دخل الاتفاق النووي في مرحلة التمحيص والتقييم وقراءة أبعاده وانعكاساته واستكشاف آفاقه والاتجاه الذي ستسلكه الأحداث بعيداً عن ردود الفِعل الآنيّة والفئوية التي تسعى لتوظيف هذا التطوّر التاريخي في سياق مشروعها السياسي، وكأنّ المجتمع الدولي يقدّم هدايا مجانية على طبق من فضة، وهو لو كان كذلك لَما استغرق الاتفاق كل هذا الوقت وكان على وَشك الانفراط في محطات عدة. ولكنّ النتيجة الأولية التي لا نقاش فيها بأنّ ما تحقّق هو إنجاز للمجتمع الدولي الذي بَرهنَ انه عندما يصمّم ويتوحّد يصبح قادِراً على تحقيق الانجازات التي تشكّل مصدر حماية لشعوب العالم، وأنّ ما انطبَقَ على النووي يمكن أن ينسَحِب على نزاعات أخرى يشكّل استمرارها نقطة سوداء في سجلّ الانسانية، كما يشكل تهديداً جدياً للعالم بأجمعه في ظلّ تنامي ظاهرة الإرهاب بشكل مخيف. وفي موازاة سَيل المواقف التي صدرت عن معظم دول العالم، والتي بَدت متفاوتة ومتباينة، بدأت المنطقة تتحضّر لمرحلة جديدة قد لا تظهر معالمها قريباً، إنما الانتهاء من النووي يفرض أولويات أخرى على جدول أعمال القوى الغربية والإقليمية، خصوصاً في ظل المخاوف من عَولمة الإرهاب، وإدراك المجتمع الدولي أنّ هذه الآفة لا يمكن مواجهتها إلّا من خلال شراكة فعلية مع السعودية والدول السنية وتعاون إيراني مُسَهّل لهذا العمل.وفي كل هذا المشهد لم ينعش وهج النووي لا رئاسة الجمهورية إذ رحّلت الجلسة الرئاسية إلى 12 آب، ولا الحكومة التي ما زالت في دائرة الجمود، إنما لبنان، الذي دخل في أجواء العيد، ينظر بعَين الأمل إلى الاتفاق النووي، ويأمل أن يحقق انفراجاً رئاسياً يُعيد انتظام عمل المؤسسات الدستورية التي شهدت أخيراً تدهوراً مخيفاً في ظل مَساع تُبذل لرأب الصدع الحكومي.
ظلّ الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول الـ5+1، العنوان الأول على الساحة بلا منازع وَسط سَعي الرئيس الاميركي باراك اوباما لإزالة التوتر في بلاده وطمأنة اسرائيل. وهو أكّد أمس أنّ إيران لن تكون في موقف يسمح لها بتطوير قنبلة نووية، ولكن «ما زال لدينا مشاكل في دعم طهران للأنشطة المُزَعزِعة للاستقرار، مثلا في اليمن، أو دعم «حزب الله» الذي يشكّل تهديداً لإسرائيل».
وقال إنّ «مصلحة أميركا القومية تكمن كذلك في منع طهران من إرسال أسلحة إلى الحوثيين أو حزب الله». وأضاف: «لدينا آليّات لاعتراض الأسلحة التي ترسلها إيران، وإحداها قرار مجلس الأمن، وسيمتد الحظر على الأسلحة القادمة والخارجة من إيران خمس سنوات، وثماني سنوات على الصواريخ الباليستية».
واعتبر أنّ اسرائيل «لديها هواجس أمنية مشروعة في ما يتعلق بإيران». واشار الى أنّ «طهران مَوّلَت «حزب الله» وتُوَجّه صواريخها نحو إسرائيل، وهذه التهديدات ستكون مضاعفة إذا ما حصلت إيران على السلاح النووي». واستبعَد حلّ الأزمة السورية إلّا بتعاون أطراف دولية تشمل إيران وروسيا والدول الخليجية.
وكان رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو قال، قبَيل زيارة وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر، انّ بلاده ليست ملتزمة به، وستواصل النضال ضد تطبيقه. في حين رأت بريطانيا أنّ الإتفاق ستكون له انعكاسات إيجابية واسعة، مؤكّدة التزامها إعادة فتح سفارتها في طهران بمجرّد حَلّ المسائل التي يعمل عليها حالياً. وفيما يتحضّر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لزيارة إيران قريبا، سيزور ايران اعتباراً من الأحد نائب المستشارة الالمانية وزير الاقتصاد سيغمار غابرييل.
في هذا الوقت، دعا مرشد الثورة الاسلامية السيّد علي خامنئي الشعب الإيراني الى الحفاظ على وحدته لتحقيق المصالح القومية من خلال جَوّ هادئ. وقال في رسالة جوابية للرئيس الايراني حسن روحاني: «ندرك جيداً أنّ بعض حكومات القوى الستّ لا يمكن الوثوق بها»، داعياً عند المصادقة على الاتفاق الى «الانتباه لنَقض الطرف الآخر المُحتمَل لتعهداته وإغلاق الابواب في وجهها».
وكان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف قال: «انّ المفاوضات النوویة التي جرت في فيينا لها أبعاد ومزایا کثیرة سیتم الاعلان عنها في المستقبل»، مؤکداً «انّ مجلس الأمن سیصدر الاسبوع القادم قراراً یعترف فیه ببرنامج إیران النووي السلمي».
وفي موازاة الترحيب الدولي، تَوالَت في لبنان ردود الفِعل المهنّئة بالاتفاق، مَشفوعة بآمال واسعة في انعكاسه ايجاباً على أزماته، وفي مقدمها الأزمة الرئاسية التي شهدت تمديداً جديداً لها أمس مع فشل مجلس النواب للمرة السادسة والعشرين في انتخاب رئيس الجمهورية لعدم اكتمال النصاب.
كذلك، انسحبَ الفشل على الازمة الحكومية التي راوَحت مكانها في ضوء تمسّك كل طرف بموقفه، علماً انّ الرابية نَفت أيّ اتصالات مباشرة معها، فيما عاد «التيار الوطني الحر» مساء أمس الى الشارع.
برّي
وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي رَحّلَ جلسة انتخاب الرئيس الى 12 آب المقبل: «لقد سعينا جاهدين لِلَبننة الاستحقاق الرئاسي ولم ننجح، وربما يساهم الاتفاق النووي بخلق أجواء مساعدة على إزالة التعقيدات امام انتخاب رئيس للجمهورية». وشدّد على «ضرورة أن يبادر اللبنانيون، في ضوء ما حصل، الى السّعي لتعزيز مناخات التوافق في ما بينهم لملاقاة الاجواء الايجابية المنتظرة بعد الاتفاق النووي».
وقال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط: «مِن قصر كوبرغ الأنيق في فيينا المُطلّ على ساحة تيودور هرتزل، رُسِمَت معالم جديدة للشرق الأوسط عبر استبعاد تام للعرب ودورهم في منطقتهم، وتجاهل تام لقضية فلسطين».
وشدّد على ضرورة «إيجاد تسوية سلمية للنزاع في اليمن، لا سيما بعد الإشارة المشتركة من قِبَل العاهل السعودي والرئيس الأميركي حول ضرورة الحل السلمي، والتأكيد على رَصّ الصفوف العربية لمواجهة التحديات القائمة التي قد تأخذ أبعاداً أكثر خطورة مع توسيع قاعدة النفوذ الإيراني في عدد من المواقع والساحات العربية».
واعتبر رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة أنّ الاتفاق النووي «حَدث مهمّ وعلينا ان ننتظر أكثر لنتعرّف الى حقيقة ما جرى»، واكّد انه «علينا الانتظار لمعرفة حقيقة ما حصل»، مشيراً الى «اننا حريصون على بناء علاقة مع ايران على أساس الصداقة لا الهيمنة».
الحوض الرابع
وفي هذه الأجواء التي تعددت فيها الملفات المعقدة، عاد الى الواجهة ملف ردم الحوض الرابع من خلال الاجتماع الذي ترأسه وزير الدفاع وحَضره العميد المغوار جورج خميس رئيس فرع مخابرات بيروت، والعميد مروان عيد ضابط أمن المرفأ، والعميد نقولا رعيدي من القوات البحرية وعدد من الضبّاط الأخصائيّين.
خُصّص الاجتماع للبحث في مشروع تعديل موقع مدخل مرفأ بيروت المعروف بـ«بوابة الشاميه» بما يؤمّن الطريق التي تربط المرفأ بالقاعدة البحرية، وموضوع ردم الحوض الرابع، وتقرّر إبقاء الاجتماعات مفتوحة الى حين إتمام دراسة هذا الملف.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ «الجمهورية» انّ البحث انتقلَ الى مقاربة مختلفة للعملية تُعيد النظر في المراحل التنفيذية للمشروع والإستراتيجية الجديدة التي ستُعتمد، والتي من شأنها إيفاء الغرض من المشروع والتخفيف من نسبة الخسائر التي يمكن ان تُلحق بفئة كبيرة من اللبنانيين والشركات التي سيلحق بها ضرر أكبر قد يؤدي الى إفلاسها وإقفالها جرّاء إعادة النظر بدور المرفأ ومهمته وطريقة عمله.
وتكتمت المصادر على شكل الصيغة الجديدة التي ستعتمد، إلّا انها وضعت على نار حامية وعادت الى الواجهة، ما قد يؤدي الى إحياء البحث فيه باتجاه استكمال المشروع بالصيغة الجديدة.
وأثنى النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح على الجهد الذي تقوم به قيادة الجيش ووزارة الدفاع في شأن وَقف ردم الحوض الرابع. وأكّد لـ«الجمهورية» استمرار التعاون والتنسيق في هذا الملفّ بين البطريركيّة المارونية والجيش.
ولفتَ صيّاح الى أنّ «الموضوع بات في عهدة الجيش الذي حسم الأمر نهائياً، والإتصالات التي نُجريها وقيادة الجيش تؤكّد أنّ رَدم الحوض الرابع توَقّف ولا مجال لمعاودة أنشطة الردم»، موضِحاً أنّ «موقف قيادة الجيش من هذه القضية أثبت أنّ مطالبة بكركي بوَقف الردم ينبُع من حاجة وطنية وليس مسيحية، وكل الأجواء تشير الى أنّ مسار الملف إيجابي».
العسكريون المخطوفون
وفي ملف العسكريين المخطوفين، عاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بعد ظهر أمس الى لبنان بعد زيارة الى قطر استمرت 48 ساعة، التقى في خلالها المسؤولين القطريّين المعنيّين بالملف.
وعلمت «الجمهورية» انّ ابراهيم طلب من القطريّين تحريك ملف العسكريين من حيث انتهى، مُستفسراً اسباب تجميد جبهة النصرة تنفيذ اتفاقية التبادل، وقد وعده القطريّون بأن يحرّكوا الملف بعد عيد الفطر مباشرة. ولم يتبلّغ ابراهيم أيّ معطيات جديدة تتعلّق بصفقة التبادل التي انتهَت بكل تفاصيلها باستثناء آلية التنفيذ المُجمّدة من قبل «النصرة».