الكلام في بيروت عن النفايات وآلية العمل ومصير جلسة مجلس الوزراء اليوم في ظلّ مناخات تشاؤمية توقّع ترحيلاً للملفّين، وبالتالي استمرار الأزمة الحكومية على حالها مع غياب أيّ مخارج للمأزق القائم، وتحوّلها أزمة بيئية وشعبية ربطاً بملف النفايات. وفي باريس كلامٌ من نوع آخر، حيث كشفَ وزير الداخلية نهاد المشنوق عن محاولات فرنسية لفصلِ الملفّ الرئاسي اللبناني عن أزمة المنطقة، وأنّ الجواب عن نجاح هذا المسعى أو فشلِه سيكون قريباً على خلفية زيارة وزير الخارجية لوران فابيوس إلى طهران في 29 الجاري، وقد تحدّثَ عن جهود فرنسية من أجل إعطاء الأولوية للبنان، خلافاً للتوجّه الدولي الذي يَضع لبنان بعد ملفّي اليمن، وسوريا والعراق، وبالتالي السؤال الذي يطرَح نفسَه: هل تنجَح باريس بالتقاطع مع الفاتيكان والدوَل الإقليمية في فصل الانتخابات الرئاسية عن مسار المنطقة، ما يُعيد انتظامَ عمل المؤسسات الدستورية؟ لا شكّ في أنّ الجواب، كما قال المشنوق، سيكون قريباً.
كلّ المؤشرات تدل إلى إنّ التشاؤم سيّد الموقف، فاللبنانيون الذين أذكت روائح النفايات أنوفَهم، في مشهد لم يألفوه من قبل، ترافقَ مع تقاذف المسؤوليات، سيحبسون أنفاسَهم اليوم في انتظار ما ستتمخّض عنه جلسة مجلس الوزراء التي يكتنفها الغموض.
سلام قلق
وعبّرت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام لـ»الجمهورية» عن قلقها على مصير الجلسة، ولفتت الى أنّه وعلى رغم اللقاءات التي عقدها أمس والتي شملت معظمَ مكوّنات الحكومة لم ينتهِ بعد الى آليّة صيغة تجعل من جلسة الحكومة اليوم انطلاقة حول مستقبل إنتاجيّ لها.
ولفتَت المصادر الى أنّ الأمور تتّجه من سيّيء إلى أسوأ، فكلّ الحركة بقيت بلا بركة ولم يقترح أحد من زوّاره أيّ مخرج للمأزق القائم، لافتاً الى انّ مطالب بعض الوزراء المشاكسين قد وصلته عبر وسائل الإعلام، ولم يتلقّ أيّ عرض جديد ولن يلتقيَ أيّاً منهم لا وزراء «التيار الوطني الحر» ولا «حزب الله».
وعن زيارة وزير الدفاع سمير مقبل ووزير المال علي حسن خليل الى السراي وغيرهم من الوزراء، قالت المصادر إنّهم نَقلوا إليه، بعد عرض التطوّرات، تأييدهم للنهج الذي اتبعَه في إدارة الملفات الحكومية والوطنية الكبرى ورفضَهم المطلق للاتّهامات التي تحمل كثيراً من التجنّي على شخصه وأسلوبه من خلال إصراره على التوافق بديلاً من انفجار الحكومة التي لا يمكن ان تدار بشروط الأقلّية ولا بالشعارات الفارغة من مضمونها، خصوصاً تلك التي تدّعي مصادرة مكوّنات لبنانية كبرى في وقتٍ هي في موقع الشريك في تحَمّل المسؤولية الى النهاية بدليل وقوف معظم الوزراء الى جانبه وتفهّمِهم لإصراره على التوافق بديلاً مِن السعي الى التصويت وقهرِ الأقلّية التي تعارض بهدف المعارضة لا أكثر ولا أقلّ.
درباس
وفي المواقف، عبّرَ الوزير رشيد درباس لـ«الجمهورية»عن تشاؤمه الشديد إزاء جلسة اليوم، ووصفَها بأنها ستكون جلسة فاشلة، وقال «الأجواء ما بتِسوى». وعن سبب تشاؤمه الشديد قال : «لأنّ العقل في إجازة، وحينما يفقد الجسم استشعاره بالخطر وبالحرارة يصبح معرّضاً لكلّ أنواع الأذى التي يمكن أن تصيبه من دون أن يشعر».
وتحدّثَ درباس عن مرارة غير مسبوقة لدى الرئيس سلام، عازياً هذه المرارة عنده الى «قلّة تبصّر البعض وفي الوقت نفسِه حذف كلمة تسوية من قاموسِهم»، متمنّياً «أن يقذفَ الله نوراً في صدورهم». وقال: «مَن لا يرى أكوامَ النفايات على الطرقات فلن تكون له قدرة على رؤية المستقبل».
وأكّد «أنّ رئيس الحكومة لن يقبل أن يعمل أجيراً عند أحد، فلا أحد يقول له ما هو مسموح له وما هو ممنوع عليه، فهذا أمرٌ لا مجال للبحث فيه ومِن بعدها كلّ الاحتمالات أصبحَت مفتوحة».
وإذ سأل درباس: «هل يريدون العميد شامل روكز قائداً للجيش»؟ قال :»حسَناً، سجّلوا عندكم أنا أعلِن من اليوم أنّني غير موافق، مع العِلم أنّه قائد محترم، إذن أين الإجماع عليه»؟ وهل يمكن ان تكون جلسة اليوم هي الجلسة الأخيرة؟ أجاب: «لا أستبعد ذلك. وقال: «لو كنتُ أنا رئيس حكومة لكنتُ استقلتُ فوراً».
بوصعب
وقال الوزير الياس بوصعب لـ«الجمهورية»: «دورُنا أن نسأل في جلسة اليوم ونحاسب، وليس أن نتحاسب على التعطيل، وسنَستمع للوزراء المعنيين لمعرفة ماذا يريدون من ملفّ النفايات، وهذه المرّة انقلب السحر على الساحر وسنَطرح مآخذَنا على عمل الحكومة وقراراتها.
كلّ الألغام التي تحاشَتها الحكومة ستنفجر الآن بالجملة وفي أصعب الظروف من باب معركة سوكلين، وبات السؤال: «مَن يريد مَن؟ هم أم نحن؟ وسنذكّرهم اليوم بأنّهم ضغطوا بملفّ سوكلين الى حدّ تعليق جلسات الحكومة كرمى لعيون سوكلين ونحن مشَينا معهم ومثلما يريدون الى ان انفجرَت سوكلين بوجهِهم».
وأضاف: «إذا كان الهدف القفز فوق مناقشة آليّة العمل فلن نسمحَ بهذا الأمر، وأصلاً أيّ قرار سيتّخَذ بموضوع سوكلين يجب ان نكون قد ناقشنا قبله الآلية لمعرفة على أساس أيّ آليّة ستؤخَذ القرارات.
شهيّب لـ«الجمهورية»
وقال الوزير أكرم شهيّب لـ«الجمهورية»: «ذاهبون بروحيّة النقاش وبهدوء، وسنَبحث بدايةً مقاربة العمل الحكومي وسنَسعى الى التوافق شرط عدم التعطيل. أمّا في ملف النفايات فالقرار ليس في مجلس الوزراء إنّما دوره اليوم تسهيل الحلول، وأنا اليوم سأكرّر طرحي بإنشاء سَنسولين الأوّل في منطقة خلدة لنفايات الضاحية، والثاني في منطقة الكرنتينا لنفايات بيروت الشمالية لمدّة 6 أشهر ريثما يتسنّى فتح العقود والشركات وتجهيز المناطق.
ولمن يريد ان يظهِر أنّ هذا الأمر خطير جداً سنقول له بشكل علمي إنّ الافضل طمر هذه النفايات واستثمار أراضي فوقها مثلما حصلَ في منطقة النورماندي التي تُعتبَر أغلى أرض في منطقة سوليدير. أمّا الكرنتينا فهي منطقة موبوءة بالأساس، فيها مطامر قديمة ودبّاغات وصرف صحّي، فعندما تطمَر فيها النفايات نفسِح في المجال لكسبِ آلاف الأمتار». وختم: «أكرّر أنّنا أمام خيارين: إمّا أن تكون النفايات صناعة منتجة أو أزمة مستمرّة، وعلى الحكومة أن تختار».
كنعان لـ«الجمهورية»
وأوضحَ أمين سرّ الـ«تكتّل» النائب ابراهيم كنعان أنّ تعليق تحرّك «التيار الوطني الحر» على الأرض أمرٌ غير مطروح، مؤكّداً لـ«الجمهورية» جهوزيتَه التامة لأيّ تحرّك عندما يتّخذ قرار بالنزول الى الشارع والذي يبقى رهناً بمجريات جلسة اليوم ومدى الالتزام بما تمّ الاتفاق عليه في الجلسة الاخيرة ببحث آلية اتّخاذ القرارات في الحكومة والتي أدرِجت في جدول الأعمال بنداً وحيداً. فنحن سنتابع الجلسة وأيّ طارئ يحصل سنتداول فيه ويكون القرار ابنَ ساعته.
وأكّد كنعان انّ «حزب الله» هو مَن يتولّى التفاوض مع كلّ مكوّنات الحكومة من أجل الوصول الى اتفاق في مسألة السير قدُماً في العمل الحكومي بشكل يكون فيه الجميع موافقاً، وقد أسفَرَت اتصالاته عن جملة أمور إيجابية ومنها الاتفاق على البحث في الآلية اليوم وعلى انّ مرسوم الدورة الاستثنائية يحتاج توقيع 24 وزيراً والتفاوضُ جارٍ على جدول أعمالها، لكن خوفنا الدائم يكمن في المفاجآت التي تحصل فجأة وتطرَح على طاولة المجلس وتؤدّي الى الانقلاب على التفاهمات، لذلك نأمل احترام الوعود السابقة والاتفاقات التي أقِرّت.
وهل ستتقدّم مشكلة النفايات الطارئة على تنفيذ الوعد ببحث الآلية؟ أجاب: «النفايات أكلت مالَ اللبنانيين ومستحقّات بلدياتهم ولا تزال، ونحن الوحيدون الذين اعترَضنا على تجديد العقد وقمنا بحملةٍ في مجلس النواب لتحصيل أموال البلديات منذ سبع سنوات، لذلك نستغرب الصحوة المستجدّة إزاء هذا الملف ويساوِرنا القلق والخوف من ان تكون ذاهبة في الاتّجاه المعاكس أي باتّجاه استغلال الملف للتجديد لمافيا الشركات، وبالتالي فرضه أمراً واقعاً على مجلس الوزراء واستغلاله سياسياً لضربِ ما اتّفِق عليه. لننتظر ولنرَ ماذا سيطرَح اليوم لأن لا بندَ مدرَج على جدول اعمال الجلسة كي نبديَ رأينا فيه.
وهل يتخوّف «التيار» من إمكان تراجع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عن اتفاق «إعلان النيات» بعد زيارة السعودية؟ أجاب كنعان:» لم نلمس أيَّ تغيير في مواقف «القوات» من الاتفاق، على العكس، فقد أكّد الدكتور جعجع عليه، سواءٌ عبر مواقفه في جدّة أو في تصريحاته الصحافية بعد عودته، وعلى اعتباره استراتيجياً وخطوة أساسية الى الامام، هذا ما سمعناه منه ومن المؤكّد أن تواصلاً بيننا سيَحصل في الساعات المقبلة».
المشنوق
ومن باريس حيث يواصِل زيارته الرسمية، أكّدَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنّ المسؤولين الفرنسيّين يُصِرّون على دفع لبنان إلى أولوية المناقشة لوضعه على جدول الأعمال، وسيكون الجواب قريباً إذا كانوا سينجحون أم لا، على خلفية زيارة وزير الخارجية لوران فابيوس إلى طهران، وسيظهَر سريعاً إذا كان ممكناً الفصل بين الفراغ الرئاسي اللبناني، بمعنى الأزمة الدستورية، عن مسار المنطقة».
وقال المشنوق الذي يلتقي فابيوس اليوم: «إنّ لبنان يأتي بعد ملفَّي اليمن، وسوريا والعراق، لكن ما رأيتُه لدى الفرنسيين هو اندفاعهم غير المحدود من أجل لبنان والإصرار والتأكيد أنّه على رغم المصاعب في المنطقة يجب إعطاء الأولوية للبنان. والأجواء الدولية والواقعية السياسية لا تتّجه في هذا الاتجاه، ولكن لدى الفرنسيين الرغبة في القيام بكلّ المحاولات الكفيلة بذلك.
ولهذا، فإنّ فابيوس يُعطي لزيارته إلى إيران الطابع السياسي من دون ربطِها بمسائل اقتصادية». وأضاف: «أفترض أنّ هناك ورقة غير معلنة لدى فرنسا، وإلّا لن يحصل فابيوس على شيء من الإيرانيّين، فالمجال الوحيد المفتوح أمام الوضع اللبناني هو الاتفاق بين السعودية وإيران برعاية أميركية. وبتقديري، هذا الأمر أيضاً غير متوافر راهناً».
أبو فاعور
وأمس، عاد وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور من جدّة التي زارها للقاء الرئيس سعد الحريري موفَداً من النائب وليد جنبلاط الذي عاد إلى بيروت، مساء أمس آتياً مِن باريس، بعد أن التقى الرئيسَ الفرنسي فرنسوا هولاند وعدداً من المسؤولين الفرنسيين، حيث ناقشَ معهم آخرَ التطورات وقضايا لبنانية يبدي المسؤولون الفرنسيون تجاهها أهمّية خاصة، خصوصاً مسألة انتخاب رئيس جمهورية جديد.
وقالت مصادر اشتراكية إنّ أبو فاعور توجَّه الى جدة بصورة مفاجئة ناقلاً رسالةً عاجلة من جنبلاط الى الحريري الذي كان يترقّب نتائجَ زيارة جنبلاط لباريس منذ اللقاء الذي عقِد بينهما الأسبوع الماضي في جدة عقبَ تقديم جنبلاط تعازيَه الى القيادة السعودية بوفاة الأمير سعود الفيصل.
وأوضحَت انّ جنبلاط وعد الحريري بوضعه في حصيلة اللقاء مع هولاند بشقَّيه الأساسيين: الأوّل يتصل برؤيته لنتائج الإتفاق النووي وانعكاساته على العالم العربي، وملف الإنتخابات الرئاسية في لبنان.
وعُلِم أنّ لقاءَ الحريري ابو فاعور ناقشَ سلسلة أفكار فرنسية وأخرى تتّصل بجدول أعمال زيارة فابيوس الى طهران في 29 تمّوز الجاري، وهي تتّصل بسعي اوروبي ـ فاتيكاني للتفاهم على آليّة تؤدي الى انتخاب رئيس جمهورية وتوفير الظروف لتوافق لبناني لا بدّ منه لترجمة الرغبة الدولية باستعادة المؤسسات الدستورية في لبنان أدوارَها الطبيعية.
قهوجي
وعشية جلسة مجلس الوزراء، تبقى وجهة الرصد في الشارع، وقال قائد الجيش العماد جان قهوجي: «نحن كجيش معنيّون بالمحافظة على الدولة ومؤسّساتها، والمحافظة على كيانها»، مؤكّداً «تمسّكَ المؤسسة العسكرية بدورها الوطني في الحفاظ على وحدة لبنان والعيش المشترك بين أبنائه، وأنّ جميع محاولات التشويش على هذا الدور لن تنجحَ على الإطلاق»، مشدّداً على «قرار الجيش الحازم في التصدّي بكلّ قوّة لأيّ محاولة لزعزعة الاستقرار، وسينتصِر حتماً كما انتصرَ سابقاً».
وكان قهوجي يتحدّث خلال تفقّدِه أمس الوحدات العسكرية المنتشرة في منطقة الزهراني، حيث جال في مراكزها واطّلعَ على إجراءاتها الميدانية وأوضاعها المختلفة، والتقى أبناءَ العسكريين الشهداء، كذلك اجتمع بالضباط والعسكريين.
بيروت محاصرة بالنفايات
وكانت أزمة النفايات أمس احتلت يوماً آخر واجهة التطوّرات. وقد بدا واضحاً أنّ المشكلة الرئيسة تتركّز في بيروت والضواحي، في حين تمكَّنَت بلديات المحافظات والأقضية من تدبّر أمورها موَقّتاً.
وجاء لقاء وفد من نوّاب بيروت امس مع رئيس الحكومة بحضور وزير البيئة محمد المشنوق ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج، ليؤكّد أنّ الأزمة في العاصمة تراوِح مكانَها، وأن لا حلولَ في الأفق في ظلّ رفضِ كلّ المناطق استقبالَ نفايات بيروت موقّتاً بانتظار الحلّ النهائي.
وعكسَ هذا الواقعَ تصريحُ النائب محمد قباني، بعد اجتماع السراي، إذ دعا المناطق والأقضية والقرى الى تقَبّلِ فكرة أنّ بيروت لا تستطيع أن تعالج مشكلة نفاياتها داخل بيروت الإدارية. وأسِف «لتصاعد لهجة المناطق، حيث نَسمع رفضَ استقبال أيّ نفايات من خارج هذا القضاء. وهذا المنطق خطير، ومع الأسَف الشديد قد يؤدّي بلبنان كما سبقَ أن سمّيناها إلى «فدرالية النفايات» التي إذا ستمرّت هكذا فستذهب بلبنان».