حرّكت المعركة التي خاضها الجيش في طرابلس والشمال ضد المجموعات الإرهابية بنتائجها المياه السياسية الراكدة، مُقلّصةً الهوّة بين القوى السياسية التي يُنتظر أن تتوافق شيئاً فشيئاً على تمديد ولاية مجلس النواب خلال الأسبوع الأوّل من الشهر المقبل لتداركِ فراغ نيابي يستحيل بعده مَلء الشغور الرئاسي. وفي هذا السياق شهدَت الساحة السياسية في الساعات الماضية حراكاً ملحوظاً توزَّع بين عين التينة ودار الفتوى اللتين زارهما رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ومعراب التي زارها النائب سامي الجميّل، فيما التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب «القواتي» جورج عدوان. وفي هذا الوقت، كان رئيس الحكومة تمام سلام يشرح عبءَ مشكلة النازحين السوريين على لبنان في مؤتمر برلين، مطالباً بزيادة الدعم الدولي له، ومساعدته على تخَطيها.
عشيّة الجلسة النيابية الرقم 15 المقرّرة اليوم لانتخاب رئيس جمهورية جديد وجلسة مجلس الوزراء غداً، توجَّه عون إلى عين التينة في زيارة أكّد أنّها «في غالب الأحيان تكون مثمرة»، مشيراً إلى أنّ «هناك أموراً كثيرة نتفاهم عليها». وتخلّل اللقاءَ غداءٌ كانت الملفات السياسية المطروحة طبقه الرئيسي، وفي مقدّمها ملف التمديد للمجلس النيابي، وشارك فيه نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي.
برّي
ووصف بري أجواء لقائه وعون بأنها كانت جيدة، مؤكداً أن لا مشكلة في الاصل بينهما. وكرّر امام زوّاره امس حرصَه على الميثاقية في التعاطي مع موضوع التمديد لمجلس النواب، مؤكّداً أنّه سيلتزم هذا المبدأ في الجلسة النيابية الخاصة بهذا التمديد، والتي سيدعو اليها في الاسبوع الأوّل من الشهر المقبل.
وقال بري إنّه فاتحَ عون وعدوان بهذا الموقف، مشدّداً على وجوب تأمين الميثاقية في هذه الجلسة وحضور المكوّن المسيحي فيها، «لأنّ الميثاقية يجب أن تُطبّق على الجميع وليس على مكوّن واحد فقط».
وأكّد أنّه وضعَ عون و«القوات» و«الكتائب» أمام مسؤولياتهم في موضوع التمديد، محذّراً من انّ عدم حصول هذا التمديد، وتالياً عدم حصول انتخابات، سيوقِع البلد في فراغ نيابي يستحيل بعده انتخاب رئيس جمهورية جديد، مشيراً إلى أنّه كان يعارض التمديد، لكنّه انقلب على موقفه 180 درجة بعدما سمع أنّ البعض سيعارض الانتخابات إذا لم يحصل التمديد، وبعدما شعر بأنّ عدم التمديد وتالياً عدم إجراء الانتخابات سيُحدِث فراغاً في السلطة التشريعية، ما يكرّس الشغور الرئاسي ويَحول دون انتخاب رئيس جديد.
وأكّد بري انّه في الاصل والآن ليست لديه مشكلة في إجراء الانتخابات، لأنّ غالبية اعضاء كتلته الذين ترشّحوا فازوا بالتزكية، وقال: «إنّ من لا يريد الانتخابات ولا يريد التمديد يعني أنه لا يريد انتخاب رئيس جمهورية جديد، وفي هذه الحال فليتحمّل المسؤولية».
وعمّا حصل في طرابلس، قال بري: «إنّ الجيش قام بواجبه في طرابلس والشمال ولم تحصل ايّ صفقة في موضوع هروب الرؤوس الكبيرة من المسلحين».
عون
بدوره، جدّد عون رفضَه للتمديد، مشيراً إلى أنّ الطعن فيه يُبحث ضمن «التكتل»، ورأى أنّ الانتخابات النيابية «غير واردة، أمّا موضوع انتخابات الرئاسة فنحن متفاهمون عليه، وظروفه حالياً غير مؤاتية».
وإذ لفتَ عون الى انّ إشاعات تُثار عادةً في الصحف ثمّ تنطفئ لوحدها، نفى وجود خلافات مع بري، وقال: «إذا حصلت مناقشات في بعض المواضيع فلا يعني ذلك انّ كلّ واحد منّا تخلّى عن طريقة تفكيره ورأيه في بعض المواضيع، ولكن إجمالاً تنتهي بتفاهم يأخذ في الاعتبار المصلحة العامة».
وأكّد عون بعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان انّ العلاقة مع الرئيس سعد الحريري لم تنقطع، بل إنّ المحادثات تجمّدت، كاشفاً أنّه تلقّى رسالة شفوية منه تضمّنت «سلاماً وكلاماً، و«أنّ الوضع كما هو».
سامي الجميّل في معراب
وعشيّة زيارته الرابية للقاء عون في إطار تحرّك يقوده، وصفَته مصادر كتائبية بأنّه أكبر من زيارة عادية وأصغر من مبادرة، زار النائب الجميّل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وأعلن بعد اللقاء «أن لا اتّفاق على التمديد لأنّه لا يمدّد لمجلس فشلَ في كل شيء، أمّا البديل فهو نفض البلد من أساسه».
وأجمعَت مصادر الكتائب و»القوات» على التأكيد لـ«الجمهورية» انّ اللقاء شهدَ «أوسع جولة أفق في ملفات عدة مطروحة على الساحة اللبنانية»، وأكّدت «أنّ الجوّ كان ودّياً، وتمّ التطرّق الى المواضيع الرئيسية، كموضوع التمديد النيابي، بحيث جاءت مواقف الطرفين واضحة في هذا الإطار، فأكّد كلّ منهما موقفه من الموضوع، فهما ما زالا يرفضان التمديد للمجلس، ولو بنحوٍ مختلف».
وأضافت المصادر أنّ الطرفين «توقّفا طويلاً عند موضوع رئاسة الجمهورية بحيث كان هناك توافق على عدم الاستمرارفي هذه الحال ووجوب الخروج منها، لأنّ التعطيل سيحرم المسيحيين موقع الرئاسة، من هنا طُرحت بعض الأفكار التي ستتبلور في الفترة المقبلة للوصول الى انتخاب رئيس جمهورية جديد.
كذلك أكّدا أن ليس من المهم مَن سيكون المرشّح لهذه الانتخابات، بل المهم ان تؤدّي الى ملء الشغور الرئاسي واستعادة مركز مهمّ طال الشغور فيه وبات يهدّد وحدة بقيّة المؤسسات الدستورية ومناعتها».
وأثنى الطرفان على دور الجيش اللبناني في طرابلس وعكّار بعد عرسال ومناطق أخرى، والتي أكّد فيها أنّه «الضامن الوحيد للأمن والاستقرار في البلاد». ونوَّها بمواقف الطرابلسيين «الرافضين وجود أيّ بؤرة إرهابية وأن تكون المدينة حاضنة لها».
وفي موضوع اللاجئين السوريين، رحّب الطرفان بالسياسة الحكومية المتّبعة ونوّها بالورقة الحكومية التي وضعتها اللجنة الوزارية الخاصة بالملف وتمنّيا التوفيق لمؤتمر برلين ليقدّم للبنان ما يحتاجه من دعم مادي وعسكري وفي مختلف المجالات.
وأكّدا أهمّية تنفيذ قرار مجلس الوزراء الأخير بعدم استقبال أيّ لاجئ سوري بعد الآن، وضرورة غربلة اللاجئين بعدما تبيّن أنّ قسماً منهم لا يُستهان به أتى من مناطق آمنة في سوريا، وهذه الغربلة قد تُخفّف بنسبة 30 الى 50 في المئة من عبء النازحين.
كوستانيان
إلى ذلك، أوضح ألبير كوستانيان الذي رافقَ الجميّل الى معراب لـ«الجمهورية» أنّ «زيارة معراب أكّدت إستراتيجية العلاقة بين الكتائب و«القوّات»، مشيراً الى «أنّ الكتائب تحاول البحث عن ارضية مشتركة للتواصل بين المسيحيين بصرف النظر عن الأسماء الرئاسية المرشّحة».
وأوضح أنّه «تمّ التطرّق خلال اللقاء الى الخطر الإستراتيجي الذي يهدّد الوطن والمسيحيين من جرّاء ارتفاع أعداد النازحين السوريين، والسُبل الآيلة الى تطبيق قرارات مجلس الوزراء الرامية الى إيقاف النزوح وإيجاد الحلّ الملائم لهذه المعضلة».
وقال كوستانيان إنّ «اللقاء خرج بموقف مبدئي موحّد برفض التمديد النيابي، فنحن نعتبر أنّ المجلس الممدّد له لم ينجز أيّ عمل مهمّ، ولم يردّ على طلبات الكتائب والشيخ سامي بصَوغ قانون انتخاب يؤمّن صحة التمثيل، والدكتور جعجع هو ضدّ التمديد، لذلك، فإنّ «القوات» والكتائب متفقتان على
هذا الأمر، مع معرفتنا بالأسباب الموجبة للتمديد وصعوبة إجراء الانتخابات النيابية».
ونفى كوستنيان الدخول في الأسماء المرشّحة للانتخابات الرئاسية، وقال إنّ جعجع «أعلن مراراً استعداده للانسحاب إذا تمّ التوافق على إسم رئاسي، والمشكلة ليست عنده أو عندنا، بل عند «حزب الله» وعون وإيران».
وأشار إلى أنّ زيارة الرابية اليوم «هي لتخفيف الاحتقان في الشارع المسيحي، والبحث في الأخطار الوجودية، واللقاء سيتناول التمديد النيابي، وتوحيد الرؤية حول التعامل مع ملف النزوح والملفات المصيرية. كذلك سيتناول اللقاء الاستحقاق الرئاسي لكن من دون الدخول في الأسماء، بل سنسأل لماذا يعطّل «التكتّل» النصاب ولا يحضر جلسات الانتخاب ويحرم المسيحيين وبالتالي لبنان من رئيس جمهورية؟».
قوى «14 آذار»
في سياق آخر، علمَت «الجمهورية» أنّ لقاءً عُقد ليل أمس في «بيت الوسط» حضرَه ممثّلون عن القوى الحزبية والكتل النيابية الممثلة في قوى 14 آذار من الصف الثاني، وخُصّص للبحث في مختلف التطورات وحصيلة المشاورات الجارية منذ أيام عدة على أكثر من مستوى، من ملف انتخابات الرئاسة الى ملف التمديد الى الأوضاع الأمنية في عكار وعرسال ومناطق مختلفة من لبنان.
وعلمت «الجمهورية» أنّ مختلف الأطراف احتفظوا بمواقفهم المعلنة من التمديد للمجلس، فيما ظهر تجانُس واسع على مستوى الملفات الأمنية والأزمة السورية وتردّداتها على الساحة اللبنانية وسُبل المواجهة.
ملف العسكريين
وعلى خط ملف المخطوفين العسكريين لدى الإرهابيين، وفيما يواصل أهالي العسكريين المخطوفين اعتصامهم في ساحة رياض الصلح، علمت «الجمهورية» انّ الوسيط القطري أحمد الخطيب موجود في بيروت منذ مساء أمس الاوّل، وهو بدأ مفاوضاته مع «جبهة النصرة» في جرود عرسال، ومن المقرّر ان ينقل مطالبها ولائحة أسماء خطّية الى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، على أن يستأنف التفاوض مع «داعش» لاحقاً.
في غضون ذلك، قال وزير الصحة وائل ابو فاعور لوكالة «رويترز» إنّ لبنان يتفاوض مع المسلحين لوقف إعدام جنديين لبنانيين، مؤكّداً «أنّ المحادثات إيجابية».
وقال: «تلقّيتُ طلباً واحداً محدّداً من الخاطفين مقابل وقف إعدام العسكريين، وتمّت معالجته مع رئيس الحكومة تمام سلام ومع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي يتولى ملف التفاوض مع الخاطفين». وأكّد ابو فاعور أنّ الامور ذاهبة في اتّجاه ايجابي، لكنّه أشار إلى أنّه لم يحصل على ضمانات لوقف الإعدامات نهائياً.
خليّة الأزمة
وعشيّة جلسة مجلس الوزراء علمَت «الجمهورية» أنّ الأمانة العامة لرئاسة الحكومة دعت باسم سلام الذي عاد ليل أمس من برلين، أعضاءَ خلية الأزمة الوزارية المكلّفة متابعة ملف العسكريين المخطوفين الى اجتماع يُعقد مساء اليوم في السراي الحكومي لمناقشة الجديد في هذا الملف وحصيلة المشاورات التي يقوم بها ابراهيم، وكذلك حصيلة مهمّة الوسيط القطري قبل نقل حصيلتها الى مجلس الوزراء غداً.
كذلك سيُطلع سلام مجلس الوزراء على نتائج مؤتمر برلين ولقاءاته مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل.
تطويع جديد
إلى ذلك تضمّن جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء بنوداً إدارية وأخرى أمنية أبرزُها اقتراح وزارة الداخلية تطويع ألف عنصر جديد للمديرية العامة للأمن العام، من بينهم 500 مفتش متمرّن من الدرجة الثانية و500 مأمور متمرّن، وتطويع 4000 عنصر لمصلحة قوى الأمن الداخلي. وتأتي هذه الخطوة في إطار الخطة التي وُضعت لاستيعاب نحو 17 ألف عسكري في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والجمارك.
مصدر عسكري
أمنياً، أكّد مصدر عسكري لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش لم يدخل في تسويات في طرابلس، بدليل استمراره في المواجهة عبر الدهم وملاحقة المسلحين، فلو كانت هناك تسوية لكان عاد الهدوء، وتوقّفت كلّ الأعمال العسكرية»، وأشار إلى أنّ «الجيش أوقف أمس 32 شخصاً متهمين بالانتماء إلى تنظيمات إرهابية».
ونفى مقولة إنّ «الجيش فتحَ النار وبدأ المعركة لتسجيل انتصارات، خصوصاً بعد عودة قائد الجيش العماد جان قهوجي من الولايات المتحدة الأميركية»، مشدّداً على أنّ «المسلحين هم مَن فتحوا المعركة بعدما أوقف الجيش خليّة أحمد ميقاتي، وانفلشوا في كلّ أرجاء طرابلس، علماً أنّهم كانوا يعتدون على دوريات الجيش قبل سفر قهوجي إلى أميركا». (تفاصيل ص 5)
هيل عند قهوجي
وكان قائد الجيش استقبل أمس السفير الأميركي ديفيد هيل ووضَعه وفق معلومات «الجمهورية» في أجواء المعركة التي خاضها الجيش في طرابلس والشمال، بعدما استفسرَ هيل عن ظروفها. وأكّد قهوجي مجدّداً جهوزية الجيش وقدرته على التصدّي للإرهاب في أيّ منطقة من لبنان، لافتاً إلى «أنّ الاحداث المتنقلة تثبت ذلك».
موفد لآلن في بيروت
وفي هذه الأجواء، وتزامُناً مع الجولة التي يقوم بها منسّق الحلف الدولي في مواجهة «داعش» في سوريا والعراق جون آلن في المنطقة، قام قائد العمليات الخاصة الاميركية ريموند توماس بزيارة خاطفة إلى لبنان استمرّت ساعات يرافقه وفد عسكري. وكان وصلَ من القاهرة، ثمّ غادر متوجّهاً إلى لارنكا في طائرة عسكرية أميركية خاصة.
على خَطّ آخر، تمّ تشديد الإجراءات الأمنيّة في المباني الفدراليّة الأميركيّة مساء أمس بسبب تهديدات إرهابيّة.