IMLebanon

 برّي: هل المطلوب مُعاقبة قهوجي؟… واستنفار درزي بعد مجزرة إدلب

فيما تستمرّ الأزمة الرئاسية فصولاً، والستار لم يُسدَل بعد على الأزمة الحكومية، في انتظار ما ستُسفر عنه الاتصالات والمساعي الجارية للحَلحلة قبل أن يدعو رئيس الحكومة تمّام سلام إلى أيّ جلسة لمجلس الوزراء، يَمضي لبنان قدُماً في معركته ضدّ الإرهاب، وتَبقى الأنظار شاخصةً إلى السلسلة الشرقية بعد إعلان «حزب الله» بدءَ المعركة مع «داعش»، في وقتٍ تردّدَت أصداءُ المجزرة التي ارتكبَتها «جبهة النصرة» بحقّ دروز بلدة قلب لوزة في إدلب السورية في لبنان واستنهضَت القيادات الدرزية فيه وجعلَتها في حال استنفار سياسيّ، في وقتٍ توالت ردّات الفعل الرسمية المستنكِرة والشاجبة، وأعلنَت المعارضة السورية أنّها تقدّمَت نحو مدينة السويداء في جبل العرب واسقطت طائرة حربيّة تابعة للنظام في درعا، فيما أبدَت إسرائيل قلقَها على دروز سوريا.

وسط هذا المشهد، تلقّت قيادة الجيش رسالة دعم قوية من رئيس الحكومة تمام سلام الذي زار اليرزة أمس، ليؤكد أنّ السلطة التنفيذيّة تؤمن الغطاء السياسي للجيش، ومحاولاً إبعاده عن التجاذبات السياسية.

وتأتي هذه الزيارة بعد الحملة العنيفة التي شُنّت على قائد الجيش العماد جان قهوجي على خلفية التعيينات الأمنية والعسكرية. وقد طغى ملفّ عرسال على اللقاء بين سلام وقهوجي والضباط الكبار الذين شاركوا فيه، حيث تمّ عرض التطورات الأمنية في البلاد، والمهمات التي ينفّذها الجيش لحفظ الأمن والاستقرار في مختلف المناطق اللبنانية، خصوصاً على الحدود الجنوبية والشرقية وفي عرسال.

وبعدما قدّم مدير العمليات العميد الركن زياد الحمصي شرحاً مفصَّلاً عن مناطق انتشار الوحدات العسكرية على الحدود الشرقية خصوصاً في منطقة عرسال ومحيطها، أشاد سلام بـ«أداء الجيش اللبناني وكفايته وبحكمة قيادته في التعامل مع المخاطر التي تواجهها البلاد»، مؤكداً «دعم الحكومة الواضح والصريح للجيش». ودعا إلى «إبعاد المؤسسة العسكرية من التجاذبات السياسية».

برّي

وإلى ذلك، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس ردّاً على سؤال عن خلفية تمديد ولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي سنتين بعدما كان مقرّراً أن تكون 3 أشهر «إنّ هذا التمديد بهذا المقدار استوجبه وضع مؤسسة قوى الأمن الداخلي لجهة تحصين وضعها المعنوي عبر تأمين استقرار قيادتها إلى حين تعيين مدير عام جديد، إذ لا يجوز ان يتمّ التمديد لثلاثة أشهر فقط في هذه الحال، عِلماً أنّه عندما يُنتخَب رئيس جمهورية يمكن عندئذٍ تعيين مدير عام جديد.

وأكّد بري انّ الامر نفسه سينطبق على قيادة الجيش عندما يحين موعد انتهاء ولايتها في ايلول المقبل، إذ في حال لم يتم تعيين قائد جديد فإنه سيتم التمديد للعماد جان قهوجي لسنتين.

واستغربَ بري ان يطرح البعض تعيين قائد جديد للجيش في الوقت الذي لم تنتهِ ولاية العماد قهوجي، وسأل: هل المطلوب عزل قهوجي وإحالته بهذه الطريقة على التقاعد قبل انتهاء ولايته؟». وقال: «إنّ هذا الامر لا يجوز قبل انتهاء ولاية قهوجي، وبالتالي الاتفاق على تعيين خلف له»، مؤكّداً «أنّ مَن استعجلَ الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه».

وسأل بري: ماذا فعل قائد الجيش حتى يتمّ التعامل معه بهذه الطريقة؟ هل المطلوب معاقبته على مواقفه التي اتّخذَها في عبرا، على رغم ما تعرّض له الجيش من إهانات على يد أحمد الأسير وجماعته وسقط له شهداء قبل ان يتدخّل ويحسمَ الموقف؟

وهل المطلوب معاقبته على موقفه في عرسال حين تلافى وقوعَ الفتنة؟ وهل يعاقب الجيش لأنّه يساند المقاومة عندما تحتاج في معركتها ضد الإرهاب؟» وأشار إلى «أنّ التمديد لقهوجي سيَحصل في حال لم يتمّ التعيين في أوانه من أجل تمكين المؤسسة العسكرية من الاستمرار في مهماتها، وبعد انتخاب رئيس الجمهورية يمكن عندئذٍ ان يتمّ تعيين قائد جديد للجيش».

وكان برّي التقى أمس وزير الدفاع سمير مقبل في عين التينة وعرضَ معه الأوضاع العامة وشؤون المؤسسة العسكرية. ووصَف مقبل الكلام عن وضع قائد الجيش بالتصرّف بأنه « ليس دقيقا».

مجزرة إدلب

وفي المَقلب الآخر، تفاعلت في لبنان المجزرة التي ارتكبَتها «جبهة النصرة» بحق الدروز في إدلب. وعشية الاجتماع الطارئ الذي يعقده المجلس المذهبي الدرزي اليوم، ظلت القيادات الدرزية في حال استنفار سياسي وتلاحقَت المواقف المستنكِرة .

حملة اتّصالات

وفي هذه الأجواء، اجتاحَت أوساطَ الطائفة الدرزية بمختلف توجّهاتها موجةٌ من القلق عقبَ مجزرة «قلب لوزة» في جبل السمّاق في إدلب، التي دخلتها مجموعة من عناصر «جبهة النصرة» بهدف مصادرة أحد منازل أبنائها بحجّة أنّه مِن «شبّيحة النظام»، ما أدّى الى اشتباكٍ قتِل فيه نحو عشرين من أبنائها بينهم ثلاثة من المشايخ الكبار في السنّ وطفل على الأقل، فيما قتِل ثلاثة من المهاجمين وسقط عدد من الجرحى.

وكشفَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ الإتصالات التي أجراها جنبلاط شملت مجموعة من المسؤولين في «الإئتلاف السوري المعارض» الموجودين في تركيا وشمال سوريا وقيادات اردنية وسورية معارضة ومسؤولين أتراكاً بهدف مواكبة الوضع ومنعِ تجَدّد مثلِ هذه المجازر في حقّ المدنيين، سواءٌ أكانوا من الدروز أو المسيحيين أو السنّة، لا فارقَ بالنسبة إليه، منبّهاً مِن «مخاطر تَحَوُّل وحدات من «الثورة السورية» مجموعةَ عصابات تشَوّه صورتَها لتوفّر أكبرَ خدمةٍ للنظام السوري لم يكن ليحلمَ بها ليتجاوز مسلسلَ المآزق التي بلغَتها وحداته العسكرية نتيجة فرار عدد من العسكريين أو انسحابهم من أرض المعركة ومِن مواقع القتال».

وفي المعلومات المتداولة على مستوى قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي وعلى نطاق ضيّق أنّ وزير الصحة وائل ابو فاعور كان ينوي زيارة الأردن في الساعات الماضية موفَداً شخصياً لجنبلاط لإجراء بعض الاتّصالات مع قيادات أردنية وسورية، لكنّ تضارب المواعيد مع بعض المسؤولين وعدم وجود آخرين في عمان جعله يتريّث في هذه الزيارة وتأجيلها.

إجتماع طارئ

وعلى المستوى الداخلي حَضَّ جنبلاط شيخَ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن إلى دعوة المجلس المذهبي للطائفة الى اجتماع طارئ يعقَد اليوم لمناقشة تطورات إدلب والسويداء وليسجّل المجلس موقفاً مغايراً مِن «البيانات التحريضية» التي دعَت الدروز الى التسلّح بالنظام السوري ومن مخازن أسلحته، وليكوّنَ موقفاً حازماً يهدف الى تصحيح الصورة التي يرغب أن تكون للأكثرية الدرزية في إدلب والسويداء وفي أيّ مكان من سوريا ولبنان بعيداً من المشاركة في عمليات وحدات النظام أو تلك التي يدعمها سرّاً.

وتلقّى جنبلاط اتّصالاً مِن الرئيس سعد الحريري وأكّداً أهمّية متابعة التواصل والتنسيق في هذه المرحلة الحرجة، ما يحَتّم بذلَ أقصى الجهود لحماية الاستقرار والسِلم الأهلي في لبنان، والتي تبقى فوق كلّ الاعتبارات.

واعتبَر جنبلاط «أنّ كلّ كلام تحريضي من على المنابر حول أحداث إدلب قد يعقّد الأمور أكثر»، مذَكّراً «أنّ سياسة بشّار الأسد أوصلت سوريا إلى هذه الفوضى».

الحزب الاشتراكي

تزامُناً، أوضحَت مفوّضية الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي «أنّ المعلومات التي تمّ الترويج لها مغايرة للحقيقة، خصوصاً لناحية ما تمّ تداوله عن ذبحِِ تعرّضَ له الموحّدون الدروز… وأكّدَت أنّ ما حصَل «إشكالٌ وقعَ بين عدد من الأهالي في بلدة قلب لوزة في جبل السماق وعناصر من «جبهة النصرة» حاوَلوا دخولَ منزل أحد العناصر الذي يَعتبرونه موالياً للنظام السوري، تطوّر إلى إطلاق نار أوقع عدداً مِن الشهداء. وتمّ تطويقه ووضع حدّ له في إطار من التواصل والتعاون مع كل الأطراف الفاعلة والمعنية».

إتصالات وتطمينات

وفي ظلّ هذه التطورات نجحت الإتصالات لتطويق المخاوف من حصول فتنة في منطقتَي درعا والسويداء بعد انسحاب الجيش السوري النظامي من المنطقة الفاصلة بين المنطقتين.

وقالت المصادر إنّ الاتصالات أثمرَت نوعاً من التطمينات التي أطلقَها قائد «جيش اليرموك» أكبر فصائل المعارضة السورية المنتشر على تخوم السويداء بشّار الزعبي الملقّب «أبو فادي» الذي اعتبَر «أنّ تحرير اللواء 52 كان من الإنجازات العسكرية المهمّة للثورة السورية، في اعتباره ثاني أكبر الألوية المقاتلة، وكان يشَكّل خطراً كبيراً على الجبهة الجنوبية، لِما فيه من أعتدة عسكرية ومعدّات قتالية وقوى بشَرية، كما أنّه يشَكّل البوّابة الشرقية لدمشق. فتحرير درعا من هذا اللواء هو بداية فتح طريق دمشق، وليس كما يقول البعض فتح طريق السويداء».

وقال: «إنّ السويداء ليست هدفاً عسكرياً للمعارضة السورية، فهي محافظة سوريّة وأهلُها سوريون، ولا أحد يمكنه التفريق بين السوريين، لا بشّار الأسد ولا غيره. وأمام أهل السويداء خيارات واضحة، إمّا «داعش» والنظام، وهما عملة واحدة، أو الوقوف مع أحرار سوريا، فالنظام سيقدّمهم وقوداً لـ»داعش» كما فعلَ في الحسكة».

وحذّر أبناءَها ممّا سمّاه «المخطط الإيراني» في المنطقة، والذي ينفّذه النظام السوري، بعد أن أدخلَ مجموعات من مقاتلي «داعش» إلى السويداء، بهدف تحويلِها كوباني أخرى لاستدعاء التدخّل الدولي إليها».

مواقف

واتّصلَ برّي مستنكراً المجزرة، بكلّ مِن شيخ عقل الطائفة الدرزية وجنبلاط والنائب طلال ارسلان ورئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب، والنائب السابق فيصل الداوود.

ومن جهتِه، أكّد سلام أنّه «لا يمكن وضع مثل هذه الاعتداءات إلّا في سياق السعي الحثيث الذي درجَت عليه القوى التكفيرية لإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد واستهداف وحدة سوريا وتماسكِها الوطني».

واعتبَر الحريري «أنّ أسوَأ ما يمكن أن تنحدر إليه الثورة السورية، هو التطوّع في مهمّات قتالية لا وظيفة لها سوى تقديم الخدَمات المجانية لنظام بشّار الأسد». ودعا إلى الاقتداء بـ»الموقف الوطني النبيل» لجنبلاط «الذي لم يتوقّف منذ سنوات عن التحذير من محاولات النظام السوري، زجَّ المجموعات الطائفية والمذهبية في حروبه العبثية، واستخدامها متاريسَ بشَرية للدفاع عن كيانه السياسي.

وهاب: الدم بالدم

إلّا أنّ وهاب دعا الدروز إلى «التوحّد والتطوّع والتسَلّح في وجه الإرهاب الذي طاولَ المشايخ الدروز في السويداء»، وطالبَ الأسد بتزويد السويداء بالسلاح، مؤكداً أنّ «أيّ تأخير في تسليمنا السلاح تتحمّل مسؤوليته الدولة السورية».

وتوجّه إلى اللبنانيين قائلاً: «أقول لإخواني في لبنان استعدّوا للمواجهة، وأيّ اعتداء سنواجهه في أيّ مكان يمكن مواجهته فيه، فكفى نِفاقاً وتخاذلاً وانحطاطاً، ولتكن الأجهزة الأمنية في لبنان على عِلم بالمواجهة، فسنردّ الدمَ بالدم، فهناك خطر على الوجود الدرزي، ولا خيارَ إلّا البندقية أمامنا».

الأعوَر

وقال النائب فادي الأعور لـ«الجمهورية»: «ما جرى عملٌ لا إنساني، والقوى التكفيرية تسيء إلى كلّ أبناء الشرق، فالذين ارتكبوا المجزرة في إدلب ارتكبوا في الأمس مجزرة مماثلة في تدمر والرقّة ومعلولا، فهؤلاء أعداء الإنسانية جمعاء، ما حصلَ في سوريا يستهدف جميع أبنائها وأبناء هذا المشرق.

وللقوى التكفيرية مجموعة من الممارسات السيئة على الساحة اللبنانية، فهي أرسلت الإرهابيين الانتحاريين الى الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق عدة. إنّها تستهدف الإنسانية على مستوى المشرق العربي بأسره وليس على مستوى طائفة أو مذهب بعينِه، هي عدوّة الجميع وتستهدف الجميع بالمستوى نفسه.

مِن هنا اعتبَر أنّ هذا العمل يجب ان يكون مستنكَراً ومشجوباً ونطالب بموقف منه يُبنى عليه، لا أن نَعتبر أنّ مجزرة إدلب المرَوّعة التي قتلت رجالَ دين وأطفالاً وآمنين في منازلهم حادثٌ فرديٌّ، بل هي جريمة موصوفة.

نطالب بموقف على مستوى القوى السياسية على الساحة اللبنانية، ولا يكفي الاستنكار والشجب، فالبعض يَستنكر من جهة ويَبتهج من جهة أخرى بأنّها حليفة القوى التكفيرية كالـ»نصرة» و»داعش».

الداوود

من جهته قال الداوود لـ«الجمهورية»: «المجزرة تؤكّد أنّ التعاطي مع «النصرة» هو سراب، والتعاطي مع التكفيريين هو انتحار وخطأ استراتيجي لجميع الطوائف، ليس على أساس مذهبي، بل على اساس وطني عام، ويكفي أنّ الدروز في إدلب ساندوا ثلاثة قرى سنّية للدفاع عنها، و«النصرة» و«داعش» وجهان لعملة واحدة هي «القاعدة»، وهم أعداء الأديان والمذاهب والطوائف، ولا طريق إلّا طريق مقاومتِهم وصَدّهم والتشَبّث بالأرض وبالوطن والعرض والكرامة.

ومقاومتهم عبر التعاون مع الطوائف الأخرى، خصوصاً إخواننا السنّة، فالبَلدة التي دخلَ إليها التكفيريون فيها أقدمُ كنيسة تاريخية مسيحية، لذلك ما حصلَ هو مقدّمة لتهجير جميع الأقليات من هذه المناطق بمَن فيهم إخواننا السُنّة».

ودعا الداوود القيادات السياسية الى «أن تكون يداً واحدة في جَبهِ هذا الخطر التكفيري على المسلمين والدروز وأن تكون ضمن إطار وطني لا إطارٍ طائفي»، مشيراً إلى أنّه «لم تعُد هناك معارضة فـ»النصرة» و»داعش» وجهان لعملة واحدة».

«حزب الله»

وقال «حزب الله» في بيان له «إنّ المطلوب في هذا الوقت العصيب هو الصَبر على المصائب، والوحدة أكثر من أيّ وقت مضى في وجه مشاريع التفتيت والتشتيت وزرع بذور الانقسام بين أبناء البلد الواحد والشعب الواحد».

وتساءَل: «هل كان من المتوقّع أن يصدرَ عن هذه الجماعات الإرهابية المنحرفة والمرتبطة بأعداء الأمّة سلوكٌ غير هذا السلوك النابع من عقيدتهم التي تقوم على القتل وسَفك الدماء وهتكِ الأعراض وضربِ التنوّع وتفتيت الصفوف وترويع الآمنين وإفراغ المناطق من أهلها الذين أقاموا فيها لمئات السنين؟».

وطالبَ رئيسُ حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «قيادات المعارضة السورية، سواءٌ السياسية أو العسكرية منها، بضرورة رفعِ الصوت لتوضيح ما جرى فِعلياً لاتّخاذ الإجراءات اللازمة في حقّ مرتكبي هذه المجزرة لكي لا نشهدَ مثلَ هذه المأساة في أيّ مكان آخر».