ينطلق هذا الأسبوع على وقعِ «صيدٍ ثمين» تَمثّلَ السبت الماضي بصيرورة الشيخ الفارّ أحمد الأسير في قبضة العدالة، وذلك في إنجازٍ أمنيّ كبير للمديرية العامّة للأمن العام ترَدّدت أصداؤه مدوِّيةً في الداخل والخارج. وعلمَت «الجمهورية» أنّ المديرية تلقّت عبر القنوات الأمنية الرسمية كثيراً من الاتصالات والرسائل من عدد من الأجهزة العربية والغربية التي اهتمّت بتوقيف الأسير، لِما للملفّ مِن بُعد دوليّ، خصوصاً أنّه كان يَنوي السفرَ إلى الخارج. وقد سَرقَ توقيف الأسير الأضواءَ عن الأزمة التي تعصف بالحكومة، إلى درجةِ أنّه لم يحصل في شأنها أيّ تواصُل بين المعنيّين منذ الجمعة الماضي، على حدّ قولِ مرجع كبير لـ«الجمهورية»، مشيراً إلى أن ليس واضحاً بعد ما إذا كان رئيس الحكومة سيَدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع أم لا. عِلماً أنّ المؤشّر على هذا الأمر سيَبرز اليوم، وهو الموعد الذي باتَ معتاداً لتوجيه الدعوة إلى هذه الجلسة.
أفادَت معلومات أمنية أنّ الأسير خرجَ من عين الحلوة منذ مدّة ليست ببعيدة واختبَأ في مكان قريب من بيروت، وقد توجَّه السبت الماضي إلى مطار بيروت بمفردِه، وقبِضَ عليه في نقطة الأمن العام في حرَم المطار بناءً على معلومات مستقصاة مسبَقاً نتيجة رصدِ وتتبُّع وتعَقّب، وقد اشتبَه رجال الأمن العام به على رغم تغييره كثيراً في ملامحِه، كذلك اشتبهوا بجواز السفر الفلسطيني الذي كان في حوزته وتبيّنَ أنّه مزوّر،
فاقتادوه إلى مكتب التحقيق في الأمن العام داخل المطار، وهناك اعترفَ بهويّته الأصلية بأنّه أحمد الأسير. ثم نُقِل إلى مكتب شؤون المعلومات في الأمن العام وبوشِرت التحقيقات معه، وبناءً على اعترافاته دهمَ الأمن العام أماكنَ ومنازل أشخاص على صِلة به وبمجموعته وشارَكوا في إخفائه ومساعدته على الفرار.
وخلال الدهم قبضَ الأمن العام على شخص وُجدت لديه مستندات مهمّة وخطيرة أحدثَت تطوّراً كبيراً في ملف التحقيق. وسيَستمرّ الأمن العام في استجواب الأسير وملاحقة الخيوط المرتبطة باعترافاته، على أن يودَع بعدها لدى المحكمة العسكرية التي ستتولّى محاكمته.
إبراهيم لـ«الجمهورية»
وقال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لـ«الجمهورية»: «ما حصَل يشَكّل خطوةً مفصلية في ملف الإرهاب والتعَدّي على الدولة وعلى المواطنين، وهو إثبات بما لا يقبَل الشكّ بأنّ العدالة لا تموت وأنّ دماءَ العسكريين والمواطنين وأرزاقَهم ليست رهنَ مزاجية أحد وأنّ الدولة إذا ما قرّرَت، فعَلت». وأوضَح أنّ «التحقيقات التي أجريناها منذ ساعات التوقيف الأولى قادتنا إلى كثير من الخيوط والمعلومات المهمّة التي سنكشف عنها في حينها حفاظاً على مسار التحقيق».
وكشفَ ابراهيم أنّ «تطوّرات جديدة ستَشهدها الساعات المقبلة مرتبطة بالملف والتحقيقات»، مؤكّداً أنّ «جهاز الأمن العام مستمرّ في مكافحة الإرهاب، وتوقيفُ الأسير ليس سوى محطّة». وردّاً على بعض الانتقادات، قال ابراهيم: «ليس لدينا مشكلة مع أحد إلّا مع مَن لديه مشكلة مع العدالة».
وكان ابراهيم لفتَ في أحاديث صحافية إلى أنّ «الإرهابي أحمد الأسير خرجَ من مخيّم عين الحلوة منذ مدّة واختبَأ في مكانٍ ما وتوَجَّه في الأمس (أمس الأوّل) إلى مطار بيروت بمفرده، وعند وصوله إلى نقطة الامن العام داخل المطار دارَت الشكوك حول جواز سفرِه الفلسطيني المزوّر، وجرى تقاطع للمعلومات الموجودة لدى الامن العام الذي كان يَرصد تحرّكاته منذ مدّة».
وأكّد أنّ «عملية الأمن العام لم يَشترك فيها أيّ جهاز أمني آخر، وليس صحيحاً أنّه تمّ التعَرّف عليه من خلال بصمةِ العين لأنّ المديرية العامة لم تستلِم الجهاز بعد»، نافياً أيّ علاقة للفصائل الفلسطينية بتوقيف الأسير.
وإلى ذلك، قالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» إنّ التحقيقات الأوّلية التي خضَع لها الأسير «لم تكن صعبة إطلاقاً، نظراً إلى حجم الثقة التي كانت موجودة بأنّه هو الأسير بلا شكّ، «لأنّ كلّ المعلومات عنه كانت موثوقة وعلى جانب كبير من الدقّة، ما جعلَ توقيفَه عملية نظيفة لم يَشعر بها أحد حتى في المطار عندما اصطحبَه ضابط في الأمن العام بلِباس مدني ورافقَه إلى مكتب التحقيق من دون أن ينتبه إلى ما حصل أيٌّ مِن ركّاب الطائرة وروّاد المطار».
وقد اتّخِذت في محيط مبنى الأمن العام – وزارة الهاتف سابقاً في منطقة العدلية، الذي نقِل إليه الأسير تدابير إستثنائية، حيث انتشَر العسكريون في المنطقة لرصدِ أيّ حركة مشبوهة، عِلماً أنّها لم تكن متوقّعة ولكن لا بدّ مِن الاحتراز.
و قال مرجع معني لـ«الجمهورية»: «إنّ البيئة الحاضنة لظاهرة الأسير غير متوافرة في أيّ بقعة من لبنان، وإذا وُجِدت «فإنّها تَعدّ للعشرة». وأضاف: «حتى في عبرا وصيدا ومخيّم عين الحلوة الذي آواه لفترة لم نَرصد أيَّ حركة مشبوهة. ولو لم تتحرّك زوجتُه الثانية وبعضُ رفيقاتها في صيدا لَما شعَر أحدٌ بأنّ هناك ردَّ فعل على عملية بهذا الحجم».
وذكرَ المرجع المعني أنّ التحقيق «كان سَهلاً، وتجاوَب خلاله الأسير في التعريف عن نفسه، وردّ على أسئلة المحقّقين بسهولة، متردّداً في بعض الأسئلة، ليتذكّر وقائع محدّدة واجَهه بها المحقّقون، كاشفاً عن كثير ممّا هو في عهدة الأمن العام من معلومات، فيُؤكّده ويوضح جوانبَ منه كانت تحتاج إلى توثيق وتوضيح من دون أيّ مفاجآت».
وأوضَح المرجع «أنّ الأسير «أكّد المؤكّد» في التحقيقات وكشفَ عن قضايا يمكن اعتبارها «حسّاسة ومهمّة»، لأنّها أضاءت على ملفّات عدّة وكشفَت عن أخرى ستسَهّل عملاً أمنيّاً إستباقياً بدأ بدَهمٍ في مناطق عدّة في جوار صيدا ومنطقة سيروب وعبرا منذ اللحظة الأولى للاعترافات، وسَهَّلَ الإيقاع بعدد من المتورّطين في عمليات كانت متوقّعة أو يخطّط لها ولم يكشف عنها كاملةً بعد».
ونَبَّه المرجع المعني إلى ضرورة الترَيّث في نسجِ السيناريوهات ومنها التي نشِرَت، لأنّ كثيراً ممّا نُشر لم يكن صحيحاً، وأنّ مثولَ الأسير أمام القضاء في غضون 12 ساعة على الأكثر من اليوم سيُغيّر معظمها ويوضح ما ذهبَت إليه بعض المخيّلات.
وعن الأماكن التي خضَع فيها الأسير لتغيير بعض ملامحِه، أكّد المرجع أنّها «باتت في أدقّ تفاصيلها في عهدة التحقيق، أمّا مَن أجرى هذه العمليات، وهل كان يَعلم بشخصية الأسير وأهدافِه مسبَقاً فهذه أمور ليست ثابتة بعد، في انتظار مزيد من التحقيقات، في وقتٍ أخضِع سائق السيارة التي نَقلت الأسير إلى المطار لتحقيق سرّي وسط إصرار على عدم كشفِ تفاصيل أدلى بها، ستكون في تصَرّف الرأي العام فورَ الانتهاء من استثمارها أمنياً لتعزيز الملف الذي سيُحال إلى القضاء المختص.
إرتياح بعد دعم
وتوَقّفَت مراجع أمنية أمام الدعم الفوري الذي حظيَت به العملية. فبَعدما اتّصلَ المدير العام للأمن العام بسلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق اللذين هنّأاه، تلقّى اتصالاً من الرئيس سعد الحريري الذي نوَّه بالعملية، بالإضافة إلى عشرات الاتصالات المماثلة من الداخل والخارج.
توقيف الأسير
على صعيد آخر وفي انتظار معرفة انعكاسات توقيف الأسير على ملف العسكريين المخطوفين في جرود عرسال، رغم عدم توَقّع أيّ ردّ فعلٍ سَلبي عكسَه صمتُ قادة «النصرة» و«داعش» على توقيفه، فقد توَقّعَ مصدر وزاري أن تنعكس العملية حركةً سياسية في الداخل بعدما فرضَت حركة استثنائية على أكثر من مستوى لمواجهة تداعيات ما حصل.
سلام يسأل
وعلى صعيد الأزمة الحكومية، فلم يطرَأ في شأنها أيّ جديد إيجابي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقال سلام أمام زوّاره أمس إنّه يتريّث في توجيه الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء في انتظار ما ستكشفه الاتصالات الخجولة الجارية للخروج من المأزق الحكومي.
ونَقل زوّار سلام لـ»الجمهورية» عنه تساؤلَه: «ماذا يريد معطّلو الحكومة في النتيجة؟ ومَن سيكون القادر على إقناعهم بأنّ اللبنانيين جميعاً في مركبٍ واحد، وإذا استمرّ الوضع على ما هو سيتحمّلون المسؤولية الكاملة عمّا يمكن حصوله على كلّ المستويات؟»
وقال: «الشغور الرئاسي أقفلَ أبواب مجلس النواب وهو يهَدّد أبواب السراي الحكومي آخِر المؤسسات العاملة، فمَن سيتحَمّل ضمَّ السلطة التنفيذية إلى لائحة المؤسسات العاطلة عن العمل؟».
إمانوييل بون
وفي هذه الأجواء، برز موقف متقدّم لفرنسا على لسان سفيرها الجديد في لبنان إيمانويل بون، حيث أكّد بعد القدّاس الذي أقامته أبرشية بيروت المارونية على نيّة فرنسا كتقليد سَنوي، أنّ «أولويات بلاده هي العمل في الساحة الدولية لخَلقِ الظروف التي تساعد اللبنانيين على التحكّم بمصيرهم وحَلّ أزمتِهم السياسية التي تهَدّد اليوم مؤسّسات الدولة، والمساهمة في حفظ سلامة وأمن لبنان واللبنانيين، ومساعدة لبنان قدرَ المستطاع على احتضان اللاجئين السوريين»، مشَدّداً على أنّ «فرنسا واعية لضرورة استمرار علاقاتها مع الكنيسة المارونية، فهي لا تنسى التاريخ، وتريد الاستمرار في كتابته معها على أعلى المستويات».
وأوضَح بون أنّ «فرنسا لديها مسؤولية تاريخية تجاه لبنان، هي تريد الوحدة والاستقرار والازدهار للّبنانيين، من دون أيّ أفكار مسبَقة، وهي لا تبادل أبداً مسائل في لبنان مع مسائل في أماكن أخرى».
وأكّد أنّ «فرنسا ملتزمة لبنان السيادة، لبنان الحرّيات، لبنان التعَدّد لمصلحة جميع اللبنانيين، فنحن نذهب إلى طهران والرياض وإلى كلّ مكان في المنطقة لنقولَ إنّ من الواجب حماية أصدقائنا اللبنانيين من الحروب الجارية قرب حدودهم ومساعدتهم على حلّ خلافاتهم».
الراعي
مِن جهته، سألَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القَيّمين اليوم على السلطة والعمل السياسي «أيَّ خير عام تؤمّنون للشعب اللبناني، وأيَّ مستقبل لأجيالنا المقبلة، وأنتم تتخاصمون وتتراشقون التهَم، وتُحجِمون بالتالي عن انتخاب رئيس للبلاد منذ سنة وخمسة أشهر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سواءٌ بالمقاطعة أم بعدمِ اتّخاذ أيّ مبادرة فعلية تسَهّل إجراء الانتخابات؟».
ولفتَ إلى «أنّكم عَطّلتم المجلس النيابي، واليوم تنذِرون بشَلّ الحكومة، وتسَهّلون انتشارَ الفساد والرشوة في الإدارات العامّة، وتكبّلون القضاء، وتستبيحون حرمة القوانين، وتلوّثون لبنان الجميل بالنفايات».
النازحون
وفي هذه الأجواء تَقدَّمَ ملفّ النازحين السوريّين ومعه ملفّ المساعدات الدولية، بوصول وزير الهجرة الدانماركي إلى بيروت لعَقد لقاءات يستهلّها بزيارة وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، قبل ظهر اليوم يرافقه السفير الدانماركي رالف ميشال بيريرا هالامبو على رأس وفدٍ مِن وزارة الهجرة الدنماركية.
وبعد الظهر يلتقي الوزير درباس وكيلَ الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة الذي التقى الرئيس سلام نهاية الأسبوع للبحث في سُبل تعزيز المساعدات الدولية للبنان، ويرافقه في الزيارة منسّق الإغاثة في حالات الطوارئ ستيفن اوبراين مع وفدٍ مِن الأمم المتحدة.
رئيسا حكومتين
على صعيد آخر، يصل إلى بيروت تباعاً اليوم رئيس وزراء فنلندا ويَليه رئيس حكومة إستونيا، في زيارتين رسميتَين يلتقيان خلالهما رئيس مجلس النواب نبيه برّي وسلام وعدداً من القيادات السياسية والحزبية، للبحث في التطوّرات اللبنانية والإقليمية في ضوء الحرب في سوريا وموقف الاتّحاد الأوروبي منها.