فيما تمضي المفاوضات النووية في فيينا قُدماً الى الامام وسط تزايد الحديث عن إمكانية ولادة الاتفاق بين الدول الغربية وايران خلال الساعات المقبلة في ظل استياء اسرائيلي، توسّمَ رئيس مجلس النواب نبيه بري خَيراً من هذا الاتفاق، مُتوقعاً ان تكون أولى ثماره تفريجاً للأزمة اليمنية كأولوية في الاهتمامات الاقليمية لدى العواصم التي ستوقّع الاتفاق النووي. كذلك توقّع أن ينعكس الإتفاق إيجاباً على لبنان بما يتيح للأطراف الداخلية والخارجية العمل على حل هذه الازمة في اعتبارها الأسهل حلّاً بين كل الازمات الاقليمية. وأبدى بري ايضاً اعتقاده بأنّ الاتفاق النووي سيساعد على حلّ الازمات الاقليمية لأن لا أفق ولا نهاية للحروب الدائرة الّا بالحلول السياسية.
علمت «الجمهورية» انّ الاتفاق النووي سيُطلق قريباً جولة اتصالات داخلية لتلقّف انعكاساته الايجابية واستثمارها في الاتجاه الذي يتيح البدء بمعالجة الازمة، بدءاً من الاستحقاق الرئاسي الذي يعتبر الركيزة الاساس للانطلاق الى ايّ حل داخلي، في موازاة العمل على تفعيل عمل مجلس الوزراء. (تفاصيل 14 – 15)
وفي هذا السياق، تتواصل التحضيرات لجلسة مجلس الوزراء المقررة في 23 تموز الجاري بعد عطلة عيد الفطر، بغية خروجها بحلول للقضايا الخلافية، وهذه الإتصالات محورها رئيس الحكومة تمام سلام والأطراف السايسية المشاركة في الحكومة.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» إنّ تعطيل مجلس الوزراء ممنوع بإرادة اقليمية ودولية، وإنّ كل القوى السياسية تتحسّس المسؤولية في هذا المجال، ولن تذهب في مواقفها وتحركاتها الى حد إحداث هذا التعطيل.
برّي
وإذ رفض برّي أمام زواره تكراراً التعليق على ما حصل في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، وفي الشارع، أفادت معلومات انّ مرسوم فتح الدورة الإستثنائية قد استكملت التواقيع المطلوبة له، وانّ برّي سيدعو قريباً الى جلسة تشريعية، علماً انّ هذه الدورة سترتبط في مَداها الزمني بالعقد التشريعي العادي الذي يبدأ الخريف المقبل.
سلام
في هذا الوقت، أعلن سلام أمس انه سيستمر في تحمّل مسؤولياته «لأنني قرّرتُ أن لا أسمح بالتعطيل وبالتراجع»، ودعا الى «وَضع الخلافات السياسية خارج مجلس الوزراء واللجوء الى الحوار وهو قائم بين قوى سياسية عدة».
وأمِل أمام وفود شعبية وسياسية واجتماعية من بيروت والمناطق أمَّت دارته في المصيطبة «في أن ينجح هذا الحوار، وأن تنجح النفوس الطيبة لبناء الوطن، ونمرّر هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد والاستحقاقات الصعبة والظروف العصيبة».
كذلك دعا سلام الى الحرص في هذه المرحلة على رئاسة الجمهورية»، وقال: «نأمل في أن ننتخب رئيساً للجمهورية في أوّل فرصة متاحة، وإذا استطعنا انتخابه غداً لن نقول لا». وأضاف: «بلدنا يجب ان يستقيم برأسه، رئيس الجمهورية هو رئيس البلاد وهو عزّنا وكرامتنا، فدعونا نتجه الى هذا الاتجاه، ونسهّل الامور ونساعد». وأضاف: «نحن أحرار في انتخاب رئيس للجمهورية يرفع رأسنا ويعزّ بلدنا بقيادته، ولا نريد رئيساً يمثّل فئة واحدة من اللبنانيين بل جميع اللبنانيين».
رفض التعطيل
وعقب اللقاءات الشعبية، حصلت دردشة بين سلام والإعلاميين ومستشاريه، ردّ فيها على بعض الأسئلة. فلفت الى انّ مواقفه لم تتبدّل يوماً، فهو لديه «جملة من الثوابت السياسية والوطنية ولا يمكن اعادة النظر فيها تحت أيّ ظرف طارىء».
رافضاً الإتهامات التي وجّهت اليه، ولا سيما منها «الداعشية السياسية»، مؤكداً «انّ الجميع رفض هذا المنطق وهو مردود». وقال انه رفض ويرفض «أيّ آلية عمل تؤدي الى التعطيل»، مؤكداً انّ الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء ستخصّص للبحث في هذا الموضوع، وأنه «منفتح على ايّ طرح يؤدي الى تعزيز عمل الحكومة ومعه معظم مكوّنات الحكومة لإبعاد ما يؤدي الى تعطيلها».
وعن شكل آلية ترجمة صلاحيات رئيس الجمهورية التي يتولّاها مجلس الوزراء مجتمعاً في ظل الشغور الرئاسي، لفت سلام الى «انّ هناك صلاحيات لفخامة الرئيس لا يمكن ان ينوب عنه فيها أحد، وهذه امور دستورية علينا عدم المَسّ بها واحترامها.
وعَدا عن ذلك هناك أمور علينا مقاربتها من باب انّ هناك أموراً يبتّ بها في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين وأخرى بالأكثرية المطلقة، أي بالنصف زائداً واحداً، وهي محددة سلفاً والجميع يعرفها».
ولدى سؤاله هل تلقّى اتصالاً من ايّ وزير من وزراء «التيار الوطني الحر»؟ أجاب سلام: «ما زلتُ منفتحاً على ايّ مبادرة، ومَن يبادر تجاهنا نحن مستعدون لملاقاته بالترحيب، واليَد الممدودة ما زالت ممدودة».
الحريري
وفي هذه الاجواء، أطلّ رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري في الإفطار المركزي لـ»التيار» مساء أمس، فدعا الى «الهدوء والتوقّف عن سياسة التعبئة لإعطاء لبنان مخرجاً للتنفس»، مُشدداً على انّ «تيار رفيق الحريري يستحيل ان يشارك في أعمال الدم بين الاخوة». وقال: «لا أحد يزايد علينا لا بالدين ولا بالوطنية ولا بالاعتدال ولا بالحرص على اللبنانيّين وحقوقهم».
وعن رئاسة الجمهورية، لفتَ الحريري الى انّ «عاماً مرّ على الفراغ الرئاسي والتحذير تعالى من الانتحار الاقتصادي والاجتماعي وكأنّ شيئاً لم يكن». وأكد «انّ الرهان على متغيرات في سوريا لن يصنع رئيساً للجمهورية». وأوضح «انّ تيار «المستقبل» لم يغلق الباب على أيّ مخرج، وحاول أن يكون التوافق الوطني القاعدة التي يتحقّق من خلالها الوصول الى رئيس».
وأبدى الحريري تأييده لِما فعله سلام «بحماية الركن الشرعي الأخير من الشَلل»، وقال: «لسنا في وارد ايّ مواجهة على أساس طائفي». ولفت الى «انّ هناك رأياً غالباً في الحكومة ورأياً راجحاً لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو أنّه في ظل الخلاف لا حديث عن قيادة الجيش إلّا في أيلول». ورأى «انّ هناك نظرية تدعو الى قيام كيانات أمنية وعسكرية رديفة للجيوش والقوى الرسمية في بلدان المنطقة، وذلك على صورة حزب الله في لبنان».
وشدد على «اننا لسنا في موقع الرفض المُطلق للحرب الاستباقية ضد الارهاب». وردّ الحريري على ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من أنّ طريق القدس لا تمرّ في جونيه إنما في القلمون والزبداني وحمص، قائلاً: «انّ الطريق من بيروت الى طهران تمرّ في سوريا والعراق، لكنّ الطريق الى فلسطين لا».
وعن فيديوهات سجن رومية، أعلن الحريري «انّ ما حصل في سجن رومية خطأ كبير ويجب محاسبة المسؤولين»، مؤكداً انه «من غير المقبول ان يتحوّل الخطأ حملة على وزير الداخلية وشعبة المعلومات».
بو صعب
وتعليقاً على دعوة سلام الى وضع الخلافات السياسية خارج مجلس الوزراء وترك المجلس يعمل، قال عضو تكتل «التغيير والاصلاح» الوزير الياس بو صعب لـ«الجمهورية»: «العمل خارج التفاهم الحاصِل ليس هو ما اتّفقنا عليه في الجلسة الاخيرة، بل اتفقنا مع الرئيس سلام، عندما رفعت الجلسة، على ان يتمّ في الجلسة المقبلة البحث عن تفاهم بين جميع الافرقاء حول طريقة عمل الحكومة، واتمنى ان لا يكون هناك أيّ طرف يضغط عليه لكي يعمل خارج ما توافَقنا عليه. وبالتالي، القرارات لا تفرض لمَنع التعطيل.
اذا اراد رئيس الحكومة وقف التعطيل، عليه الذهاب الى من يعطّل قرار التعيينات العسكرية والامنية. فعندما طلبوا تعيين اللواء ابراهيم بصبوص في بدايات عمل الحكومة وقبل نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، وقف رئيس الحكومة مع الفريق الذي قال «إمّا تعيينه، وإمّا لا استكمال لجدول الاعمال، فحصل التعيين. لذلك، نطلب منه اليوم أن يتّخذ الموقف نفسه».
واستنكر بو صعب وَصفَ سلام بأنه «داعشي»، وقال: «ندرك جميعاً خلفيته وخلفية عائلته وبيته وبيئته ووطنيته، وهو لم يتعاط معنا مرة في مجلس الوزراء على هذا الاساس. لذلك نحن نؤكد احترامنا له ولمكانته، ونقول ذلك في الاعلام وداخل مجلس الوزراء». واعتبر ان «مَن وصفه هذا الوصف هو على خطأ، ونحن نستنكر ذلك».
واكد بو صعب انّ الاتصال مع سلام غير مقطوع، وقال: «لقد تواصلتُ معه قبل سفري الى دبي، واكدتُ له ان ليس امام الحكومة خيار الّا التوصّل الى حل، وطلبت منه بذل جهد للتواصل مع الافرقاء بغية الوصول الى حل سياسي، فالمشكلة سياسية.
ورئيس الحكومة اكّد لي انه كرئيس حكومة لا يستطيع ألّا يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد، فهو ليس رئيساً مستقيلاً، وتَمنّينا عليه بذل جهد اضافي للتواصل مجدداً مع جميع الافرقاء لكي يقتنعوا بالشراكة الحقيقية التي قامت الحكومة على أساسها. هذا هو الدور الذي نطلب منه تأديته في هذه المرحلة من اليوم وحتى موعد الجلسة بعد اسبوعين».
«حزب الله»
والى ذلك قال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي لرئيس الحكومة «الذي هو ابن بيت عتيق في السياسة اللبنانية، ووارِث لتركة سياسية قامت على أن لبنان واحد وليس لبنانيْن، ووارث لشعار سياسي يقول «لا غالب ولا مغلوب»، إننا معك في مقاومة الضغوط التي تمارس عليك لجَعلك تعتمد قسراً وقهراً سياسة الغالب والمغلوب، ولا نريد لدولة الرئيس وابن البيت العريق أن يكون هو من يسجّل في تاريخه أنه عمل على إقصاء مكوّن من المكوّنات السياسية اللبنانية، لأنه هو الذي حرص على التوافق منذ ترأس الحكومة، وأدار هذا المركب بحكمة ودراية، وحسناً فعل بذلك. ولهذا، فإنّ ما ننتظره منه هو أن يواصِل سياسته التوافقية، بحيث لا يعقد جلسة فيما أحد المكوّنات يشعر بالتهميش والإلغاء».
وجدّد الموسوي دعم «حزب الله» مطالب «التيار الوطني الحر»، مؤكداً «اننا لن نترك حليفنا ولن نسمح باستفراده أو عزله أو إبعاده، وسنقوم بما يجب لكي يواصِل هذا التيار شراكته في الوحدة والقرار والوطني».
الراعي
وفي المواقف، أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ «دُعاة التمديد للمجلس النيابي في المرة الثانية قطعوا على أنفسهم العهد بمباشرة انتخاب رئيس للجمهورية ثمّ وضع قانون للانتخابات النيابية، والقيام بإجرائها في غضون ستة اشهر. فكانت خيبة أمل كبيرة، إذ لم يتمّ شيءٌ من ذلك، والسَنة تمرّ تلوَ السَنة سُدى من دون أيّ مبادرة فعلية ذات قيمة من أحد».
ورأى الراعي أنه «بات من واجب كلّ فريق سياسي عندنا أن يعيِّن مرشَحه النهائي المقبول من الآخر، على أن لا يكون مرشح تحدٍّ يُفرَض فرضاً. ومن واجب كلّ مرشح أن يقدّم للرأي العام برنامجه الرئاسي. وهذا ما يفرضه النظام اللبناني الديموقراطي البرلماني».
وقال: «في سياق الخلاف المُستَحكم الذي يهدّد بشلّ الحكومة، كآخر مؤسسة دستورية ما زالت تعمل، ندعو إلى التفاهم بين الجميع، والخروج من المواقف المتصلّبة، وبَتّ الأمور الخلافية بروح العدالة والإنصاف، واضعين مصلحة البلاد والخير العام فوق كلّ اعتبار، ومتجنّبين أيّ صدام مذهبي».
عسيري
بدوره، اكّد السفير السعودي علي عواض عسيري حرص بلاده الشديد «على وحدة الصف اللبناني، وعلى ان يكون الخيار السياسي الداخلي لبناني – لبناني، وأن يتّفق اللبنانيون على ملء الفراغ الرئاسي وعلى حفظ الدستور، والإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية»، مؤكداً أنّ «سياسة المملكة الخارجية هي المحافظة على الثوابت في صَون العلاقة مع لبنان، بعد رحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز مؤخراً، التي لم ولن تتغير.
واليوم الملك سلمان بن عبد العزيز يُبدي اهتماماً بلبنان، وكلّ المستجدات على الساحة الاقليمية، ويحرص كل الحرص على أن يكون لبنان محصّناً بأبنائه وحكمتهم تجاه مؤسساتهم، وأن يكون لبنان آمناً لينتعش الاقتصاد اللبناني مجدداً، وتعود حركة السيّاح، خصوصاً أننا على أبواب عيد الفطر، أعاده الله علينا وعليكم بالخير والصحة والأمان، ومقبلين على إجازات صيفية».
وتمنى عسيري أن «يَعمّ الهدوء بعد التحركات التي شهدناها منذ يومين، والتي قد تُبعِد أحبّاء لبنان عنه. ونحن متفائلون اليوم، على رغم كل ما حدث، لأنّ الشعب اللبناني محبّ للسلام والخير، على رغم ما يتعرّض له من ظروف صعبة».
كلام عسيري هذا، جاء على هامش تقبّله التعازي بالأمير سعود الفيصل في مسجد محمد الأمين، ومن أبرز المعزّين رئيس الحكومة وعدد من الوزراء والنواب من بينهم نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعقيلته النائبة ستريدا جعجع.
وزير خارجية ايطاليا
من جهة ثانية يصِل الى بيروت بعد ظهر اليوم وزير خارجية ايطاليا باولو جينتيلوني، في زيارة رسمية يلتقي خلالها غداً عدداً من المسؤولين، وفي مقدمهم برّي وسلام، ويبحث معهم في تطورات لبنان والمنطقة ولا سيما منها الأوضاع المتوترة في بعض دول شرق المتوسط، وسيحدد مواقف بلاده منها بعد التفجير الإرهابي الذي استهدف مقر قنصلية بلاده في القاهرة قبل يومين. كذلك سيتفقّد قيادة القوات الدولية العاملة في الجنوب.
سامي الجميّل
وعلى صعيد آخر، علمت «الجمهورية» انّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل سيتسلّم رسمياً مهمّاته خلفاً لوالده الرئيس امين الجميّل بعد ظهر الأربعاء المقبل في اجتماع مشترك يُعقد في البيت المركزي للحزب في الصيفي للمكتب السياسي المنتهية ولايته والمنتخب حديثاً في المؤتمر العام الثلاثين للحزب الذي عقد ما بين 12 و14 حزيران الماضي، وانتهى بانتخاب قيادة الحزب الجديدة.