خَطفت حادثة السعديات جزءاً من الاهتمام السياسي المركّز أساساً على مصير جلسة مجلس الوزراء اليوم، وذلك من زاوية الخشية من انتقال الفتنة المذهبية إلى لبنان، إذ وعلى رغم «فردية» الإشكال تمَّ التعاطي معه بكلّ جدّية ومسؤولية، وعلى هذا الأساس فُتِحَت الاتصالات على أعلى المستويات، ليس فقط من أجل تطويقه، بل بغيةَ عدم تكراره، خصوصاً أنّ اللبنانيين يَعتدّون بأنفسِهم بأنّ لبنان هو البلد الوحيد الذي يتحاوَر فيه السُنّة والشيعة، وبالتالي سيكون اشتباك السعديات في صدارة جدول أعمال جلسة الحوار في عين التينة اليوم.
وفي موازاة هذا الحادث الذي شغلَ الوسطَ السياسي والأمني والشعبي، بقيَ الهَمّ الحكومي متصدّراً كلَّ اهتمام لمعرفةِ الاتجاه الذي ستَسلكه الجلسة، في ظلّ تضارب المعلومات بين رفعِ رئيس الحكومة تمّام سلام هذه الجلسة بفعل عدم تجاوزِ عقبةِ التعيينات، وبين انتقاله إلى بحثِ جدولِ الأعمال متجاوزاً اعتراضَ وزراء «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» و«المردة» و»الطاشناق»، الأمرُ الذي استبَقه «التيار الحر» بخطوتَين: توجيه كتاب اعتراضيّ إلى رئيس الحكومة على جدول أعمال جلسة اليوم، والدعوة لاجتماع استثنائي لتكتّل «التغيير والإصلاح» من أجل الردّ على المنحى الذي ستسلكه جلسة مجلس الوزراء، وبالتالي التلويح بالردّ فورياً وبشكلٍ قاسٍ في حال إسقاط آليّة العمل الحكومي.
ويترقّب الجميع ما ستؤول إليه مجريات جلسة مجلس الوزراء اليوم، والتي تنعقِد على وقع احتدام الخلاف حول جدول أعمالها وموقف تكتّل «التغيير والإصلاح»، المدعوم من «حزب الله» الرافض أن يخوض المجلس في أيّ بندٍ آخر غير بند التعيينات.
إعتراض «التكتّل»
وفي هذا السياق، أرسلَ وزير التربية الياس بو صعب أمس الأوّل كتاباً باسم «التكتل» إلى رئيس الحكومة تمّام سلام، يَعترض فيه على جدول أعمال جلسة اليوم.
وتَنشر الجمهورية نصَّه:
«إنسجاماً مع الدستور اللبناني الذي أولى مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً عند خلوّ سدّة الرئاسة، وتماشياً مع ما تمّ الاتفاق عليه في مجلس الوزراء من قواعد وضوابط لتنظيم عمل مجلس الوزراء في مرحلة خلوّ موقع رئاسة الجمهورية، نعلِمكم بعدم موافقتِنا على جدول الأعمال المؤرّخ في تاريخ 26/6/2015 ببنودِه كافةً، وندعوكم إلى استكمال النقاش وبَتّ التعيينات الأمنية والعسكرية، وذلك من أجل قيام الحكومة بواجباتها، وعدم مخالفة القوانين، والاستماع الى ما تمّ إنجازُه بمعرض تنفيذ قرار مجلس الوزراء القاضي بتكليف الجيش اللبناني اتّخاذَ جميع الإجراءات اللازمة لإعادة سيطرتِه وانتشاره داخلَ بلدة عرسال وحمايتها من الاعتداءات والمخاطر التي تتهدّدها من المسلحين والإرهابيين وضبط الأمن فيها».
مصادر «التكتّل»
وقالت مصادر في «التكتّل» لـ«الجمهورية»: «مِن الواضح أنّ هناك تصعيداً سياسياً وإعلامياً ضدّ رئيس «التكتّل» العماد ميشال عون وضدّ «التكتّل»، وهو يأتي مِن أكثر مِن جهة، ما يُنبِئ بوجود نيّات سيّئة تجاه ما يطالِب به عون، خصوصاً على المستوى الحكومي، من احترامٍ لإجراء التعيينات العسكرية والأمنية، في اعتبار أنّ هذا الاستحقاق هو مستحقّ قانونياً، وهو مطلب دستوري ميثاقي بغياب رئيس الجمهورية، من جهة، وفي اعتبار أنّ مَن يتقدّم بهذا المطلب هم كتَل وازنة في الحكومة».
وقالت المصادر: «إنّ ما يَحصل اليوم يُذكّرنا بمرحلة 13 تشرين 1990، حيث حاوَلوا تصفيةَ الحالة التي كان يمثّلها العماد عون على المستويَين الوطني والمسيحي، وما أدّت إليه مِن إحباط وإسقاط لكلّ المعايير السيادية والديموقراطية والحقوقية، واليوم يُعيدون الكَرَّةَ من جديد في محاولةٍ لتصفيته سياسياً، لكنّنا سنواجه وسيَكون رَدُّنا قاسياً» . وأكّدَت المصادر أنّ «التكتّل» سيتّخذ الموقفَ المناسب في حال تمَّ تجاوُز إرادته ومطلبه، على رغم المطالبات المتكرّرة التي تقدّم بها».
…واجتماع استثنائي
وعلمَت «الجمهورية» أنّ عون دعا «التكتّل» إلى اجتماع استثنائي يُعقَد في الساعة الثالثة والنصف بعد ظهر اليوم، لإعلان موقف «إذا تمَّ تجاوُزه بما يمثّل لإسقاطه مِن المعادلة السياسية» وإنّ هذا الموقف سيكون بحجمِ ما يَعتبره «انقلاباً» يمارَس عليه.
سيناريوهات وهميّة
وعشيّة الجلسة، قَلّلت مصادر وزارية عبر «الجمهورية»: من أهمّية السيناريوهات التي تواكِب التحضيرَ لها. وأضافت: «لدى رئيس الحكومة كلامٌ واضح وصريح في مستهلّ الجلسة، فهو بَعد أن يؤكّد مجدّداً ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت لكي ينتظمَ العمل بين المؤسسات الدستورية واكتمال عقدِها بَدءاً بمَلءِ الشغور في رأس الهرم، سيَشرَح بالتفصيل الظروفَ التي أملت عليه الدعوةَ إلى هذه الجلسة تحت عنوان «المصلحة الوطنية» والتي أجمعَ الوزراء بما ومَن يمثّلون عند تشكيلِها على إبقائها فوقَ كلّ الاعتبارات الفئوية والمطالب الموسمية الآنيّة، والتي لن تقدّمَ ولن تؤخّر في عمل الحكومة، لا بل فهي تعيق أمورَ الناس وتضعُها في آخر أولويات المرحلة، عِلماً أنّ ما هو مطلوب من مجلس الوزراء أكبرُ بكثير ممّا أنجزَه إلى اليوم.
وسيَدعو سلام الوزراء الـ 23 إلى تصويب البوصَلة بسرعة باتّجاه المصالح الوطنية العليا في مرحلةٍ هي الأخطر على كلّ المستويات السياسية والأمنية، الداخلية منها والإقليمية والدولية، ليبقى لنا لبنان كما نريده موَحّداً لجميع أبنائه، مشَدّداً على التفهّم والتفاهم حول كلّ ما يمكن أن تقوم به الحكومة، وهو يتطلّب ورشةً كبيرة لا بدّ منها بعيداً من منطق تسخير الصلاحيات لمصالح شخصية لا تخدم مصلحة البلد في شيء».
وحول المذكّرة التي رفعَها الـ«تكتل» إلى رئيس الحكومة، قالت المصادر: «إستناداً إلى ما يقول به الدستور وآليّة العمل الحكومي، يمكن لأيّ وزير مخاطبة مجلس الوزراء ورئيسه بطرُق عدّة ينصّ عليها الدستور.
لكنّ اللجوء إلى مثل هذا الأسلوب الذي لم يَعتَده اللبنانيون بعد، لا يَعدو كونه خطوةً إعلامية لا أكثر ولا أقلّ، ولا قيمة دستورية لها. فقد كان في إمكان أصحابها أن يسَجّلوا الموقفَ عينَه في جلسة المجلس اليوم عندما يعطَون الإذن بالكلام وتدوَّن في محضرها ملاحظاتُهم وكفى.
وإذا بقيَ الأمر منوطاً بمذكّرة فليس لأحد أن يجبرَ رئيس الحكومة على الحديث عنها في جلسة اليوم، ويمكن أن يحتفظ بها في أرشيفه الخاص بنسختها التي تسَلّمها وبالطريقة التي نُشِرت بها في وسائل الإعلام خارجَ الأصول الدستورية والقانونية».
فرعون لـ«الجمهورية»
وأكّد وزير السياحة ميشال فرعون لـ«الجمهورية»: «نحن ضدّ التعطيل، مشيراً إلى أنّ الحكحومة تتمتّع بحماية داخلية وخارجية لأسباب يدركها الجميع، معتبراً أنّ الأزمة في الأساس هي أزمة رئاسية ولا يجب تحويلها أزمة دستورية، بل يجب البحث عن مصلحة لبنان واللبنانيين»، ولفتَ إلى أنّ تعيينَ قائد جيش غيرُ مطروح على جدول الأعمال، مبدِياً ثقتَه برئيس الحكومة وحكمتِه في إدارة الجلسة». وأضاف فرعون: «نتساءَل ما هي خطّة الفريق الآخر حقيقةً، ولماذا خلقَ أزمةً في هذا التوقيت مع كلّ المخاطر الموجودة؟»
قزّي
وقال وزير العمل سجعان قزّي لـ«الجمهورية» إنّ وزراء حزب الكتائب ذاهبون إلى الجلسة بروح منفتحة لمناقشة أيّ موضوع في إطار ما يقول به الدستور والميثاق ووفقَ الآليّة الحاليّة المعمول بها في مجلس الوزراء.
وعن موقف الحزب من القضايا الأساسية المطروحة كشفَ قزّي أنّنا نفضّل تعيينَ قائد جديد للجيش، لكنّ هذا الأمر يصعب علينا القيام به في غياب رئيس الجمهورية الذي هو رئيس المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة.
وعن فتح دورة استثنائية لمجلس النواب كشفَ قزّي أنّ المشاورات مستمرّة والاتّصالات جارية مع جميع المعنيين بهدف إنضاج الموقف، عِلماً أنّنا كحزب كتائب لنا موقف دستوري يقول باحترام المواد الدستورية 93 و94 و95 والتي تتحدّث عن أنّ المجلس النيابي هو اليوم هيئة انتخابية لا تشريعية إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذا الموقف بعيد كلّ البعد عن الاصطفاف السياسي الذي يتحكّم بمواقف كثيرٍ مِن الأطراف في البلاد.
وأضاف: «أكثر من ذلك، نحن نعتقد، ومعنا كثُر، أنّ المجلس النيابي هو في حال انعقاد دائم منذ 25 أيار 2014 تاريخ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، ولكن ليس للتشريع بل من أجل انتخاب الرئيس، ولذلك فإنّ البحث في دورة استثنائية يناقِض حالَ الانعقاد الدائم للمجلس».
برّي
وكان رئيس مجلس النواب نبيه برّي جدَّد أمس القولَ إنّه سيَدعو إلى جلسات تشريعية بعد فتحِ الدورة الاستثنائية، مشيراً إلى أنّ الظرف اليوم يقضي بتفعيلِ عمل المؤسسات وليس تعطيلها. وقال: «علينا جميعاً أن نطَبّق الدستور في كلّ المجالات».
عرسال والسعديات
وفي الأمن، واصَل الجيش معركتَه ضد الإرهاب واستهدفَ تحرّكات المسلّحين في جرود عرسال ورأس بعلبك بالأسلحة الثقيلة، بعدما كان استهدفَ ليل أمس الأوّل مجموعةً مسَلّحة أثناءَ محاولتِها التسَلّل بين البلدةِ وجرودها، وأوقعَ في صفوف المسلحين خمسةَ قتلى.
ومِن البقاع إلى إقليم الخرّوب، قفَز الهمّ الأمني والصراع السنّي – الشيعي إلى الواجهة من بوّابة حادثة السعديات التي وقعَت بين أبناء البلدة المؤيّدين لتيار «المستقبل» وعناصر من «حزب الله» و»سرايا المقاومة»، حيث أكّد الأهالي أنّ عناصر الحزب أطلقوا النار على أحد المحالّ التجارية ومِن ثمّ تطور الأمر وخرجَ مسَلّحو الحزب من المصَلّى الذي افتتحوه منذ مدّة.
من جهتِها، أوضحَت قيادة الجيش أنّ الجيش تدخّلَ خلال إشكال السعديات الذي حصلَ بين أشخاص يَنتمون إلى جهات حزبية، وفرضَ طوقاً أمنياً حولَ مكان الاشتباك، وسَيّرَ دوريات كثيفة وأقام حواجزَ ثابتة وظرفية ونَفَّذ عمليات دهم بَحثاً عن المتورطين، وتحَدّث عن إصابة أحدِ عناصرِه بجروح غيرِ خطِرة أثناءَ تنفيذ المهمّة». (تفاصيل ص 6)
مصر
وفي الأمن الخارجي، لم يستكِن الإرهاب المتنقّل من بلدٍ إلى آخر، فحَطَّ أمس في مصر مجدّداً، بعد يومين على التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة النائب العام المصري هشام بركات، ليستهدفَ في سلسلة هجماتٍ مواقعَ عسكرية وأمنية تبنَّتها «داعش» وحصَدت 70 قتيلاً معظمُهم مِن عناصر الجيش وأفراد الأمن، ما دفعَ برئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب إلى القول إنّ بلادَه في حالة حرب حقيقية ضدّ الإرهاب في سيناء.