مشهدان تقاسَما الحدث السياسي أمس: المشهد الأوّل عونيّ بامتياز، من خلال حفل تسليم وتسَلّم رئاسة «التيار الوطني الحر» والذي تميّز بموقفين: الأوّل لرئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الذي أكّد على الاستمرار بترشيحه، واعداً تياره بأنّه «سيكون لكم رئيس من رحِم معاناتكم ونبض أحلامكم». والموقف الثاني لرئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي دعا إلى «ملء ساحات بعبدا والتجمّع أمام قصر بعبدا في 11 تشرين الأوّل»، في خطوةٍ تأتي ترجمةً للموقف الذي كان أطلقَه باسيل عقب التظاهرة الأخيرة في ساحة الشهداء بأنّ وجهة «التيار الحر» المقبلة ستكون قصر بعبدا. إلّا أنّ هذا الموقف يعني أنّ العماد عون يتّجه إلى تدعيم ترشيحه الرئاسي بتظاهرات شعبية في ظلّ معلومات لـ»الجمهورية» عن نيّاته الدعوة لاحقاً إلى اعتصام مفتوح في بعبدا. والمشهد الثاني يتمثّل بالحراك الشعبي الذي تحوّل إلى جزء لا يتجزّأ من الحياة السياسية، في ظلّ الدعوات المستمرّة إلى التظاهر التي منها الثابت تزامُناً مع جلسات الحوار الوطني، والمتحرّك كما حصَل أمس في محاولة واضحة لخطف الأضواء ومحاولة تحقيق ثغرة في الجدار السياسي. وفي موازاة كلّ ذلك بدا لافتاً أنّ «حزب الله» رفعَ في المرحلة الأخيرة من منسوب مواقفه المتصلة بتأييد وصول العماد عون إلى الرئاسة، وكان آخرَها ما قاله رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد من أنّ «حزب الله» لن «يسمح في الداخل إلّا بإقامة سلطة تتحقّق فيها شراكة وطنية حقيقية»، سائلاً «لماذا نلوم الجنرال عون إذا اتّخذ موقفاً سلبياً ضد من يعاملونه بسلبية مطلقة؟ أكاد أقول بكلّ حزم وجزم إنّهم يضعون فيتو على الجنرال عون تنفيذاً لأجندة دولية وإقليمية».
في ظلّ استمرار الأزمة الرئاسية ومع تمديد إجازة الحكومة الى ما بعد عودة رئيسها تمام سلام من نيويورك، وقبل دخول البلاد في عطلة عيد الأضحى الخميس، واستراحة الحراك السياسي نسبياً، ارتفعَ منسوب التشاور والتنسيق، ولا سيّما على خط عين التينة، في محاولة لكسر جمود العمل الحكومي والنيابي، وتزخيم جلسات الحوار الوطني الذي سيعقد جلسته الثالثة غداً الثلثاء، فيما تواصَل السباق بين تنفيذ خطة النفايات قبل هطول الأمطار، على وقع مواصلة المجتمع المدني حراكه الاعتراضي على الارض، وهو نزلَ مجدّداً إلى الشارع أمس ونفّذ تظاهرة انطلقت من برج حمّود باتجاه ساحة النجمة.
عين التينة
وعشية جلسة الحوار، تكثّفَت اللقاءات والاجتماعات التنسيقية، فزارَ سلام عين التينة، فيما أوفد النائب وليد جنبلاط الوزير وائل ابو فاعور للقاء رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي.
وأعلن سلام بعد لقائه بري أنّ مجلس الوزراء سينعقد فورعودته من نيويورك، مؤكداً أنّ «كلّ الملفات داهمة، وملفّ النفايات على نار حامية ويتقدّم فصولا»، مشيراً إلى أنّ «الحكومة ليست معطّلة».
وعلمَت «الجمهورية» أنّ بري وسلام تناوَلا الملفات الكبرى، ولا سيّما التحضيرات الجارية لتطبيق خطة النفايات حصيلة مشاوراتهما المشتركة في هذا الاتجاه، واتّفَقا على انتظار ما يؤدّي الى تكريس النيّات التي عبّر عنها المعنيون في اجتماع هيئة الحوار للبَدء بتنفيذ الخطة، بعد تحذيرهما من مخاطر هطول الأمطار والنفاياتُ في الشوارع.
كذلك اتّفقا على مقاربة الملفات المطروحة بالتنسيق بينهما لمواجهة ما هو طارئ من الملفات وضرورة حماية هيئة الحوار ممّا يدبَّر لها من مشاريع لا يتوفّر الإجماع حولها، لكنّ إصرار البعض على مواقفهم من دون وجود من يؤيّدها يهدّد بتطيير الحوار الذي لا بديل منه في غياب المؤسسات، والاستمرار في تعطيل انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.
أبو فاعور
من جهته، لفتَ ابو فاعور الى أنّ الأمور تتجه الى الإيجابية، مشيراً إلى أنّ القناعة لدى بري وجنبلاط «هي انّه يجب ان لا يتوقف البحث عن الحلول، ومنذ الآن الى جلسة الحوار المقبلة يجب ان يكون هناك بعض الاقتراحات التي يمكن في الحد الأدنى ان تقود الى إعادة اطلاق عمل مجلس الوزراء ومجلس النواب».
ورأى أنّ «الأمور ليست مستحيلة، فهناك أفكار عديدة تناقَش للوصول الى تفاهم، وطبعاً حدود هذا التفاهم هو مِن جهة تسيير عمل مجلس الوزراء ووقف التعطيل، ومِن جهة أخرى هو أنّ أيّ إجراء يمكن ان يحصل لا يمكن ان يكون من باب خلقِ أيّ بَلبلة أو المساس بالتنظيم الداخلي للجيش أو إخضاعه لمزيد من التجاذبات، موضحاً أنّ «الجيش يجب ان يكون بمنأى عن التجاذبات، وأيّ اقتراحات أو أفكار يتمّ نقاشها تأتي تحت سقف عدم التلاعب الداخلي بالمؤسسة، والذي تحرَص عليه بالتأكيد قيادة الجيش وأيضاً كلّ القوى السياسية، نتيجة معرفتها بأهمية ومحورية دور الجيش في هذه الظروف التي نعيشها».
ملفّات نيويورك
وكان سلام أنجَز وفريقَ عمله تكوين الملفات التي سيحملها الى اجتماعات نيويورك التي ستُعقد على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي سيَقصدها صباح الخميس المقبل، وفي سلسلة اللقاءات المقرّرة مع كلّ من البابا فرنسيس والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الأمنية انجيلا ميركل وغيرهم من قادة الدوَل ورؤساء الوفود العربية والغربية.
المجموعة الدولية من أجل لبنان
وانكبَّ الفريق الإستشاري – الإقتصادي في المديرية العامة للقصر الجمهوري والأمانة العامة لرئاسة الحكومة على وضع التقارير التي ستناقَش في اجتماعات «المجموعة الدولية من أجل لبنان» للسنة الثالثة على التوالي والتي تقرّرَ أن تعقد اجتماعاتها بدءاً من 27 أيلول الجاري في نيويورك على مستوى رؤساء الوفود والحكومات المشاركة فيها، من دون استبعاد مشاركة قادة بعض الدوَل ومنهم هولاند وميركل، كما تردَّد في الساعات القليلة الماضية في بيروت.
وقالت مصادر شاركت في التحضير لجدول أعمال الاجتماعات لـ»الجمهورية» إنّ فرَق العمل التي واكبَت عمل المجموعة الدولية منذ انطلاقتها في 26 أيلول من العام 2013 أنجَزت الدراسات التي تشَكّل تقويماً دقيقاً للمراحل التي قطعَتها المجموعة في سياق مساعدتها للبنان على مختلف الصُعد العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتحديدِ سُبل رفع نسبة المساعدات الى المؤسسات اللبنانية لمواجهة كلفة النزوح السوري ودعم المجتمعات المضيفة،
في ضوء التقارير المحدثة التي وضعَتها المفوّضية العامة لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة ومكتب الممثلية الخاصة للأمين العام إلى لبنان بإشراف السيّدة سيغرد كاغ التي ستكون حاضرةً في هذه اللقاءات، وتلك التي وضعَتها المؤسسات الدولية الأخرى والحكومات الأوروبية المعنية بالملف، على وقعِ توَسّع موجات النزوح التي باتت على أبواب وحدود الدول الأوروبية وغيرها من الدول المانحة.
وتحضيراً لاجتماعات نيويورك، يغادر الوفد الديبلوماسي والإداري والإعلامي الذي سيرافق سلام إلى نيويورك غداً الثلاثاء على أن يتوجّه إليها سلام ومعه وزير الخارجية جبران باسيل، وربّما شاركَ في لقاء مجموعة العمل الدولية وزراءُ المال علي حسن خليل، والشؤون الإجتماعية رشيد درباس، والإقتصاد آلان حكيم، كما اقترَح المكلّفون متابعة عمل المجموعة، على أن يعود سلام والوفد الى بيروت في الأوّل من تشرين الأوّل المقبل، كما كشفَ أحد أعضاء الوفد، بحيث ستكون الزيارة الأطول للوفد اللبناني الى اجتماعات الأمم المتحدة.
إستدعاء فاضل
من جهة أخرى، وقّع وزير الدفاع سمير مقبل قرار استدعاء العميد إدمون فاضل من الاحتياط بناءً على اقتراح قائد الجيش في أن يبقى فاضل في المنصب الذي يَشغله حاليّاً، وهو مدير المخابرات في الجيش لمدّة 6 أشهر جديدة.
وقد عمّم هذا القرار على قيادة الجيش، على أن يتمّ الإعلان عنه رسمياً يوم غد الاثنين. وتَجدر الإشارة الى أنّه عند منتصف الليلة الماضية انتهت مدّة تأجيل تسريح العميد فاضل والتي كانت تجَدّد منذ العام 2013 .
عون
وسط هذا المشهد، وفيما الشغور الرئاسي مستمر، رفضَ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون المفاضلة بين الفوضى والرئيس الدمية، وقال: «لا يخيّرنا أحد بين رئيس دمية أو الفوضى، فلتكن الفوضى إذا استطاعوا، ولكنّ أحداً لن يستطيع، وأعدِكم أنّه سيكون لكم رئيسٌ من رحِم معاناتكم ونبض أحلامكم».
وشدّد عون خلال حفل «تجديد مسيرة التيار الوطني الحر»، على أنّ المجلس النيابي الحالي لا يستطيع انتخابَ رئيس، داعياً إلى إعادة الكلمة الفصل إلى الشعب اللبناني. وأوضَح أنّ الأزمة الكبرى هي عجز الدولة عن إصلاح قانون الانتخاب، مؤكّداً أنّه لن يتقاعد، بل إنّه باقٍ في نضاله، وقال: «قطعتُ على نفسي عهداً لشهدائنا أنّني لن أوقِف نضالي إلّا عندما ينتهي عمري لنبنيَ وطنَنا لأولادنا».
وسبقَ كلمة عون كلمةٌ لرئيس «التيار الوطني الحر» ووزير الخارجية جبران باسيل، دعا فيها إلى «ملء ساحات بعبدا والتجمّع أمام قصر بعبدا في 11 تشرين الأوّل». وتوجَّه إلى عون، قائلاً: «لا تستسلِم … ونريد رئيساً يحارب الإرهاب والفساد ويَحفظ الأرض ويُبقي على الكيان».
الرئاسة و«الحزب»
بدوره، جدّد «حزب الله» تمسّكه بترشيح عون. فبَعد تساؤل نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم «أيّهما أفضل إنتخاب رئيسٍ قوي يلتزم بتعهّداته أو يبقى البلد من دون رئيس؟» أكّد الوزير محمد فنيش دعمَ «المرشّح القوي الذي يمثّل غالبيةً وازنة، انطلاقاً مِن القواعد المعمول بها في اختيار من يتولّى المواقع الأولى، سواءٌ أكان في الحكومة أم في رئاسة المجلس النيابي».
وشدّد على أنّ «العودة إلى منطق الشراكة وإلى احترام القواعد المتّبَعة في اختيار من يمثّل التوازن الطائفي في لبنان هي الطريق الصحيح من أجل خروج لبنان من أزمته، وهي المدخل من أجل الوصول إلى قانون انتخابات»، أمّا رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد فطالبَ برئيس «صناعة وطنية» ورفضَ «أسماء تتداوَلها أروقة السفارات ودوَل الخارج».
وقال إنّنا بحاجة «إلى رئيس جمهورية قوي في شَعبه وفي بيئته يملك حيثية شعبية وعقلاً سيادياً وروحا وطنية، لا يستجيب لإملاءات، والتجربة معه قد خبرَته فكان ناجحاً، ومَن أراد أن يكسبَ الوقت لكي يأتيَ لنا برئيس جمهورية من غير هذا الصنف، إنّه يضيّع وقتَ البلاد، معلِناً أنّه «سننتظر ألف عام حتى نأتي برئيس من هذا الصنف».
وطالبَ النائب نوّاف الموسوي الداعين إلى اعتماد صيغة الرئيس التوافقي «إلى أن يقبلوا معنا هذه المرّة بصيغة الرئيس القوي بالاستناد إلى قاعدته الشعبية الأكثرية، والقوي باستقلال قراره عن جهات إقليمية اعتادَت على شراء الضمائر والإرادات بالأموال كما بيّنَت الوثائق المسرَّبة»،
واعتبَر نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق «أنّ رفعَ الفيتو عن المرشّح الأقوى مسيحياً ووطنياً هو مفتاح الحلول للأزمات القائمة، بالأخصّ الشغور الرئاسي والتعطيل الحكومي».