شرَّعَ الخلاف العوني ـ الحكومي الأبواب أمام كلّ الاحتمالات، واستُحضِرَت كلّ السيناريوهات في ضوء تصميم رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون على المضيّ قدُماً في المواجهة، معتبِراً أنّها معركة مصيرية لا عابرة، ما وضَع جلسةَ مجلس الوزراء التي يتمسّك رئيس الحكومة تمّام سلام بعَقدِها غداً الخميس تحت المجهر، لترَقّبِ معالِم المرحلة المقبلة بعد ارتفاع حدّة الاشتباك السياسي.
قبل 24 ساعة على جلسة مجلس الوزراء حافظت مصادر سلام على صمتها إزاء ما يَجري على وقع مشاورات مستمرة سرّاً وعلناً بغية تسهيل عمل الحكومة وتجنيبها خضّةً هي والبلاد في غِنى عنها.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ حركة المشاورات بلغت منحى متقدّماً على وقع التصعيد المنفرد لعون. وإنّ الاتصالات الجارية وراء الكواليس هي أوسع من الجارية عَلناً، لكنّ شيئاً ملموسا لم يتحقّق بعد.
وجدّدت المصادر التأكيد أنّ الوضع الحكومي على المحكّ، لكن ما يطَمئن هو أن ليس هناك أيّ توَجّه لنسفِ الحكومة أو ضرب آخر المؤسسات الدستورية التي يتوقف عليها مصير البلد في مرحلةٍ هي الأخطر، إلى أن يستعيدَ عافيته فيُنتَخَب رئيس جديد للجمهورية يعيد بناءَ ما فقِد من تعاون بين المؤسسات كافّةً، وكما يجب أن تكون في بلد طبيعي.
وفي هذه الأجواء يواصل سلام لقاءاته الوزارية اليوم، إلّا أنّ اللقاء الأبرز الذي سيَشهده السراي الحكومي سيُعقَد الأولى بعد ظهر اليوم بين رئيس الحكومة ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، بحضور وزراء الحزب سجعان قزي وآلان حكيم ورمزي جريج، وسيَتركّز البحث في التطورات من كلّ جوانبها السياسية والحكومية.
وعشيّةَ هذا اللقاء، شهدَ البيت المركزي الكتائبي لقاءً بين الجميّل ووزير الخارجية جبران باسيل الذي زارَه مهَنّئاً بانتخابه. وعلمَت «الجمهورية» أنّ اللقاء تخَلّله حديث طويل في التجربة الانتخابية التي خاضها حزب الكتائب وتلك التي يستعدّ لها «التيار الوطني الحر» وسيخوضها باسيل لتوَلّي رئاسة التيار في أيلول المقبل.
وتناولَ اللقاء في جانب منه الأزمة الحكومية من جوانبها المختلفة والطروحات التصعيدية التي رافقَت النقاش في هذه الأزمة والمواقف المتناقضة منها. وأكّد باسيل أنّ التيار مستمر في تحضيراته لخطوات تصعيدية لا عودةَ عنها، أيّاً كانت الظروف التي ستنتج منها. وعندما سَأله الجميّل عمّا يمكن البحث فيه خلال لقائه المقرّر اليوم مع سلام، تركَ باسيل له حرّية التصرّف ولم يطلب منه شيئاً محدّداً.
إلى الشارع
في هذا الوقت، عكفَ «التيار الوطني الحر» على وضع اللمسات الأخيرة على خطة تحرّكِه على الأرض، وانعقدَت لهذه الغاية سِلسلةُ اجتماعات تنسيقية في كلّ المناطق، من الكورة شمالاً إلى جزّين جنوباً، إضافةً إلى الاجتماعات التي شهدَها المقرّ الرئيسي لـ«التيار» في سنتر ميرنا الشالوحي وفي الرابية.
وأكّدَت مصادر «التيار» لـ«الجمهورية» أنّ تحرّكاته ستَشمل «أهدافاً معيّنة ومحدّدة بدقّة، ولها وقعٌ استراتيجي مؤلِم»، متحدّثةً عن «ضرَبات موجعة».
وفيما وصلت مساء أمس رسائل نصّية إلى الناشطين في «التيار» تدعو إلى التجَمّع في هيئات الأقضية من أجل التحرّك، كشفَت مصادر «التيار» لـ«الجمهورية» أنّ هذه التحرّكات ستنطلق ابتداءً مِن اليوم وعلى كلّ الأراضي اللبنانية. ونبَّهَت إلى «أنّ أيّ تحرّك سيَحدث هو بداية وليس النهاية»، مؤكّدةً «أنّنا لن نقبلَ بأن يُخرجَنا أحدٌ مِن المعادلة».
وعلمَت «الجمهورية» أنّ «التيار» سيتحرّك اليوم في مواكب سيّارة ستجوب الأقضية المسيحيّة بغيةَ شَدّ العصب والتحضير للتحرّك الأساسي غداً بعد جلسةِ مجلس الوزراء، عِلماً أنّ الشكل النهائي للتحرّك لم يحسَم بعد في انتظار تحدّي الساعة صفر».
ونفَت مصادر في «التيار» كلَّ «السيناريوهات التي تتحدّث عن قطعِ طرُق في الشمال وجبل لبنان، أو التحرّك بقاعاً»، لافتةً إلى أنّ «كلّ شيء وارد، لكن حتّى الجمهور العوني الذي سيتحرّك لم يَعرف بعد طبيعة الاعتراض الشعبي وشكله، والأمور متروكة للَحظتِها».
وأكّدَت المصادر «أنّ حركة «التيار» ستكون سِلميّة وديموقراطية وتحت سقف القانون، مستبعدةً تنظيمَ تظاهرةٍ ضخمة في مكان واحد، لأنّ كلّ الاحتمالات مفتوحة وهناك مفاجآت».
الجيش
في المقابل، علمَت «الجمهورية» أنّ «الجيش اتّخَذ قراراً واضحاً وحازماً، فهو سيَحمي التظاهرات إذا تمَّت بطريقة سِلمية وحضارية، لأنّ الجيش هو حامي الدستور والشعب الذي يَسمح للجميع بالتحرّك تحت سقف القانون، لكن من جهة ثانية لن يسمحَ بالاعتداء على أملاك المواطنين والمرافق العامّة وتعكير صفو الأمن وقطع الطرق على الناس، ولن يسمحَ بالصدام في الشارع بين المواطنين، وكذلك لن يسمحَ بالاقتراب من الخطوط والمناطق الحساسة لكي لا يتطوّر الموقف ويتّجه نحو صدامات قد تؤدّي إلى حرب أهليّة».
عون: معركة مصير
وكان عون قد قال بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتّل «التغيير والإصلاح»: «إنّ المعركة التي طُلِب من اللبنانيين التحضير للمساهمة فيها هي معركة مصيرية لا عابرة، والموضوع ذاهبٌ إلى النهاية». وإذ نفى أن يكون البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اتّصلَ به وطلبَ منه عدمَ التحرّك في الشارع، قال: «إنّ قواعد «التيار» تنتظر منّا الموقفَ الرسميّ، حيث سنستمرّ في التحرّك حتى النهاية».
وردَّ عون على رئيس مجلس النوّاب نبيه بري من دون أن يسَمّيه مؤكّداً أنّه «إبن الدولة ولستُ إبنَ النظام الذي حاولتُ الدخولَ إليه، لكنّني لم أجده». وقال: «إنّ الدولة هي الدستور والمؤسسات، أمّا النظام فهو إدارة هذه المؤسسات». واعتبَر «أنّ رئيس الحكومة يتصرّف كرئيس لمجلس الوزراء وكرئيس للجمهورية، إلّا أنّ هذا الأمر مرفوض»، ورأى «أنّ البعض ممّن توَلّى الحكم منذ بداية التسعينات لم يطبّق بنودَ وثيقة الوفاق الوطني، ويَعتبرها مجرّد حبرٍ على ورق».
ولفتَ إلى أنّه عندما طلِبَ منه الابتعاد عن «حزب الله» لانتخابه رئيساً أكّد أنّ الوحدة الوطنية أهمّ مِن رئاسة الجمهورية. كذلك أكّد أنّه لم «يشحَد» السلطة يوماً و«على كلّ الأقزام الذين ينتقدوننا أن يَعلموا أنّ الوطن كان دائماً هدفَنا الأساسي».
وأضاف: «رئاسة الجمهورية لم تعنِ لنا يوماً أكثرَ مِن محاربة الفساد، وأكثرَ مِن مؤسسات الدولة»، داعياً إلى «احترام التسلسلِ الزمني لإنتاج السلطة: أوّلاً الانتخابات النيابية، ثمّ انتخاب رئيس لأنّ مجلساً منتخَباً في العام 2009 لا يستطيع انتخابَ رئيس للجمهورية، والأكثرية الحالية غير شرعية ولا يحقّ لها انتخاب الرئيس». واعتبَر أنّ «المجلس النيابي غير شرعي بمَن فيهم أنا، وغير قادر على انتخاب رئيس».
برّي
وتعليقاً على الأحداث الجارية والتحرّكات المرتقبة في الشارع، نَقل زوّار بري عنه قوله إنّه لا يريد الدخول في سِجال مع أحد، وإنّه يرى أنّ من يعتبر نفسَه ابنَ النظام أو ابنَ الدولة لا يمكن له أن يقوم بأيّ عمل يخَرّب أو يسيء إلى الدولة.
وحسبَ هؤلاء الزوّار فإنّ برّي يتمسّك بالكتاب الذي هو الدستور ويرى وجوبَ أن يعود الجميع إليه وينَفّذوا ما ينصّ عليه في حالة مجلس الوزراء وفي غيرِه مِن الحالات، لا أكثر ولا أقلّ.
«حزب الله»
وعشيّة جلسة مجلس الوزراء لفتَت زيارة وزير «حزب الله» محمّد فنَيش للسراي الحكومي مؤكّداً دعمَ الحزب لـ«التيار الحر»، لكنّه شدّدَ على»أن لا داعي لأن نذهبَ إلى تصادمٍ وتعريض البلد أو الحكومة إلى هزّة»، وقال: «هناك مشكلة، وعلى القوى السياسية معالجتها بإيجابية، لأنّ «التيار» كان سبقَ له أن طرحَ مطلبَه وسمعَ كلاماً إيجابياً من بعض القوى، وعلينا كقوى سياسية أن نبذل جهداً لتجنيب البلد أيّ مشكلة».
ولدى سؤاله هل مِن مساعٍ لإيجاد حلّ قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء غداً؟ كرّر فنيش القول: «إنّ دعمَنا للتيار الحر ليس له حدود ولا شيء تغَيّر في ذلك. ونحن متمسّكون بالحكومة وعملِها وحريصون عليها لأنّنا نعتبرها دستورية في ظلّ هذا الشغور، وهي ضمانٌ لتوازنات البلد، ونحن معنيّون بتجنيب البلد أيَّ تصادم» .
فرنجية في الديمان
إلى ذلك، قال رئيس تيار «المرَدة» النائب سليمان فرنجية بَعد زيارته الراعي في الديمان وردّاً على سؤال لـ»الجمهورية» حول دعوة عون للنزول إلى الشارع: «إنّ موقفَنا واضح وقد أعلنَ عنه الوزير ريمون عريجي، ونحن نعتبر أنّ التحرّك ديموقراطي، إنّما غير مناسب في الوقت الراهن، والخَيار يعود للمواطن».
الحوت
وفي المواقف، قال نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت لـ«الجمهورية»: «إنّ مغامرة استخدام الشارع في هذه اللحظة هي مغامرة بلبنان نفسه، فالشارع كلّه محتقن وهناك نوع من توظيف أمنيّ لأيّ تحرّك يَحصل في الشارع، وبالتالي مَن يُنزِل الناس إلى الشارع لا يملك إخراجَها بقرار بهذه البساطة، من هنا أعتقد أنّ هذه مغامرة بالواقع اللبناني نفسه وليس مجرّد عملية مطلبية بحت».
وسألَ الحوت: «هل الأولوية عند الجنرال عون مصلحة البلد أم مصلحته الشخصية؟ إذا كانت مصلحته الشخصية يصبح كلامنا عن الخوف على البلد وأمنه واستقراره بلا أيّ قيمة، أمّا إذا كان الخوف على البلد نفسه فالجنرال عون يغامراليوم بالمسيحيين وبالواقع اللبناني».
وقال الحوت: «لا أستطيع أن أمنعَ مَن يريد أن يعبّرَ عن نفسِه في الشارع، لكنّ النزول إلى الشارع بالأسلوب الديموقراطي يعني أيضاً الحفاظ على مصالح الناس وعدم إقفال الطرُق، التعبير عن الرأي حقّ مكفول لا نستطيع معارضتَه، بل ينبغي أن يكون للحفاظ على مصالح الناس لا الإضرار بها.
فالتهديد اليوم بإقفال مداخل بيروت وبإجراءات ابتكارية، كلّ هذا سينعكس ضرَراً على المواطن اللبناني وعلى الواقع الاقتصادي، خصوصاً أنّ الجنرال عون يأخذ المسيحيين إلى مكان خطِر جدّاً، يهَدّد إمّا باللجوء إلى الفوضى، وإمّا بالذهاب إلى الفيدرالية، أي بمعنى آخر إنّه يعيد المسيحيين بالدور وبالمكانة إلى الخلف لسنوات طويلة، وبالتالي يَحصرهم في بقعةٍ صغيرة، وهذا للأسف ينسجم مع المشروع الأميركي الذي يذهب إلى تقسيم المنطقة، فهل الجنرال عون اليوم بطرحِه الفيدرالية متَماهٍ ومتناغم مع المشروع الأميركي التقسيمي. المغامرة بالمسيحيين خصوصاً وباللبنانيين عموماً لمصالح شخصية، أعتقد أنّه آن الأوان أن يكون منها موقفٌ واضح من المسيحيين أنفسِهم».
إعتراض مشترك
وسط هذا المشهد، برزَت أمس مسألة اعتراض وزراء التيّار العوني وحزب الله على دفتر شروط مناقصة تشغيل الهاتف الخلوي كملفّ جديد قد يزيد في تعقيدات الخلافات داخل الحكومة، بالإضافة إلى احتمال التأثير سَلباً على المناقصة الدولية لإدارة القطاع المقرّرة في 8 أيلول المقبل.
وقد وجَّه الوزراء كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء سَجّلوا فيه اعتراضَهم، وأكّدوا «رفضَنا منذ الآن هذه المناقصة ونتائجَها، وننَبّه إلى أنّ هذه المناقصة يمكن أن تكون عرضةً للطعن لاحقاً من جانب أيّ متضرّر، لمخالفتها قرارَ مجلس الوزراء ولاعتمادها بذلك بعضَ المعايير الاستنسابية وغير المطابقة».
مصادر حرب لـ«الجمهورية»
وأكّدت مصادر وزير الاتصالات بطرس حرب لـ«الجمهورية»: «أنّ الاعتراض في مضمونه تافِه ويؤكّد أنّ الهدف الأساسيّ هو التعطيل فقط، ووضعُ العصيّ في الدواليب لمنع تطوير القطاع». واعتبرَت «أنّ المعترضين يَهدفون في الواقع إلى حماية مصالحهم الخاصة من وراء التعطيل، في محاولةٍ يائسة للحفاظ على مراكز النفوذ التي أسّسوا لها إبّان توَلّيهم إدارةَ شؤون الوزارة».
وفي سياق متصل، تخوّفَت مصادر متابعة من أن يؤدّي هذا الاعتراض العَلني، وتلويح المعترضين بالطعن بنتائج المناقصة، إلى تقليص فرَص لبنان في الحصول على أفضل العروض من خلال امتناع عدد من الشركات عن المشاركة في المناقصة خوفاً من احتمالات الطعن والتعطيل. (تفاصيل ص 13)