فيما الاهتمام لا يزال منصَبّاً على عملية خلطِ الأوراق التي ستَنجم من الاتفاق الإيراني ـ الغربي والمرحلة الجديدة التي سيَرسمها للمنطقة، وفيما تستعدّ طهران لجَني ثمارِه عبر استقبال مسؤولين أوروبّيين وغربيين، يَدخل لبنان اعتباراً مِن اليوم عطلة عيد الفطر وهو مفعَمٌ بآمال في أن تبدأ أزمته بالانفراج بعد توقيع الاتفاق النووي، إذ ينتظر أن تنشط الاتّصالات في مختلف الاتّجاهات بعد العطلة بغيةَ توفير الأرضية الداخلية اللازمة لتلقّي التداعيات الإيجابية لهذه الاتفاق، واستثمارها في الاتّجاه الذي يساعد على حلّ الأزمة بدءاً بانتخاب رئيس جمهورية جديد.
وفي هذا الإطار، وإزاء مطالبات عربية بدأ يتلقّاها وتدعوه إلى التحرّك لتأدية دورٍ توفيقي داخلياً وفي اتّجاه الخارج، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي لـ«الجمهورية» إنّه لم يستبعد التحرّك بعد أسابيع في هذا الاتجاه ريثما تتّضح الأمور أكثر، كاشفاً أنّه يُجري بعض الاتصالات التمهيدية منذ ما قبل توقيع الاتفاق النووي.
وأشار إلى أنّ الاهتمام يجب أن ينصبّ في جانب منه على ما سيكون عليه الموقف من الاتفاق في الكونغرس الأميركي. وإذ بدا برّي غيرَ مهتمّ بالتفاصيل الداخلية وبأيّ صيَغ عمل في شأن الأزمة الداخلية والتي لم تعُد مهمّة أمام ما يَجري إقليمياً ودولياً، أكّد أنّه بات مقتنعاً أكثر فأكثر بأنّ الحل اللبناني سيكون نتيجة التسويات الخارجية عبر تقريب المسافات بين العواصم المتباعدة، بعدما تمّ تضييع الفرَص الداخلية لإنتاج هذا الحلّ في الفترة السابقة.
ومن المرجَّح أن تكون لبرّي اتّصالات مساعدة في هذا الاتجاه في ضوء المطالبات الخارجية له بالتحرّك. وعلى صعيد فتحِ الدورة الاستثنائية والجلسة النيابية، استغربَ برّي الشروط التي يضعها البعض، ولا سيّما من الذين ليس لهم كتَل في المجلس النيابي، وكرّر التأكيد «أن لا أحد في إمكانه وضع شروط وتقييد عمل المجلس النيابي، فهذا المجلس هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية وهو الذي ينتخب بشكل غير مباشر رئيس الحكومة وهو الذي يعطي الحكومات الثقة لتحكم، ودورُه التشريعي مطلق ولا يمكن أحد أن يقيّدَه، وعندما قبلتُ بما سمّي «تشريع الضرورة»، فإنّما كان مراعاةً منّي لبعض المواقف السياسية، عِلماً أن ليس هناك شيء اسمُه تشريع الضرورة، ففي إمكان المجلس أن يشَرّع في كلّ شيء وفي أيّ وقت».
الحكومة
وعشيّة دخول البلاد عطلة العيد غابَت حركة الإتصالات على أكثر من مستوى، ولا سيّما منها تلك التي تتناول الملفّ الحكومي، تحضيراً لجلسة مجلس الوزراء المقرّرة الخميس المقبل والمخصّصة للبحث في آليّة العمل الحكومي في ضوء الملاحظات التي رافقَت تعطيل الجلسة السابقة والتي أصَرّ عليها وزراء «التيار الوطني الحر» وتيّار «المردة» و«الطاشناق» و«حزب الله».
وكشفَت مصادر وزارية مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ حركة المشاورات لم تفضِ بعد إلى أيّ سيناريو محتمل للجلسة، وسط استمرار المواقف على حالها واستعدادات شبّان «التيار الوطني الحر» للنزول إلى الشوارع في أيّ لحظة وفي أيّ منطقة، على رغم فشَل هذا الأسلوب وما ترتّبَ عليه مِن التردّدات السلبية، خصوصاً عند التعرّض للعسكريين في وسط بيروت أثناء انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، ورفض حلفائه مشاركتَه التحرّك على الأرض.
لا مبادرات
وكشفَت مصادر قيادية لـ«الجمهورية» أن لا مبادرات ولا مشاورات جدّية تحصل في الأروقة السياسية لاجتراح حلول قبل جلسة الخميس المقبل. وذهبَت المصادر إلى حدّ استبعاد تسويق أيّ حلّ قبل هذه الجلسة، مشيرةً إلى أنّ سيناريو الجلسة لن يختلف عن سابقتَيها باستثناء خفضِ سقفِ التوتّر وحدّة التخاطب.
وقالت: «لا أحد يملك تصَوّراً لِما ستؤول إليه الأحداث باستثناء تأكيد رئيس الحكومة تمام سلام أنّه لن يقوّضَ عمل الحكومة ولن يرضَخ للتعطيل وسيُصرّ على مناقشة جدول الأعمال، وإذا لم يحصل هذا الأمر في جلسة الخميس كونها مخصّصة في جزء كبير منها لمقاربة عمل الحكومة فإنّ الجلسة التي ستليها ستكون حتماً لجدول الأعمال».
مواقف دولية
وفي المواقف المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، تمنَّت فرنسا «أن يتوحّد اللبنانيون حول مؤسساتهم وينجَحوا في انتخاب رئيس الجمهورية». وجدّد السفير باتريس باولي الذي زار عين التينة والسراي الحكومي في إطار جولاته الوداعية على المسؤولين دعمَ بلاده القوي للبنان ولاستقراره، وأكّد «أنّنا سنتابع مع السعودية تنفيذَ برنامج الهبة المقدّمة إلى الجيش اللبناني وفقاً لما هو متّفَق عليه».
إيطاليا
من جهته، كشفَ السفير الإيطالي الجديد ماسيمو ماروتي أنّ بلاده عازمة على مواصلة التحرّك الديبلوماسي من أجل لبنان انطلاقاً من اقتناعها بأنّ استمرار الاستقرار فيه يمرّ عبر انتخابات رئيس الجمهورية.
وكان ماروتي أطلعَ وزير العمل سجعان قزي على طبيعة الزيارة التي قام بها وزير خارجية إيطاليا باولو جينتيلوني إلى لبنان بداية هذا الأسبوع ونتائجها. وثمَّنَ قزي التحرّك الإيطالي في هذه الفترة، خصوصاً أنّ روما تساهم في الحفاظ على سيادة لبنان من خلال دور وحدتِها في قوات «اليونيفل» العاملة في الجنوب.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ وزير خارجية إيطاليا سيُطلِع الأسبوع المقبل زملاءَه الأوروبيين على نتائج زيارته للبنان، ويتشاور معهم في ما يمكن الاتّحاد الأوروبّي أن يقوم به بالتنسيق مع الدوَل الصديقة للبنان لتثبيت الاستقرار فيه، ولكن من خلال وجود رئيس جمهورية، لأنّ الدوَل الصديقة للبنان بما فيها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا تتحاشى حتى الآن القيامَ بأيّ مبادرة في شأن الاستحقاق الرئاسي خشية المسّ بالاستقرار اللبناني، ولذلك تريد إيطاليا تغيير هذا المنطق الذي يُظهِر أنّ الاستقرار ثمنُه استمرار الشغور الرئاسي. ولذلك من المتوقّع أن يشهد لبنان تحرّكاً إيطاليّاً قريباً.
هيل يواصل جولته
إلى ذلك، واصَل السفير الأميركي ديفيد هيل جولاته على المسؤولين، فبَعد زيارته برّي ورئيسَ «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أمس الأوّل، زارَ أمس كلّاً مِن رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، في حضور مسؤول العلاقات الديبلوماسية في «التيار الوطني الحرّ» ميشال دي شادارفيان، كما زار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
وقال دي شادارفيان لـ«الجمهورية» إنّ هيل وضَع عون في أجواء مفاوضات فيينا التي انتهت بإبرام الاتفاق النووي، وقد تمنّى عون أن يتمكّن هذا الاتفاق مِن تبريد الأجواء الساخنة في المنطقة.
وإذ أوضَح دي شادارفيان أنّ اللقاء لم يتطرّق إلى الملف الرئاسي، أكّد عدمَ حصول أيّ اتّصال مع الرابية حتى الآن في شأن الأزمة الحكومية، كذلك لم يحصل أيّ تحرّك لرئيس الحكومة تمام سلام في هذا الصدد، مذكّراً بأنّ عون «أعطى مهلة أسبوعين تنتهي بعد العيد».
وأكّد «أنّ مشكلتنا ليست مع الرئيس سلام كشخص، بل في ممارسة الصلاحيات، ونحن نطالبه بالسير حسب الدستور، فجدول أعمال مجلس الوزراء في ظلّ الشغور الرئاسي يوضَع بالتوافق بينه وبين مجلس الوزراء مجتمعاً، وهذا ما ننادي به».
وهل يعتبر أنّ «التيار» الذي يَخوض معركتَه وحيداً قد خسرَ هذه المعركة؟ أجاب دي شادارفيان: «نحن نخوض معركة مبادئ ومعركة وجود مسيحي، وسنستمرّ فيها لو سار الجميع ضدّنا، المهم أن يربح لبنان». وأكّد أنّ زيارة عون لمعراب واردة، ولا شيء يمنع من حصولها، وسيقوم بها عندما تسمح الظروف بذلك، وعلى الجميع أن يفهم أن لا حرب بين «التيار» و»القوات» بعد اليوم.
وشدّدَ على ضرورة انتخاب «رئيس يمثّل المسيحيين مِن بين الأقطاب الموارنة الأربعة، لأنّ تجربة الرئيس التوافقي والوسَطي كانت تجربة مُرّة وفاشلة». وأدرجَ تحرّك «التيار الوطني الحر» على الارض «في إطار التذكير بمطالبِه التي لن يتخلّى عنها، وهو لن يوقفَ هذا التحرّك حتى تحقيقها».
أزمة نفايات مفتوحة
ومع بداية عطلة العيد، برزَت أزمة النفايات المرشّحة للتفاقم في الأيام القليلة المقبلة، بعد فشل المفاوضات في تأجيل إقفال مطمر الناعمة، ورفض مطامر أخرى، منها مطمر حبالين، استقبالَ نفايات من خارج منطقتها.
وقد أقفَل الحزب التقدمي الاشتراكي بابَ التفاوض أمام وزير البيئة محمد المشنوق حول إمكانية تمديد مهلة إقفال مطمر الناعمة، مؤكّداً أنّه لن يكرّر سيناريو العام الماضي عندما تساهلَ في هذا الأمر.
وبدا واضحاً أنّ حملة إقفال مطمر الناعمة التي تضمّ أهالي القرى المجاورة له، عازمةٌ فعلياً اليوم على استئناف اعتصام مفتوح. وقال عضو «الحركة البيئية اللبنانية» بول أبي راشد لـ»الجمهورية» إنّ «التحضيرات للاعتصامات جدّية، ولمدّة غير محدّدة، ولن يكون الأمر هذه المرّة ليومين أو ثلاثة، لأنّ الأهالي لن يَقبلوا بعد اليوم بالتسويات، بعد صدور قرار وزاري يفيد أنّ التمديد النهائي لإقفال مطمر الناعمة ينتهي في 17 تمّوز 2015».
وزير البيئة
من جهته، دعا وزير البيئة محمد المشنوق اللبنانيين بقيادتهم السياسية واتّحادات المجالس البلدية والمجتمع المدني، إلى التعاون والوقوف إلى جانب تطبيق الخطة الوطنية لمعالجة النفايات الصلبة في لبنان. وقال: «اليوم تمرّ المناطق اللبنانية في ظروف جديدة سببُها إغلاق مطمر الناعمة بعد يوم الجمعة في 17 تمّوز الجاري، بينما تفترض المناقصات حلّاً انتقالياً يؤمّن النظافة لجميع اللبنانيين بلا استثناء».
وكشفَ أنّ شركة سوكلين ستقوم بالأعمال التي تتولّاها يومياً في خدمة المناطق في بيروت وجبل لبنان، وتشمل الكنسَ والجمعَ والنقلَ والمعالجة، باستثناء عملية الطمر حيث يتوجّب على البلديات واتّحاداتها تأمين مطمر للنفايات المعالجَة والموضَّبة ضمن بالات تُعاد إلى هذه البلديات كلّ يوم في الظرف الاستثنائي الراهن في انتظار تحديد المطامر البديلة النهائية».
وقال: «إنّ هذا العمل يحتاج إلى تعاون وتنسيق بين هذه البلديات واتّحاداتها وشركة سوكلين لتحديد المواقع التي ستوضَع فيها بالات النفايات بعد معالجتها، لأنّ تعَذّرَ تحديد هذه المواقع سيؤدّي إلى إغراق معامل المعالجة، ممّا سيحَتّم وقفَ جمعِ هذه النفايات من هذه المناطق».