الملفّات الاقتصادية إلى الواجهة اليوم من خلال النداء-الصَرخة الذي ستُطلِقه الهيئات الاقتصادية والمهَن الحرّة والمجتمع المدني في «البيال»، والذي ستُحَذّر فيه من التمادي في التعطيل السياسي الذي يَنعكس سلباً على الدورة الاقتصادية والأمن الاقتصادي-الوطني، خصوصاً أنّ أحداً مِن فريقَي النزاع لن ينجوَ في حال انزلاق لبنان إلى كارثة اقتصادية، حيث مِن مصلحة الجميع تحييد الاقتصاد عن المواجهة، وإعادة تفعيل المؤسسات بما يَسمح للبنان بالصمود وتجاوز أزماته، بانتظار أن تنضجَ التسويات الخارجية المتّصلة بالملف النوَوي وتعقيدات مواقع النفوذ الإقليمية. وهذا النداء الاقتصادي التحذيري هو جرَس إنذار ضدّ الفراغ الرئاسي والتجميد الحكومي وتعليق العمل التشريعي وغياب الاستقرار الأمني والسياسي، كما أنّه لا يشَكّل تعبيراً عن موقف سياسي، بل يَستند إلى أرقام ومؤشّرات ودراسات لا يمكن أن يختلف حولها إثنان وتؤكّد على المنحى السَلبي للأمور في حال لم يُصَر إلى تدارُكِ الوضع سريعاً.
للمرّة الخامسة والعشرين، فشلَ النوّاب أمس في انتخاب رئيس جمهورية جديد، ورَحّلَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي جلسة الانتخاب إلى موعد جديد هو الخامس عشر من تمّوز المقبل، وشَدّد على وجوب انتظام عمل مؤسّسات الدولة، مؤكّداً أنّ الظروف الراهنة تقتضي تحَمّلَ الجميع مسؤوليّاتهم تجاه تحصين الساحة والالتفاف إلى المصالح العامّة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للناس.
في الموازاة، لم يكن حظّ حكومة «المصلحة الوطنية» في أفضل حال، إذ لم تحمل الساعات الماضية أيَّ جديد يؤشّر إلى استئناف جلسات مجلس الوزراء، عِلماً أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق توَقّعَ أمس انعقادَ جلسة بعد أسبوعين، في حين شَدّد وزير الخارجية جبران باسيل من عين التينة على أنّ الجلسة «لن تُعقَد من دون بندِ التعيينات»، قائلاً: «إنّنا نمَثّل رئيس الجمهورية وشرَكاءُ في الحكومة ولا يمكن وضعُ جدول أعمالها من دون أخذ رأينا». أمّا وزير الاتصالات بطرس حرب فلمسَ أنّ رئيس الحكومة تمّام سلام» ميّالٌ، بعد إعطائه المهلة الحاليّة لمتابعة مشاوراته، إلى البحث في تعيين جلسة».
أمّا وزير العمل سجعان قزّي فقال إنّ سلام «لا يهدف إلى كسرِ الجرّة مع أحد إنّما رأبُ الصَدع»، وأكّدَ أنّ «الدعوة إلى مجلس الوزراء محسومة، وإذا كان هناك مِن تسويةٍ حصَلت أو ستحصل قبل الخميس المقبل كان به، وإلّا فلماذا الخوف من حصول نقاش موضوعي راقٍ بين الوزراء حول كلّ المواضيع التي يمكن أن تُثار»؟ مشَدّداً على «أنّ هناك حكومة يجب أن تجتمع، ووزراءَ يجب أن يَعملوا، ودولةً يجب أن تُنَشّط مؤسّساتها».
فيديو رومية
في هذا الوقت، ظلّ فيديو رومية موضعَ اهتمام ومتابعة، وقال وزير الداخلية إنّ القضية «انتهَت وأصبحَت أمام القضاء العسكري». أضاف: «نحن لا نستطيع محاكمة مؤسسة فيها ثلاثون ألف عنصر بسبَب ارتكابات ومخالفة خمسة أشخاص منها». واستغربَ المشنوق «التركيزَ على هذا الفيلم في وقتٍ كان قد عُرِضَ قبلَ عشرين يوماً فيلمٌ عن تعذيب المساجين للعناصر الأمنية ولم يحَرّك أحدٌ ساكناً، ولم يعط هذا الموضوع الأهمّية».
مصادر أمنية لـ«الجمهوريةّ»
وفي هذه الأجواء، عبَّرَت مصادر أمنية لـ«الجمهوريةّ» عن ارتياحها إلى الوضع الأمني في لبنان عموماً والشمال وطرابلس خصوصاً، بعد فورة الاحتجاجات على فيديو رومية التي تُرجِمت في الشارع.
وطَمأنَت المصادر إلى أنّ الحديث عن مخاوف من انفلات الوضع في طرابلس، ليس صحيحاً، وأدرجَت ذلك ضمن «السيناريوهات المضخّمة عن مشاريع وإمارات خيالية، يتناقلها البعض من حين إلى آخر».
واعتبرَت المصادر أنّ «ردّات الفعل على ما جرى مبرَّرة لكنّها لم تتعدَّ إطارَ الاحتجاجات السِلمية»، مشيرةً إلى أنّ «الجيش وقوى الأمن الداخلي كانا على تنسيق وجهوزية كاملة في طرابلس لتداركِ أيّ تطوّر خطِر أو أعمال شغَب، وهذا النتسيق مستمرّ ضمن توحيد جهود الأجهزة الأمنية كافّةً بعد الخططِ الأمنية، لمواجهة الخَطر الذي يهَدّد البلاد» .
وأكّدَت المصادر أنّ «الأجهزة الاستخباراتية تلاحق أيّ مشبوه، وقد أثبتَت طرابلس أنّها تحتضن الشرعية، لا بل إنّ أبناءَها جزء فعّال من تركيبة الدولة الأمنية»، ونفَت وجود «أيّ خلايا إرهابية نائمة بعدما تمّ تفكيك معظمِها، وما تبقّى مِن عناصرها هم هاربون وتجري ملاحقتُهم، ولو كانت موجودةً حاليّاً لكانت استغَلّت التعبئة المذهبية وتحرّكَت بعد بَثّ فيديو رومية».
تسليحُ الجيش
إلى ذلك، وبعدَ الإشاعات عن تجميد الهِبة السعودية والبالغة 3 مليارات دولار لتسليح الجيش أعلنَ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من باريس أمس أنّ «العقد الفرنسي – السعودي لتسليح الجيش اللبناني لا يزال سارياً وفق الجدوَل المحدد ولم يتمّ وقفُ العمل به».
وقال الجبير في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس: «هناك اتفاق، وليس هناك تجميد. هناك جدوَل محدّد للدفع، وكلّ شيء يتواصل بشكلٍ طبيعي، وليس هناك أيّ تغيير».
وفي سياق متصل أعلنَت وزارة الخارجية الفرنسية أنّ شركة «ايرباص» ستبيع 23 مروحية لوزارة الداخلية السعودية في مقابل 500 مليون يورو، كما أنّ الرياض ستطلِق دراسة جدوى حول بناء مفاعِلين نوويّين فرنسيّين في المملكة، وتمَّ التوصّل إلى سلسلة من الاتفاقات حول دورات تدريب على السلامة النوَوية وأخرى حول معالجة النفايات النوَوية»، و»تعهُّد» السعودية شراءَ سفن دوريّة سريعة لبحريتِها «لتحسين قدراتِ خفر السواحل السعودي الذي يواجه تهديداتٍ متنامية».
صرخة اقتصادية
وعشيّة لقاء «البيال» الذي سيَجمع الهيئات الاقتصادية والاتّحاد العمّالي وهيئات تُمثّل المجتمعَ الأهلي، لإطلاق نداء – صرخة في وجهِ الشَلل الاقتصادي الناتج عن الشَلل السياسي، بدأت ردّات الفعل في الظهور في وقتٍ مبكِر، وأوّل الغيثِ موقفٌ لافت أعلنَه الرئيس سعد الحريري تعهَّدَ فيه بأن يعملَ تيار «المستقبل» على درس المقترحات التي ستَصدر عن اللقاء، والسعي إلى تنفيذها. والسؤال ما هي التوصيات التي قد تصدر اليوم؟
رئيس جمعية تجّار بيروت نقولا الشمّاس لخّصَ لـ«الجمهورية» الوضعَ، كاشفاً أنّ حوالي 14 في المئة من المحلّات في الوسط التجاري في بيروت والذي يمثّل 57 في المئة من مبيعات السيّاح، قد أقفِل بين آذار 2014 وآذار 2015، أي ما يمثّل 82 محَلّاً.
واعتبَر شمّاس أنّ اللقاء اليوم هو أوّل الغيث، لأنّ لقمةَ عيشِ اللبنانيين باتَت على المحكّ، والألم باتَ موزّعاً على كلّ حلقات السلسلة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان.
وعمّا يميّز هذه الصرخة عن غيرها، قال شمّاس: هذه ليست مجرّدَ صرخة إنّما هي «نداء 25 حزيران»، نخاطب خلاله الطبَقة السياسية ونَأمل مِنها ردّة فعل سياسية، ويَبدو أنّ أوّلَ ردّ فعلٍ أتى مِن قطبٍ سياسيّ بارز هو الرئيس سعد الحريري. (تفاصيل ص 11).