الأزمة الأخيرة التي شهدتها البلاد دلّت مجدداً إلى أنّ الأمور مضبوطة وتحت السيطرة، وأنّه مهما اشتدّ الخلاف وتوسّع لا إرادة لإخراجه من المؤسسات إلى الشارع، على رغم حال التعطيل الذي يصيب كلّ المؤسسات، لأنه في موازاة الإرادة المحلية بعدم الخروج عن قواعد اللعبة المرسومة منذ تأليف حكومة الرئيس تمام سلام، فإنّ الإرادة الخارجية لا تقلّ شأناً في الحرص على الاستقرار في لبنان. وإذا كان هذا البلد لا يدخل في سلّم أولويات الاهتمامات الدولية في ظلّ الانشغال بالأزمة السورية واليمنية والملف النووي وغيرها من الملفات، فهذا لا يعني تركَ أوضاعه تتدهور، لأنّه في الوقت الذي يعمل على تطويق تداعيات الأزمة السورية لن يُسمح دولياً بتفجير الوضع اللبناني، تجنّباً لأزمة جديدة قد تتحوّل إلى أزمة إقليمية، وتفادياً لموجة هجرة إضافية تهدّد المجتمع الأوروبي المأزوم من هذه الموجات. وفي حين تتركّز الأنظار على بيان كتلة «المستقبل» الأسبوعي لتبيان التوجّه الذي سيعتمده، فإنّ موجة التصعيد مرشّحة مبدئياً للاحتواء، خصوصاً مع عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعوّل على دوره في إطفاء الحريق السياسي وإعادة تنشيط حركة التواصل، فيما يرجّح أن تشكّل محطة انتخاب أعضاء ورؤساء ومقرّري اللجان النيابية وهيئة مكتب المجلس اليوم مناسبةً للتواصل وإحياء الحركة النيابية-السياسية مجدداً. أمّا في سياق النجاحات التي يحقّقها الجيش اللبناني في مواجهة الإرهاب وحماية الحدود، فقد سدّد أمس ضربة موجعة ضد التنظيمات المسلّحة في جرود عرسال، حيث نفَّذ عملية نوعية موقِعاً عدداً كبيراً من القتلى والجرحى في صفوفهم.
قالت مصادر عاملة على خط الوساطات لـ«الجمهورية» إنّ «الأجواء المتشنّجة إلى احتواء، وهي لن تتعدّى سقوفَ المواقف التي أطلِقت خلال اليومين الماضيين»، وأوضحت أنّ «الرئيس سعد الحريري أكّد لبرّي والمعنيين بأن لا رغبة لديه بترك الحوار».
وأضافت المصادر: «أمّا الأزمة الحكومية فوضعُها مختلف تماماً، حيث لم يطرأ أيّ جديد، والعقدة الحكومية تراوِح مكانها، ومصير الحكومة غير معروف بعد، في ضوء استمرار تشبّث كلّ فريق بموقفه».
برّي
وعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى بيروت مساء أمس، بعد زيارة رسمية لرومانيا، التقى خلالها الرئيس الروماني ورئيسَي مجلس النواب والشيوخ ورئيس الحكومة. وكانت له لقاءات متعددة. كما شاركَ في جنيف في الجمعية العامة الـ133 للاتّحاد البرلماني الدولي وفي المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي الذي انتخبَه رئيساً له للمرّة الثانية بالإجماع.
سلام مشمئزّ
ونَقل زوّار سلام لـ«الجمهورية» شعوره بمزيد من الاشمئزاز إزاء ما بلغَه الوضع، على رغم ارتياحه الى تطويق موجة المواقف بين «المستقبل» و«حزب الله» سريعاً، آملاً في لقاء قريب مع برّي يعقد اليوم.
وكانت حركة الاتصالات التي جرت بين بري والرئيس سعد الحريري وما تلاها من مساعي سُعاة الخير قد جمّدت ردّات الفعل وأوقفت النقاش الحامي الذي دار لأيام.
وعلمت «الجمهورية» أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق ألغى لقاءً كان محدداً بعد ظهر اليوم مع رئيس وأعضاء مجلس نقابة المحررين، لتجنّب الحديث في التطوّرات الأخيرة، ما عُدَّ تدبيراً يعزّز الاتصالات الجارية لتطويق المواقف الأخيرة وحصر أضرارها قدر الإمكان.
وتنشَدّ الأنظار اليوم الى «بيت الوسط» لترَقّب بيان كتلة «المستقبل» عقبَ اجتماعٍ هو الأوّل لها بعد السجال الكلامي مع»حزب الله»، والذي سيتظهّر فيه موقفها ممّا جرى، كما إلى الرابية لرصدِ موقف تكتّل «الإصلاح والتغيير» والذي سيردّ، وفق معلومات «الجمهورية»، على الحملات التي طاوَلته أخيراً، كما سيحدّد مواقفه حكومياً ونيابياً وحوارياً.
الجسر لـ«الجمهورية»
وفي موقف لافت، قال النائب سمير الجسر لـ«الجمهورية»: لم «نتّخذ قراراً بالانسحاب من الحكومة أو من الحوار، ما صَرّح به المشنوق هو صرخة مسؤول، علّها تؤدي الى صحوة ضمير لدى البعض، ليدركوا بأنّه «مش ماشي الحال». نحن في تيار «المستقبل» وبتوجيهات الرئيس سعد الحريري قمنا بكلّ ما من شأنه الحفاظ على استقرار البلد وأمن أبنائه، والمطلوب من الطرف الآخر أن يبادلنا نفسَ الأسلوب للوصول بلبنان الى شاطىء الأمان.»
أبو فاعور
وكان الوزير وائل أبو فاعور قال إنّ الحكومة ستدخل في غيبوبة لن تستفيق منها إلّا لمعالجة ملف النفايات، ولا اتصالات حتى اللحظة ممكن أن تنقذها من حالة الشلل المتّجهة إليها. وتمنّى أن يبقى الحوار بمنأى عن الخلافات السياسية في ظلّ تعطّل عمل المؤسسات الدستورية، وأكّد ضرورة إبقاء خيوط الاتصال قائمة عبر الحوار، لأنّه صلة الوصل الوحيدة بين اللبنانيين.
جلسة نيابية
وفيما تبقى قاعة مجلس الوزراء مغلقة حتى إشعار آخر، يفتح مجلس النواب ابوابه اليوم مع بدء العقد العادي الثاني للمجلس، وتُعقد جلسة نيابية لانتخاب أعضاء ورؤساء ومقرّري اللجان النيابية وهيئة مكتب المجلس.
وعلمت «الجمهورية» أنّ تكتّل «التغيير والإصلاح» قرّر السير باقتراح إبقاء التوازنات النيابية في اللجان وهيئة المكتب على حالها، كونها خاضعة لنسَب تمثيل الكتل في المجلس النيابي والتي لم تتغيّر بفعل عدم إجراء الانتخابات النيابية.
موسى
وأكّد رئيس لجنة حقوق الإنسان النائب ميشال موسى لـ»الجمهورية»: «أنّ جميع النواب سيشاركون في جلسة اليوم، متوقعاً عدم حدوث أيّ تغيير، لا في هيئة مكتب المجلس ولا في اللجان، وبالتالي أن يبقى القديم على قدمِه».
وقال: «يتألف مكتب المجلس واللجان ورؤسائها ومقرريها من كتل سياسية وانتماءات طائفية مختلفة، ولا مصلحة لأحد اليوم في إعادة النظر في هذا الموضوع، خصوصاً في الظروف الراهنة، وبالتالي الأمور ستبقى على حالها».
وإذ أسفَ موسى لعدم إنجاز المجلس مهمّتي انتخاب رئيس الجمهورية وانعقاد جلسات تشريع ومراقبة أعمال الحكومة، قال: «عسى ان يخلق الحوار مناخاً من اجل ممارسة افضل، لكن حتى الآن من الواضح انّ الأفق مسدود ولا تغيير في المشهد السياسي». وتوقّع موسى ان تسهم عودة بري في إطفاء الحريق السياسي والعمل من أجل التهدئة وتبريد الأجواء، مؤكّداً أنّ لقاءاتٍ ستُعقد على هامش الجلسة بغية إحياء الحركة مجدداً.
ونبَّه من محاذير الانسحاب من الحوار، وقال: «لا مصلحة لأحد في ذلك، فالحوار مساحة مشتركة لتبادل المواقف والآراء والتبريد على أمل أن يخلقَ مناخاً افضل. لكن في النهاية أعتقد أنّ الجميع مقتنع بضرورة استمراره».
ريفي يتصل بعودة
وفي سياق آخر، علمت «الجمهورية» أنّ وزير العدل أشرف ريفي أجرى اتصالاً أمس بمتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، أشاد فيه بموقفه الحكيم من أنّ «الكنيسة الأرثوذكسية لا تبارك الحروب ولا تقدّسها»، ما قطعَ الطريق على محاولات الاستثمار بالفتنة والخلافات الطائفية، معتبراً أنّ ما قاله يعبِّر عن أصالة الكنائس الشرقية وموقفها المنبثق من قناعات وطنية راسخة حريصة على الحرّية والعيش المشترك المسيحي-الإسلامي.
النفايات
وفي ملف النفايات، تبدّدت الأجواء السلبية التي راجت في الساعات الـ 24 الماضية، لتحلّ مكانها حلحلة طرأت في ساعات بعد ظهر أمس، حيث كشف بعض الخبراء على منطقة ثانية في خراج كفرزبد، تبيّن أنّها صالحة لإقامة مطمر، بعدما صرِف النظر عن المكان الاوّل، وقد وافقَت عليه الفاعليات الحزبية ويُنتظر أن تتبلور الصورة اليوم بشكل نهائي ويبلّغ رئيس الحكومة بذلك، فيدعو بعدها مجلس الوزراء إلى الانعقاد مباشرةً لإقرار التعديلات على خطة النفايات وإعطاء الضوء الأخضر للبدء بتنفيذها.
عرسال مجدّداً
أمنياً، نجَح الجيش اللبناني في تسديد ضربة موجعة إلى التنظيمات المسلّحة في جرود عرسال، حيث نفّذ عملية نوعية أمس موقِعاً عدداً كبيراً من القتلى والجرحى في صفوف المسلحين، مواصِلاً بذلك استهدافَه تحرّكات المسلحين في الجرود، خصوصاً أنّ تحضيراتهم استعداداً لفصل الشتاء، والتقدّم باتّجاه الأراضي اللبنانية باتت شِبه يومية.
وفي التفاصيل، أنّ انفجاراً قوياً دوَّى بعد ظهر أمس في محلّة سرج العجرم في منطقة وادي حميد بعد مدينة الملاهي، تبيّن أنّه ناتج عن استهداف الجيش اللبناني للمسلحين. وعلى الفور، ضربَ الجيش طوقاً أمنياً في المنطقة ونفّذ انتشاراً كثيفاً، فيما سقطت قذيفة أطلقَها المسلحون من الجرود على مركز للجيش على أطراف البلدة لم تسفِر عن إصابات. وتحدّثت مصادر أمنية عن مقتل 8 مسلحين وإصابة عدد كبير منهم.
مصدر عسكري
وقال مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» إنّ «الجيش استهدف تجمّعات للمسلحين تأكّد انتماؤهم لجبهة «النصرة». وأوضَح أنّه تمّ استهداف المسلحين بالرمايات المدفعية، لا بالهوليكوبتر، بعد رصدِ تجَمّع عدد من الآليات العسكرية المدجّجة بالسلاح في الجرود، وأوقعَ في صفوفهم عدداً كبيراً من القتلى والجرحى.
وأشار المصدر إلى أنّ «الجيش عزّز إجراءاته في محيط عرسال لإفشال أيّ محاولة هجوم للمسلحين أو مباغتة، حيث تتمركز «النصرة» في جرود عرسال، و«داعش» في جرود رأس بعلبك»، مؤكّداً أنّ «عمليات الرماية واستهدافهم يومية، إلّا أنّ ضربة الأمس جاءت كبيرة لجهة عدد الآليات والأرواح».
وفي سياق متصل، أوقفَت قوى الجيش مساء أمس في محلّة قصقص، السوري محمد شريف عوض، لانتمائه إلى تنظيمات إرهابية ومشاركته بالاعتداء على الجيش في بلدة عرسال في وقتٍ سابق. وتمّ تسليم الموقوف إلى المرجع المختص وبوشِر التحقيق معه.
الملف الرئاسي
رئاسياً، وفيما تُراوح العقدة الرئاسية مكانها، رأى رئيس حزب «القوات» اللبنانية سمير جعجع أن لا حلحلة لأيّ مشكلة قبل انتخاب رئيس جديد، وأكد «أننا لن نقبل إلّا برئيس محترم لديه حدّ أدنى من التمثيل الشعبي والاحترام والشخصية، أي إننا نريد رئيساً يملك قامةَ رئيس الجمهورية، وإلّا لماذا نُجري انتخابات رئاسية؟ وقال: «لن نقبل تعبئة المركز بأيٍّ كان».
«السلسلة» إلى الضوء
مطلبياً، يعود ملف سلسلة الرتب والرواتب إلى الأضواء اليوم، من خلال الاعتصام الذي تنفّذه هيئة التنسيق النقابية عصراً أمام «ديوان المحاسبة»، للمطالبة بإقرارها في المجلس النيابي. لكنّ الاعتصام لن يؤدّي إلى إغلاق الإدارات الرسمية، وسيكون يوم عمل عادياً، باستثناء المدارس الرسمية التي قرّرت رابطة أساتذة التعليم الثانوي فيها تنفيذ الإضراب في جميع الثانويات ودور المعلمين ومراكز الإرشاد والتوجيه.
هذا الموقف ردَّ عليه وزير التربية الياس بوصعب مؤكّداً في مؤتمر صحافي أمس، أنّ «المشاكل السياسية كبيرة ومشكلة سلسلة الرتب والرواتب لا تُحَلّ إلّا في حال أصبح هناك تفاهم بين السياسيين حول التشريع». واعتبَر أنّ «الأساتذة يجب أن يدركوا حتى لو كانت لديهم مطالب محِقّة، أنّهم في بعض الأحيان يخطئون بالوسيلة»، معلِناً أنّ اليوم هو «يوم تدريس عادي، وكلّ المديرين والمدرّسين يتحمّلون مسؤولياتهم».
إلى ذلك، تَعقد هيئة التنسيق اجتماعاً بعد الاعتصام اليوم، للبحث في التحرّكات المقبلة وتوصيتها السابقة بالإضراب في 26 الجاري والرابع من تشرين الثاني المقبل.