فَعَلَ اعتراض رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي على ما انتهى إليه فَضّ عروض المناقصات لمعالجة النفايات والنتائج التي أسفَرَ عنها فِعلَهُ، باستجابة مجلس الوزراء طلبَهُ إلغاءَها، ليوكَلَ الأمر مجدّداً إلى اللجنة الوزاريّة المختصّة، في ظلّ همسٍ عن احتمال ترك النفايات على همّة الاتّحادات البلديّة لتتولّى أمرَها. وإذ قالَ برّي أمام زوّاره أمس: «بموقفي رفعتُ الشبهة عنّي وعن البلد»، غامزاً من قناة الأسعار المرتفعة التي رَسَت عليها المناقصات، بما يُكبِّد الدولة تكاليف باهظة، أكّدَ أنّه لن يتحدّث في هذا الموضوع بعدَ الآن. وأشارَ إلى أن «يُمكِن البلديّات معالجة موضوع النفايات بتكاليف أقلّ بكثير». لكنّ هذا التطوّر لم يُغيِّر إيجاباً في الواقع السياسي المأزوم، بل إنّه استوَلد تصعيداً في الموقف وفي الشارع، ما أثارَ مخاوفَ على مستقبل الوضع الحكومي، ففي وقت انسحبَ وزراء «حزب الله» من الحكومة اعتراضاً على نَشر 70 مرسوماً لم يُوَقّعها جميع الوزراء، مُعتبرين أنّ ذلكَ مخالفٌ للدستور لجهة ممارسة الحكومة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، تجدّدَ التصعيد في الساحات ليبلُغَ ذروتَه السبت المقبل، في ظلّ مَخاوف بدأت تنتاب الأوساط السياسيّة على مستقبل الحكومة، خصوصاً إذا تطوَّرَ انسحابُ وزراء الحزب والتيّار إلى مقاطعة، وهو ما يُمكن تلمُّس مؤشّراته من «الموقف المهم» الذي سيُعلنه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون اليوم.
لم يكن سهلاً على مجلس الوزراء أن يعقدَ جلسة أمس وسط الأجواء المشحونة، إنْ في الشارع أو بين القوى السياسية التي باتت الهوّة في ما بينها عصيّةً على الردم في القريب المنظور.
في الأساس الجلسة مخصّصة لاتّخاذ قرار بموضوع مناقصات النفايات، لكنّ القرار كان إلغاءَها كلّياً، ما فتحَ الباب على مجموعة أسئلة أصغرُها: هل ما حصَل فعلاً في كلّ الملف كان مسرحية لمصلحة شركة «سوكلين»؟ وأكبرها: هل أصبحَت النفايات المادة الأبرز للتراشق وتبادُل الرسائل حول عناوين كبرى تتعلق بالحكومة والنظام وبمشاريع إقليمية؟
وقائع الجلسة
وكانت الجلسة بدأت بكلمة لرئيس الحكومة تمام سلام أكّد فيها ضرورة حلّ هذا الملف كما وعَد، وأوعز الى المعنيين لإزالة جدار الفصل على حدود السراي الحكومي الذي أُعطي أبعاداً سياسية، مُذّكراً بأنّه سَبق له أن قال إنّه «مع الناس» وإنّ وجعَه «هو وجع الناس».
واقترحَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن يتمّ نقل النفايات الى مطامر في أمكنة عدة في عكار مع مراعاة الظروف البيئية والصحية. وقال إنّه أجرى مروحة اتصالات ولقاءات اظهرَت موافقة فاعليات عكار على هذا الامر، مقابل رصد مشاريع انمائية تساعد المنطقة على الحد من الحرمان المزمِن الذي تعاني منه.
فتدخّل الوزير جبران باسيل وقال: «قبلَ الدخول في مناقشة ملف النفايات والذي نحن نؤيّد معالجته، نريد أن نسأل عن المراسيم، إذ كيف يُنشَر سبعون مرسوماً في الجريدة الرسمية من دون توقيع جميع الوزراء عليها؟.
وإذ آزَرَه الوزير حسين الحاج حسن في هذا الموقف، ردّ سلام قائلاً: «هذه مراسيم عاديّة لا علاقة للخلافات السياسية بها».
وتدخّلَ الوزير علي حسن خليل مؤيّداً موقفَي باسيل والحاج حسن، وقال: «إنّ هذه المسألة تحتاج الى مقاربة هادئة».
ورفضَ سلام البحث في أيّ موضوع آخر غير ملفّ النفايات، مؤكّداً أنّه سيَسمح بمناقشة كلّ المواضيع في الجلسة المقبلة، أمّا هذه الجلسة فهي مخصّصة للنفايات.
فعادَ باسيل الى الكلام دافعاً النقاشَ في اتّجاه المطالبة بالشراكة. ورأى الحاج حسن «أنّ هناك إصراراً على ضربِ التفاهمات». وقال: «نريد حلولاً لكلّ القضايا المطروحة، وخصوصاً لموضوع النفايات، لكن للأسف هناك كثيرٌ مِن الأفرقاء يصِرّون على عدم الاستماع الى مطلب الشراكة».
وأعادَ سلام بوصَلة النقاش الى ملف النفايات مقترحاً تخصيصَ مبلغ 100 مليون دولار لإنماء عكار «لعلّها تساعدنا في إيجاد مطمر وحلّ أزمة النفايات المتراكمة منذ 17 تموز الفائت».
وفيما لم يكن الربط بين هذين الأمرين ظاهراً مباشرةً، عَلمت «الجمهورية» أنّ هذا الاقتراح المتكامل تمّ الاتفاق عليه مع جميع المعنيين وتقرّر عدم مقاربته بهذا الوضوح تحسُّباً لردّات فعل شعبية في عكّار، وإفساحاً في المجال لتأمين الأرضية الأوسع له بعد التواصل مع فعاليات المنطقة».
وأبدى عدد كبير من الوزراء موافقتهم على هذا الاقتراح، ورفَعوا أيديَهم مؤيّدين. عندها وقفَ باسيل ومعه الوزراء آرتور نزاريان والحاج حسن ومحمد فنيش وغادروا الجلسة من دون أن يقولوا شيئاً ولم يبَلغوا إنسحابَهم الى مجلس الوزراء، الذي كان في صَدد إقرار اقتراح تخصيص عكّار بمبلغ 100 مليون دولار لإنمائها.
بعد ذلك تحدّث وزير المال عن شوائب كثيرة تَحوط بالمناقصات وفي مقدّمها الكلفة الباهظة التي ستتكبّدها الدولة لمعالجة ملف النفايات. وطالبَ بإلغائها وإعادة النظر فيها. وسانَده وزيرا الحزب التقدمي الاشتراكي.
كذلك كان لعدد من الوزراء ملاحظات وانتقادات لطريقة إجراء المناقصات. فاتُّفِق على إلغائها وتكليف اللجنة الوزارية إعادة إجرائها واستدراج عروض جديدة وإعداد دفتر شروط جديد. ولكن لم يُحدّد موعد لاجتماع هذه اللجنة.
وبعد ساعة على انتهاء الجلسة، عاد خليل الى السراي الحكومي واجتمع بسلام. وعَلمت «الجمهورية» أنه حملَ أفكاراً إليه تتعلق بمعالجة آلية توقيع المراسيم. وقال لدى دخوله الى السراي: «إنّ رواتب الموظفين مؤمّنة، وهي تحتاج الى قرار يتّخذه مجلس الوزراء بنقلِ الأموال من الاحتياط إلى بندِ الرواتب».
فنَيش
وقال فنيش لـ«الجمهورية: «موقفُنا الأساسي هو عدم تجاوُز آلية عمل مجلس الوزراء، لأنّ المسّ بها هو مسّ بالدستور وبمبدأ الشراكة، وعودةٌ إلى منطق الهيمنة والغَلبة وتجاهل مكوّنات أساسية مشاركة في الحكومة، في ظلّ الشغور الرئاسي، لأنّ صلاحيات رئيس الجمهورية انتقلَت إلى الحكومة، ولا أحد يستطيع القول:» أنا أحلّ في موقع الرئيس»، فهذا أمر مخالف للدستور وتجاوُز لدَور مكوّنات أساسية في الحكومة».
وهل سيشارك حزب الله في جلسة غد الخميس أم لا؟ أجاب فنَيش: «نتحدّث عن الجلسة التي عُقدت اليوم (امس)، فهناك مراسيم نشِرت لم نوَقّعها، وإصرار على اتّخاذ قرارات في معزل عن احترام آليّة عمل مجلس الوزراء، فاعترَضنا وانسَحبنا لأنّ البعض أصَرّ على التجاوز، أمّا بالنسبة الى الجلسات الأخرى فكلّ جلسة لها موقف».
ونبَّه فنيش الى «أنّنا في أزمة سياسية كبيرة، والمطلوب منّا معالجتها بتفعيل مجلس النواب ومعالجة مسألة الشراكة التي يتفرّع عنها قضية التعيينات وموضوع مجلس الوزراء». وقال: «المطلوب من القوى السياسية إرادة جدّية بالجلوس الى طاولة حوار لإيجاد حلول ومخارج لمشكلة كبيرة تتفاقم، ومعالجتُها لا تكون لا بالتحدّي ولا بالتجاهل ولا بالتهميش ولا بالإخلال بآليّة عمل متّفَق عليها وبتجاوزِ الدستور».
وهل سيكون للحزب مبادرة في هذا السياق؟ أجاب: «لم نتوقّف عن الدعوة الى الحوار من خلال لجنة وزارية أو حوار ثنائي، ومطالبة القوى السياسية بتحَمّل مسؤولياتها وأن تكون هناك إرادة جدية لإيجاد مخارج» .
ووصَف فنيش إتّهامات البعض لحزب الله بأنّه «يتلطّى» خلف رئيس تكتّل « التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون للوصول بالبلاد إلى مؤتمر تأسيسي بأنّها «اتّهامات لا تستحق النقاش، وأنّها تأتي في سياق حملة افتراءات وتمييع الأمور».
«التكتّل»
وفيما يَعقد عون مؤتمراً صحافياً الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في الرابية يُعلن خلاله مواقفَ وُصِفت بأنّها «مهمّة جداً»، اتّهَم باسيل رئيسَ الحكومة بـ«استباحة صلاحية توقيع المراسيم العادية التي يوَقّعها رئيس الجمهوريّة»، مذكّراً بأنّ «المراسيم العادية تتطلّب توقيع 24 وزيراً أو كلّ الكتَل الوزارية في ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة، ولا يمكن القبول باستغيابه لأخذِ آخِر صلاحية له».
وقال باسيل بعد اجتماع «التكتّل» إنّ «إدارة رئيس الحكومة لجلسات مجلس الوزراء متفرّداً مخالفةٌ للدستور، فالتوافق هو مقتضى دستوري، وكلّ ما هو غير ذلك يُعتبَر ضرباً للشراكة». وأوضحَ «أنّ الاستخفاف بعقول الناس وإسكاتَهم بالمال لا يليق بنا كحكومة، لذلك انسحبنا من الجلسة».
ولفتَ إلى أنّ «الأموال المقدّمة لعكّار هي بمثابة رشوة، وهو استخفاف بعقول الناس»، وأشار الى أنّ الوزراء المنسَحبين «ليسوا ضدّ مساعدة عكّار، ولكن يجب مساعدة كلّ المناطق وإجراء دراسة في شأن هذا الموضوع».
حكيم
ومِن جهته، قال الوزير آلان حكيم لـ«الجمهورية»: «إنّ حزب الكتائب يَعتبر أنّ مصالح الناس أولوية، ونحن مع إصدار المراسيم التي تَخدم هذه المصالح. وبالتالي، لا يمكن ان نمشي في فكرة إصدار المراسيم بتوقيع 24 وزيراً، لأنّنا لا نريد تعطيل مصالح الناس.
نحن اليوم نضَع النتائج التي وصلت اليها مناقصات النفايات برسم الرأي العام. لقد قلنا منذ البداية إنّ المشكلة هي في دفتر المناقصات، ولو أنّهم التزموا الملاحظات التي أوردناها في حينه لَما وصلنا اليوم الى ما وصلنا إليه».
وبالنسبة الى مستقبل انعقاد جلسات مجلس الوزراء بعد ما حصَل أمس، قال حكيم: «نحن مع انعقاد مجلس الوزراء واتّخاذ القرارات الضرورية بمن حضَر.»
«المستقبل»
وأكّدت كتلة «المستقبل» دعمَها الكامل للحكومة، وشدّدَت على ضرورة استمرارها في تحَمّل مسؤولياتها، ودعَتها إلى» أن تجهد في العمل وفقاً للآلية الدستورية المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور، والتي تنصّ على أنّ مجلس الوزراء يتّخذ قراراته توافقياً وإذا تعذّرَ ذلك فبالتصويت.
وشدّدَت «على مسألة قانونية ودستورية أساسية وهي أنّه لا تكون للوكيل الذي هو مجلس الوزراء، الذي تُناط به صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خُلوّ سدّة الرئاسة لأيّ علّة، صلاحيات تَفوق صلاحيات الأصيل وهو رئيس الجمهورية». ونوَّهَت بمواقف سلام ودعَت الحكومة إلى «المضيّ في اتّخاذ القرارات التي تسَهِّل مصالح المواطنين وتَحميها».
النفايات إلى المربّع الأوّل
ومع إلغاء مجلس الوزراء نتائج مناقصات النفايات ورميِ الكرة في ملعب عكار التي رفضَت فعالياتُها وأهلها مقايضة النفايات بأموال الإنماء، تعود الأزمة إلى المربّع الأوّل. ومن المفارقات انّ وزير البيئة محمد المشنوق الذي برّر ليل امس الاوّل في بيان أسباب ارتفاع الاسعار التي اقترحَتها الشركات المتقدّمة الى المناقصات، عاد واقترَح في اليوم التالي على مجلس الوزراء إلغاءَ النتائج لأنّ الاسعار مرتفعة.
مصادر وزارية
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ المناقصات لم تعُد موضوعاً ملِحّاً، وكان الافضل مقاربته بهدوء بعيداً مِن الضغوط السياسية والشعبية، خصوصاً أنّ الشركات التي رسَت عليها المناقصات ليست لديها معالجات فوريّة، إذ كانت تحتاج الى وقت يراوح بين 6 أشهر وسَنة للبَدء بمعالجة النفايات وإيجاد المطامر. أمّا النفايات المتراكمة منذ 17 تموز في مكبّات عشوائية وفي الشوارع فسيَبدأ رفعُها خلال يومين.
على أنّ التخَبّط في الموقف الحكومي، يعكس تخبّطاً في مواقف جميع الأطراف السياسية التي اعترضَت علناً على ارتفاع الاسعار، وأوضَح خلفياتها عِلمياً رئيسُ جمعية الصناعيين السابق نعمة افرام الذي لفتَ في مؤتمر صحافي الى أنّ «المشروع الذي قدّمتُه فيه كنسُ وجمعُ وفرزُ ومعالجة وتوظيف في معامل بأكثر من 100 مليون دولار. وفيه طمرٌ بأقلّ من 10% وبلا أيّ أثر بيئي، وفيه توليدُ كهرباء، بينما كان الطمر في حدود 80%».
وأعلنَ أنّه قدّم «عرضاً هو الأكثر خَفضاً لمصلحة المال العام. فقد بَلغ السعر المقدّم منّا 123 دولاراً للطنّ في مقابل 160 دولاراً كانت تدفعها الدولة لشركة «سوكلين»، أي بتوفير يومي بقيمة 29 ألف دولار، بما يعني 870 ألف دولار شهرياً، وأيضاً 10 ملايين و440 ألف دولار في السَنة».
وأضاف: «سنحاول في مشروعنا المقدّم تحويلَ النفايات الى طاقة، فكلّ 3 طن مِن حبوب النفايات يمكن توليد طن من الفيول. وبعد إلغاء المناقصات نتساءَل لماذا ألغِيَت فعلاً؟ وماذا يَعني ذلك؟».
وبينما عزَت كتلة»المستقبل» سببَ تفاقم مشكلة النفايات الى» تقصير الإدارة الحكومية في معالجة هذه الأزمة الحياتية التي لم تأخذ في الاعتبار المهَل الزمنية المتبقّية على إقفال مطمر الناعمة، وهو ما تسبّبَ بحالة من الغضب المتصاعد لدى اللبنانيين عندما اجتاحَت النفايات شوارعهم ومنازلهم». دعا «حزب الله» من جهتِه الى «إيقاف مهزلة التداعيات السَلبية لأزمة النفايات لمصلحة الحلول المعقولة» و»إلى إيقاف مسارب الفساد في هذا الملف الخطير على صحّة ومستقبل أولادنا ومجتمعنا».
التظاهر مستمرّ
إلى ذلك، استمرّ الاعتصام في وسط بيروت ودخلت جمعيات عدّة على خطّ التظاهر. وليلاً تجَمّعَ المشاركون في حملة «بدنا نحاسب» في ساحة رياض الصلح، لكنّ مندسّين دخلوا بين المتظاهرين ورموا قنابل «المولوتوف» الحارقة والحجارة على قوى الأمن الداخلي.
وبعد عودة الهدوء الى الساحة، تفرّقَ المعتصمون ليلاً وقرّروا التظاهر اليوم. إلّا أنّ المندسّين استأنفوا لاحقاً إطلاقَ المفرقعات الكبيرة على قوى الأمن وافتعالَ حرائق في ساحة رياض الصلح.
وتفاقمَت المناوشات بعد استقدام تعزيزات من عناصر مكافحة الشغب الذين تمركزوا قبالة المدخل الرئيسي للبنك العربي. وأقدمَ المندسّون على تحطيم زجاج بعض المحالّ التجارية في شارع المصارف وتكسير لوحات إعلانية.
وقالت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» إنّ مخابرات الجيش أوقفَت ليلاً أشخاصاً شارَكوا في الشغَب، ومنهم: ح. خ ، ا. ع و س. ج (فلسطيني). كذلك فرَض الجيش طوقاً أمنياً، مانعاً انتقالَ الشغب الى الطرق المؤدّية الى ساحة رياض الصلح، تاركاً مهمّة ضبط الساحة لقوات مكافحة الشغب.
مصدر عسكري
في غضون ذلك، جدّد مصدر عسكري لـ«الجمهورية» التزامَ الجيش اللبناني «صَونَ حرّية التعبير عن المطالب الحياتية المحِقّة من أيّ جهة أتت وفي أيّ ساحة كانت».
وقال: «بالمقدار الذي يصون فيه الجيش الحرية يَحرص على حماية المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة التي هي خسارة للمواطن وللشعب قبل ان تكون خسارة لأحدٍ سواه». وختمَ جازماً:»السِلم الأهلي والوحدة الوطنية وحماية الحدود لن يُسمح بتجاوزها مهما كلّف الأمر من تضحيات».
التحقيقات القضائية
وفي ملف التحقيقات القضائية واصَل مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي داني الزعني تحقيقاته مع المدنيين الموقوفين والعسكريين المكلّفين مهمّة حفظ الأمن في ساحتَي رياض الصلح والشهداء وحيث ما وقع إشتباك أو صِدام بين المعتصمين ومثيري الشغب يومَي السبت والأحد امتداداً إلى مساء يوم الإثنين، ومن المتوقع أن ينهيَ تحقيقاته مساء اليوم ويَرفع نتائجَها إلى المراجع المعنية.
وعَلمت «الجمهورية» أنّ ما أُنجِز من تحقيقات بالغُ الأهمّية ويَكشف كثيراً من الحقائق، خصوصاً عندما تقاطعَت حصيلة هذه التحقيقات مع محتويات أشرطة كاميرات المراقبة في المنطقة وأفلام البَثّ التلفزيوني المباشر على توضيح ما جرى وأسباب المواجهات التي استُدرِجت إليها القوى الأمنية وما لحقَ بأفرادها مِن إصابات تجاوزَت بأضعاف ما وقعَ في صفوف المشاغبين والمدنيين المعتصمين، بالإضافة الى كشفِ مَن نفّذ الاعتداءات على المنشآت والأملاك العامة والخاصة وسَرقة محتويات بعض المحالّ التجارية والمطاعم.
فرز «الزعران»
وكشفَت المعلومات أنّ عملية الفرز انتهَت ما بين «الزعران» مثيري الشغب وبين المعتصمين، وتمّ تحديد هويّات العشرات من الفئة الأولى وجَمعت الأجهزة الأمنية المعلومات حول مقارّ إقامتهم وأعمالهما وضَبطت هوياتهم الكاملة تمهيداً لملاحقتهم.
وفي معلومات «الجمهورية» أنّ مِن بين مثيري الشغب شبّان مِن الخندق الغميق وحيّ الِلجا والباشورة ومِن البقاع. ومِن بينهم أيضاً غيرُ لبنانيين، وتمّ التعرّف إلى سوريين وفلسطينيين وسودانيين، وسيُصار إلى فصلِ ملفّاتهم عن ملفّ ما باتَ يسمّى بـ «ملف طِلعت ريحتكم»، بغية ملاحقتهم بتُهمٍ مختلفة أبرزُها إثارة الشغب والتعامل مع قوى الأمن بالشدّة.
حمّود
إلى ذلك، أكّد النائب العام التمييزي القاضي سمير حمّود، لـ»الجمهورية» أنّ التحقيقات «أثبتَت أن لا إصابات بالرصاص الحيّ، وأنّ الإصابات التي وقعَت في اليوم الأوّل للتظاهر كانت جرّاء إطلاق عيارات مطّاطية». وأوضَح «أنّ التحقيقات لا تزال مستمرّة، وأنّ الجهات المعنية فيها تُفرغ كاميرات التصوير التي كانت موجودة في المكان، للاطّلاع على الجهات التي خَرّبت وشاغبَت».
وعن إصابة الشاب محمد قصير، لفتَ حمّود إلى أنّه تمّ تكليف طبيب شرعيّ ثانٍ لمعاينته والاطّلاع على ملفّه الطبّي لمعرفة ما إذا كان الأطبّاء قد استخرجوا أيّ موادّ خلال العملية الجراحية له، مؤكّداً «أنّ التحقيقات لم تثبِت إصابتَه بعيار ناريّ إنّما بجِسمٍ صلب لم تتّضِح بعد طبيعته».
وأشار إلى أنّه «تمّ الاستماع الى أحد الشهود الذين كانوا قرب قصير وسيتمّ الاستماع اليه مجدّداً لمعرفة الجهة التي انطلقَ منها الجسم الذي أصابه، وذلك بهدف التوصّل إلى تحديد المسؤول عن الإصابة».
وأكّد حمود «الإفراج عن عدد كبير من الموقوفين بعدما تبيّن أنّهم غير متورّطين في أعمال الشغب أو في الاعتداء على القوى الأمنية».
وهل اتّضحَت الجهة التي تقف خلف المشاغبين؟ أجابَ حمّود: «إنّ التحقيقات لا تزال مستمرّة مع الموقوفين وإنّ الكاميرات ستساعد في كشف هوية المتورّطين في أعمال الشغب».
ولفتَ إلى أنّه تمّ الاستماع أيضاً إلى إفادات عدد من العناصر الأمنية لاستكمال التحقيقات، وأنّ تقارير الأطبّاء الشرعيين أوضَحت أنّ إصابات الـ 65 عنصراً خلال الحوادث تراوحَت بين الكسور والرضوض في أنحاء مختلفة من أجسادهم.