السؤال الذي طُرح في بيروت في الساعات الأخيرة يتّصل بما إذا كان استقبال الرئيس السوري بشّار الأسد في موسكو يؤشّر إلى بداية المرحلة الانتقالية في مقايضةٍ تمنح الأسد ضمانة معنوية مقابل دخوله في التسوية السياسية المرحلية التي يتركّز البحث فيها، وفق ما أسَرّته مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، على ثلاثة بنود أساسية: الجدول الزمني لهذه المرحلة والذي ما زال نقطة خلافية. حصّة الأسد وخصومه في السلطة، والصلاحيات التنفيذية لكلّ طرف، والذي ما زال بدوره نقطة خلافية. والبند الثالث يتصل بالضمانات الضرورية العربية والدولية لرعاية ومواكبة المرحلة الانتقالية، لأنّ غياب تلك الرعاية يمهّد للانقلاب على التسوية. وقالت المصادر إنّ دخول سوريا في المرحلة الانتقالية سيفتح الباب أمام مرحلة انتقالية في لبنان تنتج رئيساً وسطياً وحكومة انتخابات وظيفتُها إنجاز قانون إنتخابي جديد والدعوة إلى انتخابات فورية في مهلة أقصاها ستّة أشهر. فهل سَلكت الأمور فعلاً مسار الحل، أم أنّ التعقيدات الدولية وتشابك المصالح الإقليمية سيبدّد الأجواء التفاؤلية؟
في غمرة التعطيل الذي يضرب المؤسسات بسبب الانقسام السياسي الحاد في البلاد، والشغور الرئاسي المستمر الذي تكرّسَ أمس مجدداً مع ترحيل جلسة الانتخاب إلى 11 تشرين الثاني المقبل، بدا أنّ لبنان سيبقى أسيرَ الجمود السياسي القاتل، إذ لا أحداث مهمّة متوقّعة داخلياً باستثناء انتقال التركيز إلى الملف التشريعي مع التحذير الذي أطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري لعدم إهدار القروض الممنوحة من البنك الدولي،
والذي في ضوئه كثّفَت الكتل النيابية مشاوراتها الداخلية لتحديد موقفها من الجلسة التشريعية التي يرجّح انعقادُها مطلع الشهر المقبل في ظلّ توجّه إلى اعتبار ناقوس الخطر الذي دقّه بري يدخل ضمن تشريع الضرورة لاتصاله بمصلحة اللبنانيين والبلد، وبالتالي الدفع باتجاه إنقاذ الجلسة التشريعية لإنقاذ القروض.
وفي هذا السياق توقّعت مصادر في قوى 14 آذار لـ«الجمهورية» لقاءً موسّعاً للأقطاب في هذا الفريق في مهلة أقصاها مساء يوم الإثنين المقبل، ليكون عشية اللقاء المقرّر لهيئة مكتب المجلس التي ستضع جدول أعمال الجلسة التشريعية التي بدأ الرئيس بري التهيئة لها، وذلك في محاولة للخروج بموقف موحّد من جدول أعمال الجلسة التشريعية.
ومساءً، أكّدت مصادر نيابية بارزة لـ«الجمهورية» أنّ جميع القوى السياسية بات لديها توجّه بضرورة عقد جلسة تشريعية ستعقَد على الأرجح مطلع تشرين الثاني المقبل لإقرار جدول أعمال يراعي هواجس ومتطلبات كلّ القوى السياسية، من قانون استعادة الجنسية إلى القوانين التي تضَمّنها جدول الأعمال السابق، مع بعض القوانين الضرورية المستجدّة المتلعقة بالهبات والقروض الدولية والوضع المالي. واستبعدت المصادر أن يتضمّن جدول الأعمال قانون الانتخابات النيابية.
ورأت المصادر أنّ الحكومة مستمرّة في غيبوبتها في جلسة النفايات، وتنتظر الاتفاق حول مطمر البقاع الذي لم يتمّ الاتفاق على مكانه بعد، ولمّحت إلى أنّ الحديث يجري حول العودة إلى المطمر الأوّل على الحدود اللبنانية ـ السورية، كونه الأكثر ملاءمة بيئياً من بين كلّ المطامر التي تمّت معاينتها خلال الأسابيع الماضية.
برّي
وفي هذه الأجواء، يجهد بري في تأمين عقد جلسة تشريعية، بعدما وضَع الكرة في ملعب الكتل النيابية. ونَقل النواب عنه أمس تصميمه على الدعوة إلى عقد الجلسة في أقرب وقت ممكن، مؤكّداً «أنّه لم يعُد مقبولاً الاستمرار على هذا الوضع من التعطيل الذي يزيد من الانهيار والأخطار على الأوضاع الاقتصادية».
ولفتَ النواب إلى أنّ بري بدأ التحضير للجلسة، وأعطى توجيهاته لدوائر المجلس تمهيداً لها، وسيترَأس اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس ظهر الثلاثاء المقبل لدرس وإقرار جدول الأعمال، خصوصاً في ضوء تراكم العديد من مشاريع واقتراحات القوانين الملِحّة والضرورية».
السنيورة
واعتبَر الرئيس فؤاد السنيورة، بعد مؤتمر صحافي عَقده مع النائب جورج عدوان في مجلس النواب، «أنّ عدم انتخاب رئيس يأخذ البلد إلى مزيد من التدهور، ومن يعطّل الانتخاب يتحمّل مسؤولية ما يحصل».
ورأى أنّ «الأزمة السياسية انعكست سلباً على الاقتصاد، وللمرّة الأولى نصل إلى هذا الحدّ من عدم وجود فرص عمل جديدة في لبنان، ولا استثمارات في البلاد، والوضع الاقتصادي يتدهور ويقع على عاتق معطلي الرئاسة».
قزّي
وإذ شدّد وزير العمل سجعان قزي على وجوب أن لا يغيب عن بال أحد أنّ المشكلة الأساسية في البلاد وأمّ كلّ الأزمات تكمن في عدم انتخاب رئيس جمهورية جديد، قال لـ«الجمهورية»: «موقفنا في حزب الكتائب مبدئي، ويُفترَض أن يبقى في البلاد قوى سياسية تتمسّك بالمبادئ والدستور، مع كلّ تفهُّمنا لضرورة إيجاد تسويات آنيّة بانتظار انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهذه التسويات يجب أن تبقى تحت سقف الدستور والقانون.
ونحن كحزب، وإنْ كنّا نعتبر أنّ المجلس النيابي هو هيئة ناخبة لا هيئة تشريعية، فلن نعلن العصيان في حال انعَقد. فنحن لا نخوض معركة سياسية في هذا الإطار، إنّما لدينا موقف دستوري، وإذا حصَل أيّ تعديل في موقفنا فهذا أمر يتّخذه رئيس الحزب والمكتب السياسي».
عون
وقال النائب ألان عون لـ«الجمهورية»، ردّاً على سؤال يتعلق بموقف تكتّل «التغيير والإصلاح» من دعوة بري إلى جلسة تشريعية: «لقد حدّد «التكتّل» أنّه، في ظلّ الشغور الرئاسي، سيشارك في الجلسات التشريعية على قاعدة تشريع الضرورة، أي في كلّ ما يتعلق بإعادة تكوين السلطة من جهة أو ما يدخل في مصاف الضرورة القصوى (raison d›etat) من جهة أخرى. وإذا ما جاء جدول الأعمال منسجماً مع تلك المعايير، فمن الطبيعي أن يشارك «التكتّل» في تلك الجلسة.
أضاف: «كلام الرئيس بري هو تنبيه على مخاطر كبيرة اقتصادية يجب التدارك لمفاعيلها إذا ما صحّت، وبالتالي التعاطي معها تشريعياً على قاعدة الضرورة القصوى، و»التكتل» ليس بحاجة للاختبار في حِرصه على مصالح الناس والدولة عندما تتعرّض للخطر».
المشنوق
وعلى مسافة أيام عدّة من جلسة الحوار بين تيار«المستقبل» و«حزب الله» والتي تُعقد مساء الثلثاء المقبل، أوضَح وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي كانت تسرّبَت أجواء عن احتمال عدم مشاركته شخصياً في هذا الحوار، أنّه وجَّه «رسالة إنذار واضحة في كلامه في ذكرى اللواء وسام الحسن لكلّ اللبنانيين»، وقال: «عندما نريد الخروج من الحوار، نخرج كما دخلنا، وبقرارنا وليس بقرار غيرنا، وليس ببطولات الاستغناء عنّا التي جرّبوها أربع سنوات ورأينا انعكاس ذلك على البلد». وأضاف: «الصبر لا يعني الاستسلام، وقد تريّثت لسَنة كاملة لأعلنَ موقفاً أساسياً من المواضيع، وأتمنّى أن يكون هذا الأمر واضحاً».
«الحزب»
في الموازاة، دعا نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، «المستقبل» إلى تحَمّل تبعات سياساتهم الخاطئة، ورأى أنّ «التصريحات العنترية» «فارغة من الأثر وفارغة من المحتوى»، وأكّد أنّها لن تحقّق شيئًا ولن تبدّل شيئاً، و»هذا فقط من أجل كسب الرأي العام الموجود لديهم، وأعتقد بأنّهم واهمون، لأنّ الرأي العام يعرف تماماً بأنّهم في المأزق، ويعرف تماماً بأنّهم مخطئون».
المبادرة المصرية
وفي هذه الأجواء، كشفت مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية» أنّ وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي كان سيصل إلى بيروت أمس، في مسعى رئاسي، قد أرجَأ زيارته إلى وقت لاحق لسببين: الأوّل ضرورة بقائه في بلاده لمواكبة الحملة الديبلوماسية التي ستواكب من خلالها الوزارة نتائج الأحداث الدامية التي وقعَت في صحراء سيناء، ونتائج الانتخابات النيابية التي عبَرت مرحلتها الأولى ومن الطبيعي أن تنتهي إلى استقالة الحكومة المصرية لتشكيل بديل منها جرّاء الانتخابات النيابية.
أمّا السبب الثاني فتمثّلَ بنصيحة تلقّاها من السفير المصري في لبنان بدر الدين زايد بتأخير الزيارة، بعدما جال أخيراً على رئيسَي المجلس النيابي والحكومة وقيادات سياسية وحزبية، ولم يتوصّل إلى الحد الأدنى من النقاط المشتركة التي يمكن أن تشكّل بداية مبادرة مصرية يمكن أن تتحوّل لاحقاً إلى مبادرة عربية لانتخاب رئيس جمهورية تحت شعار «الحاجة إلى من يتوافق عليه الجميع» ومن «لا يشكّل لا في شخصه ولا في تاريخه انتصاراً لهذا الطرف أوذاك»، وهو ما اصطلح على تسميته بـ «الرئيس التوافقي» بالحد الأقصى المتوافر.
ملفّ النفايات
ولم تبرز أيّ معطيات جديدة في ملف النفايات تُخرجه من عنق الزجاجة في ظلّ عدم تمكّن «حزب الله» من تحديد مطمر في البقاع. وفي هذا الإطار، تقول أوساط متابعة لـ«الجمهورية»: «طالما هناك جدّية في البحث عن مطمر ثالث في البقاع فلا شيء يمنع كبادرة حسنِ نيّة أن يُفتح مطمر الناعمة ومطمر سرار، لأنّ ربط موضوع النفايات بالقضايا الطائفية جريمة لا تُغتفر لدى الرأي العام».
وفي المقابل، شدّدت مصادر معنية لـ«الجمهورية» على الربط بين المطامر، وقالت إنّ الجهات المختصّة ستبرد همَّتها في حال السير بمطمرَي سرار والناعمة، ما يولّد إشكالات داخلية، وبالتالي تجَنّباً لذلك يجب أن تكون انطلاقة الخطة متكاملة.
نحو الإضراب المفتوح
إلى ذلك، حسَمت هيئة التنسيق النقابية أمرَها وقرّرت تنفيذ الإضراب العام الإثنين المقبل في 26 الجاري. ودعَت الموظفين والمعلّمين والأساتذة والمتعاقدين والأجَراء، إلى المشاركة في الاعتصام الساعة الحادية عشرة من قبل الظهر، أمام وزارة الشؤون الاجتماعية في بيروت وأمام مراكز الأقضية والمحافظات.
وفي هذا السياق، أعلنَت هيئة التنسيق أنّها تتّجه إلى تصعيد مواقفها حتّى حدّها الأقصى، وصولاً إلى الإضراب العام المفتوح، وفقَ ما كشَف رئيس رابطة موظفي الإدارة العامّة محمود حيدر لـ«الجمهورية» بأنّ اختيار موعد الإضراب في 26 الجاري يتماهى مع اجتماع هيئة مكتب المجلس في 27 الجاري لوضع جدول أعمال الجلسة التشريعية، وذلك للضغط من أجل وضع سلسلة الرتب الرواتب كبندٍ أوّل في جدول الأعمال».
وأعلن أنّه في حال تمَّ عَقد جلسة تشريعية ولم يتمّ وضع السلسلة كبندٍ أوّل على جدول أعمالها، فإنّ هيئة التنسيق ستتّجه إلى اعتماد أقصى أشكال التصعيد، وفي مقدّمها تنفيذ الإضراب المفتوح في الإدارات والمؤسّسات والمدارس.