ظلّت زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد الخاطفة إلى موسكو، والتي التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، محور الاهتمام والمتابعة لِما يمكن أن تتركه من انعكاسات على مسار الحلّ السياسي للأزمة السوريّة، في وقتٍ استمرّ الانقسام اللبناني داخلياً حول قراءة معاني هذه الزيارة وأبعادها، وما يمكن أن يكون لها من تداعيات على لبنان والمنطقة عموماً. وفي موازاة الانشغال بهذا التطوّر الذي يؤشّر إلى دخول الأزمة السوريّة في مرحلة سياسية جديدة، راوحَت الأزمة اللبنانية مكانها وتعثّرَت خطة النفايات، ما دفعَ رئيس الحكومة تمّام سلام إلى التهديد بفضح كلّ شيء وتسمية الأشياء بأسمائها إذا لم يعالج هذا الملف، في وقت تصَدّر موضوع الجلسة التشريعية المقرّرة مطلع الشهر المقبل الاهتمامَ الداخلي، حيث شدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري على وجوب انعقادها، مؤكّداً أنّه «لن يقبل بانتحار البلد، وأنّ الانتحار ممنوع».
في هذه الأجواء، يطلّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله صباح غد السبت في اختتام المسيرة العاشورائية الكبرى التي ينظّمها الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث ستكون له كلمة دينية وسياسية في المناسبة، علماً أنّه سيكون أوّل خطاب له بعد زيارة الأسد إلى موسكو.
حمادة
وأكد النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية» أنّ «التدخّل الروسي في سوريا لن يغيّر شيئاً جوهرياً في الميدان، إلّا أنّه أعطى موسكو موقع الطليعة في المبادرات السياسية، وهي ستكتشف مع الوقت، مثلما اكتشف قبلها الغرب، أنّ بشّار الأسد سِلعة لم تعُد صالحة للاستعمال، وسيفاوض في الأوّل عنه، وبعد ذلك عليه.
وهذا ما يمكن أن نتوقعه في الأسابيع المقبلة». وأضاف: «طروحات موسكو حول إبقاء الأسد غير قابلة للتنفيذ، فالمفاوضات التي ستجري من الآن فصاعداً ستكون حول الفترة الانتقالية وكم من الأسابيع أو الأشهر تفصلنا عن رحيله».
وقال: «زيارة موسكو هي بداية الجولات التي ستؤدّي إلى هجرة آل الأسد وحكمهم عن دمشق. فالكلفة المالية والاقتصادية لحرب طويلة في سوريا لا تستطيع روسيا تحمّلها في وضعها الحالي ومع تراجع أسعار النفط، وبالتالي كلّ النقاش ليس في بقاء الأسد ولكن في رحيله، وكم هي الكلفة».
«8 آذار»
في المقابل، قالت مصادر قيادية بارزة في قوى 8 آذار لـ«الجمهورية»: «إنّ زيارة الأسد إلى موسكو ليست هي الحدث، بل تأتي في سياق التحوّل الجديد في المنطقة والمتمثّل بالحضور الروسي المباشر والقوي والتحالف الروسي ـ السوري ـ الإيراني ضد الإرهاب. وهذا هو الحدث الأهم».
ودعت هذه المصادر إلى عدم الاستغراب غداً لدى رؤية بوتين في دمشق، وأكّدت «أنّ الأسد باقٍ في منصبه، ولا شيء يزيحه من منصبه إلّا إذا رفض الشعب السوري بقاءَه»، واعتبرَت أنّ المساعدة الروسية أعادت إحياء الآمال ببقاء سوريا موحّدة.
وأشارت الى أنّ «هناك من يحاول ان يدفن رأسه في الرمال ويرفض قراءة الاحداث والتطورات ورؤية الصورة كما تشي، فزيارة الأسد واضحة بدلالاتها ولا تقبل التأويل والتفسير. فهو بالنسبة الى روسيا ليس محلّ مساومة، سوريا هي الأسد بقيادته، وعندما نتحدّث عن سوريا نكون نتحدث عن الأسد ومع الأسد».
وردّت المصادر على المشكّكين، وقالت: «إذا فهموا مِن حفاوة الاستقبال وتعمُّد إذاعة الحوار ـ وهي المرّة الأولى التي يذاع فيها حوار بين رئيسين ـ أنّ العد العكسي لرحيله قد بدأ، فمعنى ذلك أنّنا أمام مصيبة كبرى، والسبب الكبير في مصائبنا هو القراءات الخاطئة التي تعكس التمنّيات».
واعتبرت المصادر أنّ الحلّ السياسي في سوريا لا يزال بعيد المنال، ومعنى ذلك انّ لبنان ليس مقترباً الى حلول. ورأت في مروحة الاتصالات الهاتفية التي أجراها بوتين عقب لقائه الأسد دعوة إلى من اتّصل بهم الى المشاركة في محاربة الإرهاب ومن ثمّ المشاركة في الحلّ السياسي.
وأكدت المصادر انّ سوريا تعني كثيراً لروسيا، فهي داعم اساسي لها، وهي لن تتركها كما لن تترك غيرها لتكون لقمة سائغة للإرهاب وللداعمين له». وقالت «إنّ الخلطة السحرية انكشفت، أن تكون تحارب الإرهاب من فوق فيما أنت تدعمه من تحت، والأميركي ليس جديراً بمحاربته، والتحالف الدولي مضى عليه سنة ونصف السنة، والنتيجة أنّ الإرهاب تمدّد ولم يتراجع».
تنسيق تشريعي
وعلى الجبهة النيابية، تستمر المشاورات بين النواب والكتل تحضيراً للجلسة التشريعية، وتتكثّف الاتصالات التنسيقية، خصوصاً على خط الرابية التي زارها رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» ملحم رياشي موفَداً من رئيس الحزب سمير جعجع، ومعراب التي سيزورها في اليومين المقبلين أمين سر تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ابراهيم كنعان موفد رئيس التكتل النائب ميشال عون، وذلك بغية بلوَرة تصوّر مشترك للجلسة النيابية يأخذ في الاعتبار تشريع الضرورة، وخصوصاً قانون الانتخاب واستعادة الجنسية إضافة الى بعض القوانين المالية.
وعلمت «الجمهورية» انّ هناك استحالة قانونية في إدراج قانون الانتخابات النيابية على جدول اعمال الجلسة التشريعية، إذ إنّ هناك نحو 18 مشروع قانون واقتراح قانون لم يتمّ إقرار أيّ منها في اللجان النيابية المشتركة حتى يمكن عرضها على الهيئة العمومية للمجلس.
برّي
وإلى ذلك، أكد بري أمام زوّاره أمس أنّه «لا بدّ من عقد جلسة تشريعية، ولن أقبل بانتحار البلد لأن الانتحار ممنوع». وأشار الى انّه سيركّز في اجتماع هيئة مكتب المجلس الثلثاء المقبل على وجوب إدراج القضايا الضرورية والملحّة على جدول اعمال الجلسة التشريعية التي ستعقد مطلع الشهر المقبل. وقال: «أنا حريص على الميثاقية لكن لا بدّ من انعقاد الجلسة التشريعية لا محال، لئلّا يذهب البلد الى الإفلاس».
وأضاف: «وضعت في تصرّف أعضاء هيئة مكتب المجلس ما بين 40 إلى 50 مشروع قانون، وهي تمثّل كلّ القوانين المقرّة في جلسات اللجان النيابية المشتركة والمقترحة لينتقي كلّ زميل ما يراه ضرورياً وملحّاً لطرحه في الجلسة، ومَن لديه مشاريع أخرى فليتقدّم بها باقتراحات قوانين معجّلة مكررة إذا توافرت فيها الشروط المطلوبة».
سلام
إلى ذلك، أكد سلام أمس، «أنّ معالجة موضوع النفايات ما زالت متعثّرة بسبب التجاذبات القائمة بين القوى السياسية»، وقال: «إذا لم يحصل حلّ جذري خلال أيام فإنني سأتّخذ الموقف المناسب».
وعن تعطيل مجلس الوزراء، قال سلام: «ما زلت أصبر وأحاول. وعندما اشعر بأنني وصلت الى طريق مسدود سأعلن موقفي. لقد قلت مراراً أن لا لزوم لمجلس الوزراء إذا كان غير قادر على الاجتماع، وأبلغت ذلك الى المشاركين في جلسات الحوار في مجلس النواب».
وقالت مصادر سلام لـ«الجمهورية» إنّه افصَح في لقائه مع طلّاب الجامعة اليسوعية عن القليل ممّا يختلج في صدره من معاناة تتصل بما آل إليه ملف النفايات والمعالجات الفاشلة التي لم تنتهِ بعد لأخطر الملفات التي باتت من المشكلات والاستحقاقات الوطنية الكبرى بالنظر الى انعكاساتها على صحّة الناس وصورة لبنان، الى ما هنالك من نتائج سلبية ترتّبَت على التأخير في معالجة هذه المعضلة الصحية والاجتماعية والبيئية.
وحول الأسباب التي دفعته الى التعبير عمّا افصَح به ومهلة الأسبوع التي اعطاها الى من يعنيهم الأمر، قالت المصادر أن «ليس في الأمر سرّ. فالأسباب معروفة، وأقلّها أنّ الأطراف التي قررت في مجلس الوزراء ومن بعده في هيئة الحوار الوطني لم تلتزم مواقفها الداعمة للخطة التي أقرّها مجلس الوزراء لأسباب باتت معروفة لدى الجميع. وأقلّ ما يقال فيها أنّ البعض لجأ الى استخدام النفايات في الاستحقاقات السياسية وكأنّها قضية تعني رئيس الحكومة أو هذا الفريق أو ذاك من اللبنانيين، فيما المشكلة باتت بتردّداتها السلبية ونتائجها مسيئة للوطن وشعبه».
وأضافت المصادر: «لقد ضاق رئيس الحكومة ذرعاً، يؤكّدون جميعاً أهمية الحكومة وضرورة حمايتها، ولا يسمحون لها بالاجتماع بنصاب قانوني أو ميثاقي، الى آخر المعزوفة المملّة، ويمنعون تطبيق قراراتها، فيما هم اعضاء في هذه الحكومة وشركاء في المسؤولية. علماً انّ مسؤوليات المعطلين لا تنفصل عن مسؤولية أي وزير من وزراء هذه الحكومة».
وسخرت المصادر من بعض التفسيرات التي تعطى للصيغة الفنية والبيئية المعتمدة في تصنيف المناطق الملائمة للمطامر، مؤكدةً «أنّ المعايير البيئية والتقنية وحدها المعتمدة، وأي تصنيف آخر لا وجود له، ومن له تفسير آخر عليه ان يكشف عنه، ونحن جاهزون، وأصحاب الإختصاص معنا للتوضيح».
لكنها لفتت الى مخاطر تكاثر الخبراء البيئيين الذين وزعوا الشهادات في الخبرة عبر المؤسسات الإعلامية، وهو ما أضرّ بمستوى فهم الناس لأهمية المطامر وما فيها من إجراءات وقائية جعلت بعض المطامر القائمة حالياً بمواصفات دولية».
على صعيد آخر نفَت المصادر لـ«الجمهورية» الأخبار المتداولة من انّ سلام يستعدّ لزيارة بعض العواصم قريباً، ولفتت الى انّ أولى الزيارات المدرجة على جدول اعماله رسمياً حتى الآن هي في منتصف تشرين الثاني المقبل الى المملكة العربية السعودية حيث تعقد القمة العربية ـ الاميركية اللاتينية في الرياض.
توقيف «داعشي»
أمنياً، واصلت الأجهزة الأمنية ملاحقتها للتنظيمات الإرهابية، وأوقف الامن العام المسؤول الشرعي لتنظيم «داعش» في مخيم عين الحلوة مع آخرين، لإقدامهم على التخطيط لربط المخيمات الفلسطينية بعضها ببعض، وتأليف شبكات وخلايا إرهابية بهدف إعلان إمارة اسلامية، والاعتداء على الجيش اللبناني، والتحضير لاستهداف مراكز حزبية ودينية ولتنفيذ أعمال تفجير واغتيال شخصيات سياسية لبنانية وفلسطينية بواسطة انتحاريين انغماسيين وسيارات مفخخة لزعزعة الاستقرار وإحداث الفتنة، إضافة الى تجهيز وتفخيخ سيارات لتفجيرها في أحياء الضاحية الجنوبية، وتحديداً خلال فترة إحياء المناسبات والاحتفالات، ومنها مراسم عاشوراء، وذلك كله بهدف إشعال الفتنة وضرب العيش المشترك.
وقال مصدر رفيع في الامن العام لـ«الجمهورية» إنّها العملية الاولى التي تُكشَف فيها خيوط لـ«داعش» ذات تواصل مباشر مع التنظيم في «إمارة الرقة».
وكشف انّ القاضي الشرعي في «داعش» الفلسطيني زياد فضل كعوش وشقيقه جهاد غادرا لبنان منذ مدة عبر سوريا وعادا إلى مخيم عين الحلوة بأوامر مباشرة لـ«والي الرقة» الذي اجتمعا به في مقر «ابو ايوب» العراقي، بتنفيذ تفجيرات في ثكنة صيدا وعلى حواجز الجيش عند مداخل عين الحلوة والتخطيط لاغتيال شخصيات سياسية في صيدا وربط مخيمات لبنان الفلسطينية بعضها ببعض لتكوين «شبه إمارة إسلامية» عوضاً عن «إمارة طرابلس» التي أحبطها الجيش اللبناني.