IMLebanon

 تصعيد سياسي يُسابق جلسة الإثنين والملف الرئاسي يُعاد تحريكه فاتيكانياً

 

الملفّ الرئاسي يعود إلى الواجهة من باب الفاتيكان الذي أوفدَ وزيرَ الخارجية السابق الرئيس الحالي لمحكمة العدل الكاردينال دومينيك مومبرتي موفَداً من البابا فرنسيس على رأس وفد، وقد أفصَح فورَ وصوله عن أحد أبرز أهداف زيارته بالقول: «سألتقي خلال وجودي في لبنان عدداً من المسؤولين والفاعليات السياسية والرسمية لتداوُل الشؤون الداخلية اللبنانية، وخصوصاً موضوع رئاسة الجمهورية، كونه يَهمّ كلّ الأطراف في لبنان». وفي موازاة الملفّ الرئاسي الذي يُعاد تحريكه دولياً بمعزل عن مؤدّيات هذا التحريك، بقيَ الموضوع الحكومي في صدارة الاهتمامات وسط التكهّنات بمصير جلسة الاثنين التي رُحِّلَ إليها الخلاف، خصوصاً أن لا مؤشّرات توحي لغاية الآن بوجود حَلحلة أو مساحة مشترَكة يمكن الوصول إليها في ملفَّي عرسال والتعيينات العسكرية، في ظلّ تمسّك كلّ فريق بوجهة نظره. وعلى المستوى الإقليمي توالَت ردود الفعل المندّدة بالانفجار الإرهابي الذي ضربَ مجدّداً في المملكة العربية السعودية، حيث أعلن «تنظيم داعش» مسؤوليتَهُ عن هجومٍ انتحاري نفّذه على مسجدِ العنود في الدمام شرقي السعودية، وفي طليعةِ هذه الردود ردُّ الرئيس سعد الحريري الذي اعتبَر أنّ الانفجار «هو عمل خسيس لا غرضَ منه ولا غاية سوى النفخِ في رماد الفتنة واستدعاء الوَباء المذهبي الذي تحَرّكه جهات معلومة إلى الداخل السعودي، في محاولةٍ دنيئة لإثارة الغرائز المذهبية بين أبناء المملكة».

على مسافة أيام من الجلسة 24 لانتخاب رئيس جمهورية الأربعاء المقبل في 3 حزيران، تحرّكَ الفاتيكان مجدّداً، وبادَر باتجاه رئاسة الجمهوريّة، حيث أوفد البابا فرنسيس الكاردينال مومبرتي إلى لبنان على رأس وفد.

وهذه المرّة الأولى الذي يتحرّك فيها الفاتيكان مباشرةً في لبنان عبرَ إرسال موفد رفيع، بعدما كان السفير البابوي غابريال كاتشيا يقود الاتّصالات داخلياً، فيما كانت ديبلوماسية الفاتيكان تنشَط في عواصم القرار وتستقبل الشخصيات اللبنانية.

وتأتي هذه الزيارة المهمّة، بعد لقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في «قصر الإليزيه»، وطلب الرئيس الفرنسي من البطريرك بأن تبادرَ بكركي تجاه الزعماء الموارنة، في حين أنّ هولاند أبدى استعداد بلاده للقيام بمبادرات في المحافل الدولية للمساعدة في انتخاب رئيس في لبنان، علماً أنّ الفاتيكان وفرنسا ينَسّقان خطواتهما في ملفّ الرئاسة.

وسيحاول مومبرتي إعطاء دفعٍ للاستحقاق، وهو سيُركّز في مباحثاته على حضّ المسيحيين على الوصول إلى اتفاق قريب، وسيَطّلع على الحوار بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، وإمكان الخروج بأفكار رئاسية تُنتج حلولاً عملية.

واستهلّ مومبرتي لقاءاته بزيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، كاشِفاً أنّه ستكون له لقاءات خلال زيارته مع شخصيات عدّة، مؤكّداً أنّ «في ذلك تعبيراً عن اهتمام وقلق قداسة البابا الذي يتابع عن قرب الأحداث في لبنان والشرق الأوسط».

وتستمرّ زيارة موفد البابا حتى الخميس المقبل، وستتناول محادثاتُه مع المسؤولين أوضاعَ المسيحيين في لبنان والمنطقة، وسيَستمع منهم الى وجهة نظرهم حيال الملفات المطروحة في لبنان. كذلك سيَطّلع على سير عمل المحاكم الروحية المسيحية في لبنان.

مظلوم

وفي هذا السياق، أكّد النائب البطريركي المطران سمير مظلوم الذي رافقَ مومبرتي وحضَر إجتماع بكركي، أنّ «اللقاء بروتوكوليّ وعام، لأنّ موفد البابا توَجّه من المطار مباشرةً إلى الصرح البطريركي»، ولفتَ الى أنّه «لقاءٌ أوّلي، وأنّ لقاءات أخرى ستُعقَد في بكركي لاحقاً لمناقشة ملفّ الإستحقاق الرئاسي والبحث في المخارج، لأنّ مِن بين الأهداف الرئيسية للزيارة استعجال انتخاب رئيس».

وقال مظلوم لـ«الجمهورية» إنّ «قداسة البابا شعرَ بعد عام على الفراغ الرئاسي بأنّ هناك خطراً يهدّد مسيحيّي الشرق عموماً، وموارنة لبنان ومسيحيّيه خصوصاً، وأنّ ملف الإستحقاق الرئاسي يزداد تعقيداً، فأرسَل موفداً رفيعا، عِلماً أنّ الفاتيكان كان موجوداً دائماً عبر السفير البابوي كاتشيا الذي كان يَلتقي القيادات السياسية ويُحاول المساعدة على إيجاد مخارج رئاسيّة، لكنّ ضعفَ موارنة لبنان يؤثّر سلباً على الوجود المسيحي في المنطقة لأنّهم عموده الفقري، لذلك استعجلَ الفاتيكان تدَخّله مباشرةً لحلّ ملف الرئاسة، ليشكّلَ دعماً لمسيحيّي الشرق وسط تهجيرِهم من العراق وسوريا».

مجلس الوزراء

وفي هذه الأجواء، تكثّفَت الاتصالات على أكثر من مستوى عشية جلسة مجلس الوزراء بَعد غدٍ الاثنين، والمخصّصة لبحث الوضع في عرسال والتعيينات العسكرية والأمنية. وتترقّب الأوساط المواقف التي سيُعلنها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون غداً أمام وفود شعبية.

عون

وسألت «الجمهورية» عضو التكتّل النائب آلان عون، هل يمكن الحديث عن بداية حلّ، خصوصاً بعد قرار تخصيص جلسة الاثنين لعرسال والتعيينات، فأجاب: «لا نريد الدخولَ في تكهّنات مسبَقة، فلنَدع عطلة نهاية الأسبوع للمساعي الحميدة التي يقوم بها جميع سُعاة الخير في محاولةٍ منهم لبلوغ نهاية سعيدة». وقال: لا بأسَ من أخذِ مزيدٍ مِن الوقت للتشاور، ولكنّ الوقت داهم ونحن أمام أيّام فاصلة لحسمِ الموضوع باتّجاهٍ أو بآخر.

الظاهر الوحيد اليوم يتمثّل في استعداد الجميع للنقاش، أمّا الأمر غير المضمون فهو الوصول الى خاتمة سعيدة. وعن الخطوات المقبلة في حال لم تكن هذه الخاتمة سعيدة، اكتفى عون بالقول إنّ الخطوات ستُتّخَذ في حينه.

مصادر وزارية

وتوقّعَت مصادر وزارية أن يبقى «التيار الوطني الحر» على موقفه وأن يقارب العملَ الحكومي بناءً لشروطه، وهو تراجَع من الاستقالة إلى الاعتكاف ومِن ثمّ إلى التعطيل. ورأت أنّ وزراء «التيار» اتّخذوا قراراً بعدم الخروج من الحكومة وعدم تركِ وزاراتِهم، لكن من الواضح أن لا تراجع عن شرطهم بالتعيين العسكري.

ورأت المصادر أنّ «التيار الوطني الحر» سيتصرّف في مجالس الوزراء كما يتصرّف الآن في مجلس النواب حين ربط مشاركتَه في أيّ جلسة تشريعية فيه بقانون استعادة الجنسية». لكنّ المصادر أكّدت في المقابل أنّ الحكومة لن تطير.

وكشفَت المصادر أنّ المقاربات الأوّلية للتعاطي مع ملف عرسال أرسَت تقاطعاً كبيراً بين القوى السياسية لكنّها «بتقطّع»، أمّا عن تعيينات قادة الأجهزة فسيبقى الملف عالقاً داخل مجلس الوزراء من منطلق رفضِهم القفزَ عنه إلى حين تحقيق مطلبِهم حتى ولو امتدّ أسابيع وأشهر.

وأوضحَت المصادر أنّ الاتصالات متوقّفة في انتظار أن تتظهّرَ كيفية مقاطعة «التيار الحر» وعلى أيّ شكل ستكون، على رغم أنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء وزّعَت جدول أعمال جلسة الخميس المقبل، لكنّ الواضح أنّ مجلس الوزراء لم يعُد في استطاعته الدخول في جدول الأعمال إلى حين تسوية هذا الوضع الصعب».

وعلمَت «الجمهورية» أنّ وزير الداخلية جهّزَ مرسوم تأخير تسريح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص لإصداره في وقتِه، وهو المرسوم الذي لا يحتاج الى مجلس الوزراء لأنه يدخل ضمن صلاحيات الوزير، ما يؤثّر حكماً على القرار المتعلق بمركز قائد الجيش.

الجرّاح

في غضون ذلك، واصَل الجيش اللبناني تعزيزَ تدابيره العسكرية في عرسال، وقد زارَ وفدٌ من البلدة السراي الحكومي ووزارة الداخلية، وأكّد عضو كتلة «المستقبل» النائب جمال الجرّاح الذي رافقَ والنائب زياد القادري الوفد، لـ«الجمهورية» أنّ «كلامه عن عرسال ليست معزولة، بل إنّ حدودها تمتدّ من عكّار وصولاً إلى صيدا ومجدل عنجر، هو بمثابة تحذير لمَن يفكّر بالهجوم عليها أو بالنَيل منها، فاللبنانيون عموماً والسُنّة خصوصاً لن يسمحوا بأن تهاجَم البلدة، فهي ليست متروكة».

وأوضَح أنّ كلامه هذا ليس مذهبياً، «بل الكلام المذهبي هو تحريض العشائر البقاعيّة على أهل عرسال، والتسبّب بفتنة فعليّة». وقال «إنّ الجيش أثبَت أنّه يدخل الى عرسال وينتشر فيها وهي تحت سيادة الدولة، فما الهدف من التحريض المذهبي عليها من أطراف معروفة ترفع اللافتات المذهبية ضدّها؟».

وأشار الجرّاح الى أنّ «زيارة الوفد العرسالي إلى رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق كانت إيجابية، حيث أكّد سلام أنّه من منطلق مسؤوليته كرئيس حكومة، فإنّ الجيش هو المسؤول الوحيد عن ملفّ عرسال، وهذا ما سيطرحه في جلسة مجلس الوزراء الإثنين المقبل، وطمأنَ العراسلة الى انّ الدولة لن تتخلّى عن البلدة، أمّا المشنوق فأكّد على كلمته التي قالها في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة والتي تختصِر الواقع، فأثنى الوفد عليها».

وتمنّى الجرّاح أن «تُحسَم مسألة عرسال في جلسة الإثنين بما يخدم الشرعية ويَسمح للجيش باستكمال مهامّه الوطنية فيها»، متمنّياً أن «لا تفجّر هذه المسألة الحكومة». وأشار إلى «زيارات لاحقة للوفد، ستكون أبرزها زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي وشخصيات أخرى لتوضيح ما يَحدث من تحريض على المنطقة».

وذكر أنّه «كان منسّق البقاع في تيار «المستقبل» من سَنة 1995 إلى الـ 2005، وعرسال كانت ضمنَ صلاحياته، لذلك هو يتولّى هذا الملف لأنّ النواب السُنّة في بعلبك معروف انتماؤهم السياسي».

وكان الجرّاح أكّد بَعد زيارة سلام والمشنوق وقوفَ البلدة إلى جانب الدولة اللبنانية والجيش والمؤسسات الشرعية، مشيراً إلى أنّ عرسال ليسوا ممرّاً لمَن يريد الوصول على دمائهم الى موقع معيّن، وهم أمانةٌ في أعناق الدولة والمسؤولين، ولن يكونوا وسيلةً لابتزاز الجيش أو الهجوم عليه أو على قائده، أو لأخذِ مكان قائد الجيش».

وأضاف: «لن نصبرَ على التعدّي والتحريض، واللافتات التي انتشرت على الطرق داعية إلى التحريض والهجوم على عرسال وأهلها»، وشدّدَ على أنّ عرسال «ليست جزيرة، فحدودُها عكّار وطرابلس والطريق الجديدة ومجدل عنجر وسعدنايل وكلّ لبنان». ونَبّه إلى أنّ «استعمال عرسال في الخلاف السياسي أمرٌ خطير، والذين يُحرّضون على الفتنة المذهبية عليهم أن يعرفوا أنّهم أوّل مَن سيَحترق بها هم ومَن يحرضون عليها».

وقال :»إنّ الموضوع سياسي وليس أمنياً، هناك من يريد ان يستعمل عرسال في الصراع السياسي الدائر على المراكز وعلى غيرها، وهناك من يريد ان يغطّي فشلَه في القلمون على حساب عرسال، وهناك من يريد ان يحفَظ ويحميَ طريق بيروت دمشق عبر معركة القلمون ويحاول ان يحمّلَ المسؤولية إلى عرسال».

واعتبر الجرّاح أنّ العماد قهوجي «أثبتَ أنّه على قدر المسؤولية، خصوصاً أنّ الجيش يقوم بواجباته بالتعامل بحَزم مع التحرّكات في الجرود». ونَقل عن وزير الداخلية انّ عرسال» بلدة لبنانية وأهلُها لبنانيون، ومسؤولية حمايتها تقَع على الدولة والجيش اللبناني».

وكانَ ملف عرسال ومنطقة القلمون حضَر في لقاء المشنوق مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ التي جَدّدت دعمَها «لحكومة الرئيس تمّام سلام وللقوّات الشرعية اللبنانية المسَلحة».

مصدر عسكري

وفي السياق نفسِه أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش كثّفَ دورياته بين مراكزه، لكن بأعداد أكبر تحسّباً لأيّ طارئ قد يحصل»، لافتاً إلى أنّ «الدوريّات سَلكت الطرقات الداخلية للبلدة وسط ترحيب الأهالي، ما يدلّ على انّ عرسال هي بيئة حاضنة للجيش وتقف الى جانبه في معركة حماية الوطن، ولا صحّة للأخبار التي تقول إنّها بيئة حاضنة للإرهاب».

وأشار إلى أنّ «الجيش المنتشر بأعداد كبيرة في عرسال والجوار لن يَسمح بتمدّد المسلحين اليها، وفي الوقت عينه لن يسمحَ بالفتنة بين عرسال والجوار التي هي خطر وتوازي خطرَ الإرهاب»، موضحاً أنّ «قرار الحكومة حازمٌ في هذا الشأن، والجيش ينفّذ سياسة السلطة التنفيذية».

سكّرية لـ«الجمهورية»

وشَدّد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب وليد سكّرية على وجوب اقتلاع الإرهابيين من لبنان، وقال لـ«الجمهورية»: «لا أحد يترك خليّة سرطانية في جسمِه».

وهل يرى أنّ الأمور ذاهبةٌ نحو حلّ لملفّ عرسال أم أنّها ستَذهب في اتّجاه حصول انفجار؟ أجاب: «إنّ عرسال كبَلدةٍ لا انفجارَ فيها ولن يقتربَ أحدٌ منها، أمّا بالنسبة إلى المسلحين في الجرود فمشكلتُهم لن تُحَلّ إذا لم يتمّ الضغط عليهم، فهم لن ينسحبوا من لبنان أو يسَلّموا سلاحَهم إذا لم يَصلوا إلى وضع ميؤوس منه، ليَرضخوا عندئذ لسلطة الدولة ويَقبلوا بالحلول».

وقال: «إنّ مسؤولية الدولة هي التخلّص من هؤلاء الإرهابيين على أرض لبنان، وسكّانُ عرسال لبنانيّون، وهُم أهلنا وإخوتنا، و»حزب الله» لن يقتربَ من بلدتهم، ولكنّ عرسال مخطوفة بشكل أو بآخر من خلال تواجد النازحين السوريين في مخيّمات البلدة وعلى أطرافها والتي تأوي عائلات المسلحين الذين يلجأون إليها، وعملية فصلِ عرسال عن هؤلاء من مسؤولية الدولة اللبنانية لتخليصِها منهم وإعادتها كلّياً إلى كنَفها من دون ضغط أو تأثير المسلّحين على وضعها».