Site icon IMLebanon

 جلسة مقاربة حكومية بعد الفطر… ومواقف بالجملة اليوم

مع انسداد آفاق الحلول للأزمة السياسية بشقوقها الرئاسية والنيابية والحكومية وعودة التصعيد الى الشارع بما يهدّد الاستقرار الهَشّ المضمون بالإرادتين الاقليمية والدولية، عادت الانظار لتنصَبّ على الجيش بقيادة العماد جان قهوجي الذي نجح أمس في مواجهة تحدٍّ جديد، بحيث أنه مَنع انزلاق الشارع الى الفوضى مع ما يَستتبعها من تخريب للاستقرار العام، مُتكبّداً سبعة جرحى من دون أن يمسّ بحقّ التعبير عن الرأي الذي يَكفله الدستور، في وقت نجح رئيس الحكومة تمام سلام في امتصاص التحرّك العوني سياسياً، مُعيداً مجلس الوزراء، ومعه القوى السياسية، الى جَادة التوافق التي يفترض ان تؤدي في نهاية المطاف الى انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي، خصوصاً بعدما ثبتَ للقاصي والداني انه الخيار الأمثل للخروج من الازمة. على أمل أن تنعقد جلسة مجلس الوزراء المقررة بعد عيد الفطر لتكريس هذا النهج التوافقي مَشفوعاً بالتداعيات الايجابية على لبنان والمنطقة التي يتوَسّمها الجميع من الاتفاق النهائي الوشيك في فيينا بين ايران والدول الغربية على الملف النووي الايراني.

في موازاة تصميم الجيش على المضيّ في إجراءاته بعد «التحركات العونية» في الشارع وما رافَقها من احتكاكات مع الجيش وسقوط جرحى في صفوف الطرفين، بَدا انّ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، الذي حَظي بدعم مُتجّدّد من «حزب الله»، ماض في تصعيده، متوعّداً بـ«مفاجآت كثيرة» ورافضاً أن يُسأل عن حلفائه، وواصفاً أمس بأنه يوم «تاريخي».

وكانت قيادة الجيش أعلنت إصابة سبعة عسكريين بجروح مختلفة في اعتداءات بعض المتظاهرين على عناصره قرب السراي الحكومي، وأكدت أنّ «المؤسسة العسكرية، ونظراً إلى تصاعد التجاذبات السياسية في البلاد، والمترافِقة مع بعض الاحتجاجات الشعبية، لن تُستدرَج إلى أيّ مواجهة مع أيّ فريق كان»، مُشددة على «أنّ هدفها هو حماية المؤسسات الدستورية والممتلكات العامة والخاصة، وسلامة المواطنين، إلى جانب تأمين حرية التعبير لدى جميع اللبنانيين، في إطار القوانين والأنظمة المَرعيّة الإجراء».

مجلس الوزراء

ورداً على سؤال حول ما يجري في مجلس الوزراء وفي الشارع، إكتفى رئيس مجلس النواب نبيه بري بالقول أمام زوّاره: «ما عم بحكي، ما عم

بسمَع. إسألوني عن فيينا».

وكانت جلسة مجلس الوزراء أمس تجاوزت كل السقوف وانعقدت على وَقع شارع مُلتهب في مشهد أعاد البلاد الى زمن سياسي أسوَد ظنّ اللبنانيون أنه وَلّى الى غير رجعة تحت مظلّة الاستقرار الامني السائِد حالياً.

وقد بدأت الجلسة باستعراض مُفتعل لوزير الخارجية جبران باسيل مُستغِلّاً وجود المصوّرين داخل قاعة مجلس الوزراء موجّهاً الكلام الى رئيس الحكومة تمام سلام بأنه يريد مناقشة الاعتداءات على الدستور ومخالفته، حاملاً معه نصّ المادتين 53 و62 منه.

وإذ طلب سلام من باسيل الانتظار لخروج المصوّرين وبدء الجلسة، أصَرّ الاخير على الكلام، فقال له رئيس الحكومة: «الجلسة لم تبدأ بعد وأنا لم أعطك الإذن بالكلام»، فقاطعه باسيل محاولاً إظهار موقفه اكثر، فما كان من رئيس الحكومة الّا أن طَرقَ يده بقوّة على الطاولة، وعَلا صوته قائلاً: «هذا النوع من المشاغبة غير مقبول داخل مجلس الوزراء، وهذه القاعة لها حرمة ولا يجوز لوزير مثلك ان يتصرّف هكذا، و»أنا لَمّا بحكي إنت بتسكت، واذا ما عَجبك إعمل يَللي بيرَيّحَك يا معالي الوزير».

وبعد إخراج المصوّرين من القاعة، إستمرّ الجدل واشتَدّت حِدّته، وسادَ هرج ومرج، فتوجّه سلام الى باسيل قائلاً: «هذا كلام لا يليق بوزير خارجية ولا يليق بالدولة، هذا عيب، أنت تقول انك تتحدث بوكالتك عن رئيس الجمهورية، فهل الرئيس يستعمل هذا الاسلوب؟».

وأضاف: «لم يَصْفني أحد في حياتي بما وَصفتموني به أمس من منبر وزارة الخارجية، والقول إنني أقوم بسرقة موصوفة غير مقبول على الاطلاق وهو كلام معيب، وهذه غوغائية في التصرّف، انا لا أحد يعلّمني صلاحيّاتي».

ثم عرض سلام لعمل الحكومة وتَمكّنها من إبعاد الكأس المرّة عن البلاد، مثل الاحتكاكات الطائفية التي تشكّل مقتلاً لها، وقال: «إنّ الخلاف يجب ان لا يصِل الى صدام، والمقاربة التي اعتمدتها سأستمر فيها، وعندما أشعر بأنّ هناك رغبة في التعطيل لمجرّد التعطيل فسأتصدى له، ولن أقف متفرّجاً على الشتائم وأسكت، هناك كرامتي وكرامة منصب رئيس مجلس الوزراء ولن أسمح بالاعتداء عليهما».

أبو فاعور

وقال الوزير وائل ابو فاعور لباسيل: «إحترموا رئيس الحكومة ولا يجوز التعاطي معه هكذا. انتم تطالبون بالرئاسة فاحسبوا انكم حَصلتم عليها، هل تقبلون بأن يُخاطَب الرئيس مثلما تُخاطِبون رئيس الحكومة اليوم؟ تهذّبوا، وهذا الكلام لا يجوز».

ثم توجّه ابو فاعور الى سلام قائلاً: «إزا ما بَدّو يلتزم الأصول ويحترم إدارة الجلسات ورئيس الجلسة، خَلّي حَدا من الأمانِة العامة يِخِرجو من الجلسة».

وهنا، جنّ جنون باسيل واحتَدّ السجال وتبودِلَت خلاله كلمات نابية. وتدخّل الوزير اكرم شهيّب، وقال لباسيل: «اذا كان رأس الديبلوماسية يُخاطِب بهذا الاسلوب فماذا تركتَ لغيرك؟».

وتدخّلَ بعض الوزراء، ومنهم رشيد درباس وسجعان القزي وبطرس حرب ونبيل دو فريج الذي قال لباسيل: «أنت لست رئيس جمهورية هنا، فصلاحيات الرئيس مُناطة بالوزراء الـ 24 وليس بك وحدك».

وتدخّل القزي وقال: «ما يحصل ليس امراً طبيعياً ولم نشهده مرة الى اليوم، نحن بحاجة ماسّة الى مناقشة الآلية الحكومية مُجدداً لبَتّ الأمور مرة نهائية، واعتقد اننا بحاجة الى آليّة أخلاقية قبل ان تكون دستورية».

واضاف: «دخلنا الى مجلس الوزراء لنناقش في صلاحيات رئيس الجمهورية أثناء الشغور، وفي الجلسة الأخيرة صرنا نبحث عن صلاحيات رئيس الحكومة في ظلّ نقاش بقيَ خارج إطار الدستور والقانون والمنهجية. لا يمكن ان نقبل باستمرار الأمور، وعلينا وَقفها فوراً عند هذا الحد، وإذا قبلنا بلَملمة ما حصل فلكي نَتلافى مشكلة ثانية». وختم: «إنّ ما حصل ليس قاعدة، ويمكن ان يتكرر».

وهنا طلب الوزير نهاد المشنوق من سلام وباسيل الاجتماع في قاعة جانبية، وانضمّ اليهم الوزير محمد فنيش. وعقدت خلوة ركّزت على وجوب التوصّل الى حلّ ومعالجة قبل رفع الجلسة حفاظاً على صورة مجلس الوزراء، ودخلَ الوزير علي حسن خليل الخلوة غاضباً، وتبعه ابو فاعور.

وقال خليل لسلام: «من غير المسموح أن تقوموا بتسويات جانبية، فالقرارات تُتخَذ على طاولة مجلس الوزراء، واذا كان من قرارات فلتُتخذ داخل الجلسة. من غير المقبول تجاوز قوى سياسية أساسية مُمثّلة في الحكومة وتجاهلها».

وخرج من القاعة، وتبعه سلام قائلاً له: «الحق معك». وأعاد النقاش من الخلوة الى طاولة المجلس، فاقترح جلسة تخصّص لمقاربة العمل الحكومي، مُصرّاً على كلمة «مقاربة» وليس آليّة، طالبا بأن يقرّ البند الاول من جدول الاعمال المتعلّق بنقل اعتماد للمستشفيات، لأنه بند طارئ وملحّ. فوافق عليه جميع الوزراء بمَن فيهم وزراء «التكتل» و«حزب الله».

كلام المصادر

وعقب الجلسة، رفضت مصادر سلام التعليق على ما دار فيها وبعدها. وقالت لـ»الجمهورية»: «لم يبق في هذه الجلسة سراً إلّا وباتَ مكشوفاً. فما حصل في بدايتها كان نقلا مباشراً عبر شاشات التلفزيون، وما جرى في داخلها باتَ على كل شفة ولسان، وليس لدى رئيس الحكومة ما يُقال، فليحكم الناس والرأي العام على كل ما شَهدته هذه الجلسة».

ولفتت الى أنّ سلام «تلقّى اتصالات عدة من قيادات سياسية وحزبية ووطنية، منها ما أُعلن عنه ومنها ما بقي طيّ الكتمان، وقد عبّرالمتّصِلون عن دعم لموقفه مُنوّهين بأدائه السليم والصحيح».

وجزمت مصادر وزارية بأنّ تصرّف باسيل لم يكن يعلم به أحد من حلفائه مسبقاً، بل انه فاجأ الجميع به، مثلما تفاجأوا بردّة فِعل سلام الذي لم يكن يوماً حاسماً وحادّاً في كلامه مثلما كان في جلسة الأمس. وقالت: «اذا بقي التصعيد في الشارع فإنّ الجلسة المقبلة في 23 الجاري ستكون على غرار جلسة أمس».

وخلال الجلسة حذّر الوزير نبيل دو فريج من أنّ عقد «سوكلين» ومطمر الناعمة وجمع النفايات ينتهي في 17 الجاري. وسأل: «ماذا سنفعل الخميس المقبل؟ هل سيستفيق اللبنانيون عشيّة عيد الفطر والنفايات على أبوابهم؟»

عريجي

وقال الوزير روني عريجي لـ«الجمهورية»: «لقد تجاوَزنا قطوعاً كبيراً في الجلسة، ونحتاج اليوم الى جهد سياسي استثنائي يجب توفيره اليوم قبل الغد». ورأى «انّ الحل الشكليّ الذي اعتمد هو دعوة رئيس مجلس الوزراء الى مقاربة عمل الحكومة في الجلسة المقبلة، لكنّ جوهر المشكلة رَهن بنيّات كل فريق للوصول الى طروحات ايجابية، والّا فنحن ذاهبون الى تعقيدات كبيرة جديدة وجدية».

قزي

وقال قزي لـ«الجمهورية»: «إنّ مجلس الوزراء كان يحتاج الى آليّة أخلاقية قبل الآلية الدستورية، فقد انتقل الشارع الى قاعة الجلسات، ونوعية

السجال والتلاسُن لم تكن في مستوى مجلس الوزراء، وهذا أمر مُهين للحياة السياسية في لبنان، ما يستدعي إعادة النظر في طريقة التعاطي بالشأن العام، والمسألة لم تعد مسألة صلاحيات هذا المكوّن أو ذاك، أو هذه الطائفة او تلك، بل أصبحت عملية بحث عن مصالح لا تمتّ الى مصالح المكوّنات اللبنانية».

ورداً على سؤال، قال قزي: «بغضّ النظر عمّا إذا كانت حركة الشارع قوية أو ضعيفة، ليس هذا هو الشارع الذي يمكن ان يغيّر الوضع نحو الافضل، او أن يؤدي الى انتخاب رئيس او أن يُفعّل عَمل الحكومة، او أن يُنقذ الوجود المسيحي في لبنان والشرق.

وإن كان من كلمة فهي انّ مصلحة لبنان الوطنية تقضي بأن نلتزم أحكام الدستور والآليات الدستورية من دون ابتِداع مبادرات لا تَمتّ الى الدستور والنزول الى الشارع بلا مبرّر مُقنع، وحبّذا لو انّ ما حصل اليوم وقبله، يؤدي لا الى النزول الى الشارع بل الى الجلوس معاً كقادة وأحزاب وتيارات مسيحية للبحث في المصير المسيحي في جوّ حضاري وعلمي وموضوعي، ونخرج بتوصيات وخطة عمل لاستعادة الدور المسيحي».

الحنّاوي لـ«الجمهورية»

وتعليقاً على إعلان «الانتصار» من الرابية على لسان عون، ومن بعده على لسان باسيل، سأل الوزير عبد المطلب الحنّاوي عن نوع هذا الانتصار؟ وقال: «لم نلاحظ أيّ انتصار لنظريّتهما. فالمنتصِر لا يتحدث عن انتصاره، وينتظر طرفاً ثالثاً للحديث عنه، وانّ الذي يخسر هو الذي يتحدث عن الانتصار».

وأضاف: «ليس هناك أيّ انتصار، بل على العكس رفضوا البَتّ بأيّ بند قبل تعيين قائد الجيش، ووافقوا جميعاً على قرار دفع المستحقات الى المستشفيات والهيئات الضامنة من وزارة الصحة، وهو قرار من جدول الأعمال.

أضِف الى ذلك، قالوا انه لا يمكن البحث في ايّ أمر قبل التعيين وتوَافَقنا على البحث في الجلسة المقبلة في آليّة العمل في مجلس الوزراء، ما يعني انّ ملف التعيينات بات أمراً ثانوياً، علماً انّ البحث في الآلية سيتناول جدول الأعمال وليس أيّ شيء آخر».

حمادة لـ«الجمهورية»

وفي المواقف ايضاً، قال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «حفلة عون اليوم (أمس) هي إشكال بلا أفق في مجلس الوزراء، وتظاهرة بلا جمهور في الشارع، وتحريض طائفي ومذهبي مرفوض لدى جميع اللبنانيين عموماً، وفي اعتقادي لدى المسيحيين أوّلاً». وختم: «إنّ إنقاذ لبنان لا يمرّ بمصالح «الصهرَين» وتأليه الجنرال».

عون

وكان عون أكّد، بعد جلسة مجلس الوزراء وخروج المعتصمين من الشارع، انّ «التيار الوطني الحر» حَقّق ما يريده في هذه الجلسة، معتبراً انه «يوم تاريخي» في مجلس الوزراء وفي الشارع. وقال: «لا اميركا ولا روسيا ولا غيرهما قادر على إزاحتي شَعرة عن موقفي».

وسأل: «لماذا استعمال القوة؟». وأكد ان «لا رئيس جديداً قبل الانتخابات النيابية وقبل قانون انتخابي جديد يؤمّن التمثيل الصحيح للجميع»، وأكد «انها البداية» متوعّداً بـ»مفاجآت كثيرة آتية»، ومشدداً على انه «لن يمرّ أيّ قرار في مجلس الوزراء من دون موافقتنا».

الوفاء للمقاومة

وجددت كتلة «الوفاء للمقاومة» تضامنها مع «التيار الوطني الحر» في تحركاته ومطالبه. واعتبرت انّ «سياسة التفرّد وتهميش الشركاء في الوطن التي اعتمدها حزب «المستقبل» وملحقاته على مدى السنوات الماضية، لا تزال تُمعن في تخريب الدولة وتعطيل مؤسساتها الدستورية وتدفع المغبونين الى المطالبة الصارخة بحقوقهم التي هَدرَها سوء تنفيذ اتفاق الطائف، سواء لجهة التطبيق الاستنسابي للاصلاحات، أم لجهة العلاقات المميزة مع سوريا».

4 كلمات واجتماع

وفيما يشهد اليوم 4 كلمات، الاولى للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله في مهرجان «يوم القدس العالمي» في الخامسة والنصف عصراً، تسبقها كلمة لوزير الخارجية جبران باسيل الذي سيتحدث في مؤتمر صحافي الحادية عشرة والنصف قبل الظهر عن جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، وتليها ظهراً كلمة لرئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية يتناول فيها قضايا الساعة، وتوازياً تعقد الأمانة العامة لقوى 14 آذار اجتماعاً طارئاً وموسّعاً «لمناقشة التطوّرات التي حصلت والتي فرضَت نفسها على لبنان»، على أن ينتهي اليوم الطويل بكلمة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع السادسة والنصف مساءً خلال تسليم بطاقات انتساب الى الحزب لمنطقة البقاع.