يُنتظر أن تتصاعد وتيرة الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي كأولوية الأولويات بعد تمديد ولاية مجلس النواب، تليها أولوية أخرى تتّصل بإقرار قانون انتخابيّ جديد، وذلك على وقعِ التطوّرات الإقليمية والدولية الجارية، والتي تشي بانفراجات قريبة، خصوصاً بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وبين إيران والمملكة العربية السعودية التي استضافت أمس وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، لمحادثات تتصل بمستقبل الأوضاع في المنطقة، في ضوء الحرب التي يشنّها التحالف الإقليمي ـ الدولي ضد «داعش» وأخواتها.
ويُنتظر أن يسلك التمديد النيابي طريقه الدستوري مع نشره في الجريدة الرسمية الثلثاء المقبل، ومع أنّ توقيع قانونه هو خطوة شكلية كونه يحمل صفة المعجّل، وسيصبح نافذاً بعد أيام، فقد مرّ في جلسة مجلس الوزراء أمس طبيعياً، على رغم رفض تسعة وزراء توقيعَهم عليه من أصل 24 وزيراً، وهم: وزراء الرئيس السابق ميشال سليمان: عبد المطلب الحناوي، أليس شبطيني، وسمير مقبل، ووزراء حزب الكتائب: سجعان قزي، آلان حكيم، رمزي جريج، ووزراء «التيار الوطني الحر» الياس بوصعب وجبران باسيل وأرتور نازاريان، علماً أنّ «التيار» يتّجه إلى الطعن به أمام المجلس الدستوري.
برّي
في غضون ذلك، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره مساء أمس إنّ قانون التمديد «ليس في حاجة الى توقيع الوزراء، إذ بعد خمسة ايام يصبح نافذاً حكماً في اعتباره قانوناً معجّلاً».
وأضاف بري: بعد التمديد لمجلس النواب ستكون الاولوية لانتخاب رئيس جمهورية جديد، ثمّ وضع قانون انتخابي جديد، وأولوية انتخاب الرئيس نابعة من ضرورة ان تكون له كلمته في هذ القانون. وفي كلّ الحالات لا يمكن أن يرفضه إذا كان هناك توافق عليه».
وأضاف: «دعوت لجنة درس قانون الانتخاب الى جلسة في 17 من الجاري وسأترأس اجتماعَها الاوّل في عين التينة، وجدولُ اعمالها بند واحد هو القانون الانتخابي المختلط الذي يقضي بانتخاب نصف أعضاء المجلس على أساس النظام الاكثري والنصف الآخر على اساس النظام النسبي، والذي كنتُ اقترحته ونوقِش في اللجنة السابقة، وأعلن الأستاذ وليد جنبلاط أخيراً تأييدَه له، وبات الأوسع قبولاً لمناقشته قياساً بسواه.
وقد حدّدت مهلة شهر للتوافق عليه، وفي هذا الوقت تكون الحكومة على اطّلاع عليه، وإذا تعَذّرَ الاتفاق عليه نذهب الى الهيئة العامة ونطرح كلّ مشاريع القوانين الانتخابية منذ أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على التصويت».
وسُئل برّي عن المعايير المطلوبة في القانون الانتخابي الجديد، فحدّدها بالآتي:
أوّلاً، الانسجام مع «إتفاق الطائف»، بحيث تكون المحافظة دائرة انتخابية، ونتفق لاحقاً على حجم المحافظات وعددها، ولكن بشرط ان تكون مختلطة.
ثانياً، إعتماد النظام النسبي على اساس المحافظة، والنظام الاكثري على أساس الأقضية، وتكون النسبة متساوية، أي 64 نسبياً و64 أكثرياً.
ثالثاً، إعتماد كوتا نسائية نيابية ثابتة في كلّ مجلس نيابي يُنتخَب.
وشدّد بري على ضرورة إقرار قانون انتخابي ثابت لأنه المدخل الى الإصلاح السياسي، لأنّ عِلّتنا سببُها تغييرُه من دورة انتخابية الى أخرى، فحتى ولو تطلّبَ الأمر الإبقاء على قانون الستين إذا توافق المجلس عليه».
لكنّ برّي أكّد رفضَه القانون الأرثوذكسي «أياً يكن الموقف المسيحي منه». وسُئل برّي هل سيستمر المجلس بعد تمديد ولايته في التشريع، وهل هناك ضمان بأن لا يعود البعض الى مقاطعة هذا التشريع؟ فأجاب: «التشريع مستمر».
وعن قراءته لجلسة التمديد بكلّ أبعادها وخلفياتها، قال برّي: «إذا كان أبغض الحلال في الإسلام هو الطلاق، فإنّ أبغض الحلال في الديموقراطية هو التمديد، المصلحة العليا كانت توجب التمديد، وكنت مستعدّاً ليس لتمديد الولاية النيابية لسنتين وسبعة أشهر، بل لثلاثين سنة إذا كان الوضع الأمني والمصلحة العليا للدولة يوجبان ذلك.
لو ذهبتُ الى الانتخابات وظلّ تيار «المستقبل» على موقفه لكُنّا دخلنا في فتنة. لقد انقلبتُ 360 درجة على موقفي عندما اطّلعتُ على موقف «المستقبل» وإصراره على عدم إجراء الانتخابات.
أنا لا أريد دروساً ولا تنظيراً من أحد، فوزارة الداخلية أعلنَت أنّ هناك تقارير داخلية وخارجية لديها كشفت عن أنّه لا يمكن إجراء الانتخابات، فمشينا في التمديد حتى لا نكون مع الانتخابات أمام خيار التطرّف». وختمَ: «الديموقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه لا أن يقتل نفسه».
مجلس الوزراء
وكان رئيس الحكومة تمّام سلام قال في مستهلّ الجلسة إنّ «هناك قوانين أُحِيلت من مجلس النواب إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتحتاج إلى توقيعكم أنتم بدلاً من رئيس الجمهورية». وإذ سألهم من يريد توقيعَها، وقّعَ قسم منهم وامتنع الوزراء التسعة.
وهنا، طلب وزير الخارجية جبران باسيل الكلام، فنفى الاتهامات التي وُجّهت الى وزراء «التيار الوطني الحر» المشاركين في الحكومة بأنّهم لم يفعلوا شيئاً من أجل التحضير للانتخابات النيابية، وقال: «إنّ الوزارة قامت بكلّ التحضيرات لإجراء الانتخابات في الخارج، وقدّم المستندات التي تؤكّد ذلك».
وإذ لم يردّ أيّ من الوزراء على باسيل، انتهى النقاش في هذا الموضوع عند هذا الحد. بعدها قال سلام: «أُفضّل ان ندخل مباشرة في جدول الأعمال». فطلب الوزير بطرس حرب ان يكون النقاش السياسي قبل مناقشة الجدول، واقترح ان يقارب مجلس الوزراء في مستهلّ كلّ جلسة الملفات السياسية وقبل جدول الاعمال بما يشبه «الأوراق الواردة».
فلم يمانع سلام لكنّه تمنّى على الوزراء ان يكون النقاش سريعاً لكي يتسنّى لهم مناقشة جدول الأعمال. وتحدّث عن ملف العسكريين المخطوفين، فقال: «إنّ موضوع العسكريين المخطوفين صعبٌ ومعقّد». لكنّه أشار إلى «أنّ هناك بعض التقدّم، ونرجو أن يؤدّي إلى نتيجة إيجابية».
وفيما غابت مقترحات الجهات الخاطفة عن مجلس الوزراء، علمَت «الجمهورية» أنّ الملف يتابَع بسرّية تامّة وأنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يواصل اتصالاته مع المعنيين، وهو على تواصل مباشر مع رئيس الحكومة في كلّ الخطوات والإجراءات.
وتفيد المعلومات أنّ الوسيط القطري غادرَ لبنان وهو ينتظر اتّصالاً من اللواء ابراهيم للعودة إليه لاستكمال التفاوض وإبلاغ الأجوبة من الجهات الخاطفة ومن الحكومة، وإنّ الساعات المقبلة ربّما تحمل تطوّراً على خط التفاوض.
سامي الجميّل تبرّع براتبه
وفي أوّل خطوة رافقت التمديد للمجلس النيابي أبلغَ النائب سامي الجميّل الى الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر في كتاب رسميّ التبرّع براتبه ومخصّصاته الشهرية بدءاً من الشهر الأوّل من الولاية الممدّدة للمجلس النيابي إلى حساب التعويضات العائدة لعائلات شهداء الجيش اللبناني وإلى أجَل غير مسمّى.
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ الجميّل عبَّر بهذه الطريقة عن تجاوبه وتناغمه مع الرأي العام الذي طالبَ في مناسبات عدّة بوقف رواتب النواب الممدّد لهم.
الاتّحاد الأوروبي
وفي المواقف الدولية من التمديد، أسفَ الاتحاد الأوروبي لعدم تمكّن المواطنين اللبنانيين من ممارسة حقهم في التصويت، ولتأجيل الانتخابات مرّة أخرى». ودعا الحكومة اللبنانية وجميع الأحزاب السياسية إلى الإفادة بأقصى حدّ ممكن من التمديد لتحقيق تقدّم سريع في وضع قانون انتخابيّ جديد وفي تشريعات أخرى ملحّة». وحضّ كلّ «الجهات السياسية المعنية على عدم التأخير أكثر في انتخاب رئيس جمهورية جديد».
الأمم المتحدة
من جهته، اعتبر المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي أنّ تمديد ولاية مجلس النواب «جنّبَ لبنان فراغاً إضافياً خطيراً في مؤسسات الدولة»، وأكّد بعد زيارته برّي «استعداد الأمم المتحدة المستمر لدعم التحضيرات للانتخابات النيابية في أيّ وقت»، وتمنى أن يكون المجلس «قادراً على انتخاب رئيس للجمهورية بلا تأخير»، مكرّراً «دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في التقرير الجديد جميع الأطراف في لبنان إلى إبداء ما يلزم من إحساس بالعجلة والمرونة لفتح الطريق أمام انتخاب رئيس
جديد».
فرنسا
بدوره، سفير فرنسا باتريس باولي رأى بعد زيارته سلام أنّ التمديد «يؤكّد ضرورة إعادة سير العمل بنحو منتظم للمؤسسات، وأنّ انتخاب رئيس للجمهورية هو أولوية الأولويات، ويجب أن يعيد سيرُ العمل في المؤسسات الكلمةَ للّبنانيين ويسمح بإجراء الانتخابات التي هي سَير العمل الصحيح وقاعدةٌ للعمل الديموقراطي». وأكّد التزام بلاده «اتّفاق الطائف».
الرؤوس الكبيرة
أمنياً، وفيما عاد مسلسل استهداف الجيش في طرابلس وعرسال، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» أنّ «غالبية الرؤوس الكبيرة للجماعات الإرهابية باتت في قبضة الجيش، وتجري ملاحقة بعض الرؤوس الأخرى التي لا تشكّل خطراً كبيراً بعدما تمّ تفكيك بنية هذه الجماعات وترابطها».
وأشار إلى أنّ «العين الأمنية سُلّطت بدقّة على جرود الضنّية بعد رصد عدد من الإرهابيين الموجودين هناك، لكن من دون التراخي في البقاع والجنوب وطرابلس»، لافتاً إلى أنّ «الجيش يعمل بنحو متوازٍ في كلّ المناطق، والقرار متّخَذ بعدم التركيز على منطقة وإهمال أخرى».
وشدّد المصدر على أنّ «الوضع في صيدا مضبوط، مشيراً إلى أنّ التوقيفات «تأتي ضمن الحرب الاستباقية»، مطمئناً إلى أن «لا شيء يدعو إلى القلق، والدليل أنّ جميع الإرهابيين يتساقطون في يد الأجهزة، والحبل على الجرّار. أمّا الاعتداء الذي تعرّض له عنصر الجيش في عرسال، فلا يبدّلُ من قواعد الاشتباك هناك بعد حصر المسلحين في الجرود، والتحرّياتُ ستكشف الجهة المعتدية عليه قريباً».
ومن جهة ثانية أوضحَ المصدر أنّ «تسليم الأسلحة الفرنسية للجيش سيبدأ بعد توقيع البروتوكول الخاص»، كاشفاً عن أنّ «وفداً فرنسياً سيزور قيادة الجيش قريباً للبحث في شأن اللائحة التي رُفِعت الى الفرنسيين، لتبدأ بعدها زيارات وفود عسكرية بين البلدين للتفاوض على نوعية الأسلحة النهائية». وأشار إلى أنّ «موضوع الهبة الإيرانية لم يُطرح بعد على مجلس الوزراء، وقيادةُ الجيش لا دخلَ لها فيها»، مؤكّداً «أنّ التسليح الأميركي للجيش مستمرّ بلا توقّف».