Site icon IMLebanon

 الحكومة فكّكت «لغم» عرسال ووقعَت في «تشريكة» التعيينات

 

 

التجاذب السياسي الذي تتخبّط فيه البلاد كرّسَ الشغورَ الرئاسي، ونَقلَ عدوى الشَلل النيابي إلى الحكومة وباتَ إنقاذُها معلّقاً على حبالِ حلّ ملفّ التعيينات العسكرية والأمنية سلّةً واحدة، كما يَشترط «التيار الوطني الحر» ويَدعمه «حزب الله»، وأعلنَ وزير الخارجية جبران باسيل أنّه «لن يمرّ أيّ قرار في مجلس الوزراء قبل بَتّ التعيينات»، محَذّراً من أنّ «أيّ صِدام داخل المجلس سيكون له تداعياتٌ خارجَ المجلس»، في حين قال وزير التربية الياس بوصعب لـ«الجمهورية»: «لقد دخلنا في أزمةٍ سياسية كبيرة، والخروجُ منها قد يتطلّب تسويةً شاملة من تشريعٍ في المجلس النيابي إلى العمل الحكومي إلى التعيينات الأمنية، ويمكن أن تصل إلى رئاسة الجمهورية».

إنفَكّ الارتباط بين ملفَّي عرسال والتعيينات الأمنية والعسكرية باتّخاذ مجلس الوزراء أمس قراراً بالإجماع حول عرسال وجرودِها، لكنّ المجلس ظلّ أسيرَ الملفّ الأصعب «بيت القصيد» أي ملف التعيينات، وبدأت الأمور تتّضح أكثر ولم يعُد للتكهّن مكان، قالها باسيل في بداية الجلسة للمجتمعين: «نحن لن نسمحَ بمناقشة أيّ بَند من بنود جداول الأعمال قبل حلّ ملفّي عرسال والتعيينات»، وهذا ما حصَل بالفعل.

وإذا كانت عرسال وجرودها خضعَت لإخراج مقبول يَحفظ هيبة مجلس الوزراء ويعطي الجيشَ اللبناني الدورَ الوطني والرسمي في المعالجة والتحرير، فإنّ الحكومة وقعَت في شباك التعيينات إلى أن «يقضي الله أمراً كان مفعولا».

برّي

وتلقّى رئيس مجلس النواب نبيه برّي مساء أمس اتّصالاً من رئيس الحكومة تمّام سلام تشاوَرا خلاله في الأوضاع، في ضوء نتائج جلسة مجلس الوزراء. وسُئل برّي: بعد الدخول في الشَلل الحكومي كم سيستمرّ هذا الشَلل؟ فأجاب: «هذا يتوقّف على المعالجة، فالرئيس سلام الآن متَرَوٍّ تماماً مثلما أنا ترَوّيتُ كثيراً عندما عطّلوا المجلس النيابي».

مصادر وزارية

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «بعد قرار التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، وإعلان «التيار الوطني الحر» عَلناً عدمَ السَماح بمناقشة أيّ بَند داخل مجلس الوزراء قبل حلّ مسألة التعيينات، لا أحد يملك سيناريو عن مصير الجلسات».

لكنّها توقّعَت في المقابل أن لا يستمرّ الشَلل طويلاً. ورأت أنّ سلام سيذهب إلى مراعاة وزراء «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» داخلَ المجلس حفاظاً على حكومة الـ 24 الائتلافية والتي حرصَ على الدوام أن يكون لكلّ وزير من وزرائها رأيٌ مسموع.

لكن بعد جلستين أو ثلاث جلسات نتوقّع أن تتبدّل الأمور، لأنّ هناك بنوداً لا تتحمّل أبداً التجميدَ أو التأجيل، وتتحوّل تلقائياً ضاغطةً على الجميع، ما سيَدفع سلام إلى اتّخاذ قرار بتمرير بنود ملِحّة، وهو سيُجري اتصالات مع جميع القوى السياسية لتسهيل هذا الأمر».

وحَذّرت المصادر من «إنتقال عدوَى مجلس النواب إلى مجلس الوزراء، فهناك نتحدّث عن «تشريع الضرورة» وهنا نطالب بـ»بنود الضرورة»، فيما الاهتراء والشَلل يصيبان المجلسَين». وأكّدت أنّ سلام «ليس في وارد تعليق الجلسات، وهو سيستمرّ في الدعوة إليها حتى ولو كانت للنقاش السياسي وغير منتِجة».

تكليف الجيش

وكان مجلس الوزراء قرّرَ تكليفَ الجيش اللبناني تقويمَ الوضع في عرسال واتّخاذَ القرارات المناسبة لحمايتها من المسلّحين والإرهابيين وضبط الأمن فيها.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ الوزيرَين أكرم شهيّب ووائل أبو فاعور طالبَا في بداية الجلسة ببَتّ بنود ملِحّة حول المستشفيات الحكومية والخطّة البديلة لتصريف الإنتاج الزراعي بَحرياً. لكنّ باسيل رفضَ الدخول في أيّ بَند قبل الاتّفاق على ملفَّي عرسال والتعيينات.

ودارَ نقاشٌ وزاريّ لم يَخلُ مِن الحدّة حول أولويات الحكومة بين تسييرِ أمور البَلد ونقاش الملفّات السياسية، لكنّ وزراء «التيار الوطني الحر» أصَرّوا على موقفِهم ومعَهم وزيرا «حزب الله»، عندها خرجَ شهيّب وأبو فاعور ممتعِضَين، الأوّل تحدّثَ إلى الإعلاميين عن خطورةِ عدمِ بتّ قرار خطّة الحكومة لتصريف الإنتاج الزراعي، والثاني توَجّه إلى عين التينة معلِناً منها بدءَ مرحلة الشَلل.

وتابعَ مجلسُ الوزراء النقاش في ملفّ عرسال، فكان رأيُ رئيس الحكومة تمّام سلام أن يخرج المجلس بقرار موَحّد. وهنا توَلّى الوزير علي حسن خليل صَوغ هذا القرار وناقشَه الوزراء وأدلى كلّ بدَلوِه، فأدخِلت عليه تعديلات وأعيدَ صَوغه مرّات عدّة، إلى أن حصلَ على موافقةِ غالبية الوزراء.

إلّا أنّ باسيل رفض أن يتضمّن القرار عبارة «إعلان المجلس ثقتَه الكاملة بالجيش وبقيادته»، في اعتبار أنّ هذا الأمر يؤثّر على موقف «التيار» من قيادة الجيش، واعتبَر «أنّ القرار مغلّف»، وقال: «يَهمّنا أن نعرفَ ما إذا كان الجيش سيقوم بالمهمّة وسيَدخل إلى عرسال والمناطق المحتلة، وإذا كان سيَحسم على الأرض، وهذا هو موقفنا، نحن مع القرار أن يبقى في صيغة قرار».

عندها رفضَ خليل شطبَ العبارة التي تتضمّن الثقة بالجيش وبقيادته، وقال: «لا يجوز أن نكلّف الجيش مِن جهة ونقول له مِن جهة ثانية نحن لا نثِق بقيادته». فتضامَن الوزراء مع خليل وصدرَ البيان بالصيغة المعلَنة، فتحفّظَ الوزير أشرف ريفي عن نقطتَين: الأولى، طلب أن يشملَ القرار كلّ أراضي البقاع الشمالي، والثانية، مواجهة أيّ تهديد لعرسال من سلاح غير شرعي، أي المساواة بين كلّ السلاح وشمولية التحرير.

وقال مصدر وزاري «إنّ بيان مجلس الوزراء حول عرسال «جاء أقلّ الممكن، ولم يأتِ بمقدار النيران المشتعلة في جرود عرسال وبأصوات المَدافع المسموعة بقوّة».

قزّي

وفي المعلومات أنّ وزير العمل سجعان قزّي وفورَ بَدء المناقشات في شأن عرسال، سأَلَ عمّا يَجري هناك وعمّا إذا كان «حزب الله» صرَف النظر عن طلب تدخّل الجيش في الجرود، خصوصاً بعد إعلانه عن احتلال بعض التلال في المنطقة، فقاطعَه الوزير حسين الحاج حسن لإعطاء الجواب، لكنّ قزّي طلبَ جوابًا من وزير الدفاع وليس من وزير الصناعة، «لئلّا يُقال إنّ في ذلك اعترافاً بشرعية ما يقوم به حزب الله في تلك المنطقة وإقراراً بأمرِ واقعٍ جديد مرفوض».

ريفي

وعلمَت «الجمهورية» أنّ مواجهةً حادّة دارت بين ريفي والحاج حسن على خلفية السلاح الذي توَزّع في بداية اندلاع المعارك في سوريا، فأكّد ريفي «أنّ السلاح في بداية الثورة كان سلاحَ صيد استعمَله الثوّار، لكنّ الحزب وزّع سلاحاً لحلفائه»، كاشِفاً أنّه يملك «معلومات أنّ الثورة ظلّت 6 أشهر سِلمية، لكنّ الحزب ومنذ بداية المعارك وزّعَ سلاحاً على حلفائه من مستودعات سُرِقَت».

التعيينات

وبعد ذلك ناقشَ مجلس الوزراء التعيينات، فطرَح وزير الداخلية نهاد المشنوق تعيينَ العميد عماد عثمان مديراً عامّاً لقوى الأمن الداخلي خَلفاً للّواء ابراهيم بصبوص، فلم ينَل التوافق، في اعتبار أنّ وزراء «التيار الوطني الحر» و»الحزب» يطالبون بتعيينات وفقَ سَلّة كاملة، ورفض البعضُ الطريقة التي تُطرَح فيها التعيينات، فسَحبه المشنوق من التداول.

وبعد الظهر أصدرَ المشنوق قراراً مدّدَ بموجبِه خدمةَ بصبوص سنتين كمدير عام لقوى الأمن الداخلي، وكلَّف العمَداء فادي الهاشم وجوزف الحلو وجوزف كلاس لقيادة الدرك والقوى السيّارة ومفتّشية قوى الأمن.

عرَيجي

وقال الوزير روني عرَيجي لـ«الجمهورية»: «لقد دخلنا مرحلة تعقيدٍ في العمل الحكومي، ومَن يتحمّل مسؤولية ذلك هو مَن يرفض معالجةَ ملف التعيينات كسَلّة متكاملة، فهناك مراكز أمنيّة عدّة شاغرة وكلّها على مقدار كبير من الأهمّية».

وإذ أثنى على أداء قائد الجيش العماد جان قهوجي وثمَّنَ دورَه عالياً، أكّد «أنّ الموضوع ليس قيادة الجيش فقط، فهناك مراكز أمنية عدّة شاغرة، فقائد الدرك انتهَت مدّته منذ أسبوعين ومدّة المدير العام لقوى الأمن الداخلي انتهَت اليوم (أمس)، والمجلس العسكري ومركز المفتّش العام للجيش مهِمّ لكنّه شاغر أيضاً، ومراكز قيادية عدّة كقادة الوحدات في قوى الأمن شاغرة».

وعن سُبلِ التعاطي مع المرحلة المقبلة، أجابَ عرَيجي: «يجب أن يوجَّه هذا السؤال إلى مَن لا يوافق على طرحِنا ولا يبرّر رفضَه بأعذار مقنِعة».

مصدر عسكري رفيع

وأوضَح مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش الذي يَستكمل مهمّاته في عرسال ورأس بعلبك ومناطق الاشتباك والجبهات، تلقّفَ قرار الحكومة، ويَدرس إمكانية التحرّك وفقَ الرؤية التي يَراها مناسِبة»، مشيراً إلى أنّ «هذا القرار ترَك للجيش هامشاً كبيراً للتحرّك والاستقلالية، ويتراوح بين ضبطِ الوضع الأمني داخل البلدة، وحصرِ المسلّحين في الجرود التي تتداخل فيها الحدود اللبنانية – السورية مثلما يفعل حاليّاً، أو شَنِّ حربٍ لطردِهم منها».

وأشار المصدر إلى أنّ «الجيش يدرس كلّ الخطط ويقارن الإمكانات بحجم المعركة، والهدف من الحرب في الجرود وحسابات الربح والخسارة، ليتّخذَ القرار المناسب، ولن يتسرّع أو يجرَّه أحد إلى معركة غير محسوبة النتائج طالما إنّ الحكومة تركت الأمر له، وفي إمكانه أن يتصرّف وفق ما يحتاجه الوضع العام». ونفى أن «تكون عرسال بهذا القرار الحكومي قدّ تحوّلت منطقة عسكرية، أو أعلِنَت فيها حال الطوارئ، بل إنّ الجيش يُقدّر الوضعَ، وعلى أساسه يتصرّف وفقَ مصلحة الوطن العليا».

نصرالله

وفي هذه الأجواء التعطيلية، تترقّب الأوساط السياسية جديدَ المواقف التي سيُعلنها الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله عصر اليوم في احتفال «كشّافة المهدي» حول الملفّات السياسية المحَلّية والإقليمية.

وعشيّة كلامِه، قال نائبُه الشيخ نعيم قاسم: «عجيبٌ أمرُهم: القلمون فيها مشكلة وجرود عرسال تؤدّي إلى فتنة! فهل نقول لمن يُطلق علينا النار إنّ الحكومة اللبنانية وضعَت حدوداً جغرافية وباسمِ الوطن لن نردّ عليك فغداً الله تعالى ينتقم لنا!؟ لن نقوم بهذا الأمر؟

نحن سننتقمُ، وغداً ربُّ العالمين أيضاً يَنتقم، فالله تعالى كلّفنا أن ننتقم قبل أن ينتقم. نحن سَهّلنا كلّ الطرق من أجل أن يكون هناك حلول لمواجهة هؤلاء التكفيريين، وساهَمنا مع الدولة اللبنانية في كلّ إجراءاتها وكنّا لها خيرَ معين ولا زلنا، ونحن مع كلّ الوسائل التي يمكن أن يتبعَها المعنيون من أجل إنهاء هذا الاعتداء والاحتلال التكفيري». وختمَ قاسم «إنّ المقاومة لا تُباع ولا تُشرى، وتَعمل ليلَ نهار لتبقى في الساحة، وستبقى حيث يجب أن تكون، وستكون، ولا حدود جغرافية لها».