IMLebanon

تصعيد الشارع يُسابِق الحوار… وأولوية البحث لرئاسة الجمهورية

فيما الأزمات تعصف بالمنطقة برُمّتها، وفي غمرة المحاولات الحثيثة لنقل الملفات الخلافية والأزمة من الشارع إلى طاولة الحوار التي حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري التاسع من أيلول الجاري موعداً لجلستها الأولى في مجلس النواب، بدأ الحراك الشعبي نمطاً جديداً من التصعيد لتحقيق مطالبه، بدا معه أنّه يسابق انطلاقَ الحوار ويحاول تعطيله، بدليل إعلان لجنة المتابعة لـ «تحرّك 29 آب» إلى «اعتصام حاشد في بيروت يوم 9 أيلول سنعلن عن مكانه وزمانه لاحقاً، احتجاجاً على انعقاد طاولة الحوار، حوار المحاصَصة والفساد والتسويف والمماطلة»، وذلك قبل ساعات من نفاد مهلة الـ 72 ساعة التي كانت حدّدتها هيئات منظمات المجتمع المدني للحكومة لتلبيةِ مطالبها. وقد تمثّلَ هذا التصعيد بدخول عدد من المتظاهرين مبنى وزارة البيئة والاعتصام داخلها لساعات، مؤكّدين البقاء فيها حتى تحقيق كلّ مطالبهم، وأبرزُها استقالة وزير البيئة محمد المشنوق وتوقيف الضبّاط الذين أطلَقوا النار على المتظاهرين، قبل أن يتمّ إخراجهم بالقوّة مساءً بعد فشَلِ محاولات إقناعهم بالخروج، لتنتقلَ المواجهات بين عدد من المتظاهرين والمواطنين الذين انضمّوا إليهم تلبيةً لدعوتهم، وبين القوى الأمنية. وقد طرَح هذا التصعيد سؤالاً كبيراً عن الجهة التي تخَطّط لمِثل هذه الأعمال سعياً وراء صورةٍ تضَع القوى الأمنية في موقع المعتدي على المدنيّين العُزَّل، في الوقت الذي اعتبَر برّي ما جرى بأنّه «هفوة» وقعَ فيها المتظاهرون قابلَتها القوى الأمنية بـ»غلطة» عندما قمعَتهم.

قالت مصادر سياسية متابعة لما يجري على الارض «إنّ فريقي السلطة، 8 و14 آذار في مأزق اليوم بعد إهمال المطالب الشعبية والاجتماعية وتزايُد الفساد، الامر الذي يفيد بعض الاطراف الخارجية من هذه الامور، لتبدأ الإستثمار في الأزمات لخلق فوضى، ومن ثمّ الذهاب الى تفاهمات سياسية بناءً على الواقع الذي تنتِجه الفوضى.

وتحدّثت لجنة المتابعة لـ«تحرّك 29 آب» في بيان حملَ الرقم واحد عن بَدء مرحلة جديدة. واعتبرَت أنّ «نزول عشرات الألوف من المواطنات والمواطنين على تنَوّعهم واختلافاتهم الى الشارع تلبيةً لندائنا المستقل عن قوى السلطة، شكّلَ علامة فارقة في تاريخ لبنان الحديث.

علامة مِن شأنها أن تقلبَ جدول أعمال الخطاب العام في لبنان، فالأولوية لم تعُد للمحاصَصة أو لتقاسمِ السلطة بين أعيانها، بل أصبحت لمطالب المواطنين وفي مقدّمها مسألة النفايات».

ودعا البيان «المواطنات والمواطنين في جميع المحافظات والأقضية» الى «المشاركة في الحراك العام، والنزول الى الساحات العامة للضغط على السلطات المركزية والمحلية، كجزء من الحراك العام، وسيُصار الى توسيع تحرّكات المناطق: إعتصامات الشمال (طرابلس وعكار) يوم الخميس المقبل، وفي الجنوب (صور، عدلون، إبل السقي) وفي النبطية يوم الجمعة المقبل، سيتمّ الإعلام بتواريخها تفصيليا».

كذلك دعا إلى «اعتصام حاشد في بيروت يوم 9 أيلول، سنعلن عن مكانه وزمانه لاحقاً، احتجاجاً على انعقاد طاولة الحوار، حوار المحاصَصة والفساد والتسويف والمماطلة».

صمتٌ في السراي

وخلفَ الصمت الإعلامي الذي ساد أجواء السراي الحكومي، قالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ مكتب رئيس الحكومة تمام سلام تحوّلَ خليّة نحل طوال ساعات ما بعد اقتحام وزارة البيئة بعدما عُدَّت منذ اللحظة الأولى أنّها «عملية احتلال» لمرفق عام، فما الفارق في المنطق الدستوري والقانوني بين اقتحام وزارة البيئة والسراي أو أيّ موقع رسمي آخر»؟

ولفتَت المصادر الى أنّ سلام «تابعَ التطوّرات لحظة بلحظة وتحدّثَ عشرات المرّات إلى وزيري الداخلية والدفاع نهاد المشنوق وسمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، وظلّ على اتصال مع المراجع الأمنية التي تواكب ما يجري، مؤكّداً أهمّية إنهائه بما توافرَ من وسائل بعيداً مِن العنف، وداعياً القوى العسكرية والأمنية الى الصبر الذي يتمتّع هو به ليجري تعميمه على بقيّة مَن يتعاطي بهذه الأزمة التي لم تشهد البلاد مثيلاً لها».

وأوضحت المصادر أنّ سلام أكّد تمسّكه بوزير البيئة ورفضَه طلبَ استقالته، «فهو ليس المسؤول الوحيد عمّا يجري، فأزمة النفايات قديمة العهد، وكان واضحاً أنّها أزمة وطنية كبيرة لا يمكن التعاطي معها بهذه المظاهر التي تستجدي روحَ الشباب واستغلال ما يعانيه، وكان واضحاً أنّ الأزمة ستصِل الى ما وصلنا إليه طالما إنّ الملف بات ورقة سياسية حان وقتُ استخدامها في مرحلةٍ هي الأخطر في المنطقة ولبنان».

وشدّدَ سلام في اتصالاته على أهمّية وعي ما يَجري، والسعي إلى فهمِ المرامي ووضعِ حدّ لهذه الظاهرة التي ينقاد خلفَها بعض اللبنانيين، محَذّراً من خطورة استدراج الحكومة الى مسَلسل التنازلات في حال استقال أيّ مِن الوزراء، وداعياً الجميع إلى وعي هذه الحقائق والتنبُّه إلى ما يمكن ان تقود إليه أيّ خطوة يطالب بها المعتصمون من دون أيّ حسابات حول النتائج المرجوّة منها.

ونقلت مصادر السراي عن سلام أنّه يراهن على نجاح اللجنة التقنية والفنّية التي يَرأسها وزير الزراعة أكرم شهيّب في ضوء سلسلة الملاحظات التي تسَلّمها بغية وضع التقرير المطلوب لمواجهة أزمة النفايات على يد تقنيّين ليصار إلى ترجمتها سياسياً.

ومن بين الحلول المطروحة طلبُ استئناف شركة «سوكلين» عملَها في جمعِ النفايات، على أن تتعهّد اللجنة ومعها الحكومة بتوفير المطمر مِن دون استبعاد إعادة فتح مطمر الناعمة في ظلّ ما يَجري، بمبادرة النائب وليد جنبلاط الذي سيَقود حراكاً شعبياً لدعم «خطة شهيّب» الجاري إعدادُها.

جريج

وفي المواقف قال وزير الاعلام رمزي جريج لـ»الجمهورية»: «إنّ التحرّك الشعبي للمطالبة بحقوق هو حقّ مشروع للمجتمع، والتظاهرات هي تعبير عن غضب وسخطٍ مِن الحالة التي وصَل البلد اليها، ولكنّ التظاهر يجب ان يتمّ تحت سقف القانون ووفقَه، ولا يجوزالتعرّض لمقار الإدارات العامة ولا سيّما منها محيط رئاسة الحكومة أو المجلس النيابي أو أيّ مِن الوزارات، يمكن التظاهر امام هذه المقار لكن لا يجوز اقتحامها».

وأكّد جريج «أنّ استقالة وزير البيئة لا تحلّ المشكلة التي هي نتيجة تراكم، وفي الظروف الحاضرة أيُّ استقالة لأيّ وزير مِن شأنها الإخلال بالتوازن داخلَ الحكومة. فالحكومة لا تستطيع أن تستقيل لا بكاملها، عن طريق استقالة رئيسها، ولا فرديّاً، لأنّها تشَكّل المرجَع الدستوري الأخير».

وأضاف: «لقد شاء الوزير محمد المشنوق من تلقاء نفسِه الانسحاب من اللجنة الوزارية ونُقِلت المسؤولية إلى الوزير أكرم شهيّب الذي يعمل ليل نهار لاقتراح حلول، وعندما تجهز سيدعو الرئيس سلام الى جلسة استثنائية يكون على جدول أعمالها بندٌ وحيد وهو المعالجة الفورية للنفايات وإزالتها من الشوارع في كلّ المناطق».

رزق

وقال المرجع الدستوري إدمون رزق لـ«الجمهورية»: «إنّ الحرّيات العامة والخاصة في حمى القانون، والتعبير السِلمي الحضاري هو المطلوب، والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة يُخرج التعبير من إطاره الحضاري والسِلمي ويَرتدّ على المصلحة العامة، لأنّ المؤسسات والمنشَآت هي بالنتيجة ملكٌ الدولة، وبالتالي ملكُ الشعب، وكلّ تخريب يؤدي الى مزيد من الكوارث.

ووصفَ رزق مطلبَ المتظاهرين باستقالة وزير البيئة بأنّه مطلب تعجيزي بسَبب استحالة إيجاد البديل بغياب رئيس الجمهورية، عِلماً أنّنا في حالة حكم الأمر الواقع، وقد دخلنا في دوّامة انقلابية، والمسألة لم تعُد مسألة أشخاص، وإنّما هي سقوط ذريع للمؤسسات يتجاوز قدرات الاشخاص، خصوصاً الآتين بسبب مواصفاتهم الشخصية، فالحالة تتجاوز قدرات الأشخاص الماثلين في الواجهة وترتدّ على القوى السياسية المترَبّصة والمتسَبّبة.

وأمّا الوكالات في هذه الحالة فهي تنتقص التمثيلَ وتقلّص القدرة على تحَمّل المسؤولية، وتزيد المخاطر بدلاً من تذليل العقبات».

برّي والحوار

تزامُناً مع كلّ ما حصل في وسط بيروت، وجَّه برّي الدعوات إلى قادة الكتل النيابية لاجتماع «هيئة الحوار الوطني» في التاسع من الجاري في مجلس النواب، وذلك عبر نوّاب من كتلته النيابية.

وأكّد برّي أمام زوّاره أمس أنّ طاولة الحوار «ستكون فرصةً أخيرة للَبنَنة الاستحقاقات الداخلية وعلى رأسِها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، محَذّراً مِن إضاعة هذه الفرصة لئلّا يدخلَ لبنان في الفوضى».

وأشار إلى أنّه مهّد لمبادرته باتصالات داخلية وخارجية سبقَت الحراك الشعبي في وسط بيروت بأكثر من عشرة أيام، وكانت حصيلتها ترحيباً بهذه المبادرة وتشجيعاً كبيراً عليها. وقال إنّه اتّصلَ بالرئيس سعد الحريري فأكّد أنّه سيَحرص على الحضور إذا سمحَت له ظروفه.

وأكّد «أنّ الحوار سيكون حصرياً بجدول أعماله، وقد يتحوّل ورشة عملٍ دائمة، بحيث يمكن أن تنعقد جلساته صباحية ومسائية، «لأنّه لا بدّ لنا من الإسراع في مناقشة البنود، خصوصاً أنّ أوضاع البلاد باتت لا تتحمّل أيّ تأخير».

وعن نسبة نجاح الحوار قال برّي: «النسبة هي صفر في المئة أو مئة في المئة». وأكّد «أنّ الأولوية بالبحث يجب ان تكون لموضوع رئاسة الجمهورية»، وقال: «كلّ ما سيتَّفَق عليه في الحوار سينفَّذ بالتأكيد، لأنّ مرجعَه مجلس النواب، فإذا اتّفقنا مثلاً على انتخاب رئيس جمهورية فإنّني سأدعو المجلس الى جلسة لانتخابه خلال 24 ساعة». (راجع ص 5)

«المستقبل»

ورحّبت كتلة «المستقبل» بدعوة بري الى الحوار «على قاعدة التمسك بالشرعية الدستورية والميثاق الوطني وتدعيم السِلم الاهلي الذي دفعَ اللبنانيون من أجله الغالي والنفيس».

وأكّدت «أنّ الأولوية الأساسية لحوار القوى السياسية في لبنان والمدخل الحقيقي للتوصّل إلى المعالجات المطلوبة يجب أن يكونَ من خلال التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية لإنهاء الشغور الرئاسي واستعادة المؤسسات الدستورية دورَها، واستعادة الحياة السياسية طبيعتَها والدولة اللبنانية دورَها وهيبتها من خلال بسط سلطتها الكاملة غير المتنازع بها على كلّ الأراضي اللبنانية».

دعم إيراني

وحظيَت مبادرة بري الحوارية بدعم إيراني عبّر عنه مساعد وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان الموجود في بيروت، حيث قال: «إنّ الجمهورية الإسلامية تثَمّن وتقَدّر عالياً المبادرة السياسية الوطنية التي أطلقَها دولتُه أخيراً، هذه الدعوة التي تشدّد على الحوار الوطني والشامل والبنّاء، والتي تؤدّي الى استكمال آليات العمل السياسي في هذا البلد».

وقال: «إنّ طهران تدعم بكلّ قوّة استكمال آليّات العمل السياسي في لبنان». وأكّد استمرار بلاده «في بذلِ كلّ ما أوتيَت مِن قوّة للمساهمة في توفير الوحدة والأمن والهدوء والاستقرار والرفاه للبنان واللبنانيين».