يَشهد هذا الأسبوع محطتين بارزتين، الأولى تتمثّل بانطلاق جلسات الحوار الوطني في مجلس النواب بعد غد الأربعاء، والثانية تتزامن مع هذا الحوار، وتتمثّل باعتصام شعبي أمام ساحة النجمة على مسمَع المتحاورين ومرآهم. وعلى مسافة أيام من هاتين المحطتين وصفَ رئيس الحكومة تمّام سلام الوضعَ الراهن بأنّه «صعب جداً جداً»، معتبراً أنّ «تمادي الخلافات السياسية التي أدّت إلى الفراغ الرئاسي والشَلل التشريعي والتعطيل الحكومي لن يؤدّي إلّا إلى الانهيار»، وأشاد بدعوة رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى الحوار.
إرتفعَت وتيرة الاستعدادات للحوار المقررة في ساحة النجمة، في الوقت الذي بدأ المتحاورون يحَضّرون أوراقهم وأجنداتهم التي سيطرحونها على الطاولة الحوارية.
فعلى هذه الطاولة أجندتان موحّدتان: الأولى لفريق 14 آذار، يتصدّرها موضوع الاتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية أوّلاً قبل البحث في البنود الأخرى، والثانية لفريق 8 آذار، تقول في حال عدم الاتفاق على رئيس، بالذهاب إلى إقرار قانون انتخابي جديد وانتخاب مجلس نيابي يشرّع في انتخاب رئيس الجمهورية العتيد.
على أنّ بندَ رئاسة الجمهورية يتصدّر جدولَ أعمال الحوار، وعند البحث فيه ستتبلوَر هاتان الأجندتان، وفي ضوء ما سيؤول النقاش فيه سيتحدّد مصير الحوار، وهو حوار قالَ الداعي إليه وراعيه رئيسُ مجلس النواب نبيه برّي إنّه للبلد وليس لـ«بيت بيّي»، مضيفاً أنّ نسبة نجاحه هي صِفر أو مئة، ومؤكّداً أنّه في حال فشلِه «لن يكون فشلاً لنبيه برّي بل فشل للجميع».
وشدّد على أولوية الاتفاق على انتخاب رئيس، لأنّ ذلك ينعكس إيجاباً على بقيّة بنود جدول الأعمال، وإذا لم يحصل هذا الاتفاق نبحث في البنود الأخرى، ومنها بند قانون الانتخابات النيابية، فهذا القانون مهمّ جداً ومِن شأنه أن يؤدّي إلى حلّ أمور كثيرة».
ورفضَ برّي قولَ البعض إنّ 8 آذار ممثلة أكثر من 14 آذار على طاولة الحوار، وقال: «ليس هناك أكثرية أو أقلّية لأحد في الحوار، لأنّ هذا الحوار سيتّخذ قراراته بالتوافق وليس بالتصويت».
وعن موقف «القوات اللبنانية» بعدمِ حضور الحوار، قال برّي «إنّ جعجع ليس مشاركاً في الحكومة، وما قاله لا يتعارض مع الدستور، ولكنّ من يريد انتخاب رئيس وإقرارَ قانون انتخاب وانتخابات نيابية عليه أن ينزل إلى مجلس النواب لا أن يقاطعه، فكيف يمكن إقرار قانون الانتخاب بمعزل عن المجلس «. (راجع ص 5)
وفي الساعات الفاصلة عن اجتماع هيئة الحوار، ترصد المراجع السياسية والديبلوماسية ماهيّة المواقف من عناوينها والنقاط السبعة المدرجة على جدول الأعمال والتي بدأت تتّضح أكثر فأكثر.
فقبل 72 ساعة على موعد اجتماع الهيئة بات واضحاً أنّ المواقف لم تتّضح بكاملها، لكنّها تتّجه إلى فرز مسبَق غير نهائي، فـ«التيار الوطني الحر» قال كلمتَه بإجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، على عكس مواقف معظم أطراف الهيئة ومنها حزب الكتائب وتيار «المستقبل»، والتي أكّدَت أولوية انتخاب رئيس الجمهورية قبل القيام بأيّ عمل آخر.
ولذلك تنتظر المراجع السياسية والديبلوماسية موقفَ كتلة «حزب الله» التي عليها أن تحدّد موقفَها بمجرّد أن يَفتتح برّي الجلسة الأولى للحوار والمباشرة بالبند الأوّل.
وقد أكّد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نوّاف الموسوي أمس «أنّ موقع رئاسة الجمهورية معقود لـ«التيار الوطني الحر» كونه الأكثرية المسيحية، ومِن هنا يبدأ الحلّ الذي يستكمل طريقَه لإقامة حكومة تمثّل الطوائف فيها بعدالة، وحينها يعطى للمجلس النيابي القدرة على عكس التمثيل الحقيقي للّبنانيين من خلال قانون انتخابات على أساس النسبية وبهذا تكون لدينا السلطات المتوازنة».
وحولَ موقف برّي، قالت مصادر تشارك في الترتيبات الجارية لاجتماع هيئة الحوار إنّ الرئيس برّي لا يمكنه إلّا أن يكون مع أولوية انتخاب الرئيس. وأشار الى أنه «في حال أعلن فريق آخر غير «القوات اللبنانية» رغبة في مقاطعة الحوار فإنّي سأبادر شخصياً الى تأجيله».
«القوات»
وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع رأى في دعوة بري إلى الحوار «مضيَعة للوقت وحَرفاً للأنظار عن انتخاب رئيس للجمهورية»، معلِناً عزوفَ «القوات» عن المشاركة فيه. لكنّه أبدى استعدادها لإعادة النظر في موقفها من الحوار «إذا انحصر جدول اعماله بانتخابات الرئاسة وإذا أعلن «حزب الله» مشاركته في جلسة انتخاب الرئيس في 30 أيلول».
وشدّد على أنّ «مِن دون رئيس للجمهورية لن نصلَ الى أيّ نتيجة». مطَمئناً «طالما إنّ هناك جمهورية في لبنان سيبقى هناك رئيس مسيحي». وشدّدَ على وجوب رحيل الحكومة «لكن شرط مجيء حكومة مكانها لا عاجزة ولا فاشلة ولا فاسدة».
جعجع إلى قطر
تجدر الإشارة الى أنّ جعجع غادر أمس وزوجتَه النائب ستريدا ووفداً «قواتي» إلى قطر، في زيارة رسمية. وأكّدت مصادر قواتيّة لـ»الجمهوريّة» أنّ هذه الزيارة «تأتي ضمن سياق برنامج وضِع سابقاً لزيارة عدد من العواصم العربية والأوروبّية، وسيناقش جعجع مع المسؤولين القطريّين أوضاع لبنان والمنطقة، خصوصاً أنّ قطر لعبَت دوراً مهمّاً في حلّ الأزمة اللبنانية من خلال اتّفاق الدوحة عام 2008.
وكذلك سيَبحث في كلّ المسائل المتعلّقة بالشأن اللبناني والتي تستطيع الدوحة المساعدة في حلّها، من أزمة انتخاب رئيس الجمهوريّة الى العسكريين المخطوفين. وسيَشمل النقاش أيضاً الأوضاع العربية، خصوصاً أنّ قطر لاعب أساسي في المنطقة، وهي ضمن الدوَل المشاركة في عاصفة الحزم، إضافةً إلى دورها في سوريا والعراق».
«14 آذار»
وقالت مصادر في قوى 14 آذار لـ«الجمهورية» إنّ موقف جعجع من الحوار «يشكّل مادة دعم أساسية لحلفائه وليس العكس، لأنّهم سيَستندون إليه من أجل تعزيز موقفِهم التفاوضي والتمسّك بأولوية الانتخابات الرئاسية».
ورأت «أنّ عملية توزيع الأدوار بين مكوّنات 14 آذار قائمة على قدمٍ وساق»، مُعتبرةً «أنّ موقف جعجع كان متوقّعاً، فيما خلاف ذلك كان مستبعَداً»، وقالت إنّه «يشكّل تقاطعاً مع الرئيس برّي على أنّ مجلس النواب الحالي هو الذي يَنتخب الرئيس العتيد».
وأكّدَت المصادر نفسُها «أنّ التنسيق بين المكوّنات المشاركة وجعجع سيتكثّف في المرحلة المقبلة في ضوء التطوّرات الأخيرة وتحديداً الحوار»، واعتبرَت «أنّ مشاركة «القوات» في الاجتماع التنسيقي لقوى 14 آذار قبل توَجّهها إلى الحوار أكبر دليل على وحدة الموقف الوطني داخل هذه القوى».
«التيار الوطني»
إلى ذلك، لا يبدو «التيار الوطني الحر» متفائلاً بما يمكن أن يخرج به الحوار، لا بانتخاب رئيس للجمهورية ولا حتى بالحدّ الأدنى من تحريك الجمود، أي استعادة العمل في الحكومة والمجلس. وقالت مصادره لـ»الجمهورية»: «مِن الواضح أنّ البعض ما زال ينتظر ما سيؤول إليه الوضع الإقليمي ليرسم روزنامة خياراته في لبنان».
«الحزب»
ومن جهته «حزب الله» انتقَد من «يطلق السهام» على دعوة بري الى الحوار، متسائلًا عن «سبب رفض البعض هذه الطاولة ورفض إنشائها؟ وما الهدف من ذلك؟» داعياً الجميع إلى «الاستجابة للدعوة والاستفادة من طاولة الحوار»، مؤكّداً مشاركته فيه «بروح إيجابية وحِرص على إنتاج حلول للأزمات».
اللقاء التشاوري
وقالت مصادر «اللقاء التشاوري» الذي اجتمع أمس إنّ المجتمعين شدّدوا على أن تكون الأولوية لانتخاب رئيس الجمهورية في الحوار النيابي، والأولوية لملف النفايات في مجلس الوزراء من دون أن يتقدّم عليها أيّ ملف آخر إنقاذاً للصحّة والبيئة وسلامة المواطنين قبل حلول فصلَي الخريف والشتاء وقبل أن تتحوّل أكوامها إلى مشاريع أمراض وأوبئة لا علاج لها.
وأوضحَت المصادر أنّ المجتمعين أكّدوا أهمية هيئة الحوار لكنّها ليست بديلاً مِن عمل المؤسسات الدستورية، واستغربوا تأخير أو تجميد جلسات مجلس الوزراء في انتظار هيئة الحوار، وأكّدوا الاتصال برئيس الحكومة لاستئناف العمل الحكومي في أسرع وقت.
مستحقّات البلديات
وفي تطور يأتي ضمن سياق دعم البلديات لمعالجة أزمة النفايات، أعلن وزير المال علي حسن خليل عبر “تويتر” وقال بتغريدة: قمت بواجبي بتوجيه من الرئيس بري ورئيس الحكومة وأعددت المراسيم اللازمة لتسليم مستحقات البلديات وهي حقّها دون منّة من أحد.
«عين الحلوة»
من جهة ثانية لوحِظ على صعيد ملف مخيّم عين الحلوة أنّ زيارات موفدي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إلى لبنان لم تنقطع لمتابعة ملف أمن المخيّمات عموماً، ومخيّم عين الحلوة خصوصاً، وذلك منذ جولة العنف التي شهدَها هذا المخيّم أخيراً بين حركة «فتح» ومجموعات إسلامية متطرّفة.
وفي هذا الإطار تابعَ عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» المشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد الأوضاع الأمنية في المخيّمات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين وفي مقدّمهم وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، عِلماً أنّ الأحمد يزور لبنان للمرّة الثانية في خلال أقلّ من شهر.
وتجدر الإشارة الى أنّ عضو اللجنة المركزية في «فتح» اللواء سلطان ابو العينين موجود ايضاً في لبنان منذ فترة للغاية نفسِها.
وكان عُقِد مؤتمر شعبي في عين الحلوة أمس تحت عنوان «المخيّم فوق الجميع»، خُصّص للبحث في إمكان إعلان «اتفاق شرف»، بحسَب ما قال قيادي فلسطيني لـ«الجمهورية»، من شأنه أن يكفلَ وضعَ آليّات لضبط الوضع الأمني، وتطويق ذيول جولات العنف السابقة، لتجنّب عدم تكرارها وتثبيت الهدوء والاستقرار، خصوصاً مع انطلاق الموسم الدراسي في مدارس «الأونروا» مطلعَ هذا الأسبوع.
واتّفقَ المجتمعون على إعادة تفعيل الخطّة الأمنية السابقة التي وضعَتها القوى الفلسطينية لجهة تفعيل دور القوّة الأمنية المشتركة وانتشارها في كلّ أرجاء المخيّم. وكان مِن أبرز ما طالبَ به المجتمعون: العمل الجاد لتعزيز وقف إطلاق النار، تعرية المسيء والمخِلّ لأيّ جهة انتمى، وإصدار فتوى ملزمة بتحريم الاحتكام إلى السلاح في النزاعات الداخلية.
برج البراجنة
ومِن عين الحلوة إلى مخيّم برج البراجنة، حيث وقعَ حادث أمني أمس الأوّل عند حاجز الجيش اللبناني عند أطراف المخيّم أحدثَ توتّراً شديداً، وتسارعَت الاتصالات بين الأجهزة اللبنانية والفصائل الفلسطينية داخل المخيّم لاحتواء ذيوله.
وقد أثارَ هذا الحادث مخاوفَ من أن تكون وراءَه المجموعات المتشدّدة أو غير المنضبطة نفسها التي تحرّكت في عين الحلوة خلال العام الأخير ومهّدت لجولات العنف الأخيرة، ويمكن أن تتحرّك الآن في مخيّم برج البراجنة لنقل أجواء الاحتراب الداخلي إليه.
ولذلك تسعى الأجهزة الأمنية اللبنانية والفصائل الفسلطينية في المخيّم لضبط الأوضاع لعدمِ انتقال ما يجري في عين الحلوة إلى مخيّم برج البراجنة، خصوصاً أنّ الأخير أكثر خطورةً مِن عين الحلوة نَظراً لموقعِه الجغرافي عند أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت.