الحراك المسيحي اللافت على خط معراب والرابية وبكفيّا، كما الحراك على الخط الرئاسي الذي بدأ مع الموفد البابوي الكاردينال دومينيك مومبرتي ويُستكمَل مع الموفد الفرنسي جان فرانسوا جيرو، لم يحجب الاهتمام عمّا سيَؤول إليه مصير الحكومة اليوم في ظلّ الخلاف حول بندِ التعيينات العسكرية ووصول الحكومة إلى ربعِ الساعة الأخير الذي يَفرض على وزير الداخلية نهاد المشنوق التمديدَ للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص تجَنّباً للفراغ. وفي معلومات لـ»الجمهورية» أنّ السيناريو الذي تمّ التوافق حوله بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» و»المرَدة» و»الطشناق» سيكون تحت عنوان تجميد العمل الحكومي ريثما تبتّ الحكومة مصيرَ التعيينات على أساس سلّة متكاملة تَجمع قيادتَي قوى الأمن والجيش، وفي حال لم تُقدِم الحكومة على هذه الخطوة سيصُّر وزراء هذه القوى على رفض بحثِ أيّ بَند آخر انطلاقاً من البروتوكول الذي أقَرَّته الحكومة بعد الفراغ الرئاسي وتحديداً بعد الأزمة الحكومية الأخيرة التي منحَت مكوّنَين حقّ الاعتراض، فكيف بالحَريّ إذا كانوا أربعة مكوّنات، الأمر الذي سيضطرّ المشنوق إلى التمديد لبصبوص وفقاً لصلاحياته ومنعاً للفراغ، غير أنّ هذه القوى ستَعتبر التمديدَ غيرَ قانونيّ، وستُشارك في كلّ الجلسات التي يَدعو إليها رئيس الحكومة، ولكنّها ستتمسّك بموقفها القاضي برفض البحث بأيّ بندٍ خارج التعيينات، ما يعني عمَليّاً أن لا استقالةَ ولا اعتكافَ، إنّما تجميد العمل الحكومي.
تَتركّز الأضواء اليوم على جلسة مجلس الوزراء التي مِن المفترَض أن تَستكمل البحثَ في ملفّ التعيينات العسكرية والأمنية، عشيّة إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص إلى التقاعد في اليوم التالي.
وقد استبَق «حزب الله» الجلسة وأطلقَ صفّارة انطلاق عمليّة جرود عرسال بصواريخ موجّهة دَكّت مرتفعات استراتيجية وممرّات شكّلَت قواعد ومراكز للمسلحين، ولا سيّما جبهة «النصرة»، طوال ثلاث السنوات الماضية.
ورسَمت المعركة مِن بداياتها علاماتِ استفهام كبيرة حول مصير الخطوط الخلفية التي سيَتراجع إليها المسلّحون، فهل ستكون قريبةً من عرسال ومراكز الجيش اللبناني التي تفصل البلدة عن جرودها؟ أم باتّجاه جرود فليطا السورية حيث يتمركَز الجيش السوري بمدفعيته ودبّاباته، أم شمالاً باتّجاه نقاط تمَركُز «داعش»؟
وعشيّة الجلسة، حَذّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي مِن «أنّنا نتلهّى بالقشور والانقسامات في حين أنّ المناورات الإسرائيلية تهدّد لبنان»، فيما تفهَّم رئيس الحكومة تمّام سلام أن يحصل «خلاف كبير في شأن قضية وطنية ولكن من غير المألوف أن تتعرّض حكومة للشَلل من أجل موظف»، مذكّراً بأنّه» سبقَ أن واجَهنا اعتراضاتٍ حكومية وتعامَلنا معها»، قائلاً عن احتمال حصول أزمة في الجلسة غداً: «غداً يوم آخر». وعن لقاء العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، قال سلام: «نؤيّد كلّ تقارب وندعو له بالتوفيق على أمل أن يستمرّ».
بوصعب
وبعد ساعات على دعوة عون الحكومة إلى أخذِ إجازة حتى شهر أيلول، زارَ وزير التربية الياس بوصعب عين التينة وأكّد التنسيقَ الدائم مع برّي، وقال إنّ «العطلةَ الحكومية» ليس بالضرورة أن تبدأ غداً (اليوم) والأمر يتوقّف على إدارة الرئيس سلام، مبدِياً الاستعداد للنقاش بالتعيينات حتى لو استغرَق الأمر أكثَر من جلسة شرط أن يكون موضوع التعيينات بنداً أوّلاً.
فنَيش
في غضون ذلك، رفضَ وزير «حزب الله» محمّد فنيش التكهّن بمسار جلسة اليوم، مؤكّداً لـ»الجمهورية» أنّ الأمور رهنٌ بمجرَيات النقاش والنتائج. إلّا أنّه أكّد أنّ موقفَنا من ملفّ عرسال لم يتغيّر، الموضوع يتعلّق بالمسلّحين، والمطلوب من الحكومة أن تتّخذ قراراً وأن تتحمّل الدولة مسؤوليّاتها. أمّا في ملف التعيينات العسكرية والأمنية فنحن مع التعيين ومع دعمِنا ومؤازرتنا لـ»التيار الوطني الحر».
الاستحقاق الرئاسي
وفي الملفّ الرئاسي، ومع انضمام جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أمس إلى سابقاتها وترحيلها إلى موعد جديد هو 24 حزيران، دعا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز خلالَ لقائه سلام اللبنانيين إلى بذلِ كلّ الجهود للخروج من الأزمة السياسية الراهنة وانتخاب رئيس توافقي للجمهورية. وقال إنّ هذه الخطوة ستكون مفيدةً للبنان وللمنطقة على حدّ سواء.
سلام
من جهته، لفتَ سلام خلال رعايته مساءً افتتاح المبنى الجديد للقنصلية اللبنانية في جدّة إلى أنّنا «نواجِه في لبنان ظروفاً صعبة، كما في المنطقة، وقد تحمّلتُ الأمانة مع إخواني الوزراء في حكومة المصلحة الوطنية في هذه الظروف الصعبة وآليتُ على نفسي أن أحافظ عليها، وسأحافظ عليها على رغم كلّ الصعاب.
وقال: «لن أتخلّى عن الأمل لبلدي، وأقلّ ما يمكن أن أقدّمه إليه أن أكون خادماً له وللّبنانيين. نحن مستمرّون حتى نصل الى شاطئ الأمان، وهو ببساطة التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وسيكون لنا رئيس جمهورية. كما سيكون لنا لبنان المستقبل».
وكان سلام اجتمعَ مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في حضور وليّ العهد الأمير محمد بن نايف وكبار المسؤولين السعوديين والوفد اللبناني المرافق، ثمّ عقَد خلوةً معه. كما عَقد خلوةً مع الرئيس سعد الحريري عقبَ مأدبةِ غداء أقامها الأخير على شرفه والوفد الوزاري المرافق.
جيرو
وسط هذا المشهد، تجَدَد الحديث عن محاولات فرنسية للدفع في اتّجاه التوافق على انتخاب رئيس مع وصول مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرانسوا جيرو الى لبنان مساء أمس، آتياً من باريس في زيارة تستمرّ يومين يلتقي خلالها برّي وسلام ووزير الخارجية جبران باسيل وفاعليات سياسية، للبَحث في تطوّرات الوضع، خصوصاً الفراغ الرئاسي، والاهتمام الفرنسي بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية.
مومبرتي
من جهته، استعجلَ الفاتيكان انتخابَ رئيس جديد للجمهورية، وعبَّر موفد البابا الكاردينال دومينيك مومبرتي عن القَلق «تجاه مدّةِ الجمود المؤسساتي الذي ومنذ عام يَشلّ العملَ الطبيعي للمؤسسات الرسمية والسياسية اللبنانية». وقال: «لذلك وبَعد عام من الوضع الصعب الذي تمرّ فيه البلاد، نَعتقد أنّه حانَ الوقت، بواسطة الحوار والبحث عن حلول مشترَكة، لتعودَ المؤسسات الى عملها الطبيعي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية».
إهتمامات بكركي
إلى ذلك، انصَبّ اهتمام بكركي على ثلاثة محاور ترتبط ببعضها البعض وتصبّ في خانة الحفاظ على الوجود المسيحي وانتخاب رئيس للجمهورية.
ويتمثّل المحور الأوّل باللقاء بين عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، والمحور الثاني بزيارة مومبرتي إلى لبنان في إطار متابعة ملفّ الرئاسة، والثالث والأخير بزيارة المبعوث الفرنسي فرنسوا جيرو إلى لبنان.
وفي هذا السياق، قالت مصادر بكركي لـ»الجمهورية»: «إنّ لقاء الرابية شكّلَ نقطةَ تحوّل إيجابية على الساحة المسيحيّة، فالبطريركية كانت تنتظره منذ زمن، وقد ترَك ارتياحاً في الأوساط المسيحية واللبنانية»، وأشارت إلى أنّ «الراعي كان على اطّلاع بتفاصيله، وأنّه حظيَ بمباركة منه ومِن مومبرتي. كذلك فإنّ بكركي والفاتيكان يشجّعان على استمرار الحوار بين القطبَين المسيحيين، وينتظران مزيداً مِن التقدّم لحلّ المسائل الخلافية، والانتقال إلى الحلول العملانية، وعدم التفريط بالمواقع القيادية المسيحيّة في لبنان والشرق، وفي طليعتِها رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش».
وفي السياق، أكّدَت المصادر أنّ «الأمور تسلك المنحى الإيجابي، وهنا التقاء في التحرّك بين بكركي والأحزاب المسيحية، والفاتيكان وفرنسا، فزيارة كلّ مِن مومبرتي وجيرو تعطيان دفعاً للمسيحيين والرئاسة، وهذه ليست المرّة الأولى التي يرسِل فيها البابا موفَداً إلى لبنان، فقد أرسَل إبّانَ الحرب إلى جزين المونسينيور سيلستينو بوهيغاز، الذي أدّى دوراً مهمّاً في حينه، وقد ارتأى البابا فرنسيس الآن إرسالَ مومبرتي، بعدما لاحظ وجودَ ظروف استثنائية طارئة تَستدعي حضورَه مباشرة، عِلماً أنّ الراعي سبقَ له أن دعا مومبرتي لزيارة لبنان».
وأكّدت مصادر بكركي وقوفَ فرنسا الدائم إلى جانب لبنان عموماً والموارنة خصوصاً، مشيرةً إلى أنّ زيارة جيرو تتلاقى في المضمون مع زيارة مومبرتي لكنْ من دون أن يكون هناك تنسيق مشترَك، بل في إطار الدعم الدائم من هاتَين الدولتين لمسيحيّي لبنان والشرق».
الراعي إلى دمشق
وفي هذه الأجواء، يستعدّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للتوجّه إلى دمشق، في وقتٍ يصَوّب البعض عليها.
إلّا أنّ المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غيّاض نفى لـ»الجمهورية» بشكلٍ قاطع إمكان «أن يلتقيَ الراعي أيَّ مسؤول سوري، أو أن يقومَ بأيّ نشاط سياسيّ، مؤكّداً أنّ الدعوة لم توجَّه رسمياً من الدولة السورية، بل من الكنائس».
وشرَح غيّاض بأنّ «الزيارة ستتمّ يومَي الأحد والإثنين، وستتضمَّن شقَّين، رعَويّ وكنَسي: ففي الشقّ الرعوي يزور الراعي الموارنة في دمشق للاحتفال بالذبيحة الإلهية وتدشين المركز الإجتماعي الماروني. أمّا الشقّ الكنَسي فهو في غاية الأهمّية، خصوصاً أنّنا نلاحظ الإنفتاحَ والتعاونَ الكبير بين كنائس الشرق»، مشيراً إلى أنّ الراعي»سيُلبّي دعوةَ البطريرك يوحنا العاشر اليازجي إلى تدشين المقرّ البطريركي، ويَليه قمّة مع البطاركة».
وأضاف: «ضمن الشقّ الكنسي، سيُشارك الراعي في تدشين مقرّ بطريركية السريان الأرثوذكس، وفي افتتاح سينودس السريان، وهذا تطوّر مهمّ ودليل على انفتاح الكنائس وعلاقتها بالبطريركية المارونية وتتويج للتقارب الحاصل».
ودعا غيّاض إلى «التعامل مع هذه الزيارة كما هي، وعدم استغلالها للتصويب على البطريرك، وسأل: «إذا لم يزُر رعيّتَه في هذا الظرف، فمَتى يزورها»؟
الجميّل لرئاسة «الكتائب»
وفي خطوة متوقّعة، أعلنَ النائب سامي الجميّل في مؤتمر صحافي في مقرّه في بكفيا، ترشّحَه لرئاسة حزب الكتائب تحت عنوان «مشروع لبناني»، في حضور أعضاء المكتب السياسي الكتائبي ووزراء ونواب الكتائب ومناصِري الحزب وعدد كبير من الإعلاميين والسياسيين. وقد أراد الجميّل عبرَ ترشّحِه الإعلانَ عن برنامجه الوطني-السياسي لرئاسة الحزب والذي ضَمّنه كلّ رؤيته السياسية المرتكِزة إلى ثوابت الكتائب والتجربة اللبنانية.
وقال الجميّل: «يجب أن تكون الكتائب التي كانت بالواجهة دائماً قوّة رفض للخطأ، وأن تكون قوّة رفض للتبَعية للخارج، وأن تكون قوّة رفض للاصطفاف العمودي في لبنان والذي يطيح بمؤسساته وشعبه، وقوّة رفض لمحاولة البعض جرَّ لبنان الى حروب ومشاكل، وقوّة رفض للفساد وذلّ للّبنانيين كلَّ يوم، وفي الوقت نفسه تحمل الكتائب مشروعاً متكاملاً لبناء لبنان».
وأشار إلى «أهمّية بناء مجتمع سليم، «على قاعدتَي الاعتراف بالاختلاف وبخصوصية وتاريخ وتضحيات كلّ واحد منّا، وفي الوقت نفسه بناء مواطنية حقيقية وانتماء حقيقي وهويّة لبنانية حقيقية»، مؤكّداً أهمّية تحرير المواطن من الزبائنية والواسطة، فالدولة سَلّمت نفسَها للزعامات، والمواطن لا يحصل على حقّه إلّا إذا حنى رأسَه، وقد «شبعَ بَهدلة» والحلّ واحد وهو إحضار الدولة للناس، فقد تعِبنا من بيروت، من الدولة المركزية والمحاصَصة والفساد والهدر والمحاسبة، لأنّها دولة طائفية، ولا يمكن المحاسبة في دولة طائفية لأنّ المحاسبة تُفهَم طائفياً».
ودعا إلى إنهاء الشعور بالعجز وقال إنّ «الوقت حان لاستكمال بناء الدولة المدنية».