مع دخول البلاد في دوّامة التعقيد وانسداد الأفق أمام المعالجات الناجعة للفراغ الرئاسي، والتعطيل التشريعي، والشَلل الحكومي الذي حوَّل الحكومة أشبَه بحكومة تصريف أعمال، لم تلُح بعد أيّ مبادرات لكسرِ هذه الحلقة المفرَغة، باستثناء حركة خجولة لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، تأسيساً على أفكار كان عرضَها في لقائه الأخير مع الرئيس سعد الحريري في باريس، وفحواها التهدئة السياسية وتخفيض سقوف المواقف لترتقي إلى حدّ أدنى من تقارب يؤمّن عبوراً سلِساً إلى الحلول عندما يحين قطافها. ويبدو أنّ هذا القطاف قد يبدأ منتصف الخريف، حيث توقّعَ وزير الخارجية السورية وليد المعلّم في حديث لـ»الجمهورية» انطلاقَ التفاوض الخليجي – الإيراني في الأمم المتّحدة بعد اجتياز الاتفاق النووي عقبةَ الكونغرس الأميركي ومجلس الشورى الإيراني.
بعدما تبنّى مجلس الأمن الدولي أمس الأوّل مبادرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بتشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين لتنفيذ بيان جنيف، ودعا «إلى إطلاق عملية سياسية تقودها سوريا نحو عملية انتقالية سياسية تعَبّر عن التطلعات المشروعة للشعب السوري»، أوضَح وزير الخارجية السورية وليد المعلم لـ«الجمهورية» أن «لا مبادرة مكتملة حتى الساعة لحلّ الأزمة السورية، بل أفكار حملها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تمّت مناقشتها مع الجانب السوري الذي سَبق له أن ناقشَ مع الجانب الروسي أفكاراً مشابهة، وقد تعهّد الوزير ظريف باستكمالها والعمل على تسويقها».
وأعلن المعلم الثوابت السورية من أيّ مبادرة، وهي:
ـ حفظ سيادة الدولة السورية على كلّ أراضيها.
ـ الحوار حصراً بين السوريين وبلا شروط مسبَقة.
ـ تحكيم الشعب بالاستفتاء على أيّ اتّفاق يحصل.
وعن قرار مجلس الأمن كشف المعلم «أنّ دي ميستورا يراهن على حلول شهر تشرين الاوّل وإبرام الاتفاق النووي في الكونغرس الاميركي ومجلس الشورى الايراني، لينعكس هذا الاتفاق حَلحلةً على الملف السوري».
وإذ رفضَ المعلم تأكيد حصول اللقاءات بين رئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أو نفيَها، أكّد «أنّ اشتراط البعض تخَلّي سوريا عن «حزب الله» وإيران لن يُقبَل مطلقاً». وأوضح انّ زيارته الأخيرة لسلطنة عمان جاءت تلبيةً لدعوة تلقّاها من نظيره العماني.
وقال المعلم «إنّ أعداء سوريا مأزومون، ولِذا بدأوا يحاولون إيجاد الحلول، إلّا أنّهم لم يهزموا بعد، وبالتالي لم يصلوا إلى مرحلة الخسارة، ولذلك ستستمر الحرب الى ان يقتنعَ الاميركي ومن بعده بالحلول».
وبدا المعلم متفائلاً بالاتّفاق النووي «الذي سيكون من نتائجِه بَدء الحوار الخليحي ـ الإيراني في الشهر المقبل ضمن أروقة الأمم المتحدة، على أن يزخمَ بعد توقيع الكونغرس الاميركي الاتفاق وانصراف الاميركيين والايرانيين الى الاهتمام بملفات أخرى».
وكان وفدٌ إعلاميّ مصري زار سوريا للمرّة الاولى منذ سنتين والتقى المعلم والمسؤولين الكبار، بحضور منسّق الزيارة ووسيطها الإعلامي سالم زهران. وأجاب المعلم على أسئلة الوفد. وتحدّث عن تنسيق أمني سوري ـ مصري، لافتاً إلى زيارة رئيس الأركان السابق للجيش التركي الى دمشق ولقائه المسؤولين السوريين.
برّي
وعلى الضفّة الحكومية، احتفظَت مصادر السراي الحكومي بكثير من الصمت حيال ما هو متوقّع على المستوى الحكومي، وقالت لـ»الجمهورية» أن «لا جديد في الأفق وأنّ حركة المشاورات الجارية التي يقود جانباً منها موفد النائب وليد جنبلاط وزير الصحّة وائل ابو فاعور لم تأتِ بجديد طالما إنّها تنطلق من إحياء العمل التشريعي في مجلس النواب وملف التعيينات العسكرية، وهما أمران صعبان ومعقّدان جداً.
وفي هذه السياق قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس إنّ الاتصالات لا تزال مقطوعة مع عين التينة في شأن معاودة جلسات مجلس الوزراء. وأشار الى انّ ابو فاعور زارَه أمس موفداً من جنبلاط باحثاً معه في تفعيل العمل الحكومي، فرَدّ على ما حمله ابو فاعور قائلاً: «مِن جهتي فإنّ وزرائي يحضرون لا أكثر ولا أقلّ».
وأضاف برّي: «مجلس الوزراء يشَكّل مجتمِعاً موقعَ رئيس الجمهورية نَظراً لأهمّيته، ومجلس النواب هو أمّ السلطات ولا يمكن أحداً أن يقيّدَه ويحدّد له ما يشَرّع وما لا يشرّع، فله صلاحية التشريع في كلّ شيء، وهو مَن يعطي الصلاحيات ولا يُعطَى صلاحيات».
وقال برّي: «ليس هناك أكثر من اللبنانيين المقيمين مَن يساهم في جلب الضرَر الى بلدِهم، فهم على عكس حال المغتربين الذين يَعملون بإخلاص على دعمِ بلدهم وتقويتِه».
وردّاً على قول البعض عنه إنّه لم يعُد يُعِر التشريع اهتماماً عبر فتح دورة تشريعية استثثنائية لمجلس النواب، قال برّي: «هذا الكلام لا أساس له من الصحّة، وأنا لم يصدر عنّي هذه الأيام أيّ كلام من هذا النوع».
وسُئل بري: ألا ترى أنّ الوضع بات يحتاج الى مبادرة منك؟ فأجاب: «سَبق لي أن حاولت أكثر من مرّة وقلت فلتهدأ الناس، والآن أقول مجدّداً فلتهدأ الناس وتتّقي الله بالبَلد حتى يمكن معالجة الوضع السائد».
المشنوق في السراي
وبعد أقلّ من 24 ساعة على زيارته عين التينة ومعراب، زار أمس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق السراي الحكومي، وعرضَ مع سلام التطورات العامة في البلاد وشؤون الوزارة.
حكيم
في هذا الوقت، أكّد وزير الاقتصاد آلان حكيم لـ»الجمهورية»: «أنّ حزب الكتائب ليس مع تعطيل أيّ مؤسسة، ومتمسّك بالدستور لجهة احترام جدول الأعمال في مناقشات مجلس الوزراء، لكن في الوقت نفسه، لا يوافق الحزب على التمسّك بجدول الاعمال في حالات استثنائية، أو في حال وجود كوارث».
وقال: «هل نستطيع أن لا نعتبر أزمة النفايات كارثة وطنية؟ إنّها كارثة وتستحقّ أن نتجاوز من أجلها جدولَ الاعمال لمناقشتها ومعالجتها. وكذلك الامر بالنسبة الى الماليّة العامة وإلى رواتب موظفي القطاع العام.
هل نتمسك بجدول الأعمال والآليّة، ونُهمل قضية رواتب موظفي القطاع العام؟ بالطبع لا. نحن مع مناقشة هذا الملف ومعالجته أيضاً. هموم الناس أولوية مطلقة، وعلى هذا الأساس ينبغي أن نتصرّف».
وكشفَ حكيم أنّه، وحسب معلوماته، فإنّ الرئيس تمام سلام «لن يدعو إلى جلسة حكومية قبل عقدِ اتّفاق بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، وهو لا يريد تكرارَ تجارب جلسات سابقة مريرة».
وقال: «نحن متوافقون مع العونيين في شأن وجود تهميش للمكوّن المسيحي، لكنّ هذا الموضوع قديم، ولا نرى أنّ الطريقة المعتمَدة اليوم ستُنهي هذا التهميش، والذي يريد وضعَ حدّ للتهميش عليه أن يبدأ بتأمين انتخاب رئيس للجمهورية».
«التكتل»
وأيّدَ تكتّل «التغيير والإصلاح» أيّ حلّ لتفعيل مجلس الوزراء ومجلس النواب، مؤكّداً أنّه «مع أيّ حلّ يتوافق مع الميثاق والدستور وقوانين الأمّة اللبنانية». واعتبَر أنّه «يعَطّل التعطيل والانقلاب على الميثاق والدستور والقانون»، مشَدّداً على أنّه «لن يمرّ عملٌ أو قرار قبل العودة إلى إرساء قواعد التشاركية الكاملة والفعلية».
«المستقبل»
من جهتها، شَدّدت كتلة «المستقبل» على أنّ تيار «المستقبل» «لم ولن يكون في أيّ وقت من الأوقات أداةً لكسر أيّ شريك من الشركاء في الوطن». وأكّدَت «الحاجة إلى المبادرة لاتّخاذ القرارات الحكومية الضرورية في أكثر من أمر».
«الحزب»: الحوار مستمر
في غضون ذلك، أكّد «حزب الله» أنّ الحوار مع تيار «المستقبل» مستمر. وقال نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إنّ هذا الحوار «جَنّبَ الساحة كثيراً من الاحتقان المذهبي، وهو في الواقع يُعتبَر حواراً مهمّاً». وقال إنّ الحزب «سيستمر في هذه المساعي، لأنّ أيّ تواصل له حدّ أدنى وحدّ أقصى».
3 أولويات لباريس
وحدّدَت فرنسا ثلاث أولويات أعلنَها سفيرها الجديد في لبنان إيمانويل بون من عين التينة وفقَ الآتي:
أوّلاً: تقديم الدعم إلى المؤسسات اللبنانية، ولانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن.
ثانياً: دعم أمن جميع اللبنانيين، وفرنسا ملتزمة داخل «اليونيفيل»، وترغَب في تطبيق برنامج تجهيز الجيش اللبناني بشكلٍ كامل.
ثالثاً: الدعم لمعالجة ملفّ اللاجئين السوريين في لبنان».
قهوجي وزمام المبادرة
وفي هذه الأجواء، أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي»أنّ التجاذبات السياسية التي تشهدها البلاد، لن تؤثّر إطلاقاً على أداء الجيش وقراره الحازم في الحفاظ على مسيرة السِلم الأهلي وحماية الاستقرار الوطني».
وشَدّد على «الاستمرار في تحقيق الجهوزية الدائمة، للتصدّي بكلّ قوّة لأيّ نشاطٍ تخريبي، أو تسَلّل للإرهابيين في اتجاه المناطق الحدودية الشرقية»، مؤكّداً «أنّ زمام المبادرة في حماية الحدود أصبح تماماً في يد الجيش، وهذا ما يشَكّل صمام أمان للوطن بأكمله».
وقال قهوجي: «إنّ الإنجازات الدفاعية التي يحَقّقها الجيش يومياً على الحدود، تتكامل مع الإنجازات الأمنية الأخرى التي يحَقّقها في الداخل بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، والتي أسفرَت أخيراً عن توقيف أخطر الإرهابيين المعتدين على الجيش، والضالعين في عمليات تفجير إرهابية استهدفَت المراكز العسكرية والمواطنين، وهذا ما أثبتَ بما لا يقبل الشك، ألّا مفَرَّ من يد العدالة لأيّ مجرم أو إرهابي، مهما طالَ الزمن».
وكان قائد الجيش تفَقّدَ قبل ظهر أمس الوحدات العسكرية المنتشرة في منطقتي عرسال وبريتال، وجالَ في مراكزها واطّلع على أوضاعها وإجراءاتها الميدانية لضبطِ الحدود ومواجهة الجماعات الإرهابية، وملاحقة المطلوبين للعدالة، ثمّ التقى الضبّاط والعسكريين منَوّهاً بجهودهم وتضحياتهم، وزّوَدهم التوجيهات اللازمة.
الأسير وموقوفو عبرا
وفي هذه الأجواء تستمر التحقيقات مع الموقوف أحمد الأسير في مكتب شؤون المعلومات في الأمن العام بإشراف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، بانتظار الانتهاء منه ليقول الأخير كلمته في ما ستكون عليه المرحلة المقبلة وعمّا إذا كان سيُنقل الأسير ليكون في عهدة المحقّقين لدى مديرية المخابرات في قيادة الجيش أو إيداعه المحكمة العسكرية الدائمة مباشرة.
وتزامُناً مع استمرار التحقيقات تواصَلت أعمال الدهم في أكثر من منطقة في صيدا ومحيطها، وأوقفَت قوّة مِن مكتب المعلومات في المديرية العامة للأمن العام في الجنوب خالد أ. في منزله في محلّة الوسطاني في صيدا وكان الأسير قد كشفَ عن دوره ومهمّته في الفترة الفاصلة عن مغادرته عبرا، وأخضعَت منزله للتفتيش وصادرَت محتويات منه.
وتزامنَ توقيف الأسير مع موعد لـ»موقوفي عبرا» أمس أمام المحكمة العسكرية الدائمة، فقد أرجَأ رئيسُها العميد الركن الطيار خليل ابراهيم الجلسة التي كانت مقرّرة لمحاكمة هؤلاء إلى 15 أيلول المقبل، ليكون سَوق الأسير وبقية الموقوفين الى المحاكم متاحاً أمامه، وأيّاً كانت الترتيبات التي سَتلي التحقيقات مع الأسير خلال هذه الفترة فهي كافية ليكون حاضراً أمام المحكمة في مواجهةٍ ستكون الأولى من نوعها بينه وبين مسلّحيه لتتغير مجرَيات المحاكمة رأساً على عقب بوجود مَن كان بطلاً للمحاكمات لجلسات عدّة من دون حضوره بين المتّهمين، ما قد يؤدّي إلى توضيح كثير من الوقوعات التي تناولتها المحاكمات إلى حين توقيفه.
وأوضَح ابراهيم خلال جلسة عقِدت أمس وكانت مخصّصة للمرافعة، «أنّ الأسير هو محور القضية والرأس المدبّر للمعارك، وتوقيفُه قد يغيّر في معطيات الدعوى».
وبعد رفعِ الجلسة لبَّى المحامون دعوةَ ابراهيم الى جلسة مغلقة للبحث في مسارها مستقبلاً وتسهيل سيرِها في ضوء المستجدّات التي طرأت عليها إثر توقيف الأسير.
وفي موازاة ذلك، صرّحَت وكيلة المتّهَم في الملف فضل شمندر (فضل شاكر) الذي فرّ إثرَ المعركة، أنّ الأخير سيُسَلّم نفسه إلى القضاء، ورجَّحَت مصادرُ مطّلعة لـ«الجمهورية» أن يتمّ التسليم خلال أيام.
أزمة النفايات
وفي ملفّ النفايات، يتمّ اليوم فضّ العروض المالية للشركات التي تقدّمت إلى مناقصات النفايات الصلبة في بيروت وكلّ المناطق الخدماتية، على أن يعلنَ وزير البيئة محمد المشنوق أسماءَ الشركات الفائزة في الرابعة عصراً. وفي انتظار الحلول، ينفّذ موظفو وعمّال مرفأ بيروت، اعتصاماً وإضراباً فوريَّين، بحيث يتوقّفون عن العمل اليوم وغداً.
وجاءت هذه الخطوة بعدما بدأت الجرّافات العملَ في الباحة AB في المرفأ لتجميع نفايات العاصمة فيها. وعلمَت «الجمهورية» أنّ مشكلة تكدُّس النفايات في بيروت تجاوزَت نطاقَ البلدية والمحافظة، وباتَت ترتبط بمجلس الإنماء والإعمار التابع لرئاسة الحكومة.
ويبدو أنّ حلّ أزمة النفايات بات أمراً مستعصياً في ظلّ غياب الحلول القابلة للتطبيق، وحتى الآن يبدو أن لا بديلَ عن وَقف تكديس النفايات قرب المرفأ سوى عودة النفايات لتملأ شوارع العاصمة.