Site icon IMLebanon

 سلام أمام الخيار الصعب الثلثاء

 

إستفاقَ مجلس الوزراء من هول المصيبة التي كادت أن تطيحَ به في جلسة التاسع من تمّوز الجاري، فبِلا أيّ وساطات أو مبادرات عادَ الوزراء إلى رشدِهم لكن من دون أن يعودوا عن مواقفِهم واصطفافاتهم. وفي مناخ هادئ نسبيّاً لم تلوّثه سموم النفايات المتكدّسة في الشوراع وروائحُها التي تزكِم الأُنوف، انعقدَت الجلسة وبدَت المناقشات راقيةً ولطيفة، على عكس الجلسة الماضية، أمّا الجوهر فلم يتغيّر. وقد رُصِدت إشارات إيجابية تجاه رئيس الحكومة تمّام سلام بالكلام السياسي، والبارز أنّ سلام الذي أبدى انفتاحاً واسعاً في التعاطي مع الطروحات كان أكثرَ حسماً في نهاية النقاش بأنّه سيُجري الاتصالات اللازمة وسيَسعى بكلّ الوسائل لتجنّبِ الفراغ الحكومي، أمّا إذا وصلت الأمور إلى حائط مسدود فسيكون له موقف.

وقالت مصادر السراي الحكومي لـ«الجمهورية»: «واهمٌ مَن يعتقد أنّ هذه الحكومة ستحلّ الخلافات الكبيرة وستغيّر النظام وتحسم التدخّل في سوريا ووو….. فالجميع يعلمون أنّها غير متجانسة ووُلِدت بعد مخاض استمرّ 11 شهراً، وهي حكومة الأضداد والقوى السياسية المتنازعة، لكنّ مهمّتها هي تسيير أمور الناس والدولة، وازدادت أهمّيتها بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية».

وأضافت هذه المصادر: «إنّ الرئيس سلام لن يقبلَ بأيّ صيغة تؤدّي بطريقة مباشَرة أو غير مباشرة إلى التعطيل، كذلك لن يقبل أن يكون لأيّ وزير حقّ «الفيتو»، حتى لا يتحوّل اسم «آليّة العمل» إلى «آليّة التعطيل»، وهو يطلب تسييرَ الأمور بالتي هي أحسن». وأشارت إلى «أنّ رئيس الحكومة يجري محاولة جديدة ويأمَل في أن يتّفق الأفرقاء السياسيّون ولا يدفعوه إلى اتّخاذ قرار يدخِل البلاد في الفرغ الكامل».

ماذا دارَ في الجلسة؟

في بداية جلسة مجلس الوزراء، طرَح الوزير آلان حكيم خطّة حزبِ الكتائب لمعالجة قضية النفايات، معتبراً أنّ الملف طارئ لا يتحمّل التأجيل، ومورِداً النقاط الأربع التي بنِي عليها تصَوّر الحزب للحلّ. فرفض وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» النقاش في أيّ ملف قبل آليّة عمل الحكومة، وهذا ما حصَل، إذ فضّلَ سلام الدخول في المقاربة المتعلقة بالآليّة وتأجيل ملفّ النفايات إلى أواخر الجلسة.

وقدّم سلام في الجلسة باسمِه وباسمِ الحكومة الاعتذارَ مِن الشعب اللبناني على المشهد الذي حصَل في الجلسة الأخيرة، معتبراً أنّ ما حصل هو «صفحة طوِيَت»، وأملَ في أن لا يتكرّر هذا المشهد وأن يتمكّن مجلس الوزراء من متابعة عملِه، وقدّم جردةََ بعمل الحكومة وإدارته للجلسات في عهده.

ثمّ قدّمَ الوزير جبران باسيل بدورِه الاعتذارَ إلى اللبنانيين، مؤكّداً «أنّ هذه الصفحة أصبحَت وراءَنا». ومع بَدء نقاش آليّة العمل الحكومي، أسهبَ كلّ مكوّن سياسي في شرح موقفِه. ودار نقاش مستفيض شاركَ فيه معظم الوزراء، تركّزَ على آليّة عمل مجلس الوزراء وصلاحيات رئاسة الجمهورية المنتقلة وكالةً إلى مجلس الوزراء نتيجة الشغور الرئاسي، وحول طريقة اتّخاذ هذا المجلس قراراته.

وقد أصَرّ بعض الوزراء على التأكيد أنّه لا يمكن اتّخاذ أيّ قرار من دون التوافق بين جميع الوزراء، معتبرين أنّ جدولَ أعمال جلسة مجلس الوزراء يحتاج هو الآخر إلى توافق، ومصِرّين على أنّ «هذا ما تقتضيه الممارسة الدستورية». وفي هذا السياق قال باسيل: «نحن الذين نمثّل 95 في المئة من المسيحيّين لا نستطيع أن نختار قائداً للجيش».

وردّدَ الوزير أشرف ريفي قولَ الشاعر:

«لا تَنهَ عن خُلقٍ وتأتيَ مثلَه عارٌ عليكَ إذا فعلت عظيمُ».

وقال: نحن كمكوّن سياسي نصِرّ على الشراكة وعلى تنوّعِنا الطائفي والمذهبي والذي نرى فيه غنى للبَلد، إنّما يجب أن تعلمَ أنتَ وحليفك أنّكما ارتكبتما خطأً بحقّ الشراكة السياسية في الحكومة السابقة».

وسأل ريفي سلام: «هل الاستقالة واردة إذا لم نتوصّل إلى اتّفاق؟ فردّ سلام: «كلّ الاحتمالات واردة». فردّ الوزير محمد فنَيش قائلاً: «إذا كنّا أخطأنا ورأينا إلى أين وصلت البلاد فلا يجب تكرار الخطأ».

قزّي

وبدوره قال الوزير سجعان قزّي: «نستغرب أن يحاول البعض ربطَ ما يحصل في الخارج بالوضع الحكومي، والبعض يريد أن يقول لنا إنّه إذا حصَل حوار بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» تُحسَم التعيينات الأمنية، والآخر يريد أن يقول لنا إنّه إذا حصَل تحالف بين «حزب الله» و«التيار الحر» يُحسَم تفسير الدستور، فنحن لسنا جزءاً لا مِن الحوار الأوّل ولا من التحالف الثاني، وإنْ كنّا نرحّب بالحوار، ونتمنّى أن يؤدّي التحالف الى تعزيز بناء الدولة، لكن البعض يصَوّر هذا الحوار والتحالف وكأنّهما مؤسّسات «إكسترا»، ونحن لا نعترف بهذه المؤسّسات لأنّ القرارات تتّخَذ في مجلس الوزراء وليس خارجه.

والحديث عن انتقال صلاحية رئاسة الجمهورية إلى الوزراء صحيح لكن لا تنتقل إلى كلّ وزير بمفرده، إنّما إلى الوزراء معاً، فلا نستطيع أن نقسمَ رئيس الجمهورية، لكن نستطيع أن نتوحّد كوزراء لنقومَ وكالةً بصلاحياته إلى جانب رئيس الحكومة».

وشدّد قزّي على «أنّنا مع آليّة التوافق التي سبقَ وحدّدناها بـ 3 لاءات: التوافق لا يعني التعطيل، التوافق لا يعني الإجماع، والتوافق لا يعني استفراد مكوّنات حكوميّة إلّا إذا أراد أحدُ المكوّنات أن يعزلَ نفسَه».

وأثنى الوزير بطرس حرب على كلام رئيس الحكومة، وأكّد «أنّ حلّ مسألة الصلاحيات يكون أوّلاً بانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا مِن مسؤولية مَن يعطّل انتخابه بدلاً من أن تُلقى علينا محاضرات أقلّ ما يقال فيها أن لا علاقة لها بالدستور، إذ لا يكفي أن يطلقَ وزير أو فريق ما تفسيراً استنسابياً للدستور ليصبحَ ما يقوله دستورياً أو في صلب القانون».

وقال: «مِن المعيب أن يتمّ تعطيل مجلس الوزراء إذا لم يوافق طرفٌ ما على بندِِ من بنوده، فيما البلاد غارقة في النفايات والديون والمصالح اليومية للناس، والتي لا يمكن أن تنتظر موافقة البعض».

وطالبَ بـ«وقف هذا الفجور ومثل هذه الممارسات التسَلّطية»، مناشِداً الجميعَ «العودة إلى ضمائرهم والمسارَعة الى انتخاب رئيس للجمهورية يجسّد وجودُه على رأس البلاد حقوقَ المسيحيين ووحدةَ لبنان واللبنانيين وسلامةَ الحكم».

وتمثّلَت الإشارة الإيجابية الثانية التي رصِدت لباسيل أنّه وأثناء كلام فنَيش عن موقف الحزب وحليفه في مفهوم المكوّنات السياسية حاولَ الوزير الياس ابو صعب أن يتدخّل فأثناه باسيل عن هذا الأمر للحفاظ على هدوء الجلسة.

وقدّم كلّ فريق وجهة نظرِه بتفسير الدستور وآليّة عمل الحكومة وانقسمَت الآراء وتجاوَز النقاشُ التعيينات أساسَ المشكلة. وطرحَ فنيش مبدأ التوافق وقال: «إذا تجاوَز مكوّن سياسيّ لا يجب أن تتعطّل الحكومة. أمّا أن يتجاوز مكوّنان فلا تمشي القرارات».

ورفض وزراء حركة «أمل» والحزب التقدّمي الاشتراكي هذا المبدأ، وقالوا إنّهم «مع الدستور وما يقوله النصّ الدستوري في حالة الحكومة هذه».

وأكّد الوزير علي حسن خليل أنّه على رغم اعتراضه إلّا أنّه لن يُعطّل. وطلبَ اتّخاذ إجراءات سريعة لإصدار سندات اليوروبوند التي تستحقّ في 7 آب المقبل.

وعندما عجزَ المجتمعون عن التوصّل إلى تفاهم تأجّلَ البحث الى جلسة تعقَد صباح الثلثاء المقبل. وكان حصَل خلال الجلسة أيضاً سِجال حول مسألة النفايات التي اعتبَر عددٌ مِن الوزراء أنّ الحلّ وضِع واتّخِذت القرارات في شأنه خلال جلسات سابقة، وعلى الوزير المعنيّ العمل على تطبيق ما تمّ الاتفاق عليه. ووعَد وزير البيئة محمد المشنوق بـ«حلول تدريجية وموَقّتة لسحبِ النفايات من شوارع بيروت والضاحيتين عبر إيجاد مطامر في المناطق».

حنّاوي لـ«الجمهورية»

وقال الوزير عبد المطلب حنّاوي لـ«الجمهورية»: «ما حصَل في جلسة اليوم (أمس) هو مقدّمة تعكس رغبة الجميع باستمرار عمل الحكومة، وفي رأيي أنّ الأمور بدأت تتحَلحل وهناك أكثر من دلالة إيجابية تؤكّد هذا الأمر». وأضاف: «إنّ مصلحة الجميع هي الوصول إلى حلّ، لأنّ الأمور وصلت إلى الخطوط الحُمر، وصبرُ الرئيس سلام لامسَ الحدود القصوى».

وختمَ: «بِتنا حكومةً تعمل «عالدَفش» كسيارة قديمة تمشي تارةً ثمّ تتعطّل، وهي ستبقى على هذه الحال إلى حين صدور قرار الإطاحة بها عند انتخاب رئيس الجمهورية».