ثورة «الغضب الشعبي» التي تفجَّرت على مدى يومين في عطلة نهاية الأسبوع مواجهاتٍ بين القوى الأمنية والعسكرية، والمتظاهرين والمستمرّة فصولاً في وسط بيروت، فاجأت الجميع على كُلّ المستويات وطرَحت تساؤلات كبيرة وكثيرة حولَ أبعادِها والخلفيّات، ووضعَت البلاد أمامَ مرحلة جديدة ربّما تكون محفوفة بالمخاطر، وربّما بالمفاجآت، خصوصاً أنّ «عنف» المشاركين فيها دفَعَ البعض إلى الاعتقاد بأنَّ المتظاهرين والمعتصمين يستنِدون في «عُنفِهم» إلى جهاتٍ كبيرة، ما أعادَ إلى الأذهان التظاهرات في بعض الميادين العربيّة التي أدّت إلى سقوط أنظمة وتبيّنَ أنّ بعضها وقفَت وراءه دولٌ وإرادات إقليميّة ودوليّة فاعلة وأُلبِسَت لبوسَ ما سُمّيَ «الربيع العربي».
فيما تنوَعّت التقديرات حولَ الجهات المنخرطة في التظاهُر وهوّياتها السياسيّة، وإنْ كانَ المعروف منها بدايةً حركة «طِلعت ريحتكُم»، فإنَّ أوساطاً سياسية، بعضُها رسميّ، قالت لـ«الجمهورية»، إنّ هذا التحرُّك، إنْ صَحَّ وجود جهة أو جهات سياسيّة، مَحلّية أو خارجيّة، منخرطة فيه، ربّما ينطوي على الاحتمالات الآتية:
– أوّلاً: وجود إرادةٍ خارجيةٍ ما فاعلة، تهدف إلى إسقاط حكومة الرئيس تمّام سلام، عبرَ الضغط والتصعيد في الشارع لإرغامه على الاستقالة وإيقاع البلاد في فراغ دستوري كامل، بُغية الضغط على فريقَي 8 و14 آذار، وإرغامهما على النزول إلى مجلس النوّاب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية يشرع فورَ انتخابه بإجراء الاستشارات النيابيّة الملزمة، لتسمية شخصيّة سياسيّة يُكلّفها تأليف حكومة جديدة.
– ثانياً: تخوُّف فريق «14 آذار» مِن أن يكون هدف التحرُّك إسقاط الحكومة التي يرأسها سلام المنتمي إليه، وما يدلّ على هذا التخوُّف هو مسارعة الرئيس سعد الحريري إلى الدفاع عن سلام وحكومته، في وقتٍ تميَّز رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع عنه في الموقف بأنْ دعا المتظاهرين إلى البقاء في ساحة رياض الصلح وإلى أن تبقى حكومة سلام حتّى انتخاب رئيس جمهورية جديد.
لكنّ أوساطاً سياسية أُخرى قالت لـ«الجمهورية» إنَّ من المبكر جلاء المشهد النهائي واكتشاف القطَب المخفيّة في التحرُّك الجاري لمعرفة أهدافه الحقيقية، خصوصاً أنّ المتظاهرين نسوا موضوع النفايات الذي دفَعَهم الى التحرّك، وذهبوا إلى إطلاق شعار إسقاط النظام.
وأضافت هذه الأوساط أنّ «معرفة الأبعاد السياسيّة للتحرُّك تحتاج إلى تمَهُّل، على رغم وجود ديناميّات محلّية تُعبّر عن نفسها في ملفّات متفجّرة، منها ملفّ النفايات، لكنّ الأكيد أنّ حكومة سلام هي في مرمى التصويب».
بيدَ أنّ قطباً نيابيّاً بارزاً قالَ لـ«الجمهورية» إنّ «ما يجري في وسط بيروت هو مشاهد معيبة، لا يُمكن «تقريشها» في السياسة شيئاً، وبالتالي لا داعي لحديث البعض عن سيناريوهات دوليّة وإقليميّة لفرض انتخاب رئيس جمهوريّة، فالضغوط المُمارَسة من خلال هذا التحرُّك لا قيمة لها».
وإزاءَ البحث في هوّية الجهات السياسيّة التي ربّما تكون ركبَت موجة هذا التحرّك، كشفَ القطب إيّاه أنّ هناك اتّصالات على مستويات عدّة بهدف إعادة فتح مطمر الناعمة لنقل النفايات إليه، أوّلاً لأنّ فضّ العروض المتعلّقة بالنفايات الذي سيتّم اليوم لن يؤدّي إلى المباشرة بنقلها ومعالجتها في اليوم التالي وإنّما يحتاج 6 أشهر حتّى تتمكّن الشركات المشاركة في المناقصات من البدء بعملها، وثانياً لأنّ البدء برفع النفايات سيؤدّي إلى انكشاف ما إذا كانَ هدف المتظاهرين هوَ الوصول إلى هذا الأمر، أو أنّهم يتحرّكون لغايات وأهداف سياسيّة، قد يكون منها إسقاط الحكومة أو إسقاط النظام، خصوصاً أنّ البعض «لعِبَ تحتَ الطاولة».
وفي انتظار ما ستتمخّض عنه جلسة مجلس الوزراء التي دعا سلام الى انعقادها عند العاشرة صباح الخميس وأمامها رواتب الموظفين في القطاع العام والنفايات والقروض والهبات، ملوّحاً بالاستقالة مجدداً ما لم تكن الجلسة منتجة، انتقل الحدث الى ساحة رياض الصلح التي تقاطرَت الوفود الشعبية اليها امس تلبيةً لدعوة مجموعة «طِلعت ريحتكم» التي نظّمت تحرّكاً شعبياً قبل ان تنفضَ يدَها منه وتتحوّل الى حركة غير سلمية مع دخول مندسّين بين المتظاهرين حرَفوا التحرك عن مساره السلمي وحاولوا إزالة الأسلاك الشائكة للاقتراب من السراي الحكومي وحطّموا عدداً من السيارات وواجهات بعض المحال التجارية،
وأضرَموا النار بالعوائق والأسلاك الشائكة ورموا قنابل صوتية واعتدوا على القوى الامنية المولجة حماية السراي الحكومي والمؤسسات العامة وأملاك الناس، ما استدعى طرحَ سؤال كبير: مَن حلّ مكانَ النائب وليد جنبلاط الداعم الأكبر لحركة «طِلعت ريحتكن» بعدما أعلنَ انسحابَه من الاعتصام؟ ولماذا انحرفَت التظاهرة أمس عن مسارها السلمي؟ ومَن أحرقَ دراجة نارية لقوى الامن الداخلي، ومَن حطّمَ إشارات السير في وسط بيروت وأضرَم النار في خيَم المعتصمين؟ ومَن اعتدى على آليّات قوى الأمن؟
مصدر وزاري
وقال مصدر وزاري لـ«الجمهورية»: «إنّ التظاهرات اليوم ضربَت نفسها وأفسحَت المجال لعناصر غير منضبطة للإندساس في صفوفها، حتى إنّ بعض الذين كانوا يرعونها من خلف الستار كالنائب جنبلاط، لم يتجرّأ على المتابعة فيها فانسحبَ منها».
ولفتَ الى «أن جزءاً من المعتصمين يُمثّل المجتمع المدني، لكنّ الجزء الاكبر متعدّد الهويات السياسية والطائفية والمذهبية، وما جرى تعدَّى موضوع النفايات وأدخلَ البلد في الفوضى الشاملة».
ورأى المصدر: «أنّ ما يحصل هو محاولة لإدخال لبنان في الفوضى العربية، في نمط الثورات التي جرت في كل من تونس وسوريا واليمن وليبيا والعراق ومصر، مع فارق أنّ النظام اللبناني هو خلاف انظمة تلك الدوَل، ومطالب المتظاهرين، عدا ملفّ النفايات، هي أمام حائط مسدود، فحتى لو استقالت الحكومة والمجلس النيابي، فرئيس جمهورية لبنان غائب.
ففي مصر ذهبَ الرئيس حسني مبارك وجاء الجيش، وفي تونس ذهب الرئيس زين العابدين بن علي وجاء «الإخوان المسلمون»، وفي ليبيا ذهب العقيد معمّر القذافي وجاء «الإخوان المسلمون»، وفي العراق ذهب صدام حسين وجاءت القيادات الشيعية.
أمّا لبنان فوضعه مختلف نظامُه ديموقراطي، والعالم العربي يتغير ليصبحَ مثلنا، فهل سنصبح مثلَ العالم العربي بجزأيه الفوضوي والديكتاتوري»؟ ونبَّه المصدر «من أنّ المتضرر الأكبر من إسقاط الحكومة سيكون المجتمع المدني لأنه عندئذ لن يكون له دور في دولة لا سلطة فيها».
إتصالات ديبلوماسية
وعلمت «الجمهورية» أنّ اتصالات حثيثة حصلت في الساعات الماضية شاركَ فيها سفَراء دوَل كبرى، للمحافظة على الحكومة وثنيِ رئيسها عن أيّ تفكير في الاستقالة. كذلك طلبَ عدد من السفراء العرب في اتصالات بقيادات لبنانية المحافظة على الحكومة، محَمّلين أيّ فريق يُقدّم استقالته منها المسؤولية عن أيّ شيء يحصل في لبنان. كذلك تلقّى سلام اتصالاً مِن الرئيس سعد الحريري وآخَر من جنبلاط تأييداً لمواقفه ووضعَا إمكاناتهما بتصرّفه للخروج من الأزمة القائمة.
… ومحلية
في الموازاة، علمت «الجمهورية» أنّ اتّصالات مكّوكية جرت منذ بعد ظهر أمس بين أطراف فريق 14 آذار، قاد جزءاً منها منسّق الأمانة العامة النائب السابق الدكتور فارس سعيد في اتّجاه معراب والحريري لبَلوَرة تحرّك مضاد يهدف الى منع إسقاط الحكومة.
وقالت مصادر هذا الفريق «إنّ بعض أركانه يرى أنّ قوى 8 آذار باتت تتصرّف وكأنّ اتفاق الطائف «طِلعت ريحتو»، وأنّ الساعة قد دقّت لدخول لبنان الفراغَ الشامل تمهيداً لنسفِ الطائف والدخول في مؤتمر تأسيسي جديد، ما يشَكّل بداية انقلاب حقيقي يقف وراءَه «حزب الله».
«الكتائب»
وعلمت «الجمهورية» انّ المكتب السياسي الكتائبي الذي اجتمع استثنائياً امس، ناقشَ التطورات وأكّد بقاء الحزب في الحكومة، نظراً لخطورة الموقف وللخلفيات المشبوهة من وراء التظاهرات. وسيَعقب إجتماعَه الاسبوعي بعد ظهر اليوم مؤتمرٌ صحافي يعقَده رئيس الحزب النائب سامي الجميّل يعلن فيه الموقف من هذه التطورات.
فضّ العروض
وفيما تَعقد لجنة فضّ عروض المناقصات للنفايات اجتماعَها بعد ظهر اليوم، بعدما قدّم وزير البيئة محمد المشنوق موعدَه من مساء غد إلى اليوم، قالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية»: «إنّه عند كلّ اجتماع لفضّ العروض يتعاظم الضغط وتُزخّم التظاهرات والاعتصامات بالناس وبالشعارات وبالوسائل ذات الكلفة، ما يترك مجالاً للارتياب المشروع». واستغربَت وجود بعض الذين قدّموا العروض بين المشاركين في التظاهرات والاعتصامات. وقالت: «إنّهم معروفون، فبعض القوى السياسية تأكل من الزبالة».
إلّا أنّ الأوساط نفسَها لفتت الى أنّ التحرك على الارض خرجَ هذه المرّة عن السيطرة، فبعدما كان تحت عنوان: إيجاد حلّ للنفايات، تحوّلَ شعارات سياسية واضحة، منها «إسقاط» الحكومة ومجلس النواب، ما يَعني الذهاب الى الفوضى العامة واللعب بالنار.
برّي
قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره امس تعليقاً على التظاهر والاعتصام: «عندما يغيب المجلس النيابي ولا يستطيع القيام بدوريه التشريعي والمحاسبة فمِن الطبيعي ان يطالب الشعب بوكالته، وهذا لا أقوله اليوم، بل قلته في السابق ايضاً، ومِن حقّ الناس ان تصرخَ، وما يحصل هو حركة مشروعة، لكن في الوقت نفسه فإنّ المحظور هو أنّه لا يوجد بديل عن الحكومة، خصوصاً في ظلّ الشغور الرئاسي».
وعُلم أنّ برّي اتصلَ بسلام قبَيل مؤتمره الصحافي واقترح عليه تقديمَ موعد فض العروض في شأن النفايات الى امس، وإذ تبيّن انّ ذلك متعذّر، تمّ تقديمه الى اليوم. كذلك اقترحَ تقديم موعد جلسة مجلس الوزراء المقرّرة الخميس المقبل، وشدّد على وجوب خروج المجلس بـ»قرارات الضرورة».
سلام: للصبر حدود
وكان سلام أكّد أنّه «لا يمكن السماح بأن تمرّ أحداث وسط بيروت بلا محاسبة»، واعتبَر أنّ ما حصل السبت «ليس ابن ساعته، والقول إنّه مفتعل غير صحيح، بل هو نتيجة تراكُم»، مشيراً إلى أنّ «قصة النفايات في لبنان هي قصة النفايات السياسيّة والتي تلبسها كلّ المرجعيات السياسيّة».
وقال: «لا يجوز أن تستمر حكومة بلا مساءلة السلطة التشريعية»، ولفت إلى أنّ «الأمور تحتاج إلى علاج جذريّ وسريع»، مضيفاً: «قرّرت الدعوة إلى جلسة الخميس المقبل لتأمين الحد الأدنى من القرارات التي نحتاج إليها».
وقال سلام: «للصبر حدود» وصبري مرتبط بصبر المواطنين، وإحراجي لإخراجي ليس بجديد، فهو يمارس منذ فترة، وإذا لم تكن جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل مثمرة لا لزوم لجلسات أخرى». وحذر من «أننا ذاهبون الى الانهيار اذا استمرت الامور على ما عليه».
درباس
وقال الوزير رشيد درباس لـ«الجمهورية» إنّ كلام سلام «لا يَحتمل التأويل، فنحن ذاهبون الى الجلسة الخميس، لمناقشة وإقرار البنود. ونأمل أن تكون منتجة، وإذا كانت خلافَ ذلك فسنترك الحكومة، فنحن حرّاس على هذا الهيكل بكرَم أخلاق منّا، لأنّ مهمّتنا قد انتهت بتاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في 24 أيار 2014.
ولمسَ درباس انّ «حزب الله» قلِقٌ من الاستقالة وحريص على بقاء الحكومة». وحذّر من مخاطر الإستقالة وقال: «إستقالة الحكومة معناها الجمود الكلّي والشَلل القاتل وعدم دفع الرواتب». وكشفَ أنّه قرّر في حال توقّفَ دفع الرواتب رفضَ قبضِ راتبه «إذ لا يُعقل ان أقبضَ راتبي وموظفو وزارتي لا يقبضون».
تأييد وتنديد
ولم تجد كلمة سلام آذاناً صاغية في صفوف المعتصمين الذين طالبوه بالرحيل، فيما جدّد الحريري وجنبلاط دعمهما له، واعتبر الأول «انّ إسقاط الحكومة يعني إسقاط آخر معقل شرعي ودخول لبنان في المجهول». فيما أعلن الثاني تأييده سلام الذي أكّد في مؤتمره الصحافي مدى تحليه بالحكمة والصبر والمسؤولية»، لافتاً إلى أنّ هذه صفات «نحن أحوَج ما نكون إليها في هذه اللحظات العصيبة التي يمرّ بها لبنان».
أمّا تكتل «التغيير والإصلاح» فهاجَم سلام ودعاه الى الاستقالة، وقال رئيسُه النائب ميشال عون «إنّ مؤتمر العجز المقيم وكلام الاحتواء العقيم ومحاولة الابتزاز المهين لن يمرّ بلا ردّ مناسب في مجلس الوزراء وخارجه، خصوصاً على مستوى الشعب».
أمّا الوزير جبران باسيل فاعتبر أنّ أحسنَ ردّ على سلام «هو النزول إلى الشارع من أجل النفايات والكهرباء والمياه والقانون والشراكة، لأنّ الكلام لم يعُد ينفع».
جعجع و14 آذار
في هذا الوقت، دعا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع سلام الى عدم الاستقالة، وأكّد أنّ مسؤوليته مَسك الشرعية الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وطالبَه بالدعوة الى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لإيجاد حل للنفايات ومعرفة مطلِق النار في ساحة رياض الصلح.
وإذ أعلنَ تضامنه مع المعتصمين سأل:»هل يا ترى هذا التحرك يحَلّ بـ «فشّة خلق؟». ودعا المعتصمين الى «المضيّ في الاعتصام حتى ينزل النواب الى المجلس النيابي وينتخبوا رئيس للجمهورية».
بدورها، أكّدت الأمانة العامة لقوى 14 آذار «وقوفَها الواضح والصريح في وجه كلّ مَن يريد إدخال لبنان في مجهول دستوري وسياسي وأمني، من خلال إسقاط الحكومة التي تمثّل آخرَ مَعلم للشرعية اللبنانية».
أمنياً وقضائياً
أمنياً ترأّسَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في العاشرة مساء أمس اجتماعاً امنياً في مقر المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، حضرَه المدير العام اللواء ابراهيم بصبوص وعدد من الضباط الكبار، وذلك في ضوء أعمال الشغب التي حصلت في وسط بيروت، والتي طاولت العسكريين والمدنيين والمحالّ التجارية، وحُرِقت خلالها خيَم اهالي العسكريين المخطوفين على يد بعض مثيري الشغَب، الذين اندسّوا بين المتظاهرين.
وأعطى المشنوق توجيهاته بـ«ضرورة ضبط الوضع وحِفظ الامن والمحافظة على امن المواطنين وممتلكاتهم، وعلى حق المتظاهرين في التعبير عن آرائهم تحت سقف القوانين المرعيّة الإجراء».
وكانت مجموعات من الشبان خرجَت عن معايير التظاهر السلمي واعتدت على رجال الأمن وآلياتهم ورمتهم بالحجارة والآلات الحادة وأصابت عدداً من العسكريين بجروح نُقلوا على إثرها الى المستشفيات، ما اضطرّ عناصر قوى الامن إلى استخدام الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لرد المعتدين والمشاغبين وإبعادهم عن محيط السراي الحكومي. وأوقعت هذه المواجهات جرحى في صفوف الطرفين.
وليلاً أوقفت دوريات مشتركة لقوى الأمن الداخلي والجيش، المخلين بالأمن في المناطق المضطربة، وذلك بعد اتصالات بين سلام والمشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وعلى الأثر بدأ الهدوء يعود إلى تلك المناطق.
وقد تبيّن في التحقيقات انّ القوى الامنية لم تتجاوز حدودها، عِلماً انّ هذه التحقيقات كانت بدأت امس الاوّل ويفترض ان تنتهي غداً ليرفع مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي داني الزعني صورة كاملة عن التحقيق بناءً على: إفادات المتصررين من قوى الامن والمدنيين، تقارير الاطبّاء الشرعيين، تقارير الأدلّة الجنائية ـ تقارير الكاميرات ونتيجة دراستها فنّياً، تحليل أفلام عرضَت على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصار بعدها إلى توقيف كلّ من تثبت إدانته.
وسيُركّز التحقيق اليوم على درس الأفلام لتبيان مَن أطلقَ النار ومَن اعتدى على مَن، قبلَ استدعائهم والاستماع الى إفاداتهم.
وكانت شعبة المعلومات اجرَت دراسة فنّية امس على أشرطة التسجيل التي تمّ الاستحصال عليها من كاميرات المراقبة في رياض الصلح لتبيان مَن تجاوز مِن قوى الأمن حدودَ الأوامر الامنية في الدفاع عن السراي الحكومي، ومَن تجاوزَ مِن المدنيين معاييرَ التظاهر السلمي.
إلى ذلك، أوضحَت مصادر قضائية انّ التحقيق الذي يجريه المفتش العام لقوى الامن الداخلي العميد جوزف كلاس، بتكليف من وزير الداخلية نهاد المشنوق «هو تحقيق مسلكي وعقوبتُه مسلكية ولا علاقة له بالتحقيق القضائي الذي له الصفة العدلية.
تسجيل وقوعات المخالفات
إلى ذلك، قالت مصادر امنية لـ«الجمهورية» انّ القوى الأمنية تُحصي المخالفات المرتكبة وهويّات مرتكبي الشغب الذين قيل إنّهم جاؤوا منذ ظهر امس من منطقة الخندق الغميق ومحيطها للتخريب على المعتصمين كما قال منظّمو الإعتصام من حملة «طِلعت ريحتكن».
ونفَت حركة «أمل» في بيان، «ما يُرَوّجه بعض وسائل الإعلام من دسّ أخبار عارية من الصحّة عن الحركة، في محاولةٍ مكشوفة لإثارة الفتنة، متّهماً عناصرَ من الحركة بمحاولات افتعال شغَب لزَجّها في أعمال الشغب الحاصلة».
وفي معلومات «الجمهورية» أنّ صوَراً فوتوغرافية وأفلاماً تمّ تسجيلها لأحداث الشغب، وتركّزت على إحصاء وجوه المعتصمين وتحديد هوياتهم تمهيداً لملاحقتهم لاحقاً، خصوصاً عندما استخدموا في فترات متفاوتة قنابلَ مولوتوف قبالة حديقة سمير قصير وعند بوّابات رياض الصلح المؤدية الى طلعة السراي الحكومي، وقد واجهَتهم القوى الأمنية بخراطيم المياه وتحديداً عندما حاولوا تفكيك الجدار الحديدي الذي بنَته القوى الأمنية للمرّة الأولى في اوّل شارع المصارف وبوّابات رياض الصلح المؤدية الى ساحة النجمة وإزالة الشريط الشائك قبل ان يساهم منظّمو الحملة بإعادتها الى مكانها.
وإلى هذه الإجراءات على الأرض، قالت المراجع المعنية لـ «الجمهورية» إنّ القوى الأمنية باشرَت منذ اللحظة الأولى بتسجيل الوقائع التي تشكّل مخالفة وخروجاً على القوانين لرفعِها في تقارير مفصّلة الى المفتّشية العامة لقوى الأمن الداخلي التي كلّفت بالتحقيق في كلّ ما رافق التظاهرات منذ عصر السبت الماضي الى منتصف ليل امس.
وفي هذا السياق، دعا النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر وقائد الشرطة القضائية وضباط التحقيق الى اجتماع في مكتبه اليوم للاطّلاع منهم على نتائج التحقيق.
«عين الحلوة»
من جهة ثانية شهدَ مخيّم عين الحلوة أمس هدوءاً حذراً بَعد الاشتباكات التي شهدها السبت وأوقعَت قتلى وجرحى. وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ اتّصالات جرت بين السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» في لبنان ركّزت على تجميع الفتحاويين الموجودين في بقيّة المخيمات اللبنانية ونقلِهم الى مخيّم عين الحلوة لحسمِ المعركة ضد «جند الشام» والمجموعات التكفيرية الخمس المنضوية تحت «لواء الشباب المسلِم» بزعامة الأمير أسامه الشهابي.
وفي المعلومات أيضاً أنّ قرار بَدء المعركة ضد التكفيريين لم يُتّخَذ بعد، وأنّ المجال قد أُفسِح للّجنة الأمنية المشتركة الفلسطينية لتسوية الوضع سلمياً.