كتلة «المستقبل» حسَمت الموقف فأكّدت على تمسّكها بالحوار والحكومة، ولكنّها اعتبرت أنّ موقف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق يشكّل جرس إنذار بأنّ الكيلَ قد طفح وأنّه لم يعُد من الممكن القبول باستمرار التعطيل الرئاسي والحكومي، ما يعني تبَنّياً لجوهر كلام المشنوق مع التحذير بأنّ عدم وضع حدّ سريع للتجاوزات سيدفع عاجلاً أم آجلاً إلى اعتماد الموقف نفسِه. واللافت أمس زيارات التأييد النيابية والسياسية للمشنوق، في رسالةِ تبَنٍّ أيضاً لمواقفه والتي تزامنت مع ما كشَفه رئيس حزب مسيحي في جلسة مغلقة بأنّ ما عبّر عنه وزير الداخلية هو حصيلة مشاورات ولقاءات بين كلّ مكوّنات 14 آذار مفادُها ضرورة وضع حد للابتزاز المتمادي الذي يمارسه الفريق الآخر. وفي موازاة تجديد تأكيد «المستقبل» على رفض استمرار التعطيل، تمسّك تكتّل «التغيير والإصلاح» عشيّة جلسة الانتخابات الرئاسية بتقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية، أو إتمام الانتخابات الرئاسية من الشعب، ما يعني المراوحة في التعطيل. وفيما لم تبرز أيّ معطيات جديدة في ملف النفايات تستدعي عَقد جلسة لمجلس الوزراء بغية وضع هذا الملف على سكّة الحل، تتوجّه الأنظار إلى جلستي الحوار الجامع والثنائي مطلعَ الأسبوع المقبل لاستكشاف مدى الإمكانية لامتصاص الأزمة التي تفجّرت أخيراً والتأسيس عليها لتحقيق اختراقات سياسية. وفي هذا الوقت دقّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ناقوس الخطر أمام النواب، مشدداً على أهمّية عقد جلسة تشريعية لعدم إهدار القروض الممنوحة من البنك الدولي، وإلّا فلن يحصل لبنان على أيّ قرض على امتداد السنوات الأربع المقبلة.
في مشهد يتمنّى الجميع أن ينسحب اليوم على جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، نزل نواب الأمّة بمن فيهم المقاطعون، الى ساحة النجمة، وشاركوا جميعاً في الجلسة الخاصة بانتخاب رؤساء اللجان التي انعقدت أمس مع بدء العقد العادي للمجلس، والتي انتهت سريعاً الى تجديد للجان وأمناء السرّ والمفوضين الثلاثة، مع تعديلين طفيفين في عضوية لجنتي المال والاقتصاد النيابيتين.
إلّا أنّ الجلسة التي سَبقها اجتماع بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام، تظهّرَت خلالها جلياً تداعيات التأزّم السياسي والتعطيل الحكومي وتوقّف عجلة التشريع النيابي، من خلال ما كشَفه بري عن تهديد تلقّاه لبنان من البنك الدولي باستبعاده عن لائحة مساعداته، ما حدا برئيس المجلس الى توسّل النواب التعاونَ من أجل عقد جلسة تشريعية ينوي الدعوة إليها قريباً، متمنياً أن يتحمّلوه إذا دعا إليها، مؤكداً أنه لن يسمح بأن يصل البلد الى مثل هذه الحال.
برّي
ومساء أمس، قال بري أمام زوّاره «إنّ وزير المال علي حسن خليل أخبرَني انّه خلال اتصال طويل بينه وبين رئيس البنك الدولي، أبلغه الاخير انّ امام لبنان مهلة نهائية حتى نهاية كانون الاوّل للاستفادة من القروض الممنوحة إليه لسَنة 2015 وإلّا سيفقد هذه القروض ولن يحصل بالتالي في الاعوام 2016 و2017 و2018 و2019 على أيّ قرض، لأنّه غير جدّي، وهناك دول فقيرة تستحقّ هذه القروض».
وأشار بري الى «أنّ لبنان كان أهدرَ فرصة قروض بقيمة 600 مليون دولار عام 2014، وهذا ما دفعني الى دقّ ناقوس الخطر امام النواب، مشدداً على أهمية عقد جلسة تشريعية لعدم إهدار القروض الممنوحة من البنك الدولي».
وأشار بري الى «أنّ الخليل أبلغ إليه وإلى رئيس الحكومة بأنّه يستطيع دفعَ رواتب موظفي القطاع العام لشهر تشرين الثاني، لكنّه لن يستطيع ذلك في كانون الاوّل ما لم يصدر قانون لهذه الغاية»، ولذلك سيركّز بري على الدفع باتّجاه عقد مِثل هذه الجلسة.
الحوار
من جهة ثانية، قال بري إنّه «اتّصل بجميع أركان طاولة الحوار ودعاهم الى جلسة الاثنين المقبل في مجلس النواب وليس في عين التينة، لأنّ المكان الطبيعي للحوار هو في المجلس. وأشار إلى أنّ عين التينة ستشهد في اليوم التالي جلسة حوار جديدة بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، وهو حوار سيستمرّ على رغم ما حصل في الأيام الأخيرة».
وأشار بري الى انّ المطلوب منه ان يقدّم في جلسة الاثنين إلى المتحاورين جوجلة للاقتراحات التي تلقّاها منهم حول مواصفات رئيس الجمهورية.
وردّاً على سؤال، قال: «إنّ أيّ غياب سياسي عن الحوار مرفوض، وكذلك خفض مستوى التمثيل. أمّا الغياب بعذر غير سياسي فهو مقبول».
وقلّل بري من أهمية التصعيد السياسي، مؤكداً أنّ الجميع مع الحوار ومع استمرار الحكومة.
«المستقبل» يحاور
وفي وقتٍ أعلن النائب فياض انّ قيادة «حزب الله» تدرس موضوع الاستمرار في الحوار مع «المستقبل»، أكدت الكتلة» تمسّكها بنهج الحوار ومتابعته وباستمرار دعمها لحكومة الرئيس تمام سلام ووقوفها معه وإلى جانبه في تفعيل عمل الحكومة ومؤسسات الدولة كافّة بما فيها عمل مجلس النواب لجهة إقرار التشريعات التي تتّسم بالضرورة.
إلّا أنّ الكتلة أعلنت أنّها هي «من تقرّر الاستمرار في أيّ عمل أو وقفَه وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية، ولا تخضع بذلك لردّات الفعل أو الاستدراج».
الجلسة التشريعية
وكانت صرخة برّي الى النواب بشأن عقد جلسة تشريعية لاقت تشجيعاً عند كتلة «الوفاء للمقاومة»، وأعلن النائب علي فياض استعداد نواب الكتلة للمشاركة في ايّ جلسة تشريعية ستُعقد، إلّا أنّ هذه الصرخة لم تَجد صدى إيجابياً لدى كتلة المستقبل» التي أكّد رئيسها فؤاد السنيورة بعد اجتماع عَقده ونائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان لتنسيق الموقف من الجلسة، أنّه «إذا كان لا بدّ من الحضور فسيكون لتشريع الضرورة».
أمّا عدوان فأكد وجوب تحقيق أمرين في ظلّ الظروف الحالية، وهما: إنجاز قانون الانتخابات الجديد، وأن يتضمن مبدأ النسبية. وقال: «يفترض أن نجد توازناً بين مبدأ النسبية والأكثري»، مذكّراً: «تقدّمنا بصيغة قانون، نحن مع «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«المستقبل»، وكذلك تقدّم الرئيس بري بصيغة قانون مختلط بين النسبي والأكثري، ويبقى أن نعمل بسرعة ونطرح أمام الهيئة العامّة هذين القانونين، لأنّ اليوم الجميع اقترب من هذا المبدأ، ونستطيع الاقتراب من هذين المبدأين لنصل الى قانون انتخابات جديد».
وشدّد على أنّ «هذا المسعى يفتح كلّ الابواب نحو الإصلاح الحقيقي، وأن نؤمّن انعقاد جلسات تشريعية بعد أن نبدأ بقانون الانتخابات وقانون استعادة الجنسية، وإذا اضطررنا أن نمرّر معهما قضايا ملِحّة كالقروض وغيرها».
في هذا الوقت، أعلن تكتّل «التغيير والإصلاح» أنّ تشريع الضرورة «يتعلق بكلّ القوانين التي تشكّل مصلحة عليا وتلك التي تتعلق بتكوين السلطة، ومنها بعض القوانين المالية المطروحة وقانون الانتخاب واستعادة الجنسية. من هنا، فإنّ تشريع الضرورة يحتاج الى بحث وإلى الاعتراف ميثاقياً ودستورياً وديموقراطياً بأنّ هناك اتفاقاً يجب ان يتمّ حول مضمون التشريع لنتّخذ موقفاً منه ونشارك فيه إذا احترم المواصفات التي نتحدّث عنها».
سلام لن ينتظر طويلاً
على صعيد آخر، قالت مصادر سلام لـ«الجمهورية» إنّ شيئاً لم يتغيّر على كل المستويات، وإنّ حال المراوحة ستطول في ظلّ التجاذبات السلبية التي بدأت تأخذ منحى خطيراً يهدّد الحفاظ على الحد الأدنى من أدوار المؤسسات الدستورية ومهامّها. وأكدت المصادر أنّ لقاءَه مع بري كان إيجابياً بكلّ المقاييس، فالتناغم بينهما قائم منذ فترة ولا بدّ من التعاون بينهما.
وأوضَحت انّ البحث تناول كلّ شيء من دون استثناء، فبعدما وضَعه سلام في حصيلة المشاورات الجارية على اكثر من مستوى جرى التفاهم على اولوية بعض الخطوات، ولا سيّما تلك التي تفتح منفذاً إلى إحياء العمل الحكومي والإسراع في بدء تطبيق خطة النفايات مع الاعتراف بحجم العقبات الموجودة.
وأكدت المصادر أنّ سلام كان صريحاً للغاية وأنّه لفتَ الى أنّه لن ينتظر الى ما شاء الله، فإمّا هناك قرار بدعم خطة النفايات أو أنّ ما يحكى عنه غير دقيق، والأيام القليلة المقبلة يجب ان تحمل الجواب الصريح الواضح والنهائي.
النفايات
وكانت مصادر مطّلعة على الاتصالات الجارية لمعالجة ملف النفايات عبّرت عن خشيتها من أنّ الجديد المنتظَر من «حزب الله» لم يأتِ بعد، وأنّ عملية البحث التي يقوم بها الحزب عن المطمر في البقاع ما زالت مستمرّة من دون أية نتيجة إيجابية، وقد تمّ اختيار أكثر من موقع ولم يتمّ التفاهم على أيّ منها.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ الوعود التي دخلت مرحلة المراوحة ما زالت على حالها، وإنّ حركة الاتصالات التي انتقلت أمس الى مجلس النواب للبحث في هذا الملف ترجَمها لقاء لنواب من البقاع بقيَ من دون جدوى بعدما تبَلّغوا بأنّ التجارب السابقة أكّدَت أنّ تحديد المطمر لم يعُد أمراً سهلاً بفعل الرعب الذي زُرع في نفوس المواطنين فجَعلهم يتمرّدون على مراجعهم السياسية والحزبية، ولم تعُد هناك هيبة لأيّ طرف لفرض مثل هذه الخطوة بالسهولة التي يتوقّعها البعض.
ونُقِل عن أحد المعنيين قوله «إنّ وسائل إعلامنا توسّعت في إبراز الوجه السلبي لمطمر الناعمة، لكنّها لم تخبرنا عن العديد من المطامر المقامة في أفضل الظروف البيئية والصحّية، سواء في زحلة أو في مناطق أخرى في لبنان.
وقال أحد أعضاء اللجنة المكلّفة بهذا الملف إنّ أكثر من موقع تمّ تحديده الى اليوم، لكنّ الحزب لم يستطع إقناع الأهالي بالأمر، علماً أنّ بعض المواقع التي تحمل كلّ المواصفات، ببُعدها عن المياه ومصادرها والمدن والقرى باتت بمعظمها مناطق عسكرية مغلقة على كلّ مؤسسات الدولة اللبنانية بما فيها الأمنية والعسكرية».
في غضون ذلك، لاحظ بري أنّ ملف النفايات قد تمذهبَ الى حد أنّه بات مطلوباً أن يكون هناك مطمر شيعي في مقابل مطمر سنّي. وأشار الى انّه يركّز اهتمامه على المساعدة لعقد جلسة لمجلس الوزراء لإنجاز ملف النفايات. لكنّه أبدى أسفه للمنحى الذي سَلكه هذا الملف، مشيراً إلى انّ موقف «حركة أمل» و»حزب الله» واحد من موضوع مطمر البقاع، ولا يزال البحث جارياً عن مكان ملائم لهذا المطمر.
جنبلاط
وغرّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط على تويتر فكتب: «التحية كلّ التحية للجهود الجبّارة التي يقوم بها الوزير أكرم شهيّب لحلّ قضية النفايات. وفي الوقت المناسب يعود لأكرم شرح ملابسات هذا الملف إذا ما وصلت الأمور إلى أفق مسدود، لكنّني أستغرب أنّ السباق لرئاسة الجمهورية يمرّ ببراميل النفايات بدل صناديق الاقتراع».
إرجاء جلسة الأسير
قضائياً، مَثُل الشيخ أحمد الأسير للمرّة الثانية أمس أمام المحكمة العسكرية للاستجواب، وسط تدابير أمنية مشدّدة وتفتيش دقيق، في جلسة لم تستمر أكثر من 30 دقيقة، حضرَتها والدة الأسير وزوجته الثانية أمل شمس الدين، قدّم خلالها وكلاء الدفاع عن الأسير دفوعاً شكلية، أبرز ما تضمَّنته اعتراض على استجواب الأسير أمام استخبارات الجيش، وعدم الحصول على إذن من دار الفتوى لملاحقته، وعلى تلازم محاكمة الراشدين والقاصرين في الملف، بالإضافة إلى طلب من المحكمة تعيين لجنة طبّية للكشف على الأسير.
من جهتها كلّفَت المحكمة الطبابة العسكرية تشكيلَ لجنة طبّية مكوّنة من 3 أطبّاء للكشف على صحّة الأسير، على أن تقدّم للمحكمة تقريراً مفصّلاً في الجلسة المقبلة. وتمّ إرجاء الجلسة إلى 5 كانون الثاني 2016.
وفي هذا الإطار، أكّد مصدر مسؤول في دار الفتوى لـ«الجمهورية» «أنّ الأسير لا ينتمي إدارياً إلى الدار، لم يحضر يوماً ولم يتقاضَ أيَّ راتب». (تفاصيل ص.9)
«السلسلة»
مطلبياً، نفّذت هيئة التنسيق النقابية اعتصامها بعد ظهر أمس أمام تقاطع برج المر في بيروت، قرب مبنى ديوان المحاسبة. لكنّ المشاركة في الاعتصام كانت متواضعة، ولم تكن في حجم التوقّعات. إلّا أنّ الهيئة هدّدت بالتصعيد إنْ لم تُتّخَذ الخطوات اللازمة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، محَذّرةً من أنّها تملك جميعَ وسائل التحرّك، ولن تمتنع عن أيّ شكل منها للحصول على حقوقها.
وتحدّث باسم الهيئة نقيب المدارس الخاصة نعمة محفوض الذي أكّد أنّ «الهيئة ستفرض على جدول أعمال جلسة مجلس النواب سلسلة الرتب والرواتب».
وكانت رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي أعلنَت أنّ الالتزام بقرار الإضراب أمس، تخطّى 90%، وشكرَت الأساتذة الذين شاركوا، كما شكرَت وزير التربية الياس بوصعب على تهديده الذي أطلقه أمس الأوّل، لأنّه دفعَ الجميع إلى المشاركة بالإضراب، على حدّ قول الرابطة.