فيما ترَكّز الاهتمام على التحضيرات الجارية لجولة الحوار الأولى المقررة الأربعاء المقبل، وحافَظ الحراك الشعبي في الشارع على زخمه، مع احتمال تحوّله كرةَ ثلج. بدأت الأنظار تتّجه الى واشنطن حيث سيكون الملف السوري أبرزَ بنود القمّة اليوم بين الرئيس الأميركي باراك اوباما والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. ويُرتقَب أن تركّز هذه القمة على أزمات الشرق الأوسط، بدءاً من الاتفاق النووي الإيراني، مروراً بالضمانات الأميركية، التي ترتكز في المجمل على مشاركة المعلومات الاستخبارية وتأمين الملاحة وتقوية منظومة الدفاع الصاروخية، وصولاً إلى منع وصول أيّ صواريخ إيرانية إلى «حزب الله»، أو إلى المتمرّدين الحوثيين في اليمن. كذلك ستناقش التطورات في اليمن وجهود قوات التحالف ضدّ الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وتتضمّن أجندة القمة أيضاً مناقشة الجهود المشتركة لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا ودعم العملية السياسية.
على وقع استمرار الحراك الشعبي والمطلبي في الشارع تابع موفدو رئيس مجلس النواب نبيه بري امس تسليم الدعوات للمدعوين الى طاولة الحوار، وشملت جولتهم أمس كلاً من نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب السابق ميشال المر، رئيس تكتّل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون، رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، الوزير ميشال فرعون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.
واعتبر النائب المر «أنّ مَن يعترض على الحوار اليوم إنّما يخرّب على لبنان ومسيرته مهما كانت الأسباب»، مشيراً إلى أن» لا النفايات ولا غيرها من الملفات قادرة على تعطيل الحوار». وأكّد أنّ مبادرة بري «خطوة أولى وجدّية للسير قدُماً في طريق الحلّ وتذليل العقبات التي نعاني منها، خصوصاً أنّ البند الاوّل من المبادرة هو رئاسة الجمهورية.
وانطلاقاً من هذه المحاولة الصادقة، ينبغي علينا العمل على إنجاح الحوار، ولا يجوز أن نخرج من القاعة إلّا عبر الاتفاق على رئيس للجمهورية». وأشار المر إلى أنّه تمنّى على النائب ياسين جابر الذي نَقل إليه الدعوة الى الحوار أن يشَدّد على «الجنرال» «ضرورة حضوره شخصياً نظراً لدقّة المرحلة وضرورة مشاركته الشخصية ».
ومن جهته إعتبر جابر انّ وجود المر في الحوار «عاملٌ إيجابي من شأنه ان يساعد في الوصول الى نتائج ايجابية وإلى حلول وأفكار البلد في حاجة اليها».
بري والحوار وجدوله
وفي خضمّ التحضير لطاولة الحوار الوطني قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره امس انّه يتمنى حضور «القوات اللبنانية» الحوار ولكنّه في الوقت نفسه يتفهّم موقفَها في حال ارتأت عدم الحضور.
وشدّد على انّه سيلتزم ايّ شيء يتفق عليه المتحاورون، مشيراً الى انّ الاولوية هي لرئاسة الجمهوررية كما يشير جدول اعمال الحوار، ولكن هذه الجدول ليس قرآناً ولا إنجيلاً، وفي إمكان المتحاورين ان يبدأوا النقاش في ايّ بند فيه، كأن يبدأوا في مناقشة بند دعم الجيش، ولكنّ الاتفاق على بند رئاسة الجمهورية من شأنه ان يسهّل النقاش في بقية البنود والاتّفاق عليها».
واشنطن
في غضون ذلك جالَ السفير الاميركي ديفيد هيل امس على رئيس الحكومة تمام سلام وجنبلاط، وشدّد على وجوب حماية الاحتجاج السلمي اللاعنفي واحترامه، وقال: «المواطنون في كلّ مكان يتطلّعون الى الدولة لتحمي حقّهم في حرية التعبير والتجمع، وعلى المواطنين في كلّ مكان مسؤولية ممارسة حقّهم بطريقة سلمية ومسؤولة.
كما أنّ المساءلة متوقعة عندما ينتهك أيّ من الطرفين الحقوق والمسؤوليات». وأضاف: «في هذه الأوقات العصيبة، على الشعب في لبنان والقادة والمؤسسات أن يكونوا معاً، لا ممزّقي الأوصال».
وإذ أكّد ترحيبَ بلاده بأيّ جهود لإعادة تفعيل عمل مجلس الوزراء والحكومة، لفتَ إلى أنّ «هناك مسألة أعمق»، وقال: «كما أعاد أعضاء مجلس الأمن الدولي التأكيد أمس: الآن هو الوقت لمجلس النواب ليجتمع وينتخب رئيساً للجمهورية في أقرب وقت ممكن».
وأكّد «أنّ الولايات المتحدة ستستمر في دعم الجيش والأجهزة الأمنية كمؤسسات، مع أخذ هدف واحد لا غير في الاعتبار وهو تقوية قدرات الجيش ليكون الحامي الشرعي للشعب اللبناني وحدود لبنان، بما في ذلك حمايته من تهديدات المتطرفين».
فرنسا
وفي غمرة ما يجري، لوحِظ غياب تامّ للسفارة الفرنسية عن المشهد اللبناني وعدم قيام السفير الجديد ايمانويل بون أو القائم بأعمالها بأيّ تحرّك ديبلوماسي. ووفقَ معلومات «الجمهورية» فإنّ فرنسا غير مرتاحة الى الاحداث التي يشهدها لبنان، فهي مع اعترافها بحق التظاهر تتوجّس من كل التحركات الشعبية الحاصلة.
قطر
في غضون ذلك، علمت «الجمهورية» انّ السفير القطري علي المري الذي زار سلام امس عبّرَ عن انزعاج بلاده من الأنباء حول دور لبلاده في ما يحصل، مؤكّداً «تمسك قطر بسلامة لبنان واستقراره وأمنه».
وحمّل سلام السفيرَ القطري رسالة شفوية الى امير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني أكّد فيها «تمسك لبنان بالعلاقات المتينة التي تجمعه بدولة قطر الشقيقة وتقديره لوقوفها الدائم الى جانبه وللجهود التي تبذلها لمساعدته».
مصادر سلام
وعبّرت مصادر سلام لـ«الجمهورية» عن ارتياحها الى المواقف التي تبلّغها من هيل واستمرار وقوف الإدارة الأميركية الى جانب المؤسسات اللبنانية الرسمية والحكومية بما يضمن استمرار عملها لتعزيز الإستقرار والأمن في البلاد ولا سيّما منها تلك التي توفّر الحماية للمؤسسات والمقار الرسمية بما يضمن سلامة العمل فيها.
وكشفَت المصادر أنّ هيل أكّد خلال اللقاء «أنّ ما يُنسَج من روايات حول دور السفارة الأميركية في ما يجري من حراك هو مجرّد كلام أو اتّهام سياسي لا أساس له من الصحة، وأنّ الولايات المتحدة لا يمكنها ان تقف ضد ايّ حراك شعبي او شبابي شرط الإلتزام بما تقول به قوانين الدول ولا سيّما منها احترام المؤسسات والمنشآت العامة وعدم تعريض امن المواطنين للخطر».
ونوَّه بمضمون المواقف التي أطلقها مجلس الأمن الدولي، ودعا الى تفهّم مراميها وأهدافها التي تسعى الى تعزيز كلّ أشكال الإستقرار في لبنان واستمرار حمايته من ترددات ما يجري في سوريا والمناطق الملتهبة.
وشدّدت المصادر على أهمّية الرسالة التي حمّلها سلام للسفير القطري الى المسؤولين في الدوحة، وتشديده فيها على العلاقات اللبنانية ـ القطرية القائمة على أسُس من التعاون والودّ بما يضمن مصالح الدولتين والشعبين.
تظاهرة «التيار»
في هذا الوقت، يستعدّ «التيار الوطني الحر» للعودة إلى الشارع مجدّداً اليوم في تظاهرة حشدَ لها كلّ إمكاناته وستبلغ ذروتَها في ساحة الشهداء عصراً.
وقالت مصادر اللجنة المركزية لـ«التيار» التي تتولّى تنظيم التحرّك، لـ»الجمهورية» إنّها تتوقّع ان تكون تظاهرة اليوم حاشدة، بحيث يشارك فيها لبنانيون من مختلف المناطق. واستعداداً لهذه التظاهرة إنطلقَ مناصرو «التيار» مساء أمس في مواكب سيارة في مناطق عدة.
إجتماع أمني
وعشية التظاهر والاعتصام في بيروت وبعض المناطق، ترأّسَ وزير الداخلية نهاد المشنوق اجتماعاً أمنياً حضرَه: المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، قائد وحدة القوى السيارة في قوى الامن العميد فادي الهاشم، قائد شرطة بيروت العميد محمد الايوبي.
وبحثَ المجتمعون في التدابير والإجراءات المتّخَذة للمحافظة على الأمن. وأوعزَ المشنوق الى الضباط بضرورة «التعميم للمحافظة على امن المواطنين وسلامتهم وحماية الاملاك العامة والخاصة، والحد من قيام بعض المشاغبين بأعمال الشغب، وضمان حركة السير في الطرق»، مشيراً إلى انّ «التظاهر والتعبير عن الآراء حق يَكفله الدستور اللبناني ولكن تحت سقف القوانين المرعيّة الإجراء».
القراءة الأمنية
وقالت مصادر اطّلعَت على أجواء المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّهم أجروا تقويماً شاملاً لكلّ التطورات الأمنية في البلاد وما يمكن ان تؤدي إليه سلسلة التحركات المتنقلة من منطقة الى أخرى ومن مؤسسة الى أخرى، ما يَضع القوى الأمنية امام امتحان قاسٍ فيه كثير من المسؤولية لتبقى كلّ القوى
على أهبة الإستعداد للتدخّل في أيّ حدث أمني.
وقال مرجع أمني لـ«الجمهورية» إنّ المجتمعين اطّلعوا على مجموعة تقارير أمنية تناوَلت مختلف التحرّكات التي جرت وتلك المتوقّعة والظروف التي ترافِقها وما يمكن القيام به استباقاً لأيّ حدث أمني لئلّا يتمّ استغلاله لأغراض لا تتصل بأمن المتظاهرين أو المعتصمين فحسب.
فالمخاوف من محاولات استغلال هذه التحرّكات موجودة ويحسب لها ألف حساب، كذلك بالنسبة الى محاولات التجنّي على القوى الأمنية التي يعتمدها البعض عبر الشاشات المفتوحة ليلاً ونهاراً بما تحمله أحياناً من تزوير للحقائق على الرغم من أنّ الصورة تبدو واضحةً في بعض الوقائع.
ولفتَ المرجع إلى أنّ التحرّك الذي يستعدّ له «التيار الوطني الحر» اليوم «مضبوط بدقّة متناهية، وهناك تنسيق تامّ رافقَ كلّ التحضيرات الجارية مع القوى الأمنية المعنية».
وقد تبَلّغَ المعنيون أنّ «التيار» جنّدَ للتظاهرات والتحركات مئات العناصر من المسؤولين عن الإنضباط بهدف التعاون مع القوى الأمنية التي تواكبها ولثَنيِ المشاغبين عن القيام بأيّ تحرّك خارج آليّة التظاهرات وطريقها المرسومة بعدما أبلغوا إلى المراجع المعنية خطّة سير المتظاهرين في كلّ المناطق والطرق المعتمدة للوصول إلى ساحة الشهداء.
ونفى المرجع الاتّهامات التي وجّهها بعض المسؤولين في «الحراك المدني» إلى القوى الأمنية أثناء تحرّك مشاغبين على كورنيش المنارة عصر أمس واعتدائهم على أملاك عامة ومنشآت «البارك ميتر».
وقال: «لا يوجد مسلّحون مدنيون رسميّون، فعناصر مفرزة الإستقصاء يتحرّكون بلباس مدني لكنّهم يحملون شاراتهم التي تدل عليهم، وإنّ العناصر أبلغوا الى المعتدين على المنشآت المدنية العامة أنّهم رجال المفرزة القضائية في قوى الأمن الداخلي». وأكّد «أن القوى الأمنية مستنفرة بالدرجة التي تستحقها متابعة التطورات وأنّ الاجتماعات مفتوحة وكذلك خطوط التواصل بين القيادات الأمنية والحكومية».
عون
وكان عون دعا اللبنانيين مساء أمس إلى «الاقتراع بأقدامهم» اليوم «لتعبيد الطريق أمام الانتخاب في صناديق الاقتراع»، وقال: «غداً (اليوم) لحظة تاريخية، وعلى اللبنانيين جميعاً أن يكونوا صوتاً واحداً ومضموناً واحداً، هم أدركوا أنّهم مخدوعون، وغداً (اليوم) سنجتمع لإزالة الباطل الذي حَكَمنا عشرات السنين».
كنعان
بدوره، أكّد أمين سر تكتل « التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية»: «أنّ التظاهرة ستكون سلمية وحضارية ومنظّمة جيّداً وتتمتّع بكل عناصر الدراية والوعي الكافي الذي عُرِفت به كلّ تظاهرات «التيار».
وقال: «اليوم محطة اخرى من محطات النضال التي اعتاد عليها «التيار» منذ نشأته، وموعد آخر مع جميع اللبنانيين المؤمنين بلبنان الدولة والشراكة والديموقراطية حيث القرار للشعب وليس للممَدِّدين والممدَّدين على حقوقه ومصيره».
وتوجّه كنعان الى اللبنانيين قائلاً: «حضور كلّ فرد منكم اليوم أساسي في استعادة قراركم وحقوقكم المصادَرة، ويشكّل ضربةً كبيرة لمشروع الفساد الممنهَج الذي تحَكّمَ بلبنان وبكم على مدى اكثر من عقدين من الزمن، فهذه فرصتكم لتقودوا عملية التغيير التي وحدَها تستطيع ان تحرّرَكم مما تعانون، فلا تفَوّتوها».
وإذ لفتَ الى «أنّ التسويات على ابواب لبنان والتحضيرات للمناخات الداخلية بدأت»، أكّد «أنّ الحراك الحرّ في هذه المرحلة سيكون له تأثير مضاعف على مسار الأمور وبالتالي مستقبل لبنان واللبنانيين».
وزارة العمل
وكان جديد الحراك في الشارع أمس إعتصام «تحرّك 29 آب» أمام وزارة العمل، داعياً الى «المشاركة في الاعتصام المركزي في 9 أيلول احتجاجاً على انعقاد طاولة الحوار».
قزي
وفور سماعه خبرَ الاعتصام، سارع وزير العمل سجعان قزي الى مبنى الوزارة واطّلعَ من القوى الامنية المولجة حمايته على التدابير والإجراءات اللازمة لمنع الاعتداء عليه، وقال لـ«الجمهورية»: «نرحّب بكلّ تظاهر في إطار القانون السلمي، وطبيعي أن يتظاهروا امام المؤسسات الرسمية، فهذا الامر يشكّل اعترافاً بالدولة، ولكن هذه المؤسسات ليست ملك وزرائها ولا حتى حكومتها، هي ملك الشعب اللبناني، ولذلك يجب حمايتها.
أمّا بالنسبة الى اختيار وزارة العمل فهذه الوزارة ليست معنية بالمطالب السياسية المرفوعة ولكن شاءَ المتظاهرون ان يتوجّهوا إليها ربّما لأنها وزارة فاعلة وباتت مؤثّرة».
«8 آذار»
في هذا الوقت، عبّرت مصادر في قوى 8 آذار لـ«الجمهورية»عن اعتقادها بأنّ التحركات في الشارع لن تتوقّف قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ورأت «أنّ الشعارات المطلبية المرفوعة لا تعكس حقيقة ما يجري على الارض ، فبمعزل عن مطالب الناس وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، من الواضح أنّ هناك أيديَ تضغط على الواقع اللبناني وتحاول إحراجَ القوى السياسية لفرض فكرة الرئيس التوافقي».
واعتبرَت المصادر «أنّ استمرار الضغط الشعبي تحت عناوين مطلبية سيؤدّي، بحسب من يقف خلف هذه التحركات، إلى إحراج «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» للسير في مرشّح توافقي».
وكان «حزب الله» جدّد تمسّكه بترشيح عون، وقال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «نؤكّد مجدّداً أنّنا مع انتخاب رئيس في أسرع وقت ولكن ليكُن واضحًا: هذا الرئيس معلوم ومعروف إنْ أرادوا حلَّ هذه المشكلة ومعالجة مشكلات أخرى في أسرع وقت ممكن وإنهاءَ هذه المهزلة، فليختاروا الرئيس القوي الذي يستطيع أن يلتزم كلامه ومواقفه ويأخذ البلد إلى الخلاص».
ملفّ العسكريين
وفي ملف العسكريين المخطوفين، علمَت «الجمهورية» أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عاوَد اتصالاته مع الجهات المعنية بالتفاوض، طالباً منها الإسراع في إنجاز الملف ربطاً بالتطورات الجارية في الزبداني والمنطقة.
وكان ابراهيم زار سلام أمس وعرض معه ملف العسكريين والحراك الشعبي على الأرض والوضع الامني. كذلك أطلعَه على الجهود التي يَبذلها الأمن العام في ملاحقة المطلوبين والشبكات الإرهابية.