تميّزت جلسة مجلس الوزراء أمس بالرمادية والوقت الضائع، فلا أنتجَت حلولاً ولا رؤية ولا مقاربة لآلية العمل الدستوري، واضطرّ الفريق الرافض مناقشة أيّ موضوع قبل إقرار الآليّة إلى الرضوخ لقرار رئيس الحكومة تمّام سلام البدءَ بمناقشة أزمة النفايات لكي لا يتحمّل أيّ وزير الكارثة الصحّية والبيئية التي تصيب لبنان في قلبه. وإذا كان مجلس الوزراء قد تجنّبَ مجدداً انفجاراً محتوماً لئلّا يؤثّر على أجواء عيد الجيش غداً، والتي نَغَّصَها، إلى جانب غياب رئيس الجمهورية هذه السَنة وللمرّة الثانية، أنّ الضبّاط المتخرّجين من الكلّية الحربية لم يَحظوا بمرسوم تخريجهم كعيدية بسبب امتناع وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» و«حزب الله» عن توقيع المراسيم منذ جلسة 2 تمّوز، وبدل النجمة الصفراء سيَحظى هؤلاء الضبّاط بنجمة بيضاء، على عكس صورة الحكومة القابضة على نجومهم.
قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس رداً على سؤال حول التطورات الجارية وحديث البعض عن سقوط الحكومة: «إنّ تطيير الحكومة يعني تطيير البلد، وهذا أمر لا يمكن ان يحصل، إنّ الحكومة خط احمر، على الاقل بالنسبة إليّ، وبالنسبة الى الاخوة في «حزب الله»، وموقفي وموقفهم ليس من باب الكلام، بل هو موقف جدّي، ومَن يرِد إسقاط الحكومة من دوننا فليجرّب، فالمسألة «ليست بالعافية»، والرئيس سلام يقوم بواجباته ويعمل لاستيعاب الامور لتستمرّ الحكومة في تحمّل مسؤولياتها».
وسُئل بري ايضاً عن الحراك الفرنسي في اتجاه ايران وغيرها، في ضوء زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لطهران وإعلان الرئيس فرنسوا هولاند انه سيزور لبنان خلال الاشهر المقبلة؟
فقال: «المرحلة الآن هي مرحلة انتقالية، فالاتفاق النووي بين ايران والدول الغربية يترسّخ، وهناك فترة ما بين شهرين الى ثلاثة أشهر حتى تبدأ الحلول، ولذلك علينا في لبنان ان نعمل على معالجة قضايانا، ولا سيّما منها الملِحّة لنكون مهيَّئين لاستقبال الحلول عندما يحين اوانها، لأن المرحلة الآن ليست مرحلة حلول». ولم يشَأ برّي التعليق على موضوع ازمة النفايات مبدِياً «قرفَه» من هذا الملف.
جلسة الوقت الضائع
وكان سلام افتتح جلسة مجلس الوزراء بكلمة سياسية تناول فيها ثلاثة ملفات اساسية تشكّل ازمات متلاحقة ودعا الى مناقشتها بالتدرج، فلم يعترض احد.
وكانت النفايات الملفّ الاوّل، وقال سلام في هذا الصدد: «في ظلّ هذه الكارثة الوطنية عقدت اللجنة الوزارية 4 اجتماعات وحاولت ايجاد حلول موقّتة، وهناك اماكن عدة يمكن ان تكون حلاً، لكنّ التجاذب يمنع التوصل الى مخارج».
واضاف «إنّنا حتى اليوم لم نجد الحل الكفيل بإبعاد الكأس المرّة»، مطالباً الجميع «ببذل الجهود بصدق وإخلاص»، وتحدّث عن تراجع البعض عن وعودهم، مشيراً الى «مزايدات سلبية وتطاول على الدولة». واعتبر «انّ الدولة باتت رهينة حالة عشوائية». وقال: «إمّا ان نتفرج على الخلل والعجز، وإمّا ان نعالج أزماتنا وخلافاتنا».
أمّا الملف الثاني فهو الاستحقاقات المالية، وقد تحدّث سلام عن وجود استحقاقات مالية وهبات تنتظر صدور مراسيم، وقدّم امثلة، منها مشروع للبقاع الغربي (32 مليون دولار)، النازحين ( 27 مليون دولار)، تصميم العلوم والرياضة ( 1،2 مليون دولار) مشاريع للتنمية المستدامة والمياه ( 20.9 مليون دولار) أي ما مجموعُه 98,3 مليون دولار تقريباً.
كذلك أشار الى اتفاقات قروض لمعاهد ومشاريع، من بينها الليطاني وقيمتُها 142 مليون دولار، اضافةً الى اتّفاقات اخرى تنتظر توقيعَها في مجلس الوزراء بما مجموعه 737 مليون دولار.
كذلك أثارَ سلام استحقاق سندات الخزينة (يوروبوند) ورواتبَ الموظفين والاموال المستحقّة على الدولة لمصلحة شركة IMPERIAL للطيران، عدا عن مشاريع تعود للقطاعين الخاص والعام المتوقّفة بسبب التعطيل.
الآلية
وفي الملف الثالث وهو آلية العمل واتّخاذ القرار في مجلس الوزراء، قال سلام: «ناقشنا في الاساس التوافقَ بموجب المادة 65 من الدستور وتمسّكت بالتوافق، بل ذهبنا الى الإجماع فاصطدمنا بالتعطيل، ثمّ حاولنا مواجهة التعطيل بالعودة عن الإجماع وسِرنا في مقاربة جديدة عملنا على اساسها، لكنّنا عدنا الى التعطيل وتوقّف إنتاجية الحكومة، ولذا فإنّ عدم إيجاد الحلول يعني الشلل». وحذّر من انّه امام الحائط المسدود ستكون كل الخيارات مفتوحة لديه. وقال: «إذا استمرينا في ما نحن فيه فلن يكون هناك جدوى لمجلس الوزراء، أو لأيّ مؤسسة دستورية».
شهيّب
وبعد كلام رئيس الحكومة، كانت مداخلة للوزير أكرم شهيّب قال فيها: «روائح ثم امراض ثم أمور مستعصية، ونحن كفريق قلنا سابقاً عرسال لا تسقِط حكومة إنّما النفايات تسقِطها. نحن ندور في حلقة مفرغة قدّم فريقنا أكثر من 60 في المئة من الحلّ في منطقتنا ولا حلّ قبل الساعة السابعة ليلاً ( ليل امس)». وطلب عدم تطييف الملفّ وتسييسه.
قزّي
وقال الوزير سجعان قزي: «ما يجري اليوم لم يعُد موضوعاً يتعلق بالنفايات فقط، فنحن نعيش في ظل ازمة سياسية ووطنية وأخلاقية. لا يجوز بعد 20 عاماً على معالجة موضوع النفايات بطرُق تقليدية إيهامَ الرأي العام اليوم بأنّ سبب عدم ايجاد مخرج لموضوع النفايات في اجتماعات اللجنة الوزارية يعود الى انّ اهالي المتن وكسروان يرفضون الطمرَ في مناطقهم، فهذا أمرٌ عارٍ من الصحة، يجب معالجة الموضوع بعيداً من السياسة والمحاصَصة وفي إطار خطة شاملة ومتوازية بحيث يتحمّل كلّ قضاء مسؤولية نفاياته، على ان يتم توزيع نفايات بيروت مرحلياً على الأقضية الاخرى.
وخلافاً لما يقال في كسروان والفتوح، هناك استعداد للمشاركة في هذه المسؤولية وفي وجود أمكنة لمعالجة النفايات شرط ان يتمّ الاختيار وفق اسُس علمية تأخذ في الاعتبار الأثر البيئي والتأثير الصحي، فلا يتمّ اختيار أمكنة اعتباطياً وبتسرُّع ثمّ يقال إنّ اهالي كسروان والمتن رفضوها».
دوفريج
وقال الوزير نبيل دوفريج: «نحن نَسمع ما لم نسمعه في حياتنا، نفايات مسيحية وسنّية وغيرها، هناك 4 ملايين طن من المتن وكسروان خلال 17 عاما».
ريفي
وطمأنَ الوزير اشرف ريفي الى «انّ لبنان في منأى عن الانفجار الكبير». وقال لـ»الجمهورية»: «لا يزال القرار الاقليمي الدولي والداخلي بتحييد ساحة لبنان وإبقائها في معزل عن الانفجار الامني الشامل. لكنّ الجميع يلاحظون التراجعَ في هيبة الدولة ومؤسساتها، والامور متفلتة ضمن حدود معيّنة، لكن لا خوف كبيراً من فلتان شامل».
وعن سبب تلويح سلام مجدداً بكلّ الخيارات، قال ريفي: «من المفترض ان نبتّ بعد نحو اسبوع في موضوع رئيس الأركان في قيادة الجيش تعييناً أو تمديداً. وأعتقد أنّ هذه القضية ستكون سبباً لمشكلة، فالعماد عون يهدّد بالنزول الى الشارع وندرك جميعاً أنّ الامر يجب ان يحسَم في 6 أو 7 آب المقبل. فماذا ستكون ردّة الفعل؟ هل سيكمل وزير الدفاع في اتجاه التمديد للقادة الامنيين أم لا؟ وإذا مدّد أعتقد أنّنا مقبِلون على مشكلة».
وأوضح ريفي أنّه دانَ في خلال جلسة مجلس الوزراء «ما حصل امام منزلَي الرئيسَين سلام والسنيورة، وما تعرّضَ له الوزير رشيد درباس»، لافتاً الى انّه خاطبَ وزيرَي حزب الله قائلاً: «إذا كنتم تصنعون لنا 7 أيار مخفّفة أو أنّ ما يجري هو تمهيد لـ 7 أيار فأنتم واهمون.
فنحن لن ننجَرَّ إلى الموافقة على أيّ موقفٍ لا نرى فيه مصلحة للبنان وغيرِ مقتنعين به. وإذا كنتم تعتقدون أنّكم ستوصِلون الى رئاسة الجمهورية مرشّحاً لـ 8 آذار فأنتم واهمون جداً، فلن نقبل به مهما كلّف الامر لأنّه في المقابل سيكون لنا أيضاً مرشّح لـ 14 آذار نتمسّك به، فالبلد محكوم بالتوافق، وإذا وافقتم على رئيس توافقي فليكن، لكن لا تحلموا بأنّكم ستستطيعون فرضَ مرشّح علينا مهما كلّف الأمر و7 أيار لن يأتي عليكم إلّا بالويل والأذى».
وأضاف ريفي: «أكّدت أنّ عمر الحكومة الافتراضي كان يجب ان يكون خمسة اشهر فقط وأن ينتهي في 25/5/2014، و كنّا نأمل ان نترك الوزارة في حينه ويُنتخَب رئيس للجمهورية، وعندما نجد اليوم انّ استمرارنا في خدمة البلد مطلوب ونستطيع ذلك، فنحن حاضرون، لكن عندما نجد انّ استمرارنا سيكون على حساب كرامتنا سنرفض. فكرامتُنا أهمّ من كل الكراسي، وعندها نقول لرئيس الحكومة نحن مستمرّون معك وأن تظلّ كلّ الخيارات مفتوحة».
الحاج حسن
وعندما سأل ريفي خلال الجلسة: هل ما رأيناه هو تطبيق للاتفاق النووي؟ تدخّلَ الوزير حسين الحاج حسن مخاطباً سلام قائلاً: «نقدّر إحساسك بالمسؤولية واحترامَك للآلية، كذلك نقدّر صبرَك، وأنت لا تُحسَد على الظروف التي يمر بها البلد.
وسأل «مَن المسؤول عن عدم إنتاجية الحكومة؟ مَن يطالب بالحقوق أم مَن يمتنع عن إعطائها؟ وقال: «الحلّ يكون بالشراكة وليس بتعطيلها، وأحدُ الاطراف السياسية يقول شارِكوني في حلّ أزمة النفايات ولا يقبل المشاركة في قضايا أخرى». وسأل أيضاً: «لماذا لم تلتزم المحارق بالقرار الصادر عن حكومة الرئيس الحريري».
وأضاف: «النفايات في الشارع ولم نعُد نتحمل التأجيل». وقال الحاج حسن ردّاً على ريفي: «الشبّان الذين أقدموا على رمي النفايات إذا كانوا شيعة فلا يعني أنّهم من حركة «أمل» أو من «حزب الله»، وعندما قطعت طريق الجنوب نحن لم نتّهم فريقاً بقطعها، صحيح انّ هناك خلافاً داخل الحكومة، إنّما هناك حِرص على عملها أكثر ممّا تتصوّرون».
باسيل
وقال الوزير جبران باسيل: «عارضنا سابقاً التمديد لشركة سوكلين ثمّ لم نتوافق عليه، فلا تحمّلونا أخطاء ما لم نتوافق عليه». وسأل، كيف نشارك في النتائج من دون ان نشارك في القرار، المسؤولية تقع على الإدارات، وبرج حمّود تحمّلت الكثير، إنّ الشراكة ليست انتقائية، وما يحصل في السياسة سببُه عدم المشاركة، ونحن نريد المساعدة لكنّنا لا نقبل ان تكيلوا بمكيالين». وردّ الوزير بطرس حرب على باسيل قائلا: «أستغرب أنّ مَن أكلَ «البَيضة والتقشيرة» يطالب بالشراكة».
ثمّ تحدّث الوزير ميشال فرعون عن «انعكاسات كارثية على صورة لبنان». وقال: «كان على الحكومة تحضير خطة طوارئ وطلب اعتماد خيار نقل النفايات عبر البحر، وأن يشمل أيّ قرار نهائي أو مناقصات نقلَ معامل سوكومي من منطقة الكرنتينا، لأنّه لا يجوز الاستمرار في معمل تأسّسَ لفترة محدودة وبحجم أقلّ مِن الأحجام الحالية».
وإذ دعا سلام الى استطلاع منطقة وطى الجوز وإمكان استعمالها كمطمر. سألَ الوزير محمد فنيش عن شركة «GARROL» المسؤولة عن مراقبة سوكلين والتي تقاضَت 6 ملايين دولار من دون ان تقوم بعملها.
وعندما لم تتوصل النقاشات الى ايّ حلّ رفعَ سلام الجلسة من دون ان يعلنَ عن تحديد موعد لجلسة الاسبوع المقبل، وتضاربَت معلومات الوزراء عن طبيعة تلك الجلسة.
جلسة ما قبل العاصفة
وتوقّفت مصادر وزارية عند الهدوء الذي ساد الجلسة، وقالت إنّه «هدوء ما قبل العاصفة» المقبلة على السراي الحكومي الأسبوع المقبل. «وإنّ الجلسة المقبلة ستصادف في حال إبقائها في الموعد الدوري الاسبوعي في 6 آب المقبل، وهو الموعد الذي يتلازم ونهاية ولاية رئيس الأركان في الجيش اللواء وليد سلمان منتصف ليل 6 – 7 آب.
ولذلك سيكون على وزير الدفاع ان يطرح الأسماء المرشّحة للموقع، وقد تكون لائحة من ثلاثة ضبّاط لا يتوافر لتعيين ايّ منهم الإجماع الوزاري، ما سيفسح المجال لوزير الدفاع تأخيرَ تسريحه مرّة ثالثة الى مهلة لا يمكن أحد تقديرها من اليوم لتتناسبَ المخارج مع ما هو متوقّع لقائد الجيش العماد جان قهوجي في 23 أيلول المقبل، وقبله بثلاثة ايام لمدير المخابرات العميد ادمون فاضل وقبلهما للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير عملاً بمبدأ المساواة».
النفايات…مكانك راوِح
في هذا الوقت عقدَت اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف النفايات الصلبة اجتماعها الخامس عصر امس برئاسة سلام واتّفقت على إبقاء اجتماعاتها مفتوحة.
وأوضَح أمين سر اللجنة وزير البيئة محمد المشنوق أنّه تمّ الاستماع الى التقرير الذي قدّمته غرفة العمليات التي أنشِئت لمتابعة الملف حول كمّيات النفايات التي رُفعت من بيروت والضواحي.
وخلال الاجتماع ردّ الوزير الياس بو صعب على اتهامات اعضاء اللجنة له بأنّه لم يقدّم ايّ حلّ بإيجاد مطمر في كسروان والمتن، فردّ داعياً الى «الحديث بمنطق علمي وبيئي»، وقال: «مَن يعرف طبيعة المتن وكسروان يدرك جيّداً انّه لا توجد ايّ بقعة صالحة، لأنّها ستكون إمّا بين المنازل والقرى وإمّا على سطح ينابيع المياه.
وبالتالي بيئياً وعلمياً هذا الامر صعب جداً، ليس من منطلق العرقلة إنّما من منطلق الواقع الحقيقي لهذين القضاءين». واعتبر أنّ المشكلة تعني الجميع بمن فيهم أهل المتن وكسروان، ولكن لا نستطيع إيجاد حلّ عشوائي لمشكلة عمرها عشرون عاماً، ولم يكن لنا ايّ مشاركة في القرارات التي أدّت للوصول الى هذه الأزمة، إنّما نحن معنيّون بمحاولة إيجاد الحلول، لكن ليس على حساب شروط السلامة البيئية، ولا شيء يمكن ان يفرَض في المنطقة إلّا بموافقة البلديات واتّحاد البلديات، لأنّهم الأدرى بمناطقهم ومصلحة قراهم ومياههم.
لو أردنا استغلالَ هذه المشكلة في السياسة، حسبَ ما اتّهَمنا البعض، لكُنّا ذهبنا بعيداً، لأنّ المواطنين باتوا غيرَ قادرين على تحَمّل عجز الفريق الآخر عن إيجاد الحلول المناسبة، ولكنّ فريقنا السياسي يتصرّف بمسؤولية وطنية بعيداً من المزايدات».