فيما سلكَ الاتفاق النووي بين دوَل الغرب وإيران طريقَه الشرعي والقانوني بإقراره بالإجماع في مجلس الأمن الدولي أمس، ظلّت الأزمة الداخلية اللبنانية على غاربِها، في وقتٍ تكدّسَت النفايات في شوارع بيروت وضواحيها ليطفحَ معها كيلُ الأزمات التي تواجهها الحكومة وباتت مسكونةً بها، لينعقدَ مجلس الوزراء بعد غدٍ الخميس على روائحِ النفايات التي توقّفَت شركة «سوكلين» عن كنسِها ونقلِها، ما حوّلَها مشكلةً بيئية تهدّد صحّة المواطن، وأخرى سياسية تواجهها الحكومة بسببِ الخلاف على سبُل اتّخاذ القرارات في المجلس في ضوء الشغور الرئاسي، وانعدام فرَص التسوية، أقلّه حتى الآن، نتيجة رفضِ «التيّار الوطني الحر» إمرارَ أيّ ملفّ قبلَ بتّ مصير آليّة العمل الحكومي.
قبل 72 ساعة من موعد جلسة مجلس الوزراء، كشفَت مراجع واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ الملفات التي ستَطرح نفسَها على الجلسة معقّدة جداً نتيجة انعدام أيّ مخرج للمأزق، في انتظار توافرِ حدّ أدنى من التفاهمات التي يمكن أن تعيدَ النظر في الأولويات.
وقالت هذه المصادر إنّ الغموض الذي يلفّ المخارج المحتملة لا يخفي أيّ اتّفاق سرّي، بل هو غموض جدّي جعلَ كلّ السيناريوهات المحتملة لواقع الجلسة «مغامرةً حقيقية» بكلّ ما للكلمة من معنى، فليس لدى أيّ مِن الأطراف المعنية ما يمكن اعتباره خريطة طريق تؤدّي إلى حلّ مِن زاوية أو من ملف ما، بعدما تعقّدَت الملفات وتداخَلت بعضها ببعض.
ولذلك، أضافَت المصادر، إنّ عودة رئيس الحكومة تمّام سلام من إجازة عيد الفطر ستفرض إيقاعَها على مواعيد السراي الحكومي اليوم والتي ستبدأ التاسعة والنصف صباحاً وسط تعتيمٍ على طبيعة هذه المواعيد، على رغم وجود مَن ينتظر عودةَ سلام للبحث في الأزمات ذات الأولوية، وأبرزُها أزمة النفايات التي أغرقَت شوارع بيروت الكبرى وبلغَت ذروتَها أمس بعد أربعة أيام مِن وقف أعمال الجمع والكنسِ إلّا مِن بعض شوارع بيروت المحظيّة، فيما انهمكَت بعض بلديات الضواحي الواقعة في نطاق بيروت الكبرى بجَمعِ النفايات في بؤرٍ خاصّة بها، ورَشّ المبيدات التي تقضي على ما يمكن أن تتسبّبَ به من روائح كريهة وأمراض خطيرة.
ملاحظات ومناكفات
وفي هذه الأجواء، قالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ الروايات التي تحدّثت عن معادلات جديدة بدأ النقاش فيها لترتيب العلاقات بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بقيَت روايات «يتيمة» لم يتبَنَّها أحد، خصوصاً أنّها جاءَت في سياق تبادُل «الملاحظات الكيدية» كتِلك التي ربَطت أيّ تفاهم بالإسراع في بَتّ مراسيم المناقصة العامة للنفط، عِلماً أنّ دون هذه المرحلة تفاهمات مفقودة حول البلوكات النفطية التي يجب أن تبدأ منها هذه المناقصات، بالإضافة إلى دفاتر الشروط وهي في شكلِها ومضمونها شبيهة بالملاحظات التي يمكن أن تعرقلَ المساعي الجارية لإجراء المناقصات الخاصة بإدارة شركتَي الخلوي، على رغم تحديد موعد فضّ عروضِها في 8 أيلول المقبل بعد ملاحظات وزراء «حزب الله» و»التيّار الوطني الحر» المشترَكة التي تبلّغَها سلام ووزير الاتّصالات بطرس حرب وثبتَ ما تحويه من كيدية سياسية بوجهَيها القانوني والمالي.
درباس
وإذ استبعدَ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن تكون جلسة مجلس الوزراء حاميةً، أكّد لـ»الجمهورية» أنّه لا يتوقّع أن تكون منتِجة، وقال: «لستُ متفائلاً صراحةً بحصول تسوية». وردّاً على سؤال، أكّدَ درباس «أنّنا لن نقبلَ أن نكون شهودَ زور أو حرّاساً على الجمود، وموقِفي هو جزءٌ مِن موقف رئيس الحكومة».
تفاقُم أزمة النفايات
فقد طغَت أزمة النفايات المتفاقمة على ما عداها من أزمات سياسية، ولو أنّ البعض يَعتبر أنّ السياسة نفسَها تقف وراء هذه المشكلة المستجدّة. لكنّ مشهد النفايات وهي تغمر الشوارع وتطمرها فرضَ نفسَه مادةَ نقاشٍ دسمة، ومِن غير المستبعَد أن تتحوّل بنداً أساسياً على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء بعد غدٍ الخميس.
وفي هذا السياق، أظهرَت المواقف أمس تصميماً لدى الأطراف السياسية المعنية، على عدم التراجع عن الإقفال النهائي لمطمر الناعمة. وقد رفضَت المطامر المحلّية الأخرى في كلّ المناطق استقبالَ نفايات مِن بيروت وجبل لبنان مؤقّتاً، ما يعني أنّ الشوارع في بيروت وضواحيها وجبل لبنان معرّضة لتكديس إضافي في النفايات سيتحوّل كارثةً إذا تأخّرَت المعالجات.
وكان الاعتصام أمام مطمر الناعمة استمرّ أمس لليوم الرابع على التوالي منعاً لإعادة فتحِه أمام الشاحنات المحَمَّلة بالنفايات، ولا سيّما منها شاحنات «سوكلين».
خطّة موقّتة لبيروت
مِن جهته، كشفَ رئيس بلدية بيروت بلال حمد لـ»الجمهورية» أنّ البلدية تعمل مع وزير البيئة وبالتنسيق مع رئيس الحكومة على اعتماد معالجة مؤقّتة لنفايات بيروت، لا تستنِد إلى فكرة التوزيع على المطامر القائمة في المناطق، أو التصدير إلى تركيا، كما تردّد. ورفضَ حمد الإفصاح عن الخطوط العريضة للخطّة المؤقّتة، في اعتبار أنّ سلام خارج البلاد «وعندما يعود سيتولّى وزير البيئة الإعلان عنها».
في غضون ذلك، أكّدَت مصادر في شركة «سوكلين» لـ»الجمهورية» أنّ الشركة توقّفَت أمس عن جمعِ النفايات في بيروت وجبل لبنان، لأنّ مركزَي المعالجة والفرز في العمروسية والكرنتينا فَقَدا القدرة الاستيعابية. وأشارَت إلى أنّ «سوكلين» ستستمرّ في أعمال الكنس التي لا تنتج عنها كمّيات نفايات كبيرة. وشَدّدت على أنّها لم تتبلّغ بعد مِن مجلس الإنماء والإعمار أو وزارة البيئة أيّ تعليمات.
بدَورِه، قال رئيس اتّحاد بلديات كسروان الفتوح نهاد نوفل لـ«الجمهورية» إنّ «الحكومة فاجأتنا بأزمة النفايات، ولا حلَّ حتى اليوم. وقد دعونا إلى جلسة الاثنين المقبل للبحث في الموضوع وطرح الأماكن الممكنة لطمر النفايات، عِلماً أنّ هذه العملية هي من مسؤوليّات الدولة ومجلس الإنماء والإعمار».(التفاصيل ص 11).
الحريري ـ جعجع
وفي الحراك السياسي، بَرز أمس اللقاء الذي عقِد في جدّة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وتمَّ خلاله عرض لآخر التطوّرات في لبنان والمنطقة. وقد جاء هذا اللقاء في ختام سلسلة لقاءات عَقدها جعجع مع عدد من المسؤولين السعوديين الكبار، وفي مقدّمهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
«الكتائب»
على صعيد آخر، علمَت «الجمهورية» أنّ المكتب السياسي الكتائبي الجديد عيَّنَ أمس، بناءً لاقتراح رئيس الحزب النائب سامي الجميّل، المحامي رفيق غانم أميناً عاماً للحزب خَلفاً للأمين العام السابق ميشال الخوري، والمحامي ساسين ساسين رئيساً لمجلس الإعلام في الحزب خَلفاً للدكتور جورج يزبك.
الاتّفاق النووي
نوَوياً، سَلكَ الاتفاق النووي بين إيران والدوَل الغربية أمس دربَه الشرعيّ والقانوني الدولي، بَعد تصويت مجلس الأمن الدولي عليه بالإجماع بقرارٍ حملَ الرقم 2231، مُعبِّداً بذلك الطريقَ أمام رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران والمفروضة عليها منذ سنوات.
وأعلنَ الرئيس الأميركي باراك أوباما أنّ قرار الأمم المتحدة رسالةٌ بأنّ الاتفاق النووي «أقوى وسيلة لضمان أن لا تحصل إيران على سلاح نووي». وأكّدَت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور استعدادَ بلادِها «للعودة إلى خيار فرضِ العقوبات مجدّداً على طهران، في حال لم تلتزم الحكومة الإيرانية تطبيقَ بنود الاتفاق».
وكان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، الذي يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم، أعلنَ بَعد لقائه أمس نظيرَه الإسرائيلي موشي يعالون «أنّ الاتفاق النووي لا يَمنع الولايات المتحدة من إبقاء الخيار العسكري على الطاولة، لمنعِ طهران من حيازة القنبلة الذرّية».
أمّا يعالون فرأى «أنّ الاتّفاق يضرّ بمصالح إسرائيل الأمنية، «خصوصاً الأموال التي ستدخل الخزينة الإيرانية بعد رفعِ الحصار عنها والتي ستحوَّل إلى «حزب الله» والمنظّمات المعادية لإسرائيل».
ومِن جهته اعتبَر نتنياهو أنّ قرار مجلس الأمن «ليس نهاية المطاف»، واصِفاً القرار الأممي بـ»النِفاق»، وقال: «ما دامَت العقوبات التي فرضَها الكونغرس الأميركي على إيران ساريةَ المفعول فمِن شأن ذلك أن يدفعَ طهران إلى تقديم تنازلات وليس فقط تلقّيها».
طهران
وفي أوّل تعليق لها على قرار مجلس الأمن الدولي، أكّدت وزارة الخارجية الإيرانية «أنّ إعادة فرضِ العقوبات تعني عدمَ التزام الأطراف الأخرى، وهذا يَجعل إيران الإسلامية في حِلٍّ مِن تعهّداتها»، مشدّدةً على «أنّ الاتفاق النووي ينصّ على عدم فرضِ، أو إعادة فرضِ عقوبات، أو قيود من قبَل الاتحاد الأوروبي وأميركا»
وقد ردَّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظریف على التهديدات الأميركية باستخدام الخیار العسكري ضدّ بلاده، وقال: «إنّ الذین لا زالوا یتحدّثون عن استخدام القوّة بَعد الاتفاق في فیینّا لا یمتلكون القدرات والطاقات المناسبة لإدارة الديبلوماسیة وتقویتِها وترسیخِها».
ومن جهتِه، رفضَ قائد «الحرَس الثوري الإيراني» اللواء محمد علي جعفري أيَّ قرار يصادق عليه مجلس الأمن الدولي يَقضي بوضع قيود على القدرات التسليحية لبلادِه، واعتبَر أن «لا قيمة له أبداً»، مؤكّداً أنّ أيّ قرار يتعارض مع الخطوط الحمرِ لإيران يَفتقد إلى الصدقية».
وكان الاتّحاد الأوروبي صادقَ على الاتفاق النووي، ووصَفَ وزراء الخارجية الأوروبيّون هذا الاتفاق بأنّه اتّفاق متوازن لن تحصلَ إيران بموجبه على قنبلة ذرّية.