ظلّ ملف سجن رومية في دائرة الضوء أمس، فيما سيَشهد الشغور الرئاسي تمديداً إضافياً بفعل انسحاب مصير الجلسات الانتخابية السابقة على جلسة انتخاب الرئيس الخامسة والعشرين المقرّرة اليوم، من حيث عدم اكتمال النصاب. بينما يترقّب الجميع مجرَيات مسار العمل الحكومي غَداة تأكيد رئيس الحكومة تمّام سلام أنّه «سيكون هناك مجلسُ وزراء وقرارات لمجلس الوزراء ومواقف لمجلس الوزراء»، وذلك في موازاة انطباعٍ سائد في معظم الأوساط السياسية مِن أن لا جلسات للمجلس خلال شهر رمضان الجاري.
ظلّ ملف سِجن رومية محورَ الاهتمامات على كلّ المستويات الداخلية، وكان جديده أمس، بعد الفيديو المسرّب عن تعذيب بعض السجناء، تمرّد وشغَب شهدَهما مبنى المحكومين والأحداث فيه أمس، إلّا أنّه أمكن تطويقهما سريعاً، في وقت سَلكت قضية تعذيب السجَناء طريقها القضائي نتيجة ادّعاء مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على دركيَّين اثنين من الموقوفين الخمسة بجرم ضربِ السجناء ومعاملتهم معاملةً غير إنسانية، ومخالفة التعليمات العسكرية، وعلى دركيّ ثالث لتصويرِه الحادثة، وعلى اثنين آخرَين لعدمِ إخبار السلطة، وأحالهم إلى قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا.
برّي
وفي تعليق له على شريط الفيديو المسَرّب عن تعذيب السجناء في سجن رومية، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس «إنّ التحقيق في هذه القضية يجب أن يأخذ مداه حتى النهاية وأن يتمّ الاقتصاص من الجُناة وممّن وراءَهم مهما علا كعبُه».
وأكّد «أنّ مثل هذه الممارسات مرفوضة كلّياً، وإذا كانت تحصل في بعض البلدان فإنّ على لبنان أن لا يلحقَ بهذا الركب». وقال «إنّ وزير الداخلية يفعل عينَ الصواب»، مشَدّداً على وجوب «تنفيذ كلّ الإجراءات القانونية اللازمة».
وشدّد بري على وجوب أن يشملَ التحقيق والعقاب مَن سَرّبَ شريط الفيديو ومَن يقف وراءَه، وقال: «إنّ السؤال الكبير الذي يُطرَح في هذا المجال هو: لماذا سُرّب هذا الشريط المصوّر منذ نيسان الماضي في هذا الوقت بالذات؟ إنّ هناك غاية ووظيفة لمِثل هذا العمل».
وعُلِم أنّ برّي تلقّى أمس اتصالاً مِن وزير الداخلية حول التمرّد الذي حصل أمس في مبنى المحكومين في سجن رومية، وقال له ممازحاً: «اليوم دور الشيعة». وهنا قال له برّي: «طبِّق القانون على الجميع، للأسف هل وصلت المذهبية والطائفية إلى التصنيف في السجون. السجَناء هم أولاد سجن رومية لا أكثر ولا أقلّ، وسواءٌ كانوا شيعة أو سنّة أو لبنانيين أو غير لبنانيين، المطلوب تطبيق القانون على الجميع».
المشنوق وريفي
وفيما استمرّ الانشغال بأهداف تسريب الفيديو وخلفياته السياسية، ظهر وزيرا الداخلية نهاد المشنوق والعدل اشرف ريفي معاً في وزارة الداخلية، وشَدّدا في مؤتمر صحافي مشترَك على «العلاقة الأخوية» بينهما.
وقال المشنوق: «في السياسة الأساسية والخطوط العريضة، وفي الشخصي، لا خلافَ، بل هناك صَداقة عمرُها طويل». وقال: «إنّنا متفاهمان على أنّ كلّ ما يَحصل لا يخدم إلّا التطرّف، ولا يوصِل إلّا إلى ضرب الاعتدال، لا مصلحة لأحد في ضرب الاعتدال، لا نحن ولا جميع اللبنانيين في كلّ لبنان».
وإذ نفى عِلمه بمصدر تسريب الأشرطة، اتّهمَ ريفي «حزب الله» بتسريب المشاهد. وقال: «لقد شاهد الناس فيلمَين، وهناك أربعة أفلام ظهرَت في التوقيت نفسه، وهناك فيلمان لم يرَهما إلّا القليل، ولا يملكهما أحد سوى «حزب الله»، وأنا مستعدّ لتوفيرهما لجميع الناس». وشَدّد على «أنّ التحقيق سيتابَع إلى النهاية، ولن نتساهل في المحاكمات».
نفيُ الحزب
وسارَع «حزب الله» إلى نفيِ اتّهامات ريفي، وأصدر البيان الآتي: «ينفي حزب الله نفياً قاطعاً الإتهامات الظالمة والجائرة التي أدلى بها وزير العدل أشرف ريفي حول تسريب أشرطة الإعتداء على المساجين في سجن رومية.
إنّ هذه الإتهامات عارية من الصحّة وباطلة ولا تحمل أيَّ وجه من وجوه الصدقية. ومِن المؤسف أنّنا بِتنا نعيش في بلدٍ تنحدر فيه المسؤولية إلى مستوى أن يرميَ وزيرُ العدل اتّهامات من دون أيّ أساس ولا أيّ دليل، وهو المكلّف السهرَ على أن يكون عملُ الجميع ضمن سقفِ القانون والمؤسسات القضائية والعدلية.
ومِن المعيب أيضاً أن يقوم المتّهَم الرئيسي بهذه القضية بالتهرّب من مسؤولياته أمام ضميره والقانون والرأي العام برَمي التهمةِ على الآخرين». وفي رَدٍّ على الردّ، قال ريفي: «الحزب اتّهَمني مِن دون دليل، وأنا أتّهمه مع دليل بتوزيع الأشرطة».
وكان عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نوّار الساحلي دان «حادثة الاعتداء غير المبرّر وغير الأخلاقي على بعض المساجين في سجن رومية»، مؤكّداً «ضرورة محاسبة المشاركين فيها مسلكياً وقضائياً على يد الجهات العسكرية والقضائية صاحبة الاختصاص، ذلك أنّ هذه الأعمال هي أعمال منافية للأخلاق الدنيا، وفيها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان».
«المستقبل»
وأعلنَت كتلة المستقبل» وقوفَها إلى جانب المشنوق وريفي في إجراءاتهما، وطلبَت «المضيَّ في التحقيق، بنحوٍ شفّاف وصارم، حتى خواتيمِه، وصولاً إلى المحاكمة العادلة لمرتكبي هذه الجريمة، من أجل محاسبتِهم وإنزال أشدّ العقوبات بهم وعلى مرأى ومسمع من الشعب اللبناني الذي يتمسّك بالثقة بمؤسساته الأمنية والقضائية الحامية لحقوقه المدنية والإنسانية».
الملف الحكومي
وفي الشأن الحكومي غابَت الإتصالات العلنية المحصورة بإحياء العمل الحكومي حصراً وتوَسّعت في اتجاه ملفات أخرى، ولا سيّما منها ملف سجن رومية، وتداعياتها على الوضع الحكومي، خصوصاً في وزارتي الداخلية والعدل، في ظلّ الإتّهام الذي وجّهَه ريفي إلى «حزب الله» بتسريب الفيديو.
وتوقّعَت مصادر وزارية أن يدعوَ سلام إلى جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، على أن يتلقّى الوزراء الدعوة الى هذه الجلسة مساء الجمعة المقبل أو السبت على أبعد تقدير بجدول أعمال قديم ـ جديد، وإذا نجحَت الاتصالات التي يُجريها وسَطاء قد يكون البند الأوّل فيه موضوع تعيين قائد للجيش في حال تمَّ التفاهم على طرح الموضوع على خلفية طيِّه في حال عدم التوافق على اسمِ القائد الجديد، بحيث لا يتمّ التوافق على تعيين العميد شامل روكز ولا يعيّن غيرُه أيضاً، فيؤجّل البحث في هذه الملف إلى نهاية ولاية العماد جان قهوجي في أيلول المقبل.
لكن زوّارَ الرابية أكّدوا لـ«الجمهورية» أنّ ما تحدّثَ عنه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون عقبَ اجتماع «التكتل» عصر أمس «واضِح وصريح، وشَكّلَ ردّاً على طرحٍ تلقّاه نهاية الأسبوع الماضي مفادُه أنّه يمكن التفاهم على قائد جديد للجيش، وإذا لم يكن العميد شامل روكز فماذا ستكون عليه ردّة فعل عون؟»
وكان عون قال إنّه قد توَجَّه الدعوةُ إلى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء على نحوٍ يُشبه التمثيلية فيُفَشِّلون من خلالها التعيينَ عن قصد، لكي يقولوا إنّ الاتفاق تعَذّرَ. ولكنّه شدّدَ على «أنّ الجلسة لن تفشلَ لأنّ هناك أسماءَ محدّدة، وجميعُ مَن فيها تعهّدَ بأن تنتهيَ الجلسة بتعيين الشخص المتّفَق على تعيينه، وإلّا سيكون هناك نقضٌ بكلّ العقود التي تُقطَع بين مسؤولين على مستوى الجمهورية اللبنانية».
وتساءَلَ عون عن «سبب تحريك الملف الاقتصادي دائماً عندما يكون هناك استحقاق وطنيّ»، معتبراً «أنّ هذا الاستغلال لا ينفَع معنا»، داعياً المسؤولين إلى «مراجعة ضمائرهم وإعطاء الحقوق لأصحابها لكي تُحَلّ المشكلات».
واعتبَر «أنّ مَن يفتحون موضوع تدهوُر الاقتصاد ويحَرّكون هيئات المجتمع المدني للتظاهر وإقفال الطرُق، لا يهتمّون بمصالح المواطنين وشؤونهم، إنّما يدفَعونهم لذلك بهدف التهَرّب، والنَيل منّا خصوصاً، لإبعادِنا عن مراكز السلطة، حتى لا يدفعوا الحقوق لأصحابها».
جعجع
مِن جهته، أكّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «أنّ الحَلّ في لبنان لا يَكونُ بمزيدِ من التَّعطيلِ، وَإِنَّما بِالشُّروعِ فَوْراً بِانتخابِ رَئيسٍ يُعيدُ الِانتظامَ إِلى عَمَلِ الحُكومةِ والمجلِسِ النِّيابِيِّ وَبقية المُؤَسَّسات».
واستغربَ كيف «أنّهم يُحَدِّثُوننا عن رئيسٍ قويٍّ، وفي المقابل يُعَطِّلُونَ الاِنتخاباتِ الرئاسيَّةَ فنَنْتَهِي من دُونِ رِئاسة، وَلا رئيسٍ لا قوِيٍّ، ولا وسَطٍ، وَلا ضعيف، ويَقُولونَ إنَّهُمْ يُريدونَ رئِيساً قوِيّاً، وَلَكِنَّهُمْ يُحَوِّلونَ كُلَّ يَوْمٍ الدَّولَةَ دَوْلةً ضعيفةً، وَالمُواطِنَ مواطناً ضعيفاً يَتَنَقَّلُ مِنْ حالِ عدمِ استقرارٍ سياسِيٍّ وأَمْنِيٍّ إِلى حالِ عَدَمِ استقرارٍ اقتصاديٍّ ومَعيشيٍّ واجتماعِيّ».
ودعا إلى «ِالشُّروعِ فَوْراً بِانتخابِ رَئيسٍ يُعيدُ الِانتظامَ إِلى عَمَلِ الحُكومةِ والمجلِسِ النِّيابِيِّ وَبقيّة المُؤَسَّسات. مارتا مارتا… تَهتمّين بأُمورٍ كثيرةٍ خارجَ الحُدودِ وداخلَها وَالمطلوبُ واحدٌ فَقَطْ، إِنتخابُ رئيسٍ جديد للجُمهورية.»
خليّة الأزمة
وفي هذه الأجواء، اجتمعَت خليّة الأزمة الوزارية المكلّفة متابعة ملف العسكريين المخطوفين عصر أمس برئاسة سلام، في حضور وزير الدفاع سمير مقبل، والوزراء: علي حسن خليل ووائل أبو فاعور والمشنوق وريفي، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير.
وقال أحدُ أعضاء اللجنة لـ«الجمهورية»: «لم نكن ننتظر معلومات جديدة يمكن أن تشَكّلَ حَدثاً بارزاً يغيّر في مستقبل هذه القضية. وكنّا جميعاً على عِلم بحجم الجهود المبذولة، خصوصاً جهود اللواء ابراهيم مع أكثر من طرَف معنيّ بهذا الملف، ولا سيّما الوسيط القطري الذي كنّا قد استبشرنا خيراً بتجديد مهمته بزَخمٍ ملحوظ قبل ان تتطوّر الأوضاع الأمنية على الحدود اللبنانية ـ السورية انسحاباً إلى جرود عرسال».
وأوضَح «أنّ النقاش تناولَ التطورات الأمنية في منطقة القلمون وتداعيات ما يجري على الوضع في عرسال وما تسبّبَت به من انعكاسات على مصير ملف العسكريين طالما إنّ المعارك كانت في جزء منها مع الخاطفين أنفسِهم».
وذكر أنّ اللواء ابراهيم «قدّمَ عرضاً مفصّلاً وشاملاً عن ملف المخطوفين وما يمكن أن تعكسَه الإتصالات في حال استؤنِفت بين الخاطفين والوسيط القطري، بعدما جَدّدَ تأكيدَه أنّ المفاوضات انتهت وحَدّدنا ما على الخاطفين أن يقوموا به، وما هو مطلوب منّا قبلَ أن ينقطع التفاوض نهائياً منذ ما قبل مطلع شهر رمضان بأسبوعين تقريبا».
وأضاف «إنّ المجتمعين استمعوا إلى عرض تقَدّمَ به وزير الدفاع حول الوضع في عرسال وجرودها، لافتاً إلى أنّ الجيش رفعَ مِن حجم الترتيبات الأمنية في المنطقة المكلّف أمنها، مشيراً إلى «أنّ المعارك ابتعدَت عن تلال عرسال ومنطقة المخيّمات السورية إلى عمق الأراضي السورية».
وكان اللواء ابراهيم أكّد قبَيلَ الاجتماع أن «لا شيء جديداً في ملف العسكريين المخطوفين، وأنّ المفاوضات لم تتوقّف بل انتهَت».