البند الى جلسة لاحقة، على ان يتابع وزير الطاقة تحضير دفتر الشروط والتفاوض وفقاً لصلاحياته ضمن المهلة التي تسمح له بالتفاوض، وهي تنتهي اواخر الشهر مع الشركة الكويتية، وفي منتصف الشهر المقبل مع الشركة الجزائرية. علماً انّ هاتين الشركتين يتوجّب عليهما الاستمرار في إمداد مؤسسة كهرباء لبنان بحسب العقود الحالية الموقّعة معهما حتى آذار 2015.