المواقف التي أطلقَها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أعادت التأكيد على ثوابت المرحلة في لبنان، وفي طليعتها الثلاثية الجديدة: استقرار، حوار، وحكومة، الأمر الذي يجعل التحرّكَ العوني محكوماً بهذه الثلاثية التي تشَكّل تقاطعاً دولياً-إقليمياً-محَلياً، وبالتالي لا أفقَ عمليّاً لهذا الحراك غير القابل للترجمة السياسية، خصوصاً أنّ كلّ التقديرات أجمعَت على أنّ الحشد العوني كان متواضعاً جدّاً، على رغم التعبئة السياسية التي رافقَته وقيادة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون شخصياً له. ومِن الواضح أنّ كلّ ما كان يريده عون هو التعويض عن المشهدية الشعبية السابقة، كونه يدرك أنّ آفاق التغيير مسدودة، والتأكيد على قدرته على الحشد من أجل التحذير من محاولة تجاوزِه في استحقاقات مستقبلية. ولكنّ الصورة أكّدَت أنّ هموم الناس اليوم من طبيعة حياتية لا سياسية، ويبقى السؤال حول مسار جلسة مجلس الوزراء اليوم، وما إذا كان «التيار الوطني الحر» سيتمسّك بأولوية الآليّة على جدول الأعمال، وما إذا كانت التحرّكات الشعبية ستواكب الجلسة.
مع تمديدٍ جديد في عمر الشغور الرئاسي بعدما أرجَأ رئيس مجلس النواب نبيه برّي جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى 2 أيلول المقبل، بفعلِ عجز مجلس النواب في جلسته السابعة والعشرين عن انتخاب رئيس جديد، ومع استمرار التعطيل في العمل الحكومي، يبقى الترقّب سيّد الموقف لمعرفة سَير مناقشات جلسة مجلس الوزراء اليوم، وما إذا كانت المواقف «العونية» الأخيرة التي أطلِقت في الشارع أمس خلال التحرّكات الاعتراضية بسبَب «غياب الشراكة والخروج عن الميثاق والدستور»، عقبَ اختتام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف زيارته للبنان، ستنتقل إلى داخل قاعة المجلس فيتكرّر مشهد الصدام مجدّداً، أم أنّ الوضع سيبقى تحت السيطرة أو سيَلجأ رئيس الحكومة تمّام سلام إلى أحد خياراته التي لطالما لوَّحَ بها؟
سلام
وعشيّة الجلسة أكّد سلام من الأردن التي عاد منها مساء أمس بعدما شاركَ في اجتماعات اللجنة اللبنانية ـ الاردنية المشتركة، والتقى نظيرَه الاردني عبدالله النسور وأبناءَ الجالية اللبنانية أنّه: «على رغم كلّ ما نحن فيه، ما زلنا نعوّل على هذه الخصال والطباع عند اللبنانيين، وثقتُنا ببعضنا البعض يجب أن تستمرّ وتقوى، ولا يفرّقنا لا طائفة ولا حزب سياسي ولا فِكر سياسي. يجب أن نكون كلّنا يداً واحدة في سبيل وحدتنا الوطنية، لبنان نموذج التعايش والعيش الواحد والفريد من نوعه في المنطقة والعالم، نحن مؤتمَنون على الحفاظ عليه، وأنا مِن جهتي عاهدتُ نفسي واللبنانيين عدمَ التخلّي عن هذه المهمة مهما كلّف الأمر».
مصادر وزارية
واستبعدَت مصادر وزارية أن تذهب جلسة مجلس الوزراء اليوم إلى تفجير يطيح بالحكومة، وقالت لـ»الجمهورية»: «لا أحد يملك السيناريو الحقيقي للجلسة، لكنّ المعطيات تشير إلى أنّها لن تكون جلسة عادية وهادئة، وإن يعمد وزيرا «التيار الوطني الحر» إلى نقلِ الأجواء التي بَدأاها في الشارع إلى الحكومة»، تحدّثت عن شِبه قرار لدى جميع القوى السياسية بعدم مواجهتهما وإحباط محاولة استدراجها إلى صدام، وحتى وزراء تيار»المستقبل» الذي وصَفه «التيار الوطني الحر» بـ«داعش» فسيتجنّب الرد إلى درجة تصعيد المواجهة».
وعمّا إذا كان رئيس الحكومة تمّام سلام سيصِرّ على مناقشة جدول الأعمال، لفَتت المصادر الى أنّها الجلسة الأولى بعد التمديد للقيادات العسكرية والأمنية وسيحاول فيها سلام امتصاصَ النقمة العونية قدر الإمكان، ولن يذهب الى تحدٍّ، على أن تدرس خطوات الجلسات المقبلة لاحقاً».
بوصعب
وأكّد بوصعب استمرارَ التحرّك على الأرض، مشيراً إلى أنّ كلّ تحرّك سيكون ابنَ ساعته، وسيتدحرج ككرة ثلج، ولن يعلنَ عن الخطط مسبَقاً.
وقال لـ«الجمهورية»: «سنَطرح في جلسة مجلس الوزراء المطالبَ نفسَها التي نتحدّث عنها، وهي: المطالبة بالشراكة الحقيقية بالقرارات في مجلس الوزراء، ورفض تهميش فريق معيّن وعدم الوقوف على رأيه في مواضيع أساسية تعنيه، فنحن شركاء في مجلس الوزراء، وطالما إنّنا شركاء ولم نستقِل فلن نقبلَ بتهميشنا في المجلس، وسنعمل على هذا الأساس وبالوسائل التي نراها مناسبة».
وفي موضوع آليّة العمل، قال بوصعب: «لقد اتّفقوا معنا على الآليّة، والذي يريد تغييرَها عليه أن يتحدث معنا ويناقشَنا فيها، فأيّ تعديل أو تغيير في الآلية يجب أن يَحظى بموافقتنا أيضا».
من جهته، أوضَح باسيل أنّه «سيكون لنا خلال الجلسة جدول أعمالنا الخاص»، وشَدّد على أنّ «القضية لا تنتهي بحلّ بنقطة من هنا أو هناك». وأكّد الاستمرار في التحرّك، مشيراً إلى أنّ «القضية لم تعُد محصورة في ملفّ واحد». وقال: «إنّنا نعَبّر عن مطالب حلفائنا وخصومنا، ومستمرّون حتى لو بقينا لوحدنا».
تحرّك «التيار»
وكان مناصرو «التيار الوطني الحر» لبّوا أمس الدعوة التي أطلقَها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون إلى التظاهر أمس الأوّل، بمشاركة باسيل وبوصعب ونوّاب «التيار» وقياداته. وانطلقَت المواكب السيارة والشعبية من مختلف المناطق اللبنانية باتّجاه وسط بيروت، وشهدَت مداخل العاصمة الشمالية زحمة سير خانقة.
مساعي ابراهيم
وعلمَت «الجمهورية» أنّ اللقاء الذي تمّ التحضير له بين باسيل ووزير المال علي حسن خليل قد انعقدَ فعلاً ليل الاثنين في منزل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وقد حرصَت أوساط المجتمعين على التكتّم على أجوائه وما إذا كان تمَّ الاتفاق على أمر ما يمكن أن يشَكّل بداية حَلحلة.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ الأجواء التي تحدّثت عن إجهاض مساعي ابراهيم للحَلحلة غير صحيحة، وهو لا يزال يعمل بعيداً من الأضواء وبمعزل عن كلّ التحرّكات الحاصلة.
«حزب الله»
في هذا الوقت، أكّد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسين الموسوي حقّ عون في التظاهر كونه يمثّل أكبرَ كتلة مسيحية، وهو حريص على الجيش كحِرص العماد جان قهوجي عليه». ورأى أنّ «الشريحة التي يمثّلها عون مظلومة، ويجب إعادة النظر في ذلك»، مشَدّداً على أنّ «الاستفزاز لا يكون لصالح الوطن».
وعن دور «حزب الله» في إيجاد المخارج وصولاً إلى تسوية الخلاف، أوضَح الموسوي أنّ «المساعي لم تتوقّف، وهي مستمرّة، وفي معظمها غير معلَنة». وقال: إنّ «إيران معنية بدَعم لبنان حكومةً وشعباً، وتأييدُها للرئيس تمّام سلام لا يمكن تصَوّره على أنّه موَجَّه ضد العماد ميشال عون».
«14 آذار»
من جهتها، استغربَت الأمانة العامة لقوى 14 آذار «أن يتهجّم قائد سابق للجيش على قائد حاليّ، ويذهب إلى حدّ اتّهام الجيش بالتقاعس عن مهمّاته الوطنية، «ممّا يضرب هيبة مؤسسة عريقة تضَحّي بأغلى ما لديها من أجل الحفاظ على لبنان، ويَفتح الباب عريضاً على التطاول عليها مِن أعدائها». وحذّرَت من أن يتحوّل اعتراض على تدبير إداري إلى أزمة وطنية مفتوحة، متعهّدةً الدفاع عن المؤسسات الدستورية والعسكرية والتمسّك بالدستور اللبناني نصّاً وروحاً منعاً لانزلاق لبنان نحو المجهول.
ظريف
وفي انتظار تبَلوُر الصورة الحكومية، نشَطت الديبلوماسية الإيرانية في لبنان، وأعلنَ ظريف في اليوم الثاني والأخير من زيارته إلى بيروت أمس قبل انتقاله إلى سوريا، أنّ بلاده تمدّ يدَ التعاون لجيرانها لبناء علاقات أفضل، مؤكّداً استعدادَها للتعاون ولتبادلِ الأفكار والقيام بعمل مشترَك لمكافحة التطرّف والإرهاب والطائفية، مؤكّداً رفضَه التدخّلَ الخارجي في شؤون لبنان الداخلية، ومتمنّيا أن يستمرّ الحوار الداخلي فيه.
فقد نوَّه ظريف من عين التينة بحِكمة برّي وحنكتِه ودوره في دعم المقاومة والاستقرار، متمنّياً «أن نستفيد من هذا الدور الكبير حتى تتّجه الأوضاع في لبنان والمنطقة الى مزيد من الهدوء والأمن والاستقرار».
وأعربَ عن اعتقاده بأنّه بمعالجة الملف النووي توفّرَت «الأرضية الصالحة لمزيد من التعاون بين الدول الإسلامية، حيث إنّ الخلافات الطائفية الداخلية والتطرّف من التحدّيات الكبيرة في المنطقة، ولا يمكن القضاء على هذه التحدّيات إلّا بمزيد من التعاون بين الدوَل فيها. ودعا الدوَل الجارة إلى تبنّي الحوار والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة».
ومِن قصر بسترس، أبدى ظريف بعد لقائه وزير الخارجية جبران باسيل استعدادَ إيران للتعاون مع جميع الجيران في المنطقة، وتبادُل الأفكار والقيام بعمل مشترك لمكافحة التطرّف والإرهاب والطائفية، وجَدّد دعمَ إيران للمقاومة في لبنان ، مبدِياً الاستعداد لأيّ شكل من أشكال التعاون «مع الإخوة في لبنان لتحقيق التنمية والتطور في هذا البلد، وكذلك التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية» وعمّا إذا كان ينصَح اللبنانيين بالتحاور لانتخاب رئيس جمهورية، وهل إنّ بلاده مستعدّة للعبِ دورٍ في هذا المجال، قال ظريف:«سُرِرنا لسَماعنا أنّه قد بدأ الحوار منذ فترة بين المجموعات اللبنانية، وهناك ساحة لتبادل الأفكار بخصوص القضايا العامّة، ونتمنّى أن يستمر هذا الحوار، ونحن في إيران لا نتدخّل في شؤون لبنان الداخلية، ولا نعتقد أنّ الساحة اللبنانية يجب أن تكون ساحةً للتلاعب من قبَل الدوَل الأخرى، ونَعتبر أنّها قضايا داخلية ولا بدّ من معالجتها من قبَل الشعب اللبناني. ونتوقّع من اللاعبين السعوديين الآخرين ألّا يعرقلوا الوصولَ إلى النتيجة، بل أن يسَهّلوا هذا الأمر.
والتقى ظريف كذلك وزيرَ الدفاع سمير مقبل، ووفداً فلسطينياً، بعدما كان اجتمع ليلَ أمس الأوّل مع الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله معلِناً وقوفَ بلاده إلى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين.