التطوّر البارز والجديد أمس تمثّلَ في المواقف التي أطلقها الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي فاجأ الوسط السياسي في كلامه الإيجابي والانفتاحي على القيادات السنّية عموماً وتيار «المستقبل» خصوصاً والرئيس سعد الحريري تحديداً، إذ قال: «يجب أن نسجّل بأنّ الدور الأبرز الذي ساهمَ في تخطّي لبنان المصيبة الكبرى المتصلة بأحداث طرابلس والشمال كان لتيار «المستقبل» ولقيادته»، وأعلنَ «أننا مستعدّون للحوار مع «المستقبل» وجاهزون له، وهذا الموضوع قيد المتابعة». ولا شكّ في أنّ هذا الموقف الذي جاء عشيّة التمديد النيابي الذي أعلن نصرالله تأييدَه له أو تأييدَ الانتخابات ورفضَه القاطع للفراغ، يؤشّر إلى مناخ سعودي-إيراني جديد، خصوصاً بعد إصدار العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، عفواً عن رجل الدين «نمر باقر النمر»، الذي كان حكم عليه بالإعدام.
يرجّح أن تفتح مواقف نصرالله قنوات الحوار الداخلية، وتؤسّس لمرحلة سياسية جديدة قد ينتج عنها انتخاب رئيس جديد.
وفي موازاة هذا التطوّر تشخَص الأنظار باتّجاهين: الأوّل إلى السعودية التي توَقّع مع فرنسا اليوم على هبة الثلاثة مليارات، في حضور قائد الجيش العماد جان قهوجي، والاتّجاه الثاني إلى التمديد غداً، والذي ستسبقه مواقف الكتل المسيحية التي ستحدّد موقفَها الواضح من الجلسة النيابية.
فالمواقف التي أطلقها السيّد نصرالله ستنعكس إيجاباً على المناخات السياسية المتشنّجة عشية التمديد، حيث تتحضّر القوى المسيحية اليوم لإطلاق مواقفها النهائية منه، فيعقد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مؤتمراً صحافياً ظهر اليوم يعرض خلاله مبادرة الساعة الأخيرة لتفادي التمديد، وعصراً يؤكّد حزب الكتائب اللبنانية في أعقاب إجتماع استثنائيّ للمكتب السياسي برئاسة النائب الأوّل لرئيس الحزب المحامي شاكر عون في غياب الرئيس امين الجميّل رسمياً، موقفَه الرافض للتمديد، ويحسم أمر مشاركته في الجلسة أو عدمَه، ويعقد تكتّل «التغيير والإصلاح» اجتماعه الدوري الأسبوعي برئاسة النائب ميشال عون عند الثالثة والنصف من بعد ظهر اليوم لبَتّ قراره النهائي على مستوى موقف نواب التيار السبعة عشر من حضور الجلسة التشريعية غداً بعدما حسمَ نواب كتلة النائب سليمان فرنجية ونائباً حزب «الطاشناق» قرارهما بالمشاركة في الجلسة والتصويت إلى جانب اقتراح القانون الخاص بالتمديد.
وقال أحد نوّاب «التكتل» لـ«الجمهورية» إنّ النقاش قائمٌ داخل التيار حول شكل القرار النهائي، بعدما رفع الوزير جبران باسيل من لهجته ضد التمديد، ما انعكسَ على العلاقات الهشّة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. ولذلك توقّع مقاطعة التيار الجلسة أو الحضور والتصويت ضد القانون.
«التنمية والتحرير»
بدورها، أعلنَت كتلة «التنمية والتحرير» بعد اجتماعها برئاسة برّي في عين التينة أنّها «اتّخذت القرارات التي رأتها من مصلحة البلاد والشعب اللبناني».
«المستقبل»
وإذ كرّرت كتلة «المستقبل النيابية» موقفها بأنّ الأولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية، أشارت الى انّ «التعطيل المتقصّد الذي تعرّضت له هذه العملية حتّمَ عملية اللجوء إلى التمديد لمجلس النواب، ولذلك ترى الكتلة ضرورة المشاركة والاقتراع في الجلسة العامة المقبلة غداً للتمديد لمجلس النواب لقطعِ الطريق على احتمالات الوقوع في الفراغ في المؤسسات الدستورية وما سيشكّله ذلك من أخطار على الدولة وعلى النظام السياسي وتداعيات كلّ ذلك على الأوضاع العامّة والمصالح الوطنية العليا.
وكان عضو الكتلة النائب أحمد فتفت قال إنّ «مبدأ الميثاقية في التصويت موضوع جديد نُدخله على اللعبة السياسية»، وأشار إلى انّ «الميثاقية هي دائماً في الحضور وفي المشاركة بالتصويت وليس في التصويت بنعم أو لا»، مبدياً اعتقاده انّ الميثاقية متوفّرة، و«أكثرية النواب المسيحيين في مجلس النواب سبق وأعلنوا تأييدهم لمبدأ التمديد للمجلس نظراً للمخاطر السياسية الكبيرة في غياب رئيس جمهورية وعدم إمكانية أن يكون هناك حكومة بعد الانتخابات النيابية».
بين عون والتمديد
وفي ظلّ مواقف نصرالله الإيجابية تساءلت أوساط سياسية ماذا لو خَيَّر «حزب الله» في جلسة التمديد الأربعاء الكتلَ النيابية بين انتخاب عون رئيساً والتمديد التقني لإجراء الانتخابات النيابية، وبين التمديد لسنتين وسبعة أشهر؟
إجراءات غير مسبوقة
ووسط تدابير أمنية استثنائية في المناطق كافّة، وإجراءات غير مسبوقة ظاهرة ومخفيّة، تعدّ الضاحية الجنوبية عدّتها لإحياء ذكرى عاشوراء بمسيرة تنطلق من مجمع سيّد الشهداء الى ملعب الراية، وتُختتم بكلمة السيّد نصر الله.
وكانت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي اعلنَت امس وللمرّة الاولى إقفال جميع المداخل المؤدّية إلى الضاحية الجنوبية اعتباراً من منتصف ليل امس لحين انتهاء المناسبة.
نصر الله
وكان الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله شاركَ مساء أمس شخصياً في إحياءً الليلة العاشرة من عاشوراء، وأكّد أنّ «الذهاب الى الفراغ في المجلس النيابي يُشكّل ضربة كبيرة، خصوصاً إذا أضفناه إلى الفراغ الرئاسي» ، وأردفَ: «ما نرفضه هو الذهاب للفراغ في المجلس النيابي، وأيّ شيء يمنع الفراغ نحن معه»، ورأى أنّنا» أمام 3 خيارات لمجلس النواب: إمّا التمديد أو الفراغ أو الانتخابات».
وقال: «إذا ذهبنا للانتخابات هناك مشكلة ميثاقية، لأنّ فئة أساسية من المكوّن السنّي لا تريد انتخابات، وإذا ذهبنا للتمديد هناك مشكلة ميثاقية، لأنّ فئة أساسية من المكوّن المسيحي ترفض التمديد».
وعن الإنتخابات الرئاسية، قال نصر الله: «قناعتنا تقول إنّه لا يوجد أحد في البلد يريد الفراغ في رئاسة الجمهورية، نريد بأسرع وقت ممكن أن يكون هناك رئيس في قصر بعبدا، ودعا القوى السياسية إلى العمل على استعادة هذا الملف من القوى الإقليمية»، وقال إنّ «مرشحنا الفعلي لرئاسة الجمهورية هو العماد ميشال عون» وإنّ «مَن يراهن على الصراعات الخارجية لانتخاب رئيس للجمهورية فسينتظر لسنوات».
ودعا كافّة القوى السياسية الى الحوار، وقال: «وجّهت دعوات إلى الحوار في وسائل الإعلام، وإذا أردنا أن نحيّدَ البلد يجب أن نتحاور»، كاشفاً أنّه «خلال الأسابيع الماضية كان هناك جهات حليفة وجهات صديقة، تحدّثوا معنا وسألونا أمَا آن الأوان لحوار بين «المستقبل» و»حزب الله»، وقلنا إنّه لا مانع لدينا». وأعلن «أنّنا مستعدّون لهذا الحوار وجاهزون له، وهذا الموضوع قيد المتابعة».
الهبة السعودية
وفي هذه الأجواء، تشخص الأنظار الى الرياض حيث توَقّع كلّ من السعودية ممثلةً بوزير المالية ابراهيم العساف، وفرنسا ممثلةً بشركة اوداس الفرنسية العامّة، ظهرَ اليوم في القصر الملكي، على اتّفاقية الهبة المقدّمة من المملكة بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، في حضور قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي غادر لبنان بعد ظهر أمس، على رأس وفد عسكري مرافق.
وأوضح مصدر فرنسي انّ العَقد الذي يتمّ التفاوض حوله منذ أشهر، خصوصاً حول قائمة العتاد العسكرية التي يطلبها لبنان، سيتمّ تطبيقه «بشكل سريع».
مصدر عسكري
وأشار مصدر عسكري لـ»الجمهورية»، إلى أنّ «زيارة قهوجي الى السعودية هي ليوم واحد فقط، بعدما دُعي الى حفل حضور توقيع الهبة بين الطرفين الفرنسي والسعودي»، لافتاً إلى أنّ «الموضوع الآن بات في الملعب الفرنسي، ولم يعد هناك أيّ علاقة للسعوديين بهذه الهبة».
وأشار المصدر الى أنّه «بعد عودة قهوجي من السعودية ستبحث قيادة الجيش مع الطرف الفرنسي في الأمور التقنية لهذه الهبة، ليبدأ بعدها تسليم الأسلحة التي طلبها الجيش من فرنسا». من جهة ثانية، نفى المصدر أيّ «بحث في تنسيق أمنيّ بين الجيش اللبناني والسوري»، مشدّداً على أنّ «هذا الموضوع هو عند الحكومة، والجيش ينفّذ القرار السياسي».
وأكّد أنّ «المداهمات مستمرّة في الشمال وكلّ لبنان، والإرهابيون الذين تمّت مداهمة مخازن أسلحتهم هم متّهمون أمام القضاء، وقد ثبتَ ذلك من خلال المضبوطات ومراقبة تحرّكاتهم.
جنبلاط
وقال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر»، تعليقاً على توقيع الهبة السعودية: «أخيراً، تمّ التأكّد من أنّ اتفاقية المليارات الثلاثة لدعم الجيش أصبحَت نهائية. الاتفاقية ستضمّ أسلحة فرنسية. إنّها هدية ثمينة. شكراً للملك عبدالله وفرنسوا هولاند».
الهبة الإيرانية
في الموازاة، تبقى الهبة الايرانية للجيش معلّقة، إذ لم تتسلّم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حتى الساعة التقرير المنتظر من وزارة الدفاع حول نتائج زيارة وزير الدفاع الى طهران ومصير الهبة الإيرانية التي يتوقّع تأجيل بتّها.
وكان مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان قال لموقع «العهد»: إنّ مساعدة إيران للجيش اللبناني جاءت في ظلّ التطوّرات في المنطقة، وأعلنّا استعدادنا لتقديم هذا الدعم، وكذلك نحن نتفهّم أنّ هناك بعض الدول تطالب المسؤولين اللبنانيين بأن يتمّ رفض هذه المساعدة، ولكن نحن نقول بصراحة وبصوت عالٍ إنّ مساعدتنا هي لدعم الجيش اللبناني وطاقاته الدفاعية لمواجهة الإرهاب، ونعتقد أنّ هذه هي فرصة جيّدة يمكن للّبنانيين أن يستفيدوا منها».
من جهته، قال السيّد نصر الله إنّ «إيران تريد أن تساعد ولا تريد أن تسبّب أيّ إحراج للبنان، ونحن لا نريد أن نحرجَ أحداً»، وقال: «ناقشوا كما تريدون، إذا أردتم الهبة قولوا نعم، وإذا لا تريدونها قولوا لا، ولكن أنتم الخاسرون».
وأضاف: «نحن لا نريد أن نقوم بمشكلة وأزمة للحكومة، وأقول للحكومة هل تريدون أن تقبلوا هذه الهبة؟ فهذه مصلحة لبنان والجيش اللبناني، وتفتح الباب على مساعدات جدّية، فلا وسطاء بل فقط بضائع، والعملية نظيفة مئة بالمئة». وأكّد أنّ «الحزب مع كلّ دعم يقدَّم للجيش، وفي هذا السياق كانت الهبة الإيرانية.
الخلوي والفيول
على صعيد آخر، علمَت «الجمهورية» أنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء عمّمت أمس الإثنين ملحَقاً بجدول الأعمال السابق الخاص بجلسة مجلس الوزراء العادية بعد غد الخميس والذي عُمّم يوم الجمعة الماضي، وبذلك ارتفع عدد البنود المدرَجة على جدول أعمال الجلسة إلى 47 بنداً.
ومن أبرز البنود المطروحة بندان: الأوّل يتصل بـ«متابعة البحث في المناقصة العالمية لإدارة شبكتي الخلوي»، والثاني يتصل بمتابعة البحث في عرض وزارة الماليّة للعقود الموقّعة مع شركتي «البترول الكويتية» و»سوناتراك الجزائرية» الخاصة بكهرباء لبنان بناءً للقرار المتّخَذ في جلسة سابقة لمجلس الوزراء عُقدت في 23 تشرين الأوّل الماضي.
وتأتي هذه الخطوة عقبَ شكوى مؤسسة كهرباء لبنان من النقص الحاصل في الفيول في ما هو مخصّص من سلفات خزينة للمؤسسة لا تتجاوز ملياري دولار أميركي سنوياً.
ومعلوم أنّ العقود الخاصة بفيول كهرباء لبنان يجري التجديد لها على أساس اتفاقات معقودة من دولة إلى دولة، الأمر الذي يحذف منها أيّ عمولات لشركات خاصة.
إلى ذلك، قالت مصادر وزارية إنّ مجلس الوزراء سيستعرض التطورات الأمنية والعسكرية في أعقاب أحداث طرابلس وعكار، ونتائج الوساطة التي قام بها الموفد القطري – السوري الجنسية الى جرود عرسال، ومطالب «جبهة النصرة» التي ضُمَّت أخيراً إلى مطالب «داعش»، والتي ستُبحَث في إطار سلّة واحدة.