يدخل الحوار اليوم في تحديد مواصفات رئيس الجمهورية العتيد، في محاولةٍ يأمل المتحاورون من خلالها أن «يعثروا» على رئيس تنطبق عليه هذه المواصفات والتي يرجّح أن تكون متناقضة على ما بدا من بدايات البحث فيها خلال الجلسة المسائية أمس. وقد ذهب أحد المتحاورين إلى القول لـ»الجمهورية» إنّ كلّ فريق سيطرح اليوم مواصفات مرشّحه أو مرشّحيه من دون أن يسمّيهم. وأضاف أنّ تحديد المواصفات سيكشف مدى قدرة المتحاورين على الاتفاق على الرئيس العتيد، في وقتٍ حدّد تكتل «التغيير والإصلاح» مواصفاتٍ من دون أن يتردّد في التأكيد أنّها تنطبق على رئيسه النائب ميشال عون، وأيّده «حزب الله»، ما دفعَ حزب الكتائب إلى القول لمؤيّدي عون إنّ إصراركم على ترشيحه يعني أن لا إمكانية للاتفاق على رئيس توافقي، في وقتٍ جاهرَت كتلة «المستقبل» بلسان رئيسها فؤاد السنيورة أنّها لا تؤيّد عون وأنّها تتمسك بالاتفاق على رئيس توافقي. وقد خرج بعض المتحاورين بانطباع مفادُه أن لا إمكانية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي راهناً وأن لا قدرة للمتحاورين على ذلك، إلى درجة أنّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط قال صراحةً على طاولة الحوار: «القصّة ليست في يدنا والأفضل أن نهتمّ بشؤون الناس، ولكن لا ضَير من استمرار الحوار».
وكانت أولى جلسات أيام الحوار الثلاثة انعقدت ظهر أمس في مجلس النواب بنسختها الرابعة، في حضور جميع المتحاورين في جلستين، الأولى انعقدت ظهراً، والثانية انعقدت مساءً.
وسبق الجلسة الاولى خلوة جمعت رئيس مجلس النواب نبيه بري وعون وانضمّ اليهما رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وجاءت غداة «الاشتباك السياسي الكهربائي» بين نواب «التيار الوطني الحر» وكتلة «المستقبل» خلال اجتماع لجنة الأشغال والطاقة أمس الاوّل.
عون
وقد غادر عون الجلسة الاولى قبل انتهائها لأسباب صحية يرافقه النائب ابراهيم كنعان الذي حضر الجلسة المسائية ممثلاً له. وفي معلومات «الجمهورية» انّ وضع عون الصحي لاقى اهتماماً كبيراً لدى بري ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر اللذين عرَضا عليه إحضار طبيب له، ففضّل مغادرة الجلسة الى الرابية، وأبلغ الى المتحاورين أنه «إذا لم تكن هناك جدّية في طاولة الحوار الوطني، فلن أكون شاهد زور».
وإثر مغادرة عون، علّق بري الجلسة لفترة نصف ساعة عَقد خلالها لقاء مع رئيس الحكومة تمام سلام تناولَ موضوع النفايات، الذي كان الحاضر الأكبر في الجولة الرابعة من جولات الحوار الوطني. ثمّ استؤنفت الجلسة قبل ان تُرفع لتستأنف مجدداً في السادسة مساءً.
ولاحقاً، تحدّث عون من الرابية بعد اجتماع «التكتل» الاسبوعي مشدّداً على وجوب عدم استباق الحوار، آملاً «خيراً منه»، واعتبر أنّ «ما نعانيه اليوم هو ضعف السيادة»، وقال: «نعيش حالة انتظار، وهي أبشع حالة مرَضية». وجدّد دعوته اللبنانيين إلى التظاهر عند طريق القصر الجمهوري في بعبدا الأحد المقبل للاحتفال بذكرى 13 تشرين.
وقائع الجلسة
وحازَ موضوع النفايات على القسط الاكبر من الجلسة الاولى، وشدّد بري على وجوب تنفيذ خطة معالجة النفايات في اسرع وقت.
وبدوره قال سلام انّ هذا الموضوع بات يشكّل أزمة «إذ إنّ كلّ حي صار يسيّس النفايات ويطيّفها بسبب عدم ثقة الناس بالدولة». وعقّبَ الرئيس فؤاد السنيورة قائلا: «نحن مسؤولون عن وصول البلد الى هذا الدرك، ولذلك علينا الآن ان نلمّ الشارع».
المرّ
وبعد نقاش في ملف النفايات دامَ ساعة ونصف ساعة، تحدّث المر مؤكّداً أن ليست مهمّة طاولة الحوار البحث في موضوع النفايات، فهذا أمر على الحكومة والوزارات المختصة أن تعالجه، لأنّ الحوار ينبغي أن يبحث في جدول أعماله، وفي المقدّمه موضوع رئاسة الجمهورية. وطلب من بري فتحَ النقاش في هذا الموضوع.
فتكلّم عدد من المتحاورين، فشدد كنعان على وجوب ان يكون الرئيس العتيد متمتعاً بحيثية شعبية كبيرة وأن تكون لديه كتلة نيابية كبيرة.
فردّ عليه أحدهم «إنّ هذه المواصفات تنطبق على العماد عون»، فقال: «صحيح». ثمّ تحدّث الوزير بطرس حرب مشدداً على ان يكون الرئيس توافقياً.
وشدد نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري على «أنّ الانتقال إلى بنود أخرى في الحوار غير بند الرئاسة، لا يؤدي إلى نتيجة، بل سينطبق عليه ما يحصل من تعطيل في ما يتعلق بالرئاسة». وقال: «إذا اتّفقنا على قانون انتخاب في غياب رئيس يعطي رأيَه فيه، سيَرى بعض الأفرقاء في ذلك انتهاكاً للميثاقية».
وأضاف: «أنا من جهتي مع أن يعمل مجلس النواب بكلّ قدرته، ولكن إذا بحثنا في هذا البند، سنجد من يعترض ويقول إنّ مهمة مجلس النواب الأولى هي انتخاب رئيس، وبالتالي إنّ قيامه بأيّ عمل آخر ينطوي على مخالفة للدستور أو للميثاقية». وتابع: «إذا بحثنا في عمل الحكومة في ظل غياب رئيس، سيحصل خلاف دستوري وميثاقي مجدداً على آلية اتخاذ القرار، ولن نصل إلى نتيجة».
وأكد مكاري أنّ «القفز فوق بند رئاسة الجمهورية والإنتقال إلى البنود الأخرى، لن يؤدي إلى أي نتيجة، وسنعود إلى الدوّامة نفسها، وبالتالي ستبقى المؤسسات الدستورية مشلولة»، مجدِداً الدعوة إلى حصرالبحث في بند الرئاسة «لأنه أساس حلّ كلّ البنود الأخرى».
الجميّل
وكان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل شدّد في مداخلته في الجلسة الحوارية الأولى على «أنّ الإخفاق حتى اليوم في انتخاب رئيس، يدفعنا الى طرح مبدأ التوافق حول شخص الرئيس ومواصفاته»، مشيراً الى «أنّ الحلحلة، وإنْ كانت مطلوبة في عمل المجلس النيابي والحكومة، إلّا انّ خطورة ذلك تكمن في التراخي وعدم الإسراع في انتخاب رئيس والظنّ انّ الأمور «ماشية»، وهذا لا يعكس الواقع الحقيقي لمسار الحياة السياسية في البلاد، علماً انّ المجلس النيابي في ظل الفراغ الحاصل لا صفة له سوى الصفة الانتخابية وفقاً لنص الدستور».
رعد
وقال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد في مداخلته: «حتى لا نضيّع الوقت في البحث عن الأسماء والأوزان والأشكال، علينا ان نبحث في النقاط المختلَف عليها قبل البحث عن الشخص، نحن نرتاح الى الشخص الأقرب الى فهمنا للإستراتيجية». وشدّد على تحقيق الشراكة الوطنية، مشيراً إلى «أنّ هناك خيارات استراتيجية وخلافاً على استراتيجيات أساسية».
فردّ الجميّل على رعد قائلاً: «إذا كنتم ستبقون متمسكين بترشيح عون فهذا يعني أنّكم لا تريدون انتخاب رئيس جمهورية توافقي». وأضاف: «إنّ المطلوب هو رئيس يَطمئنّ إليه كلّ الأفرقاء، للجميع هواجسُهم، وعليه، فلنسعَ الى رئيس يطمئنّ له الجميع ويخلق توافقاً حوله».
الجلسة المسائية
وفي الجلسة المسائية أخذ البحث طابعاً جدّياً أكثر في الملف الرئاسي. وقالت مصادر مشاركة في الحوار لـ«الجمهورية: «المهم أنّنا لم نعُد نراوح مكاننا، وكل الأطراف أبدت جدّية أكبر في النقاش الذي تمحوَر حول الفارق ما بين الاتفاق على رئيس وعلى مفهوم الرئيس التوافقي»
وقال رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية «إنّنا إذا أردنا الاتفاق على رئيس فيجب الاتفاق على المواصفات». ورحّب الرئيس بري بهذا النقاش، وأشار الى انّ البحث اليوم سيستكمل في هذه النقطة وفق منهجية لتحديد المواصفات كخطوة في اتّجاه الاتفاق على رئيس.
وعُلم أنّ رعد انتقد تجربة الـ 2008 لجهة الرئيس التوافقي. فيما طرح جنبلاط فكرة الانتقال الى البنود الاخرى من جدول اعمال الحوار «إذا لم نستطِع التوصل الى اتفاق حول الرئيس». وقال: «إنّ قصة الرئيس ليست في يدنا، ولنكُن واقعيين وننصرِف الى معالجة شؤون الناس طالما إننا لا نستطيع انتخاب رئيس الآن».
وتحدّث السنيورة طويلاً مشدِداً على ضرورة انتخاب رئيس جمهورية توافقي، ومؤكّداً بصراحة عدمَ تأييد فريقه انتخابَ عون.
وتحدّث النائب آغوب بقرادونيان فقال: «ليس هناك إمكانية لانتخاب رئيس اليوم، وكفانا تكاذباً على الناس، فلنكن واقعيين ولنهتمّ بشؤونهم».
وقال سلام عاكساً المناخ الذي عاد به من نيويورك: «لا أحد يهمّه لبنان، لقد ذهبتُ إلى الخارج وأنا مستحي من حالي، ما حدا عطانا أهمّية»، ولبنان ليس مطروحاً لدى أيّ قوّة خارجية».
كنعان
وتحدّث كنعان عن الصفة الميثاقية والدستورية لرئيس الجمهورية لتصحيح الخلل في النظام على مستوى الشراكة المسيحية ـ الاسلامية والذي عمرُه من عمر إتفاق الطائف «لأنّ المشكلة بالنسبة إلينا تكمن في النهاية في هذا الخلل الذي يتجسّد بالتمثيل في المؤسسات الدستورية بدءاً من الانتخابات النيابية وصولاً الى الانتخابات الرئاسية، وطرحُنا يهدف الى تصحيح هذا الخلل المزمن، إذ لا يجوز ان نستمر في التسويات التي لا تأخذ في الاعتبار الدستور والميثاق والمعايير الديموقراطية».
وبعد الجلسة المسائية عُقدت خلوة «على الواقف» بين بري وسلام وفرنجية وكنعان ورعد تناولت الحلول المطروحة لتفعيل العمل الحكومي من باب الترقيات والتعيينات. ولدى مغادرته ساحة النجمة، سُئل المر: هل سيقبل العماد عون و»حزب الله» برئيس توافقي، فأجاب: «السؤال يفترض أن يُطرح عليهما».
عوائق مستجدة
وفي غضون ذلك، برزت عوائق قانونية امام تسوية الترقيات الأمنية. وعلمت «الجمهورية» أنه تبيّن للمعنيين انّ هذه الترقيات تحتاج الى اقتراح يقدمه وزير الدفاع ويتحول مرسوماً عادياً يحتاج بدوره الى توقيع كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير المال، ولا علاقة لمجلس الوزراء به. ما يعني انّ هذا المرسوم سيحتاج الى توقيع 24 وزيراً وإلى اقتراح من وزير الدفاع حصراً بناءً على القانون 43/ 79.
وعليه فإنّ العمل على التسوية سيكون في اتجاه مختلف، إذ لم يعُد في استطاعة مجلس الوزراء الوصول الى تسوية كهذه إذا تحفّظ عنها عدد من الوزراء.
وفي هذا السياق، قالت مصادر عاملة على خط التسوية لـ»الجمهورية» إنّه وفور معرفة هذه العوائق القانونية المستجدّة فإنّ القوى السياسية الوسيطة ستبدأ اتصالات ومشاورات لتذليلها من امام هذا الطرح بكلّ الاتجاهات».
وأكدت أنّه على الرغم من التعقيدات الجديدة فإنّ المساعي ستستمر وإلّا فإنّ البلد سيواجه مشكلة كبيرة تصبح معها إمكانية الحلحلة صعبة أكثر».
في الموازاة، فُهم انّ احد المخارج المطروحة في حال عدم الاتفاق على الترقيات أن يصدِر وزير الدفاع قراراً بتأخير تسريح قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، على غرار القرار الذي اتّخذه في شأن قائد الجيش العماد جان قهوجي وبعض الضباط الآخرين.
النفايات
وعلى صعيد ملف النفايات، وفيما لم تتحدّد بعد النقطة الصفر لبدء تنفيذ الخطة على الارض، عُلم انّ مجلس الوزراء يتّجه الى الاجتماع غداً لاتخاذ القرار اللازم للبدء بتنفيذ الخطة وإنهاء مسلسل الاعتراضات على المطامر التي تقرّر إحداثها.
وكانت اجتماعات لجنة معالجة النفايات تلاحَقت في السراي الحكومي برئاسة سلام، وهي أبقتها مفتوحة. كذلك تواصلت الاجتماعات في وزارة الداخلية، وقد أبلغت فاعليات عكار الى وزير الداخلية نهاد المشنوق موافقتها المبدئية على الشروع في إقامة مطمر صحّي في منطقة سرار، في وقت تحدّث وزير الزراعة أكرم شهيب عن مطمر آخر في البقاع رافضاً الكشف عن مكانه «لكي نتجنّب ردّات فعل المعترضين الخنفشارية».
واعتبر شهيّب بعد اجتماع لجنة النفايات «أنّ موضوع أزمة النفايات معقّد وصعب، ومعالجته ليست سهلة، لذلك نعمل بكلّ هدوء تلافياً لأيّ خطوة ناقصة»، مشيراً الى انّ «الأمطار لن تؤثّر على النفايات».
وفي اللقاء الحواري الاوّل بينه وبين البلديات تحت عنوان «دور البلديات والاتحادات في إدارة النفايات»، قال شهيب: «إنّ الشارع ينتظرنا وضميرُنا ينتظرنا. يوم الاثنين لن تكون هناك جلسة لمجلس الوزراء إلّا إذا وجِد الحل». واعتبر انّ الخطة التي يطرَحها «فيها حلّ للأزمة»، موضحاً أنّ «أموال البلديات قد تمّ تحويلها من الصندوق البلدي المستقل، أمّا أموال الخلوي فلم يتمّ تحويلها بعد».
الحراك
وتزامُناً مع انعقاد جلسة الحوار، واصَل الحراك المدني تحرّكه على الارض، فانطلقت مسيرة لحملة «طلعت ريحتكم» من مركز الواردات في وزارة المال باتّجاه مصرف لبنان للمطالبة بأموال البلديات.
وأقدمَ عدد من الناشطين على طلاء الطريق من مبنى الواردات وصولاً الى مصرف لبنان بإشارة «سهم» لإرشاد المعنيين الى المكان الذي يفتح فيه حساب الأموال للبلديات لحلّ أزمة النفايات وفق اللامركزية وتمكين البلديات من القيام بدورها.
إلى ذلك، أوقفَت القوى الأمنية الناشط أسعد ذبيان لساعات، على خلفية كتابته شعارات على علم لبنان، وافترش المعتصمون الارض وقطعوا الطريق المؤدي الى شارع الحمرا الرئيس.
وأوضحت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي في بيان أنّه «أثناء تظاهر مجموعة من الحراك المدني في اتجاه مصرف لبنان، كتبَ الناشط أسعد ذبيان عباراتٍ مسيئة على العلم اللبناني المخطّط على حائط وزارة الداخلية والبلديات. وبناءً على إشارة القضاء المختص تمّ توقيفه بجرم تحقير العلم اللبناني».
وحضر قائد شرطة بيروت العميد محمد الايوبي، الى امام مقرّ وزارة الداخلية، حيث فاوضَ المعتصمين ودعاهم الى فتح الطريق والتزام معايير التظاهر وفق القوانين المرعيّة الإجراء، وبَعد وقت أطلِق ذبيان وفُتِح الطريق .
ملف العسكريين
وسط ذلك، نفّذ أهالي العسكريين المخطوفين تحرّكاً مزدوجاً، الأوّل عند الثانية عشرة ظهراً، فقطعوا بأجسادهم طريق الروشة ثلاث ساعات، مطالبين بوضع «ملف أبنائهم العسكريين على طاولة الحلّ وليس على طاولة الحوار». ثمّ نفّذوا في محطتهم الثانية وقفة رمزية أمام مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة، دامت ربع ساعة، طالبوا فيها بري «بترجمة تعاطفه معهم الى حركة عملية على الأرض تعيد العسكريين إلى عائلاتهم».