فيما أكد رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام أنّ «الوضع في طرابلس بات في نهاياته، وأنّ الجيش قطعَ شوطاً كبيراً في فرض الأمن والاستقرار في المدينة» التي استعادت هدوءَها النسبي، شدد الجيش في المقابل على أن لا تهاون مع الإرهابيين، ونجح في إبقاء طرابلس في حضن الدولة. وفي حين تستعيد الحركة السياسية حيويتها رويداً رويداً من باب التمديد لمجلس النواب الذي بات داهماً، شكّلت مواقف الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله تجسيداً عملياً للتوتّر السعودي-الإيراني، الذي يمكن أن ينسحب محلياً بعد تحميله السعودية «مسؤولية وقف أفعال التكفيريين وإسلامهم الزائف»، وتشديده على أنّ «عمق فكر التيار التكفيري هو الفكر الوهابي».
َعلى قاعدة أن لا تسوية مع الإرهابيين، أجهضَ الجيش مخطط المسلحين في الشمال، والذي كشفَه الموقوف أحمد ميقاتي في التحقيقات معه، وتمكّن من فرض الأمن في طرابلس والتبانة، واستمرّ في تنفيذ عملياته العسكرية في المدينة ومحيطها بعد مواجهات لأيام ثلاثة بنهاراتها ولياليها.
وإذ نفى الجيش حصول أيّ تسوية مع المجموعات الارهابية، وأدرجَ كلّ ما قيل «في إطار الاستغلال السياسي لبعض السياسيين المتضررين من نجاح الجيش السريع والحاسم في استئصال هذه المجموعات التي طالما أسرَت مدينة طرابلس وعاثت فيها تخريباً»، قال الرئيس سلام ردّاً على سؤال حول الكلام عن حصول تسوية في طرابلس: «هناك كلام كثير يدور حول هذه المواجهة، وربّما هناك كثير من الإجراءات والترتيبات التي تتخلّل دائماً المواجهات العسكرية والأمنية وتواكبها، وما يهمّنا هو أن يستتبّ الأمن وتستقرّ البلاد، وأن نكون كلبنانيين موحّدين وكلّ الباقي تفاصيل».
وأكّد سلام «عدم الرضوخ أو الرجوع إلى الوراء، وهناك تصميم على فرض الأمن على الجميع». مصدر عسكري رفيع وأعلن مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ طرابلس باتت للمرّة الأولى خالية كلّياً من المسلّحين، خلافاً للمعارك السابقة والخطط الأمنية التي كانت تنتهي بفرار المسلّحين أو عودتهم الى ممارسة حياتهم الطبيعية في ظلّ جهوزية قتالية.
وأوضح أنّ الجيش أوقف نحو 164 مشبوهاً في معارك طرابلس وبحنين، والتحقيقات ستُبيّن مدى تورّط كلّ منهم. وأكّد أنّ الجيش خاض في طرابلس أصعبَ المعارك وأكثرها تعقيداً، نظراً لكونها دارت داخل أحياء مكتظّة سكنياً وفي مدينة مليئة بالمعالم الأثرية، في وقتٍ اتّخذ المسلّحون من المدنيين دروعاً بشرية.
وإذ عبّر المصدر عن ارتياحه للوضع الأمني بعد حسم الجيش المعارك في المدينة، جزمَ بأنّ المطلوبين شادي المولوي وأسامة منصور وخالد حبلص باتوا خارجها، بعدما أجلى الجيش ساحات المعركة من المدنيين الذين تحصّن هؤلاء بهم فخسروا ورقة الضغط على الجيش، عندها تواروا خارج المدينة مستغلّين الطبيعة السكنية لساحة المعركة، مؤكّداً أنّ الجيش ماضٍ في ملاحقتهم.
إعترافات ميقاتي
وفيما وزّعت مديرية التوجيه في الجيش خلاصة اعترافات الموقوف أحمد ميقاتي، كشفَ المصدر أنّ المخطط كان يقضي بتحريك الخلايا النائمة في قرى عكّار والمنية وفي طرابلس بالإتفاق مع مولوي ومنصور، ضدّ مراكز الجيش، بهدف إخلائها وانتزاع هذه القرى من سلطة الدولة، فضلاً عن تنفيذ اعتداءات متزامنة في أماكن أخرى خارج الشمال. كذلك يقضي المخطط بتفجير سيارات مفخخة تقودها نساء مؤتَمِرة بـ»داعش».
وقد ضبط الجيش لدى توقيفه ميقاتي في الضنية 50 عبوةً ناسفة تزن كلّ واحدة منها 10 كيلوغرامات، فضلاً عن معمل لتصنيع المتفجّرات، ومعدّات وأسلحة أخرى تخدم هذا المخطط.
نساء مجنّدات للتفجير
كذلك، كشفَ المصدر العسكري أنّ معلومات وردت الى قيادة الجيش تفيد عن تحرّك عدد من السيارات المفخّخة المعدّة للتفجير، وقد عمّمت أوصافها على كلّ المراكز الأمنية، وهي موضع مراقبة.
وأكّد أنّ الجيش ألقى القبض على خديجة حميد، وهي إحدى النساء اللواتي جُنّدن لقيادة سيارة مفخخة والدخول الى مجالس عاشورائية بهدف تفجيرها.
وكانت مديرية التوجيه أشارت الى أنّ ميقاتي اعترف بأنه كان يسعى الى احتلال قرى: بخعون – عاصون – سير الضنية – بقاعصفرين، كونها غير ممسوكة أمنياً بما فيه الكفاية، تمهيداً لإعلانها منطقة آمنة ورفع رايات «داعش» فوقها ومبايعة «أبو بكر البغدادي»، ما سيجعلها ملاذاً آمناً للمقاتلين والثائرين على الظلم، وللعسكريين الذين سينشقّون من الجيش.
وأفاد ميقاتي أنّ هذه الخطوة كانت ستترافق مع أعمال أمنية في مدينة طرابلس ومحيطها ما سيسهّل تنفيذها. وعليه ستكون هذه المرحلة الأولى من المخطط الأكبر القاضي بربط القلمون السورية بالساحل اللبناني.
ولفتت إلى أنّه وفق الاعترافات فإنّ مولوي وأسامة منصور يعلمان بذلك المخطط الذي كان من المفترض البدء بتنفيذه بعد حوالي الشهر من تاريخه. كذلك اعترف ميقاتي بخبرته الواسعة في مجال تصنيع المتفجّرات وأنّه كان سيعمد الى تصنيع عبوات ناسفة لاستخدامها في مخططاته، وقد قام بتجربة إحدى عبواته منذ حوالي السنة في منطقة زغرتا.
إجتماع أمني ـ وزاري
وكان سلام جمعَ قبل سفره إلى برلين، الوزراء المعنيين بالملف الأمني وقادة الأجهزة الأمنية، للبحث في ما جرى وما يمكن القيام به في مواجهة ما تعرّضت له وحدات الجيش في طرابلس وعكار، والخطط الموضوعة لضبط الوضع الأمني في المدينة، وإنهاء الوضع الشاذ في بعض أحيائها وصولاً إلى مناطق عكّار.
وخلال الاجتماع، عرضَ قائد الجيش العماد جان قهوجي والقادة العسكريون والأمنيون لآخر تطوّرات الأوضاع الأمنية في طرابلس وعمليات التصدّي للإرهابيين. كذلك نوقِشت الخطط العسكرية الموضوعة واتّخِذت في شأنها القرارات المناسبة.
وقال أحد الذين شاركوا في اللقاء إنّ العماد قهوجي وضعَ المجتمعين في سلسلة الأحداث منذ انطلاقها في طرابلس، والظروف التي رافقت تمدّدَها من المدينة الى منطقة بحنين وساحل عكار والقرى المجاورة لها وصولاً إلى بعض المناطق في سهلِها.
وتحدّث قهوجي عن حجم تعاون الأهالي الذي مدّوا الجيش بمعلومات دقيقة حول تحرّكات مشبوهة في عدد من المناطق اللبنانية، الأمر الذي ساهمَ في تدخّل وحدات الجيش في الوقت المناسب من أجل تعطيل محاولة خطف العسكريين الخمسة على إحدى الطرُق الرئيسة شمال المدينة، وفي مناطق أخرى من الشمال، وصولاً إلى زغرتا والضنية التي شهدت محاولات للإخلال بالأمن.
هيل
وفي المواقف، أسفَت الخارجية الأميركية «لفقدان الجنود والضبّاط الذين سقطوا دفاعاً عن لبنان»، وقال السفير دايفيد هيل بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري: «لدى الجيش والمؤسسات الأمنية للدولة فقط الدورُ الشرعي للدفاع عن لبنان، وذلك بتوجيه من الحكومة».
مؤيّدو التمديد
نيابياً، كشفت مراجع سياسية وحزبية واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ المساعي مستمرّة لتوسيع قاعدة مؤيدي التمديد لئلّا يأتي من جانب واحد ويفتقد الدعم المسيحي، وتحديداً الكتل المارونية الكبرى، في ضوء المواقف المعلنة لـ«التيار الوطني الحر» وحزبي الكتائب و«القوات اللبنانية».
ورصدَت المصادر حركة لقاءات بعيداً من الأضواء الإعلامية تسعى الى توحيد المواقف، خصوصاً على مستوى قوى 14 آذار، مشيرةً الى انّ وجود مساع تُبذل لعقد لقاء موسّع على مستوى القادة الأساسيين للبحث في هذا الموضوع.