بين ترقّب تصاعد دخان «الاتفاق النووي» في سماء المنطقة، وتحرّك «التيار العوني» في الداخل بعد بروفا الشارع أمس، انقسم المشهد السياسي في البلاد، في ظل تساؤلات كبيرة عن مصير جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم ومسار النقاشات فيها، علماً انّ الاستنفار السياسي بلغ ذروته عشية الجلسة وتوزّع الحراك بين السراي الحكومي الذي قصده النائب وليد جنبلاط والوزيران اكرم شهيّب ووائل ابو فاعور والوزير السابق غازي العريضي، بعدما زاره رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ووزراء الحزب سجعان القزي ورمزي جريج وآلان حكيم، وبين وزارة الخارجية التي شهدت اجتماعاً تنسيقياً بين وزراء تكتل «التغيير والاصلاح» جبران باسيل والياس بو صعب وروني عريجي، وارتور نظاريان، ووزيري «حزب الله» محمد فنيش وحسين الحاج حسن.
قالت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام لـ«الجمهورية» انه قام بما يجب من اتصالات ومشاورات لم توفر أحداً من مكوّنات الحكومة، واوضحت انه لا يجوز الحديث عن سيناريو خاص بهذه الجلسة او تلك، فالأمور لكي تنتظم يجب ان يعود مجلس الوزراء الى عمله الطبيعي في إدارة شؤون الناس، وايّ مجازفة بالحكومة لها محاذيرها ولن نزيد أكثر في انتظار ان تعقد الجلسة.
سيناريو الجلسة
وكشفت مصادر وزارية مطلعة واكبَت حركة الإتصالات لـ«الجمهورية» انّ سلام سيستهلّ الجلسة بالتشديد على الحاجة الماسّة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية لتنتظم العلاقة بين المؤسسات الدستورية ولتجنيب البلاد أزمات مثيلة كتلك التي نشهدها اليوم على أكثر من مستوى.
وبعدها، سيدعو الى مناقشة جدول الأعمال بنداً بنداً، وإذا طلب احد الكلام لن يرفض ذلك لكنّ القرار ان تكون الجلسة لِبَتّ جدول الأعمال ايّاً كانت البنود حسب ورودها فيه.
بو صعب
وفيما وصف باسيل يوم الخميس بأنه يوم «مصيري ومفصلي، وسنكون على مفترق ونذهب بأحد الاتجاهين»، وأكد انه «ليس هناك من حكومة وقرارات حكومية من دوننا»، قال بوصعب لـ«الجمهورية»: «من الواضح اننا دخلنا في مأزق تَعدّى موضوع التعيينات الامنية واصبح الكلام بالدستور وصلاحية رئيس الجمهورية وكيفية ادارة مجلس الوزراء في غيابه، النقاش اليوم سيكون حول آلية عمل الحكومة، كيف تعمل وما هو دور رئيس الجمهورية، هل «يتفرّج» على جدول الاعمال أم له دور؟
الدستور يقول عندما يحضر رئيس الجمهورية الجلسة يترأسها، حسناً اليوم في ظل غياب رئيس الجمهورية، صلاحياته مع مجلس الوزراء مجتمعاً، اي انّ مجلس الوزراء يترأس نفسه والّا تكون صلاحية رئيس الجمهورية ذهبت انفرادياً الى رئيس الحكومة فأصبح هو رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في الوقت نفسه.
نأمل ان لا يكون التعاطي على هذا الاساس، وهذا ما سنوضِحه في جلسة اليوم لأنه اذا كان على هذا الاساس معناه وجود مشكل دستوري كبير، واعتقد انّ النقاش اليوم سيتمحور بكامله حول آلية عمل مجلس الوزراء ولن يمر ايّ قرار اليوم».
واكد بو صعب انّ الاجتماع التنسيقي بين وزراء «التكتل» ووزيري «حزب الله» خرج بتوافق تام على كيفية التعاطي مع القرارات في مجلس الوزراء، فلا اختلاف في الرأي ولا وجهات نظر مختلفة، ولن يقبل احد أن تمرّ قرارات في الجلسة خارج آلية العمل فنحن والحزب و«الطاشناق» و«المردة» سنقِف ضده».
لا تعليق للتحرّك
ومساء أمس اكدت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر لـ»الجمهورية» على سلمية التحرّك وحضاريته، مشيرة الى ان لا تعليق للتحرّك وهو يبقى اليوم رهن تطورات جلسة مجلس الوزراء في ما يتعلق بحقوق المسيحيين ودورهم في الحكم، ولفتت الى انّ الوضع مفتوح على كل الاحتمالات.
جنبلاط
في هذا الوقت، اعتبر جنبلاط انّ سلام أدارَ «البلاد بكل حكمة ودقة في المدة الأخيرة، وقد ابتعدنا سابقاً عن الملفات السياسية الساخنة، لكن اليوم الملفات أكبر وأخطر»، وذكّر انه «طوال الحرب اللبنانية المشؤومة كان لبنان يحترق وكانت البلاد العربية من حولنا مستقرة، اليوم لبنان مستقر وغالبية البلاد العربية من حولنا تحترق. اذاً، قد تكون النار على الأبواب لذلك لا أرى مبرراً لتعطيل جلسات مجلس الوزراء بحكمة الرئيس سلام وادارته، هناك ملفات لا بد من انجازها كي نؤخّر ونتفادى الحريق الآتي ونخدم المواطنين».
وكان جنبلاط اتصل بعون مؤكداً له أنّ «الكلام الذي صدر عن أنه «غَدر به» غير دقيق وغير صحيح»، مذكّراً بـ»أنه كان سَبق وقدّم مبادرة تتعلق بملف التعيينات الأمنية إلّا أنّ هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح لظروف متعددة ليس هناك مجال لشَرحها في هذا الوقت».
وأكّد جنبلاط لعون حرصه «على استمرار العلاقة الإيجابية بينهما وعلى إبقاء التواصل والتشاور الثنائي قائماً، والذي أثبتَ في المراحل السابقة فاعليته على عدد من المستويات بما يتماشى مع المصلحة الوطنية اللبنانية».
مبادرة الجميّل
وفي هذه الأجواء كشفت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» عناوين الطرح الذي تقدّم به الرئيس المنتخب للكتائب النائب سامي الجميّل أمام سلام تحت عنوان «المشاركة والشراكة» في العمل الحكومي، وتتناول العناوين الآتية:
– طريقة اتخاذ القرارات على قاعدة المساواة بين مكوّنات الحكومة جميعها من دون استثناء او تفرقة بين مكوّن وآخر.
– اتخاذ القرارات على اساس التوافقية شرط عدم استغلال السعي الى التوافق من أجل التعطيل. ومن لديه أسباب موجبة «محرزة» وهواجس تستأهل التريّث في اتخاذ ايّ قرار لا بد من الأخذ بها ومراعاتها. وفي حال ثبوت العكس، وتحديداً عندما يكون الهدف المشاكسة والتعطيل ليس إلّا – والأمر لن يكون صعباً لاكتشافه – يمكن اللجوء الى الأكثرية لاتخاذ القرار.
– اللجوء الى مثل هذه الآلية لا يتمّ إلّا عند البحث ببنود جدول اعمال مجلس الوزراء بنداً بنداً وليس قبله.
– الحد من إنفاق المال العام واعتماد مزيد من الشفافية في بلد بلغت فيه المديونية حدوداً لم تصِل اليها من قبل، ذلك انه من الإجرام الاستهتار بالمال العام.
– التعيينات الأمنية والعسكرية في وقتها ولا يمكن اللجوء اليها إلّا في مواعيدها حفاظاً على هيبة المؤسسات واحتراماً للمكلفين بالمهام الأمنية الكبرى.
وقالت مصادر المجتمعين انّ التوافق كان تاماً بعد مناقشات مستفيضة تناولت بعض الهواجس التي عَبّر عنها الجميّل بدقة وبشكل محدد وواضح للغاية، فلم يَتنكّر لها سلام بل على العكس كان حديثه صريحاً وواضحاً وضع الإصبع على جروح كثيرة لا يجب ان تتكرر بتوافق الجميع.
وأكدت المصادر انّ ما تمّ التفاهم بشأنه سيبرز في وقت قريب من خلال عمل مجلس الوزراء وطريقة مقاربة الأمور وفي القرارات التي سيتخذها المجلس في المرحلة المقبلة.
تنسيق بين وزراء «التشاوري»
وسبق لقاء سلام والكتائب في السراي زيارة قام بها وزير العمل سجعان القزي للرئيس السابق ميشال سليمان لتنسيق المواقف في إطار اللقاء التشاوري السياسي – الوزاري، حيث سيتوجهون الى جلسة اليوم بمنطق واحد متكامل من مختلف البنود المطروحة ولا سيما في القضايا الأساسية، ومنها رفض مقاربة ملف التعيينات العسكرية قبل نهاية ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي حفاظاً على معنويات المؤسسة ولحماية الدور الكبير المنوط بها وعدم التفريط به على الإطلاق.
وعلمت «الجمهورية» انّ لقاء سياسياً ووزارياً عقد ليل أمس في منزل وزير الدفاع سمير مقبل لاستكمال المشاورات وتحديد المواقف من القضايا العامة، ولا سيما المطروحة على جلسة اليوم.