Site icon IMLebanon

 الرياض على خط الأزمة الحكومية وتــطورات سوريا جرس انذار سياسي

العبرة الأساسية من الأحداث المؤلمة التي حصلت في بلدة قلب لوزة السورية وذهب ضحيتها عدد من أبناء الطائفة الدرزية، أنّ الأحداث الأمنية تتصدّر كل العناوين السياسية وتغطّي على كل الملفات الخلافية مهما كبر حجمها أو صَغر. وبالتالي، انزلاق لبنان، لا سمح الله، نحو الفوضى سيُخرج المبادرة من أيدي القوى السياسية ليضعها بتصرّف قوى الأمر الواقع. ومن هنا أهمية الحفاظ على مساحات التلاقي قائمة لتلافي الجنون الحاصل في المنطقة، لأنّ إطاحة المؤسسات الدستورية كما هو حاصل يضاعف الضغط على الجيش اللبناني الذي يضع كل ثقله للحفاظ على الاستقرار، ويُضعف المناعة السياسية. وقد قدّم النائب وليد جنبلاط نموذجاً في كيفية التعاطي بحكمة وعقل مع الأحداث الدرزية، متّكئاً على شبكة علاقاته الواسعة من أجل تجنيب الموحدّين الدروز مصيراً كارثياً. وفي هذا السياق يشكّل جنبلاط والرئيسين نبيه بري وتمام سلام صمّام أمان في هذه المرحلة لحماية لبنان، حيث يتولى هذا الثلاثي الاتصالات على أكثر من مستوى لحصر الأضرار السياسية وإبقاء المؤسسة العسكرية بمنأى عن الخلافات السياسية، هذه المؤسسة التي تلقّت قيادتها في اليومين الأخيرين جرعة دعم داخلية وخارجية قوية أكّدت على دورها المحوري في ترسيخ الاستقرار. وتوازياً، دخلت الرياض وعواصم أخرى على خط المساعي لإعادة ترميم الوضع السياسي انطلاقاً من الحرص الدولي-الإقليمي على تجنيب لبنان الحروب الساخنة في المنطقة، وقد تمّ إبلاغ جميع القوى السياسية بأنّ الاستقرار في لبنان يشكّل خطاً أحمر، وأنه يجب إبقاء الخلاف السياسي محصوراً ضمن المؤسسات.

فيما تغيب الحلول للملفات الرئاسية والحكومية والتشريعية وتبقى جلسات مجلس الوزراء معلّقة حتى إشعار آخر، ويتحضّر رئيس الحكومة تمام سلام للسفر الى مصر منتصف الاسبوع المقبل، علمت «الجمهورية» انّ المملكة العربية السعودية ودولاً اخرى دخلت على خط الازمة الحكومية، مُنبّهة الى وجوب معالجة هذه الازمة بما يطمئن الخليجيين المقيمين في لبنان او الراغبين الاصطياف في ربوعه.

في الموازاة، تقدّم الشأن الامني الى الواجهة مجدداً من البوابة البقاعية في ضوء استمرار المعارك في جرود عرسال والقلمون بين «حزب الله» والمسلحين، ومن البوابة السورية في ضوء استهداف الدروز في ادلب والسويداء.

عسيري لـ«الجمهورية»

داخلياً، برزت أمس زيارة السفير السعودي علي عواض عسيري الى رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة واتصاله برئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مهنّئاً بإنجاز «إعلان النيّات».

وقال عسيري لـ«الجمهورية» انّ المملكة العربية السعودية حريصة كل الحرص على استقرار لبنان، ودولة الرئيس بري من الشخصيات السياسية الوطنية التي يعوّل على حكمتها وبُعد نظرها، خصوصاً في ظل الظروف والتحديات التي تواجهها المنطقة. وانّ المواقف التي يُبديها دولته الداعمة لاستقرار لبنان واستمرار الحكومة في أدائها في خدمة اللبنانيين والحفاظ على الامن والاستقرار تدلّ على هذا البعد والحكمة اللذين يتميّز بهما دولة الرئيس بري.

كذلك سُررتُ بلقاء دولة الرئيس الذي يتابع بدقّة التطورات الاقليمية والدولية وانعكاساتها على لبنان، ما يبرهن على مدى ادراكه المخاطر وحرصه على أمن لبنان واستقراره. وقد تطرّقنا الى كل التطورات الاقليمية والدولية وانعكاساتها على المنطقة بنحو شامل.

وعندما سئل عسيري: كيف تنظرون الى الازمة الحكومية الناشئة؟ أجاب: «إننا ننظر اليها على أنها شأن لبناني داخلي، ونعوّل على حكمة القيادات اللبنانية التي تحرص على استمرار الحكومة في عملها وعلى استقرار البلاد، ونأمل في ان يكون ما حصل سحابة صيف تلتحم بعدها كل القيادات السياسية لدعم سير الحكومة برئاسة الاستاذ تمام سلام الذي يبذل جهوداً مضنية ويتعاطى بصبر وحكمة مع كل المستجدات، وهو دائماً يعبّر عن حرصه الشديد على مصلحة لبنان واللبنانيين ساهراً على الوحدة في ما بينهم إزاء محاولات إثارة الفتنة، وهو معروف بصبره وحكمته اللذين مارسهما ويمارسهما منذ تشكيل الحكومة وحتى اليوم».

مصادر وزارية

الى ذلك، قالت مصادر وزارية مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الأسبوع المقبل قد يشكّل المهلة الأخيرة المعطاة امام تسوية الوضع الحكومي قبل اللجوء الى خيارات أخرى. فكل الإتصالات التي اجريت على أكثر من مستوى دفعت برئيس الحكومة الى التريّث حتى العودة من زيارته الى القاهرة التي سيقصدها الأربعاء المقبل ليوم واحد بعدما تمّ «رَصّ المواعيد» مع كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي ورئيس الحكومة إبراهيم محلب، والامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي وشيخ الازهر أحمد الطيب لتنتهي في يوم واحد.

وقالت المصادر انّ جملة المواقف التي سجلت امس وامس الاول حسمت كثيراً من المواقف التي لم تكن واضحة بالقدر الذي باتت عليه، خصوصاً بعدما سجّل كلّ من بري وسلام موقفهما من ملف التعيينات في قيادة الجيش التي حسم أمر تأجيل بَتّها الى شهر ايلول المقبل مع ترجيح التمديد لقائد الجيش.

ولفتت المصادر الى انّ ما يتّصِل بقيادة الجيش لا يتصِل على ما يبدو بموقعَي رئيس الأركان فيها ومدير المخابرات، فالمركز الأول قد يتبدّل أمّا الثاني فالتغيير محسوم بسبب عدم جواز التمديد له مرة أخرى لأسباب تتصِل بسنوات خدمته العسكرية.

قهوجي تبلّغ ارتياح بري

وفي هذه الأجواء، زار قائد الجيش العماد جان قهوجي عين التينة أمس، وعرض مع بري التطورات على الساحتين اللبنانية والإقليمية وتداعيات ما يجري في الأراضي السورية وعلى مقربة من الحدود اللبنانية، مؤكداً انّ الجيش بكامل الجهوزية وهو مستعد لكل أشكال المواجهات المرتقبة في المنطقة، خصوصاً إذا ما حاولت ايّ من المجموعات المسلحة الدخول الى عرسال او الى ايّ من المناطق التي في عهدته.

وتبلّغ قهوجي من بري اطمئنانه الى إجراءات الجيش، مؤكداً أهمية البقاء على يقظة في التعاطي مع مجموعات يمكن ان تغدر في ايّ لحظة من اللحظات ولا يمكن الإطمئنان الى نيّاتها.

مجزرة قلب لوزة

في غضون ذلك، لم تنحسر بعد عاصفة المجزرة التي ارتكبتها جبهة «النصرة» في حق بلدة قلب لوزة، وقد استمرّ الحراك الدرزي بغية تطويق ذيول ما جرى، وتواصلت ردات الفعل المستنكرة وتعالت الدعوات الى التهدئة، في وقت حرص رئيس حزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على التأكيد انّ ما حصل في ادلب كان حادثاً فردياً، مؤكداً أنه سيعمل على معالجته باتصالات إقليمية مع الدول النافذة، منبّهاً الى أنّ «أيّ هيجان في لبنان او سوريا يعرّض دروز سوريا الى الخطر بلا فائدة»، وشدّد على أنّ الحل السياسي في سوريا لا يكون إلّا بخروج رأس النظام بشار الاسد من البلاد والحفاظ على مؤسسات الدولة.

واتهم النظام السوري بأنه «أخذ العلويين إلى الهلاك وتراجع من مناطق عدة»، وشدد على أنه كان من أوائل الذين قالوا ويقولون بالحل السياسي بسوريا، ولا حلّ سياسياً بوجود بشار الاسد بل بإخراجه من الحكم والحفاظ على المؤسسات، وفي مقدمها الجيش السوري». واعتبر أنّ «المشروع الصهيوني والنظام الأسدي يلتقيان حول تفتيت المنطقة».

مواقف جنبلاط جاءت بعد الاجتماع الاستثنائي للمجلس المذهبي الدرزي في دار الطائفة في فردان التي جمعت دروزاً على اختلاف مشاربِهم السياسية. ودعا شيخ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن القوى السوريّة الى تحمّل المسؤولية التاريخية وإلى الوقوف عند حدود ما هو حق في الشرع وكرامة الانسانية. وحضرت مجزرة قلب لوزة في لقاء جنبلاط والدكتور جعجع الذي زار والنائب ستريدا جعجع مساء أمس الأوّل كليمنصو، وقد استبقاهما جنبلاط الى العشاء.

وهّاب

في هذا الوقت، طلب رئيس «حزب التوحيد العربي» وئام وهّاب من سفراء الدول الكبرى وكافة السفراء المعتمدة في لبنان، التدخّل لوَقف المذبحة الجماعية والتطهير الديني والمجازر، والضغط على مجلس الأمن الدولي للتدخّل، وحَمّل تركيا المسؤولية الكبرى لدعمها الارهابيين وتمويلهم.

ارسلان

وربط رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان ما حدثَ مع دروز ادلب بالمخطط الاسرائيلي التكفيري المشترك، وقال انه بالمال العربي تُذبح سوريا ويُذبح الدروز في ادلب، رافضاً اتهامات التخويف والتخوين والتوهين للدروز في جبل العرب. واكّد انّ كل من يحاول الاعتداء على جبل العرب ستكون مقبرته فيه.

يوسف

وفي المواقف، نبّه عضو كتلة «المستقبل» النائب غازي يوسف من مخاطر الشلل الحكومي والنيابي على البلد، وتوقّع لـ«الجمهورية» أن تكون هناك دعوة لانعقاد مجلس الوزراء الاسبوع الطالع بمَن حضر، «وسيكون هناك جدول اعمال يستكمل الجدول الماضي وسيُضاف اليه ملف تلزيم الخلوي الذي وزّع أخيراً على الوزراء». ورأى انّ الملفات المطروحة والقرارات التي ستصدر لا تتطلّب الثلثين، ويمكن لمجلس الوزراء السير بها.

وعمّا اذا كان هناك خوف من تكرار سيناريو انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة كما جرى عام 2006 ولم يتمّ الاعتراف بالقرارات التي صدرت عنها، قال يوسف: «يومها اعتبر الرئيس بري أنّ هذه الحكومة غير ميثاقية، لكنه اليوم يصنّف هذه الحكومة على انها كانت حكومة عرجاء ولكن ميثاقية وتستوفي كل الشروط. وإذا اعتمدنا على ما يقول الرئيس بري فهذا يعني انّ القرارات «بتِمشي». وأعربَ يوسف عن اعتقاده أنه «سيتمّ تفعيل الحكومة هذا الاسبوع على أمل تفعيل السلطة التشريعية، نظراً الى الاستحقاقات العديدة المعطّلة».

«الكتائب»

إفتتحَ المؤتمر العام الثلاثون لحزب «الكتائب اللبنانية» أعماله في فندق «لو رويال» -الضبية، أمس، في حضور رسمي وحزبي استهَلّه الرئيس أمين الجميّل بخطاب شامل يشكّل برنامج عمل المؤتمر والحزب في المرحلة المقبلة، خصوصاً انه تقاطع مع كل العناوين التي كان رفعها النائب سامي الجميّل في خطاب ترشيحه، وتحديداً لجهة تشخيص الأزمة الوطنية وتحديد المسؤوليات وإعلان التوجّه المستقبلي للحزب، إن في مواصلة النضال لاستعادة السيادة كاملة، أو في تطوير النظام بالارتكاز على الدستور خدمة للمواطن اللبناني.

وكان الجميّل ذَكّر بسَعي الحزب دوماً «الى اختصار المسافات بين الوطن والمواطن»، معتبراً أنّ «المركزية أدّت خدمتَها، وآن الأوان لتغييرات جذرية عبر اعتماد اللامركزية الإنمائيّة الموسّعة، واعتماد الحياد المبدع، الذي لا يعني أبداً الاستقالة والتراجع والإنكفاء، بل التفاعل الذكي مع الاحداث من موقع الحياد الايجابي». وأضاف: «لا شكّ في أنّ البلاد والمنطقة يَمرّان بوضع أقلّ ما يُقال فيه إنّه من نوع المخاطر الوجودية.

فالمنطقة تلتهب، والدوَل يُعاد رسمُها، أنظمة وحدوداً، ولبنان يعيش جرّاء ذلك وضعاً كيانياً خطيراً. فحدوده مُستباحة، وأبوابه مشرعّة، وأبناؤه يهاجرون، والنازحون يستقرون. رئاستُه شاغرة، مجلسُه مقفل، حكومته معطّلة ومؤسساته متعثّرة. فأيّ وطن قادر أن يستمرّ برأس مبتور وأعضاء مشلولة؟

نستظلّ الدستور وموادّه في النهار، وننقلب عليه ليل نهار. نحتمي بالمسيحيين قولاً، ونُغرِقهم في المآسي فعلاً. ندَّعي حمايةَ الوطن ونوَرّطه في أخطر المغامرات القاتلة والعبثية. نزعمُ دعمَ الجيش، ونَسلبه حقّ الدفاع عن لبنان. إنّها منظومة عبثية ترهق لبنان، وترهن سيادته، وتعرّض كيانه لشتّى أنواع المخاطر. فإلى متى يستمرّ هذا الانتحار؟».