على وَقع تحضيرات «التيار الوطني الحر» للتحرّك في الشارع بدعوة من زعيمه النائب ميشال عون، سيخوض رئيس الحكومة تمام سلام تحدياً آخر في عقد جلسة مجلس الوزراء المقررة الخميس المقبل، في الوقت الذي بدأ يدور سجال سياسي حاد بين «التيار» و»المستقبل» الذي سيكون لزعيمه الرئيس سعد الحريري مواقف لافتة في خطاب يُلقيه في 12 من الجاري، وقبله سيكون للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله مواقف لافتة ايضاً الجمعة المقبل لمناسبة «يوم القدس العالمي». وينتظر ان تعكس هذه المواقف بمجملها مؤشرات على مستقبل الاوضاع الداخلية واستحقاقاتها، في ظلّ رهان البعض على إيجابيات يمكن ان يعكسها الاتفاق النووي بين ايران والدول الغربية في حال التوصّل اليه خلال الايام المقبلة، أو في حال تمديد التفاوض في شأنه لفترة اضافية. وأعلنَ وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، أمس، بعد لقائه نظيره الإيراني محمد ظواد ظريف، أنّ «الوقت حان لنرى هل في إمكاننا التوَصُّل إلى اتّفاق نووي، لكنّنا سننسحب من المفاوضات إذا فشلنا»، مُضيفاً أنّ «المُناقشات مفتوحة على كُلّ الاحتمالات».
إعتصم رئيس الحكومة تمام سلام بالصمت في ظل الإجازة التي بدأها الجمعة الماضي والتي تنتهي مساء اليوم، على أن يستأنف نشاطه غداً في السراي الحكومي في لقاءات لا تتناول أيّ ملف استثنائي.
لكنّ مراقبين وجدوا في الإجازة التي اتخذها سلام اطمئناناً الى سَير التحضيرات الجارية لتنفيذ مرسوم دعم الصادرات الزراعية، في انتظار جلسة مجلس الوزراء المقررة الخميس المقبل، معتبرين أن ليس هناك مشكلة بلا حل، ولن تكون التطورات في مصلحة دُعاة التصعيد لأنّ مكوّنات الحكومة حريصة على مصير الحكومة، وكل ما يجري تحت هذا السقف مقبول ومضبوط وسيكون له مخرج في الوقت المناسب.
«التيار الوطني»
في غضون ذلك وفي خضمّ تحضيرات «التيار الوطني الحر» للتحرّك في الشارع تلبية لدعوة زعيمه النائب ميشال عون، من دون تحديد الزمان والمكان، نَقل زوّار رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه قوله رداً على سؤال عن هذا التحرك: «العماد عون إبن النظام ولا اعتقد أنه سيُفرّط به»
والى ذلك قالت مصادر بارزة في «التيار» لـ«الجمهورية»: «هذه المرة نحن مصمّمون على الذهاب في المواجهة حتى النهاية، فهذه معركة حياة أو موت بالنسبة الى المسيحيين».
وكشفت «انّ «التيار» لن يعتمد في تحرّكه هذه المرة الاساليب التقليدية العادية التي يعتمدها عادة، والتي اعتاد اللبنانيون أن يشاهدوها، بل سيلجأ الى أساليب ستفاجىء الجميع»، وتحدثت عن «ضربات نوعية» الّا انها رفضت الإفصاح عنها «فهي من أسرار المهنة».
واكتفَت بالقول «انّ التحضيرات جارية على قدم وساق لِشيء ضخم جداً بوسائل جديدة وحديثة ستشكّل مفاجأة للجميع، ويكفي ان يتذكر الجميع كيف كان «التيار» يتحرّك في زمن الوصاية السورية».
وأشارت المصادر الى انّ حزب «القوات اللبنانية» يدعم التيار في السياسة على الأقل، «فهاجس «القوات» هو هاجس «التيار» نفسه. امّا موقف «حزب الله» فتجلّى تضامنه بوضوح خلال جلسة مجلس الوزراء الاخيرة».
وحَضّت المصادر على «العودة الى الاساس، فهل هم يريدون المشاركة أم لا؟ من يرفض المشاركة فليذهب للعيش بمفرده، ونحن مستعدون للذهاب نحو اللامركزية أو فيدرالية نقسّم فيها البلد الى قسمين: قسم مع «داعش» ومع إلغاء الآخر، وقسم مع المشاركة يضمّ جميع الطوائف والمذاهب.
لم نعد نستطيع الاستمرار في طريقة المَرجلة والكلام بلا طَعمَة وتمرير المشاريع المشبوهة بذريعة وجود ضرورات. لماذا لا تكون الضرورات الّا على حساب المسيحيين؟ لماذا لا يفعلون للنائب وليد جنبلاط مرة خلافاً لِما يريده، شأنه شأن رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك تيار «المستقبل»، منذ تحالفهم مع السوريين حتى اليوم، فهل يملك أحد الاجابة؟».
وإذ اتهمت المصادر الفريق الآخر بـ»الاستمرار في محاولات تصفية العماد عون سياسياًـ والتي بدأت منذ عودته في العام 2005، حَمّلت هذا الفريق «مسؤولية وصول الوضع الى ما هو عليه اليوم»، معتبرة «انهم هم من يدفعونه الى اتخاذ هذا الموقف». وعن الخوف من دخول «طابور خامس» على خط التحركات، قالت المصادر: «انّ الطابور الخامس هو مَن يمنع الناس من الحصول على حقوقها».
«التيار» و«المستقبل»
في هذا الوقت، شَنّت قناة الـ otv هجوماً عنيفاً على تيار المستقبل»، وقالت في مقدمة نشرتها الاخبارية مساء أمس: «ينادون بـ(اتفاق) الطائف، ويرفضون تطبيق المناصفة. يتبجّحون بالميثاق، ويسقطون بأدائهم مفهوم الشراكة. يخوضون حروب إلغائهم للدور المسيحي، ويواصلون جولات استئثارهم وهيمنتهم على الدولة ومفاصلها، ويرفضون حتى ان يرفع الضحية صوت الحق في وجه جريمتهم الوطنية.
يدّعون الديموقراطية، ويرفضون صوت شعب». واضافت: «يذبحون شركاءهم سياسياً، يغتصبون حقوقهم… يريدونهم أهل ذمّة في إمارتهم الحريرية… فما الفارق بينهم وبين «داعش» في الأداء والنتائج… لا شيء يذكر، فهم مثل التنظيم التكفيري الارهابي، باقون في السلطة، ويتمددون… ليصبح فِعل المقاومة ضدهم واجب على كل لبناني وطني حرّ».
في المقابل، قالت قناة «المستقبل» انه على «رغم اشتداد حرائق المنطقة، وتنقّل المعارك بين المدن العربية، واللهب الذي يُزَنّر لبنان، يَجد النائب ميشال عون الوقت ليُطلق تهديدات تفجيرية في حق لبنان واللبنانيين، بَدل العمل على تحصين الساحة الداخلية لمنع امتداد النار إلينا».
وأضافت: «يهدّد باللجوء الى الشارع، للتظاهر والاعتصام، يُلبس تهديداته لبوس الدفاع عن حقوق المسيحيين، ليعطّلَ آخر المؤسسات الدستورية، في ظل الشغور الرئاسي والشلل المجلسي. ولكنّ تهديداته وكلامَه عن الحقوق، جوبها بالرفض على أكثر من مستوىً وصعيد مسيحي ووطني، في اعتبار انّ دعوته ليست لمصلحة وطنية، بل لمصلحة شخصية ضيقة».
«حزب الله»
توازياً، وفي انتظار ما سيعلنه الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله عصر الجمعة المقبل في مناسبة «يوم القدس العالمي»، علمت «الجمهورية» انّ الحزب لا يزال ثابتاً على قراره بالوقوف الى جانب «التيار»، امّا الوسائل والطريقة فهذه امور يعتبر الحزب انّ «التيار» هو المَعنيّ بها مباشرة، وهو من يقرّر خطواته، والحزب لا يتدخل معه في هذه التفاصيل، لكن في السياسة والعلاقة والموقف والمطلب في ملف التعيينات العسكرية والأمنية، فالحزب مستمر في الوقوف الى جانب «التيار».
حكيم
وفي المواقف، وصف وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم ما يجري حالياً في الحكومة بأنه «عملية سَلبطة» يمارسها اكثر من طرف. واعتبر «انّ ما حصل في موضوع قرار دعم الصادرات بحراً في الجلسة الأخيرة هو عملية «تسلل»، إذ لم يُطرَح الموضوع للتصويت، بل رَماه رئيس الحكومة على الطاولة وقال من يريد الاعتراض ليسجلّ اعتراضه».
واكد حكيم لـ«الجمهورية» انّ «هذا الأسلوب لن يمشي، لأنّ تغيير آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية، لا يمكن أن يتمّ الّا بالتوافق. وهذا ليس ما اتفقنا عليه منذ البداية».
وأكد انّ وزراء حزب الكتائب سيطرحون في الجلسة المقبلة هذا الموضوع «بعدما تبيّن لهم انّ هناك محاولات لاحتكار مسألة وضع جدول الاعمال، ونحن لا نوافق على ان رئيس الحكومة وحده، وفي غياب رئيس الجمهورية، هو من يضع جدول الاعمال. نحن نصرّ على العودة الى الاتفاق الذي بدأنا به، وينصّ على مشاركة الوزراء في تحديد بنود جدول الاعمال.
كذلك كنا قد تفاهمنا على ان يتمّ اتخاذ القرارات في الحكومة مع تسجيل الاعتراضات، في حال كان الموضوع يرتبط بوزير منفرد او اثنين، امّا ان يتحوّل الوضع الى تجاوز مكوّنات اساسية في البلد، فهذا الامر مرفوض ولن نقبل بأن يتحول قرار دعم الصادرات البحرية سابقة يتمّ الركون إليها لاتخاذ قرارات جديدة في مجلس الوزراء بالطريقة نفسها».
ولاحظ حكيم «انّ محاولة تمرير مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب تتمّ بطريقة عجيبة وغير لائقة بالمجلس، إذ تمّ تمرير المرسوم باليَد من وزير الى آخر. ومثل هذه الامور ينبغي ان يوضَع لها حد، وان نتفاهم في وضوح على الآلية، وهذا ما نَنوي إثارته الخميس المقبل في حال انعقاد جلسة لمجلس الوزراء».
«القوات اللبنانية»
من جهتها، أعلنت «القوات اللبنانية»، بلسان نائبها فادي كرم، أنها غير مشاركة في التظاهرات التي دعا إليها عون. وأكّد كرم لـ«الجمهورية» أنّ «من حقّ التيار التظاهر والمطالبة بما يريد، فهذا حقّ يكفله الدستور، لكن ضمن أطر القانون والحفاظ على السلم الأهلي، لأنّ الوضع الحالي لا يحتمل أي خضّة أمنية، أو اهتزاز التوازنات، علماً أنّ المواجهة الأمنية في الشارع ستؤدي الى تَفلّت الوضع، وهذا لا نرغب به وكذلك «التيار» وجميع اللبنانيين».
ولفت كرم الى أنّ عون «دعا الى التظاهر تحت عناوين عدّة، أبرزها الخلاف على عمل الحكومة. لذلك، نحن نعتبر أنفسنا غير معنيين بهذا الشقّ لأننا غير مشاركين في الحكومة. أمّا بالنسبة الى استرجاع حقوق المسيحيين، فنحن و«التيار» متفقون على هذه النقطة، ولا يمكننا تصوّر إدارات الدولة من دون مسيحيين، خصوصاً أن الخلل كبير، لكننا نختلف في الاسلوب، إذ لا نحبّذ فكرة المواجهة والصدام، ونؤيد الأسلوب السياسي في عملنا من أجل عودة المسيحيين الى الدولة واسترجاع حقوقهم المهدورة».
لقاءات «المستقبل» في جدة
وفي هذه الاجواء، انطلقت التحضيرات للقاءات تيار «المستقبل» في جدة، تحضيراً لإفطاره المركزي الذي تقررت إقامته في 12 تموز الجاري الذي يصادف أولى ايام حرب تموز 2006، وسيكون في سبعة مناطق لبنانية في الوقت نفسه، وهي: الإفطار المركزي في بيروت، صيدا، اقليم الخروب، البقاع الأوسط، البقاع الغربي، طرابلس والضنية.
وأولى الوفود التي انطلقت عصر أمس الى جدة، للبدء باللقاءات التي تقرّر ان يعقدها الرئيس سعد الحريري، كان وفد منسقية طرابلس وتقدّمه وزير العدل اشرف ريفي والنائبان محمد كبارة وأحمد فتفت والنائب السابق مصطفى علوش وعدد من قياديّي المدينة.
وفي الطائرة نفسها غادر أيضاً مدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري والنائبان السابقان غطاس خوري وباسم السبع والأمين العام للتيار احمد الحريري ومستشار الحريري الاعلامي هاني حمود، وعدد من أعضاء المكتب السياسي في التيار ومسؤولين متخصّصين في قطاعات عدة.
وسيتوجه الى جدة لاحقاً الرئيس فؤاد السنيورة ووزير الداخلية نهاد المشنوق والنائبان سمير الجسر وجمال الجرّاح، وعدد من مسؤولي «المستقبل» في مختلف المناطق.