IMLebanon

الأزمة تتعمَّق ومصير الحكومة والحــوار مُعلَّق

إنتقلت البلاد فجأةً ومن دون مقدّمات إلى مرحلة جديدة من المواجهة السياسية. تيار «المستقبل»، على لسان وزير الداخلية نهاد المشنوق، يلوّح بالاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار مساءَ الجمعة الفائت، فيأتيه الردّ بعد أقلّ مِن 48 ساعة، أي قبل ظهر الأحد، وعلى لسان الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله شخصياً الذي قال: «من يحبّ البقاء في الحكومة والحوار «أهلاً وسهلاً به»، ومن يُرِد الخروج منهما «ألله معو». وإذا كان السجال السياسي بين الطرفين ليس جديداً، إلّا أنّ الجديد في الأمر انتقاله من القضايا والملفات العامة إلى التهديد بفرطِ المساكنة التي نشأت مع تكليف رئيس الحكومة تمّام سلام، إذ ما كاد يلوّح الأوّل بالاستقالة حتى جاءَه ردّ الثاني برفض الابتزاز وإعلانه عن دعوة حزبه إلى إعادة النظر بمبدأ الجلوس مع «المستقبل» حول طاولة واحدة. ولكنّ الأسئلة التي تَدافَعت في الساعات الأخيرة ترَكّزت حول الآتي: هل التصعيد المتبادل هو انعكاس للتصعيد في المنطقة؟ ماذا تبدّلَ لكي يسقط التفاهم حول تحييد لبنان وإبقاء مظلّات الأمان المتصلة بالحكومة والحوار؟ وهل ردُّ الحزب على «المستقبل» يدفعه إلى المضيّ قدُماً في خيار الاستقالة؟ وهل هذه العاصفة ستَعبر كغيمة صيف وعلى غرار ما سَبقها من عواصف؟ ولماذا أخَذت الأمور كلّ هذا الحجم كما المنحى؟ وهل تقصَّدَ نصرالله ردَّ الكرة سريعاً إلى ملعب «المستقبل» لإحراجه وبغية إعادة توضيح الأمور ووضعِها في نصابها؟ وفي موازاة التصعيد السياسي الذي شهدَته نهاية الأسبوع سُجّل 3 مواقف بارزة: ردّ النائب وليد جنبلاط على كلام النائب مروان حمادة في ذكرى الحسن قائلاً: «ما في جمرك على الحكي وعلى المزايدة، ألله يهديهم». إعلان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ «انتخاب رئيس الجمهورية أصبح أمراً يقارب المستحيل». تأكيد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة أنّ «الكنيسة الأرثوذكسية لا تبارك الحروب ولا تقدّسها».

على مسافة أسبوع من جلسة الحوار رقم 20 بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» والتي يفترض أن تُعقد كما هو مقرّر الاثنين المقبل في 26 الجاري، موعد استئناف جلسات الحوار الوطني العام مجدداً، قالت مصادر سياسية مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ التصعيد الحالي يدخل في إطار التشنّج المتفاقم بين طهران والرياض أكثر ممّا هو جزء من الوضع الداخلي اللبناني، ولكن ستكون له ارتدادات محدودة في المدى القصير على الحوار بين الطرفين من جهة، وعلى انطلاق عمل الحكومة بعد جلسة مجلس الوزراء المخصّصة للنفايات، من جهة أخرى».

وأشارت إلى أنّه «في وقتٍ كان يأمل رئيس الحكومة تمام سلام، بعد عَقد جلسة مخصصة للنفايات، في أن يعود مجلس الوزراء إلى الاجتماع دورياً وإقرار مشاريع القوانين وتوقيع المراسيم الخاصة بقضايا الناس وشؤون الدولة، جاء التصعيد ليخفّف من هذه الآمال، على الأقلّ حالياً، بانتظار إعادة المياه الى مجاريها بين الحزب و«المستقبل»، الأمر الذي يتطلب جهوداً كبيرة، وبشكلٍ خاص من قبَل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط.

إلّا أنّ المصادر قالت «إنّ المشكلة هي في أنّ برّي وجنبلاط مستاءان بدورهما من المواقف التي صدرت في ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن في الأونيسكو، إذ إنّ البعض شكّك بزعامة برّي، والبعض الآخر انتقد خروج جنبلاط من 14 آذار في نصف الدرب».

وأكّدت المصادر لـ«الجمهورية» أنّ هذا الأسبوع سيكون أسبوع استيعاب الكلام الذي قيل في الاونيسكو، وترميم الحوار بين الحزب والمستقبل.

وقد لفتَ أمس الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس سعد الحريري ببرّي الذي يعود من جنيف اليوم، هنّأه خلاله بانتخابه رئيساً للاتّحاد البرلماني العربي.

وكان جنبلاط أعلن عبر «تويتر» أنّه ليس هناك عيب في السياسة بمبدأ التسوية، لكنّ بعض الناس في بعض المنابر وبمناسبة الشهيد وسام الحسن اتّهموه بالتخاذل والتخلّي في نصف الطريق. وختمَ بالقول: «ما في جمرك على الحكي وعلى المزايدة، الله يهديهم».

وفي السياق، ردّ وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور على بعض منتقدي مواقف جنبلاط، وقال: «لم نترك أحداً أو نتخلّف عن أحد في منتصف الطريق لأنّنا لم نتبع أحداً في يوم من الأيام إلّا قناعاتنا، ولا تستهوينا المزايدات ممّن تخلّفَ هو عن فهم المخاطر على الوطن من الانقسامات القاتلة والمواقف التي لا تراعي هذه المخاطر». وأضاف: «رحمَ الله وسام الحسن الذي كان رمزاً وشهيداً استقلالياً، لكنّه كان داعية تسوية بين اللبنانيين، وهنا الجريمة المضاعفة لمن قتلوه!»

نصرالله

وأبدى الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله حِرصه على الحوار والتلاقي بين اللبنانيين، داعياً إلى الحفاظ على الحكومة، وقال: «لا نؤيّد إسقاطها، ومصلحةُ اللبنانيين في بقائها، لأنّ البديل هو الفراغ والانهيار».

وتوجّه الى تيار« المستقبل» بالقول: «لسنا متمسكين بالحوار إذا استمرّ البعض في «المنّ» علينا به»، وأضاف: «من يحبّ البقاء في الحكومة «أهلاً وسهلاً به» ومن يُرد الخروج منها «الله معو» ونحن لا نُجبر أحداً على البقاء في الحوار أو في الحكومة، لا نريد أن يمنَّ علينا أحد أنّه يحاورنا ويشاركنا في حكومة، ونحن حرّرنا بلادَنا ولم نمنَّ على أحد أنّنا حرّرنا أرضه».

ورأى أنّ «تيار المستقبل يتحدّث عن الحوار وكأنّه متفضّل على اللبنانيين بهذه المهمّة»، وقال: «إذا كنتم تشعرون بالإحراج من البقاء في الحكومة فالله معكم»، وأوضَح أنّه سيَدعو «قيادة «حزب الله» إلى إعادة النظر في الحوار، فإذا كان المستقبل يريد أن يمنّنا بالحوار فنحن نخرج منه ولا ننتظر منهم ذلك. لا نَقبل استفزازاً من أحد».

سلام قلِق

وفي هذه الأجواء، لفتَ سلام إلى خطورة المرحلة وحالِ الغليان التي تعيشها المنطقة، متمنّياً على الجميع أن يتحمّل المسؤولية كلٌّ من موقعه أياً كان هذا الموقع، لئلّا تطاولنا شظايا ما يجري من حولنا.

فالبلاد تحتاج الى ان يعي الجميع مخاطر ما يجري وحجم المواجهة الدائرة بقدرات كبيرة جداً، وإلى عدم الرهان على العناية الدولية للوضع في لبنان من دون أن نقوم بما يمليه علينا الواجب لملاقاة هذه الرعاية وتجنيب البلاد خضّات هي في غنى عنها.

ونَقل زوّار سلام أمس لـ«الجمهورية» قوله إنّه لن يتخلّى عن مسؤولياته أبداً، وهو سيواصل السعي إلى الحفاظ على الحد الأدنى من جهوزية الحكومة والمؤسسات الدستورية لمواكبة قضايا الناس الملِحّة على الأقلّ، ما لم تستطع أن تنجز أموراً كبيرة تحتاج الى توافق شامل للأسف ما زال مفقوداً.

وأبدى سلام قلقه من حجم الخلافات والسَقف العالي للخطابات التي تَردَّد صداها في الأيام القليلة الماضية، معتبراً بأنّها لن توصل إلى أيّ إنجاز إنّما تزيد الانقسام والاحتقان بين الناس الذين تعبوا من الجدل الذي لا يمكن أن يأتي بحلّ لأيّ ملف من الملفات المطروحة، الأمنية منها والإدارية، على الإطلاق.

فتفت

وقال النائب أحمد فتفت لـ«الجمهورية»: «أنا مقتنع من البداية بأنّ «حزب الله» يريد الحوار للحوار فقط لا أكثر ولا أقلّ، وهو يسَوّف طيلة هذه الفترة. قدّمنا كلّ شيء لتنفيذ الخطة الأمنية لكنّه لم يقدّم شيئاً منذ سنة ونصف.

ووزير الداخلية نهاد المشنوق قال مدَدت يدي للحزب للتعاون لكنّه لم يردّ التحية، فلمسَ القناعة التي كنتُ لمستُها في العام 2006. الحزب لا يستوعب مدّ اليد إلّا بمعنى التنازل والتقديم من طرف واحد. ونستغرب حديثه عن الابتزاز، فمن يبتزّ الحكومة والجميع راهناً هو العماد ميشال عون الذي يهدّد بتعطيل الحكومة إذا لم يأخذ ما يريد».

وأضاف فتفت: «كلام وزير الداخلية لجهة ما جرى في بعلبك حشَره أمام بيئته ووضَعه أمام مسؤولياته، والكلام أنّه رفع المسؤولية ومنفتِح على الدولة يُطبَّق عليه مقولة: «أسمع كلامك أفرح أشوف أفعالك أتعجّب».

يوجد غطاء فعلي لكلّ الاعمال المخِلّة بالأمن على كلّ المستويات من دون استثناء، ابتداءً من الكابتاغون. قطعوا رأسَ الدولة ويمنعون انتخاب رئيس ويعطّلون مجلس الوزراء عن طريق عون ويمنعون القوى الأمنية من أن تكون فاعلة حيث يجب».

وهل إنّ ردّة فعل الحزب على الكلام الذي قيل في ذكرى اللواء الحسن فاجَأت «المستقبل»، وما هي مخاطر انسحابكم من الحكومة؟ أجاب: لقد تحدّث في مناسبة تشييع أحد قياديّي الحزب الذي قتِل في سوريا، والمستغرَب أنّه لم يقُل كلمةً لا عن سوريا ولا عن روسيا ولا عن إسرائيل الحليف الموضوعي اليوم للحزب من خلال تعاونها مع روسيا.

يتحالف مع الروسي، والإسرائيلي حليف الحليف لا يكون إلّا حليفاً، وهنا إشكالية استراتيجية كبيرة جداً في المرحلة الراهنة: التحالف الإيراني الإسرائيلي الفعلي على الأرض السورية.

وتساءلَ: ما مخاطر الانسحاب من الحكومة؟ أن تصبح مستقيلة؟ فهي أساساً مستقيلة، لا تجتمع ولا تقرّر ولا تأخذ قرارات، بل اعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة وعلى آليّة دستورية من خلال فيتوات مخترعة. أمّا الحوار، فهو لم يعُد مجدياً، لقد أصبَح حواراً للحوار، الناس يعرفون مسبقاً البيان الذي سيصدر، عملنا على تخفيف الاحتقان في بعض المناطق ونجّحنا الخطة الامنية في مناطق، وهم فشّلوها في البقاع.

أمّا النقطة الأساسية في الحوار، رئاسة الجمهورية، فقد وضعوا كلّ المعوقات في وجهها، وقالوا إمّا أن تنتخبوا عون أو لا رئيس. فعلى ماذا نحاور؟ الحوار «ما عدت قابضو» ولم يعُد يعنيني، يستمر أم لا يستمر؟ النتيجة نفسها، كنتُ أرى مسبقاً أنّه بلا جدوى وفائدة.

وأوضح فتفت أنّ الحريري «هو من يقرّر عودته أم لا»، وقال: «بصراحة لستُ مع الكلام الذي قاله النائب مروان حمادة، لأنّنا نحَمّل عودة الحريري أكثر بكثير ممّا تحمل، ونحَمّله هو أكثر بكثير من طاقاته، وموضوع عودته له مقتضياته السياسية والأمنية واللوجستية، وكلّها عند الرئيس الحريري، وهو من يحسم، وأنا ضد أي ضغط عليه».

النفايات

وفي ملف النفايات، يلتقي سلام اليوم وزير الزراعة أكرم شهيّب واللجنة الوزارية الخاصة بملف النفايات. ونُقِل عن سلام قوله إنّه ينتظر أن يبلّغه شهيّب بما تمّ إنجازه للبتّ بالمرحلة المقبلة، وأنّه حتى الساعة لم يتبلّغ بما يدفعه إلى الاعتقاد أنّ ما هو مطلوب وما يتمنّاه قد أنجِز.

وقال إذا تبلّغَ الوزير شهيب بانتهاء البحث عن المكبّ الذي يستوفي الشروط في البقاع، فلن يتردّد في اتّخاذ الخطوات التي تؤدي إلى دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد فوراً لبَتّ الموضوع، فالجميع يدرك أنّه لا يبَتّ بقرار إداري من رئيس الحكومة أو وزير الزراعة أو أعضاء اللجنة، فهناك قرارات ومراسيم يجب أن تصدر.

فما نقوم به اليوم يؤسس لمعالجة ملف النفايات على مراحل عدّة، منها ما هو طارئ وسريع ومحدود في الزمان والمكان ومنها ما يحتاج إلى إجراءات مستدامة وطويلة الأمد، على أمل أن يتوقف الجدل حول الموضوع وأن تنتظم العملية كما تقرّرت لتكون على سكّة التنفيذ الصحيحة عبر اتّحادات البلديات والبلديات الكبرى، على أن تطوّر الخطة نفسها كلّما دعت الحاجة.

وعليه، استبعَدت مصادر معنية أن يوجّه سلام الدعوة إلى جلسة يومَ غدٍ الثلاثاء كما تردَّد سابقاً، نافيةً أن يكون قد حدّد مثل هذا الموعد من قبل، لافتةً إلى أنّ الجميع سيشارك في الجلسة النيابية العامة المقرّرة غداً لانتخاب رؤساء وأعضاء اللجان النيابية وأعضاء هيئة مكتب المجلس.