المشهد السياسي بعناوينه الكبرى ما زال يدور بين الحوار والحراك. ولكن في التفاصيل سجّل الحوار تقدّماً على الحراك في النقاط الآتية: إنجاز خطة النفايات التي تلقى تأييداً من كل القوى السياسية، وتحظى بغطاء الخبراء والجمعيات البيئية، ويعمل الوزير أكرم شهيّب على تخريجها بأوسع احتضان سياسي وشعبي ممكن. تجميد الخلافات الحكومية وتمرير ما يمكن من مراسيم تتصل بالشؤون الحياتية للناس، وذلك بانتظار إعادة تفعيل العمل الحكومي. إلتئام هيئة الحوار في رسالة مفادها أنّ كلّ القوى السياسية تحاول الخروج من نفق الأزمة الوطنية تحت سقف الدستور والمؤسسات. التمسّك بأولوية الانتخابات الرئاسية كمدخل للحلّ السياسي، ويجدر التذكير بأنّ الحوار في هذا الملف بين معظم القوى السياسية يحصل للمرة الأولى منذ الفراغ الرئاسي، ما سيشكل أداة ضغط على القوى المعطّلة لهذا الاستحقاق. وفي موازاة المسار الحواري الذي سلكَ طريقه والذي من المتوقع أن يولّد دينامية إيجابية تصاعدية، وفق ما أكّد أحد أقطاب الحوار لـ»الجمهورية»، فإنّ الحراك سيفقد مع تطبيق خطة النفايات أبرزَ أوراقه، بعدما فقدَ الغطاء الوطني الذي رافقَ انطلاقتَه بفعل الشعارات التي ولّدت نقزة واسعة لدى الكلام عن إسقاط اتفاق الطائف والنظام السياسي، الأمر الذي حدا بالبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى التحذير من المساس بالنظام السياسي. وفي موازاة ذلك أكد النائب آلان عون لـ»الجمهورية» أنّ «التيار الوطني الحر» لم يتخذ قراراً بمقاطعة طاولة الحوار، وأنه ما زال في طور مناقشة مجريات الحوار ويعطي فرصة للوصول الى نتيجة في مختلف المواضيع المطروحة والتي تشمل رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات والعمل الحكومي والعمل النيابي»
يتحضّر الحراك غداً لمسيرة تنطلق الساعة الخامسة مساءً من جسر نهر بيروت وتنتهي في ساحة النجمة»، في ظل تعويل كبير على إنجاح المشهدية الجديدة، بعد التراجع في التجاوب الشعبي مع الدعوات إلى التظاهر، حيث وُضِعت الجمعيات الداعية إلى التظاهر في حال استنفار، لأنّ استمرارها بالزخم الذي تتمنّاه يتوقف على هذه التظاهرة.
وقد اتّخذت القوى الأمنية كل التدابير اللازمة لحماية المتظاهرين والأملاك العامة في آن معاً، خصوصاً شركة سوكلين التي تقع على خط المتظاهرين، في ظلّ مخاوف من أن تعمد بعض المجموعات المشاغبة إلى استهدافها، في محاولة لعرقلة خطة النفايات التي دخلت مبدئياً حيّزَ التنفيذ.
سلام يلتقي البابا
وفي هذه الأجواء، بات ثابتاً أنّ رئيس الحكومة تمام سلام لن يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد قبل عودته من نيويورك التي يقصدها يوم عيد الأضحى في 24 أيلول الجاري، حيث سيشارك في اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ويلتقي كبار القادة والرؤساء. كما تقرّر أن يلتقي البابا فرنسيس الذي سيكون مشاركاً في جانب من اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي ظلّ التحضيرات للقمّة الأميركية – الفاتيكانية المقررة بعد لقاءات نيويورك.
وعلمَت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية أنّ طلب لبنان اللقاء مع البابا فرنسيس لمناقشته في التطوّرات القائمة في لبنان والمنطقة لم يكلف أيّ عناء، ذلك انّ البابا كانت لديه الرغبة بمِثل هذا اللقاء، لكنّ أهمّ ما أنجزته المبادرة اللبنانية أنّه تمّ تحديد الموعد ليكون قبل لقاء القمّة مع الرئيس الأميركي باراك اوباما، حيث من المتوقع ان يثير الملف اللبناني، إلى جانب القضايا الأخرى المدرَجة على جدول الأعمال، إضافةً إلى مصير المسيحيين في الشرق، في القمّة النادرة بين واشنطن والفاتيكان.
ولفتت المصادر الى ان سلام سيلتقي أيضا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية انجيلا ميركيل وعدداً من القادة الأوروبيين والأميركيين للبحث في التطورات المقبلة على لبنان والمنطقة.
بون
في هذا الوقت، أكد السفير الفرنسي ايمانويل بون بعد زيارته رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل مجدداً على اولويات بلاده في هذه المرحلة، وقال: «نريد بذلَ ما بوسعنا بالتعاون مع مجمل اللاعبين الدوليين في الشرق الأوسط للمساعدة على حل الأزمتين السياسية والمؤسساتية التي تعصف بلبنان، ولمساعدته على مواجهة تداعيات الأزمة السورية بشكل افضل، والحفاظ على أمنه واستقراره». وأشار بون الى انّ موعد زيارة هولاند الى لبنان سيصدر عن الدوائر المعنية في باريس.
قهوجي
ودعا قائد الجيش العماد جان قهوجي العسكريين إلى مزيدٍ من الوعي واليقظة والجهوزية لمواجهة مختلف الأخطار والتحديات المرتقبة، وأعلن أنّ أولوية الجيش في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها المنطقة، هي الحفاظ على الاستقرار الوطني ومصالح اللبنانيين من انعكاسات الأزمات الإقليمية والمصاعب الداخلية، مؤكداً أهمية تلازُم الأمن الوقائي مع الأمن المباشر لتحصين الوطن من الاختراقات الأمنية.
بوصعب
وبرزت امس زيارة لوزير التربية الياس بوصعب الى عين التينة ناقلاً دعوة مباشرة من رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الى رئيس مجلس النواب نبيه بري للمشاركة في الاحتفال الذي سيقيمه «التيار الوطني الحر» غداً الأحد في «بلاتيا».
وقال بوصعب إنّه ما زال يأمل في أن تصل جهود بري الى نتيجة «إذا ما حصل تعاون»، كذلك أمل في ان يكون هناك حلول في الايام المقبلة، «لكي نستطيع ان نقوم في مجلس الوزراء بمهامّنا، خصوصاً إذا اقتنع الأفرقاء الآخرون بأنّ الشراكة هي شراكة كلّ الافرقاء في العمل الحكومي»، وقال: «عندما يكون هناك قناعة بأن تعود الشراكة لتكون العنوان الأساسي نأمل بعودة العمل لمجلس الوزراء».
عون
وأكّد النائب آلان عون لـ«الجمهورية» أنّ «التيار» لم يتّخذ قراراً بمقاطعة طاولة الحوار، وإنْ كان يملك هذا الحق في حال توصّل الى خلاصة مفادُها أن ليس هناك نيّات جدّية لمعالجة جوهر المشكلة التي استفحلت في البلد وأدّت إلى الأزمة الحالية على كلّ المستويات، ولكنّ «التيار» ما زال في طور مناقشة مجريات الحوار لاتّخاذ موقف نهائي منها، عِلماً أنه هو ما زال يعطي فرصةً للوصول الى نتيجة في مختلف المواضيع المطروحة على طاولة الحوار، والتي تشمل رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات والعمل الحكومي والعمل النيابي».
وعن الخطوات المقبلة، بعدما اصطدم طرح عون على طاولة الحوار برفض من الجميع، ولا سيّما من الحلفاء، أجاب عون: «في اللحظة التي نصل فيها إلى قرار نهائي بهذا الموضوع نحدّد خياراتنا.
ندرك اليوم مواقف أطراف سياسية مسبقاً من خلال أفكار عدة، لكنّ هدف الحوار هو أن نتواجَه ونناقش معاً بالحجج والأفكارعلى أمل التمكّن من إقناعهم بمنطقنا بما نراه الأسلمَ والأفضل كحلّ للبنان في المرحلة المقبلة، وعندما نبلغ مرحلة اليأس من انعدام وجود أيّ ثغرة أو أمل في تغيير المواقف نتّخذ الموقف المناسب».
وأكّد عون أنّ «التيار» لم يوقف تحرّكه على الارض، «إنّما عَلّقه حالياً وسيعاود عند الحاجة، علماً أنّ هذا التحرك أدّى خدمته بعد محاولات استهداف «التيار» والتشكيك في حجمه، وشكّلَ رسالة للطرَف الآخر بعدم جواز المراهنة على إضعافه وإنهائه. وأكّد عون أخيراً، ردّاً على سؤال، مشاركته في حفل «التيار» غداً الأحد في «بلاتيا»ـ جونية بمناسبة «تجَدّد مسيرة التيار في الذكرى العاشرة على ميثاقه».
العريضي
وأكّد النائب غازي العريضي الذي يشارك في الحوار مع رئيس رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لـ»الجمهورية»: «أن لا بديل عن الحوار، لا خيار إلّا الحوار أوّلا، هو ضرورة دائمة، وهذه هي الحالة الطبيعية للّبنانيين ثانيا».
وأشار العريضي الى انّ الرئيس بري طلب في الجلسة الماضية من المتحاورين تقديم مقترحاتهم في الجلسة المقبلة التي حُدّدت يوم الثلاثاء المقبل. وقال لهم: حسَناً، قدّمتم أفكاركم العامة ومداخلاتكم، والآن سننتقل الى مناقشة أفكار عملية، فكلّ طرَف يقدّم ما لديه لكي نخرج من المأزق».
وعن تلويح «التيار الوطني الحر» بمقاطعة الحوار، أجاب العريضي: «لا علمَ لنا، والرئيس بري كان أعلن أنّه إذا غاب مكوّن ثانٍ عن الحوار فالحوار سيتوقّف، وهو أبلغَنا أنّ العماد عون سيشارك في الجلسة المقبلة، فلننتظر ونرَ» .
وأكّد العريضي أنّ التقدم في الجلسة الثانية كان افضل من الجلسة الأولى، ونأمل في ان تكون الجلسة الثالثة افضل من الثانية، وهكذا دواليك، ففي النهاية، من الحوار تخرج الأفكار».
فتفت
بدوره، شدّد عضو كتلة «المستقبل» النائب احمد فتفت على «أن لا بديل حالياً من الحوار، علماً انّ طاولة الحوار غير منتجة ولن تنتج، لأنّ القرار اقليمي ودولي وليس محلياً».
وتوقّف فتفت عند تلويح «التيار الوطني الحر» بتعليق مشاركته في الحوار، وقال لـ»الجمهورية»: «من الواضح انّ مفهوم الجنرال عون للحوار هو: إفعلوا لي ما أريد وإلّا لن أحاور، حتى إنّ الوزير جبران باسيل كان واضحاً في قوله أن لا تجاوبَ معهم في الحوار، لكن ليس المطلوب التجاوب بل ان يعطيَ كلّ طرف رأيه كي نصل الى مكان ما، إنّما المشكلة الاساسية اصبحَت الآن مع حلفائه، بعد موقف النائب سليمان فرنجية من موضوع تعديل الدستور، وربّما أدركَ عون أنّه حتى حلفاؤه لا يسيرون معه».
وسألت «الجمهورية» فتفت: هل هناك انقسام في تيار «المستقبل» حول مسالة التعيينات والترقيات وترفيع العمداء؟ فأجاب: «موقفنا الرسمي ننسّقه مع كل الاطراف في 14 آذار. وحتى الآن هناك اطراف اساسية غير موافقة».
ورفضَ تسمية ما يجري بالتسوية، بل هي إرضاءات على حساب الجيش والدولة والمؤسسات، وأكد أنّه شخصياً لا يستطيع القبول بها، إذ لا يجوز أن نصبح في «بلاد ما بين الصهرَين».
شهيّب
وفي ملف النفايات، وتحت شعار الإسراع وليس التسرّع، استكملَ وزير البيئة اكرم شهيب وأعضاء اللجنة الفنية الاتصالات والاجتماعات مع اهالي المناطق المعنية بالمطامر. وبعد ما استحصل منذ يومين على الغطاء السياسي لانطلاق تنفيذ خطته، فضّل التريّث بعض الوقت والعمل على تأمين غطاء شعبي لتنفيذها، تجنّباً للمواجهة.
وقال شهيب لـ«الجمهورية»: «اليوم تابَعنا الاتصالات، والمحطة الأساس كانت مع اتحاد بلديات الشحّار والغرب وبلدية الناعمة ومجموعة من حراك المنطقة إضافة الى اللقاء الواسع الذي انعقد في «البيال».
أضاف: «نحن أخذنا الغطاء السياسي من طاولة الحوار، ولكن لدينا قناعة بأنّ تنفيذ الخطة يحتاج الى الغطاء العملي على الارض، لذلك استكملنا اتصالاتنا وبتسهيلات من طاولة الحوار، إذ لا نستطيع ان نرسل النفايات الى مكان لا تكون عناصر نجاح الخطة فيه عالية الوتيرة. اليوم الأجواء جيدة مقارنةً مع البدايات. صحيح انّ الامور لا تتحمّل وقتاً كثيراً، لكن ايضاً العجَلة من دون ارضية ثابتة ستشكّل خطراً على تنفيذ الخطة».
وقال شهيّب: «ما زال أمامنا الارض في السلسلة الشرقية، فلا زلنا نبحث عن موقع يستوفي الشروط الصحية والبيئية، وسيُصار الى لقاء موسّع مع بلديات عنجر ومجدل عنجر والصويري وفاعليات المنطقة لتأمين مطمر، لتجنّب مواجهة تنفيذ الخطة في المنطقة».
إعادة فتح مطمر الناعمة
وكان تواصَل امس السباق المحموم بين النفاد بالخطة، وفرضِ تنفيذها بالإقناع والأمر الواقع، وبين استمرار الاحتجاجات الشعبية، خصوصاً على مستوى المناطق التي تمّ اختيارها لإقامة مطامر فيها.
وقد سُجّل أمس نجاح، وُضِع في خانة النائب وليد جنبلاط، من خلال موافقة بلديات الغرب الأعلى والشحّار وبلديات منطقة غرب عاليه وساحله، على إعادة فتح مطمر الناعمة لسبعة ايام، شرط ان يتزامن ذلك مع إقامة المطامر المقرّرة في خطة شهيّب. لكن في موازاة هذه الموافقة، بَرز اعتراض حملة إغلاق مطمر الناعمة التي رفضَت قرار البلديات ونظّمت اعتصاماً امام المطمر للتأكيد على إبقائه مغلقاً.
أمّا بالنسبة الى مطمر سرار في منطقة عكار فقد استمرّت التجاذبات، وتمّت ترجمة الاعتراض باعتصام حاشد في ساحة حلبا رفضاً لنقل النفايات الى المنطقة، شاركَ فيه رؤساء بلديات وهيئات مدنية واجتماعية وحشدٌ من المجتمع المدني والمواطنين. وأشار أهالي عكار الى تقديم «دعوى قضائية في شأن المكبّ في سرار».
هذه الاحتجاجات جاءت متزامنةً مع انعقاد لقاء في «البيال» جمعَ فاعليات عكّار، مع كلّ من وزير الداخلية نهاد المشنوق وشهيب، من أجل تقديم شروحات عن خطة النفايات. وقال شهيب إنّه يشدّد على الشراكة بين المجتمع المدني والدولة، مؤكداً أنّ هذه الخطة قد تكون الفرصة الأخيرة لحلّ مشكلة النفايات.
القضاء يرفض محاكمة المشنوق
وفي أوّل خطوة قضائية من نوعها شكلاً ومضموناً، وردّاً على الملاحقات التي يقودها الفريق القانوني والمتطوّعون في حملات المجتمع المدني ضد وزير البيئة محمد المشنوق، أصدر النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود قراراً اعلنَ فيه «عدم صلاحية القضاء العدلي للنظر في الشكوى المقدمة من جمعية «التعاون الدولي لحقوق الانسان» ضد وزير البيئة محمد عبدالله المشنوق سنداً الى المادة 70 من الدستور لكون الاعمال المنسوبة اليه تدخل ضمن مهماته الدستورية».
وكان المدّعي قد اتّهم في دعواه على وزير البيئة بـ «التسبّب في معرض ممارسته مهماته عن إهمال وعدم مراعاة القوانين والانظمة في انتشار مرض وبائي في البلاد جرّاء انتشار النفايات وتكدّسها في الشوارع.
وردّ حمود في قراره على الدعوى باستحالة محاكمة المشنوق امام القضاء العدلي، معتبراً أنّ محاكمته تجري امام مجلس النواب بموجب القوانين الخاصة بملاحقة الوزراء والنواب بما يقومون به من أفعال امام المجلس النيابي، ذلك انّ الأفعال التي تشكّل الإخلال بالواجبات المترتبة على الوزير المشار إليها في المادة 70 من الدستور والخاضعة لإجراءات الملاحقة من المجلس النيابي «هي الأفعال المرتبطة بعمل الوزير وجوهر مهمّاته المكرّسة في القوانين والداخلة ضمن صلاحيته وتتّصل بممارسة مهمّاته القانونية التي هي في صلب ممارسة السلطة التنفيذية لدورها الإداري والسياسي».
وإنّ مبدأ فصل السلطات هو ما أفضى الى إنشاء نظام خاص لملاحقة الرؤساء والوزراء وأناطَ صلاحية الملاحقة بمجلس النواب وصلاحية المحاكمة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء عن الجرائم المتصلة بجوهر العمل السياسي، أمّا الافعال المرتكبة منه في حياته الخاصة فإنّها تبقى خاضعة لصلاحية القضاء الجزائي العدلي، إذ إنّها تستقلّ عن ممارسة السلطة العامة والسياسية.