الأجواء التي رشحت عن الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» تؤشر إلى وجود مناخات إيجابية ومشجّعة لتحقيق انفراجات سياسية، ولكن سقوط كلّ الوعود السابقة بالوصول إلى حلول وتحديداً في أزمة النفايات، أبقى منسوب الحذر قائماً، إلّا أنّ المعلومات تحدّثت عن وجود توجّه فعلي لكسر حالة التعطيل العامّة وإعطاء اللبنانيين بوادرَ أمل، ولو نسبية، في ملفّين أساسيين: النفايات والتشريع، حيث من المتوقع أن يُحدث التوافق حولهما صدمة إيجابية تبدّد أجواء التشنّج وتطلق دينامية إيجابية جديدة. لا شيء أكيد ولا محسوم بطبيعة الحال، غير أنّ ما يختلف عن السابق وجود نيّات جدّية بإخراج الوضع من المراوحة السلبية، وهذه النيّات تمّ التعبير عنها صراحةً في الحوار الثنائي برعاية حركة «أمل، وتمّ ربطها بكلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي دعا في إطلالته الأخيرة لـ«الذهاب إلى الحوار الجدّي». فما هو في متناول اليد اليوم مبدئياً النفايات والتشريع، وفي حال وُضِعا على سكّة الحل يمكن أن ينسحب هذا الواقع على ملفات أخرى في طليعتها الحلحلة الحكومية، لأنّ الملف الرئاسي بحاجة إلى ظروف إقليمية لم تنضج بعد. وقد سُجّل في الساعات الـ 24 الأخيرة حركة مكوكية لوزير الزراعة أكرم شهيّب الذي قال لـ«الجمهورية» إنّ الأجواء إيجابية، وتوقّع إذا ما تحلحلت الأمور العالقة أن يدعو رئيس الحكومة تمام سلام مجلس الوزراء إلى الانعقاد خلال اليومين المقبلين، سيّما أنّ وزير المال علي حسن خليل كان توقّعَ بدوره عَقد جلسة حكومية في الساعات المقبلة بناءً على الطرح الذي قدّمه رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي قد يشكّل خشبة الخلاص لمأزق النفايات على قاعدة كلّ جهة تتكفّل بنفاياتها.
أكثر ما لفتَ المراقبين في الأيام الأخيرة تكرار السفير السعودي علي عواض عسيري في مجالسه والإعلام تأكيدَ المملكة الدائم على ضرورة استمرار الحوار بين اللبنانيين وإيجاد الحلول للقضايا الخلافية، وفي طليعتها التوصّل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وإذا كان هذا التأكيد يجسِّد توجّه المملكة الثابت حيال لبنان، إلّا أنّ أهميته تكمن بأنه جاء بعد أعنف حملة يشنّها «حزب الله» ضد المملكة وتحديداً القيادة السعودية التي أظهرَت أنّ قرارَها فصلَ لبنان عن الاشتباك مع الحزب هو قرار استراتيجي، ويبدو أنّ الأمر ينسحب أيضاً على طهران، وبالتالي العبرة الأساسية من الاشتباك الأخير بين «المستقبل» والحزب أنّ حدوده حدود استمرار الاستقرار في لبنان.
وإذا كانت هذه الصورة نجحت بتبديد الهواجس، إلّا أنّ هناك مخاوف من انهيارات محتملة في حال استمرّ التعطيل وتوسّع، خصوصاً في ظلّ تفاقم الأزمات السياسية والمالية والصحّية، والفَلتان في بعض المناطق وصولاً إلى تحوّلِ الشتاء في لبنان من نعمة إلى نقمة مع الطرقات العائمة والناس العالقين في برك المياه وزحمة السير الخانقة، فضلاً عن الأوبئة المتفشّية نتيجة النفايات المنتشرة في الطرقات.
ويبدو أنّه بعد أن وصَلت الأمور إلى حافة الهاوية في ظلّ صورة الدولة التي تضرّرت كثيراً على مستوى سلطتها وهيبتها ودورها، تقرّر إنقاذ الوضع من خلال مدِّه بجرعة أوكسيجين تُمكِّن اللبنانيين من الحفاظ على الوضعية الانتظارية لبلدهم ريثما تكون القوى الدولية نجحت في حلّ الأزمة السورية.
وفيما ينتقل الحدث مجدداً إلى فيينا غداً مع استئناف البحث بمستقبل سوريا في اجتماع روسي ـ اميركي ـ سعودي ـ تركي، وبمشاركة لبنانية وإيرانية ومصرية، ظلّ الحديث يتمحوَر حول الملفات اللبنانية الساخنة، وفي مقدّمها ملف النفايات، الى جانب الملف المالي ورواتب العسكريين وموظفي القطاع العام، في ظلّ حديث وزير المال عن نقص مالي كبير في كلّ الإدارات، لا سيّما في المؤسسة العسكرية وقوى الأمن، ورفضِه أن تدفع وزارة المال بطريقة غير قانونية.
في وقت تبقى جلسة مجلس الوزراء رهن اتصالات ربع الساعة الأخير لإنقاذ خطة النفايات التي تبلوَرت اتّجاهاتها إلى حدّ كبير. ويبقى التعويل على التشريع في انتظار نتائج اجتماع مكتب مجلس النواب مجدّداً الثلثاء المقبل تحضيراً للجلسة التشريعية المرتقَبة.
إنقاذ الخطة؟!
وقبل ساعات على انتهاء مهلة الخميس، التي حدّدها كلّ من رئيس الحكومة ووزير الزراعة، قبل اتّخاذ موقف حاسم من ملف النفايات، دخل مشروع إنقاذ خطة النفايات مراحلَه النهائية أمس بعد استنفار واسع واتّصالات سياسية متسارعة، في ظلّ تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ «حلّ هذا الملف ضرورة وطنية لا تَحتمل التأخير»، فيما أعلن خليل أنّ رئيس المجلس قدّم أفكاراً ومقترحات جديدة تتطلّب وتفرض أن تجتمع الحكومة في الـ 24 ساعة المقبلة، وأكّد شهيّب أنّ «اتصالات اللحظة الأخيرة تُستكمَل بشكل جدّي لإنجاز عناصر الحل»، قائلاً: «لم نرفع العشرة».
وأشار شهيّب، بعد اجتماع عَقده ووزير الصحة وائل ابو فاعور مع برّي في حضور خليل، إلى أنّ جهود اللحظة الأخيرة كان بدأها أمس (أمس الأوّل) مع الوزير ابو فاعور، وتحدّث عن الحاجة إلى مزيد من الاتصالات لحلّ المشكلة»، لأنّ هناك أفكاراً جديدة مطروحة وهناك خطة مقَرّة من مجلس الوزراء. هذه الأفكار منها ما يتناغم مع الخطة ومنها ما يحتاج إلى جلسة لمجلس الوزراء للخروج من هذه الأزمة».
ولاحقاً عُقد اجتماع في السراي الحكومي ضمّ سلام وشهيّب وأبو فاعور ووزير الداخلية نهاد المشنوق، وانضمّ إليه لاحقاً خليل، وبعد الاجتماع قال شهيّب: «إجتماع جديد غداً، واتصالات اللحظة الأخيرة تجري لإنجاز عناصر الحلّ لأزمة النفايات».
شهيّب
وقال شهيب لـ«الجمهورية» إنّ الأجواء إيجابية، لكن هناك بعض النقاط تحتاج الى متابعة وإلى مزيد من الاتصالات، سألتقي اليوم الرئيس سلام عند الحادية عشرة، وسأستمهله بعض الوقت لإجراء مزيد من الاتصالات، لكن هذا الوقت لن يتعدّى مهلة اليوم ولن أمدّده.
وتوقّع شهيب إذا ما تحلحلت الأمور العالقة أن يدعو سلام مجلس الوزراء إلى الانعقاد خلال اليومين المقبلين.
نفايات كسروان والمتن
وعلمت «الجمهورية» أنّ شهيّب سيجتمع اليوم مع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل لسؤالهما ماذا يريدان أن يفعلا بالنفايات في كسروان والمتن، بما أنّ كلّ جهة تكفّلت بمعالجة نفاياتها؟
كما علمَت «الجمهورية» أنّه وفي خلال اجتماع السراي، قال خليل للمجتمعين: إذا كنتم تطلبون من كلّ طرف أن يؤمّن نفاياته، نحن نتكفّل بنفاياتنا في الضاحية. فسأل الرئيس سلام، أين؟ أجابه خليل: «عندما تدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء وتطلب منّا إبلاغك بأماكن المطامر سنبلِغك حينها».
«سرار» و«الناعمة»
وفي المعلومات أيضاً أنّ مطمر سرار لا يزال قائماً وأنّ شهيب وأبو فاعور أبلغا المجتمعين أنّ طرح مطمر الناعمة لسبعة أيام لا يزال سارياً، وبالتالي لم يعُد هناك مشكلة إلّا بنفايات المتن وكسروان، والأمر يتوقف على جواب عون والجميّل.
وزير الدفاع
وكان وزير الدفاع سمير مقبل نبَّه من السراي أنّنا في مأزق كبير، لن نستطيع الخروج منه إذا لم يؤمّن «حزب الله» وحركة «أمل» مطمراً في البقاع. وقال: «ندرس وبشكل جدّي قضية تصدير النفايات إلى الخارج «.
الراعي: تقاسُم الحصص
في غضون ذلك، شكّك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لدى عودته الى بيروت آتياً من ميلانو «في أن يقدِّم الرئيس سلام استقالته بهذه البساطة»، وأكّد وجوب ألّا يفعل ذلك، سائلاً: «لمن سيقدّمها؟ ومن سيَقبلها؟ وهل تنقص لبنان خضّات؟
على الأقلّ يجب على الحكومة أن تبقى موجودة رسمياً، وتجتمع عندما تستطيع». واعتبَر أنّ سلام «ليس متهوّراً ليقدّم استقالته ويرمي البلد إلى المجهول، هذا أمر غير مقبول على الإطلاق، نحن نحيّيه ونشدّ على يده، ونتمنّى عليه أن يحافظ على الحكومة ويجمعها في أقرب وقت».
واستغرب الراعي لماذا لا تطبّق خطة شهيب، وقال: «منذ زمن قلنا وتمنّينا أن يتمّ السير في هذه الخطة عوض رمي لبنان في النفايات. فبعدما فقدنا كرامتنا بسبب عدم انتخاب رئيس وأيضاً لِما نعانيه اليوم من أزمات، فهل المطلوب إغراقنا أكثر فأكثر في موضوع النفايات؟
وهل إنّ التظاهرات التي قام بها الشعب والصرخات التي سمعناها لم تهزّ ضمير أحد من المسؤولين حتى الآن؟ هذا الواقع مرفوض، والأبشع من كلّ ذلك أنّهم يختلفون على تقاسم الحصص».
الرواتب
ومع بروز حديث عن مشكلة في دفع الرواتب، قال وزير المال: «هناك نقص في تغطية بند الرواتب، وهذا الأمر لا يعكس على الإطلاق مشكلاً ماليّاً. هناك مبالغ متوفّرة من الاحتياط وهي بحاجة الى اتّخاذ قرار في مجلس الوزراء لإصدار مرسوم في هذا المجال، وفي اللحظة التي يتّخذ فيها هذا القرار تتأمّن كلّ الرواتب والتي قيمتها 444 مليار ليرة لبنانية لشهري تشرين الثاني وكانون الاوّل.
وإذ طمأنَ خليل إلى جهوزية وزارة المالية للدفع في هذه اللحظة، أكّد أنّه لن يدفع بطريقة مخالفة للأصول والقوانين، وشدّد أنّ الموضوع بعيد كلّ البعد عن التسييس، وهو مسألة دستورية قانونية بحت، وليس له علاقة بخلفية الصراعات السياسية والانقسامات القائمة.
خليل لـ«الجمهورية»
وقال خليل لـ«الجمهورية: «لقد أمّنتُ الأموال من الاحتياط ، جمعتُ ووفّرت واستردّيت مراسيم النقل لبعض الإنفاق، ورتّبت الأمور قدر الإمكان، وأنا جاهز لصرف الرواتب، لكنّني لا أستطيع من دون قرار مجلس الوزراء. فإذا انعقد مجلس الوزراء سنتمكّن من الصرف وإذا لم ينعقد ويقرّر فلا أستطيع أن أصرف ليرة واحدة.
والموضوع ليس بيَدي على الإطلاق، ولن أخالف القانون. والأموال المتوفرة والتي وقّعتُ تحويلها لا تكفي كلّ الإدارات وكلّ العسكر والأمن. الجيش هذا الشهر ينقصه 117 ملياراً أي تقريباً 60 بالمئة منه رواتبهم مؤمّنة، إنّما قائد الجيش لن يقبل ان يصرف رواتب قسمٍ منهم ويترك قسماً آخر. والأموال الإضافية لن أستطيع أن أتصرّف بها إلّا بقرار من مجلس الوزراء.
حكيم
وقال وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم لـ«الجمهورية» إنّ حزب الكتائب يعتبر إثارة قضية رواتب العسكريين وموظفي القطاع العام في هذا التوقيت في غير محلّها. وتساءل ما الذي يَحول دون اجتماع مجلس الوزراء لتأمين التغطية القانونية لنقل الاعتمادات وتسهيل دفع الرواتب.
وأضاف: أمّا إذا كان البعض يضغط من أجل الذهاب نحو التشريع في المجلس النيابي، فهذا الأمر مرفوض ويُعتبر نوعاً من الابتزاز الذي لن نرضَخ له، لأنّ موضوع رئاسة الجمهورية هو الأساس، ولن يكون هناك تشريع قبل انتخاب الرئيس.
وتساءل حكيم لماذا يتمّ الضغط على من يلتزم الدستور ويدافع عنه ويتمسّك بتطبيقه، بدلاً مِن ممارسة الضغط على من يعطّل الدستور ويعطّل انتخابات الرئاسية.
وختمَ حكيم: نريد أن نقولها بوضوح، إذا كان ما يجري اليوم يهدف إلى شلّ وتعطيل الموقع الأوّل في الدولة، موقع رئاسة الجمهورية، فنحن لن نكون ضد تعطيل المواقع الثلاثة في الدولة.
الجرّاح
وبدوره، قال عضو كتلة «المستقبل» جمال الجراح لـ«الجمهورية»: «الموضوع المالي بشكل عام أصبحَ داهماً ولا يحتمل التأجيل»، وأبدى اعتقاده بأنّه «عندما يبلغ الأمر هذا الحد، فالقوى السياسية تكون إيجابية في مقاربتها له».
وقال: «أعتقد أنّنا على أبواب عَقد جلسة لمجلس الوزراء لحلّ ملف النفايات، وعلى أبواب جلسة تشريعية لإقرار بعض القوانين المالية اللازمة لتسيير شؤون الدولة، وبالتالي بدأ أملٌ معيّن يلوح في الأفق، ونأمل أن تُستكمل هذه الإيجابية فتعقد جلسة تشريعية وجلسة لمجلس الوزراء لحلّ أزمة النفايات وقضايا الناس».
ونبّه الجراح الى أنّنا سنخسر القروض إذا تأخّرنا أكثر، وشدّد على وجوب أخذ مصالح الناس في الاعتبار، بغَضّ النظر عن الخلاف السياسي.
واعتبَر أنّ مجلس الوزراء يستطيع إعطاء سِلف خزينة أو إحالة مرسوم للمجلس النيابي، خصوصاً أنّ هناك جلسة قريباً لتسوية هذا الوضع.
وزير المال يقول إنّه لا يريد اللجوء إلى سِلف خزينة، وحاولوا ترتيب الأمور بشكل قانوني من خلال المجلس النيابي، بمعنى فتح اعتماد جديد أو اعتماد إضافي في تغطية الرواتب، وهذا يتطلّب مرسوماً في مجلس الوزراء لكي يقرّه المجلس النيابي . أعتقد أنّها مسألة أيام، ولا أعتقد أنّ هناك عجزاً كلّياً في وزارة المال عن تلبية رواتب هذا الشهر.
سلسلة الرتب
توازياً، حضَرت سلسلة الرتب والرواتب في اجتماع عَقده بري مع هيئة التنسيق النقابية بحضور خليل. وأوضَح رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي عبدو خاطر أنّ بري وعَدهم أنّ مكتب المجلس سيعود ويبحث هذا الموضوع في اجتماعه الثلاثاء المقبل».
أمّا نقيب المعلمين في التعليم الخاص نعمة محفوض فأوضَح أنّ هيئة التنسيق ستلتقى كلّ الكتل السياسية الممثّلة في هيئة مكتب المجلس، لافتاً إلى أنّها ستعود إلى الشارع «إذا وجدنا أنّ الأمور ذاهبة في الاتّجاه السلبي».