فيما يستمر لبنان متخبّطاً في أزماته السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والبيئية، دقّ رئيس مجلس النواب نبيه بري مجدداً ناقوس الخطر على لبنان، متمسّكا بوجوب انعقاد الجلسة التشريعية الجاري التحضير لها، مؤكداً أنّه «إذا كان البعض يريد خراب البلاد فليخرّبها على يده، ولكن من جهتي لن أسمح أبداً بخرابها على يدي». وفي هذه الأثناء دخلت خطة النفايات في مخاضها الأخير، بحيث سيتحدّد مصيرها غداً السبت حيث تنتهي المهلة الإضافية لإزالة العقبات التي تعترضها. في موازاة ذلك، أفاد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش استهدفَ اجتماعاً لمسؤولين من المسلّحين في منطقة وادي الخيل في جرود عرسال»، مشيراً إلى أنّه «تبيَّنَ أنّ الاجتماع كان لقادةٍ كبار ومسؤولين من جبهة «النصرة»، حيث تمكّنَت راجمات الصواريخ من إصابة مكان اجتماعهم بطريقة مباشرة بثلاثة صواريخ».
أخفقَ الاجتماع المسائي في السراي الحكومي في التوصل إلى حلّ نهائي لأزمة النفايات عبر تذليل العقبات التي تعترض الخطة المقرّرة في شأنها، وأعطِيت الاتصالات والمساعي الجارية لهذه الغاية مهلة إضافية حتى غد.
وكان هذا الاجتماع انعقدَ برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وحضور وزراء الزراعة أكرم شهيّب والمال علي حسن خليل والصحة وائل ابو فاعور، ونادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري.
وعلمت «الجمهورية» أنّ شهيّب أبلغَ إلى المجتمعين أنّ العقدة لا تزال في نفايات المتن وكسروان، وأنّ «التيار الوطني الحر» وحزب الكتائب رفضا إقامة مطمر في هذه المنطقة. وسألهم: هل نوقف الخطة ونعلن فشَلها؟ أنا أقترح أن نضمّ نفايات المتن وكسروان إلى مطمر سرار في الشمال.
فاتّصل نادر الحريري بالرئيس سعد الحريري، كما اتّصل بوزير الداخلية نهاد المشنوق الموجود في البحرين سائلاً إذا كان هذا الأمر ممكناً، وكيف يستطيع المساعدة من أجل تسهيله.
فتمّ الاتفاق على إعطاء جواب لشهيّب خلال ساعات وربّما صباح اليوم، على أن يحمل شهيّب هذا الجواب الى سلام، فإذا كان الجواب إيجابياً يدعو سلام مجلس الوزراء إلى الانعقاد فوراً.
برّي
وإلى ذلك، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس، ردّاً على سؤال حول ما آلت إليه أزمة النفايات: «أنا مِن جهتي حللت المشكلة، ولم تعُد هناك مشكلة شيعية، ولكن ظهرَت فجأة مشكلة مسيحية، وهناك اتّصالات جارية لتذليلها». وأكّد أنّ «أزمة النفايات صارت هي الأساس في عمل الدولة، نظراً إلى أخطارها البيئية والصحية».
وردّاً على سؤال حول الجلسة التشريعية المنتظرة، قال برّي: «حتماً سأدعو إلى جلسة تشريعية عامّة بعد إنجاز هيئة مكتب المجلس إعدادَ جدول أعمال هذه الجلسة، لأنّ الموضوع لم يعُد يُحتمل حتى ولو حضرتُ لوحدي». وأشار إلى أنّ الاجتماع المقبل لهيئة مكتب المجلس «سيكون لاستكمال درس المشاريع التي ستدرَج في جدول الأعمال بعدما طرأ 13 مشروع قانون جديداً، وقد طلب أعضاء الهيئة مناقشة هذه المشاريع».
وأبدى بري ارتياحه الى تعاونهم، مؤكداً «أنّ الجلسة التشريعية ستُعقد، والأمر لم يعد يتحمّل المزاح، لأنّ البلد في خطر، ولم تعُد المشكلة مشكلة ميثاقية، ولا مبرّر لغياب أحد عن الجلسة بعدما أدرجت على جدول أعمالها اقتراح قانون استعادة الجنسية للمغتربين الذي هو مزيج بين مشروع الحكومة والصيغة التي أعدّتها اللجان النيابية المشتركة، وتبنّاه «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في صيغة اقتراح قانون».
وقال برّي: «لن أتسبّب بخراب البلاد إذا استمرّ تعطيل المجلس، وسأدعو إلى الجلسة، خصوصاً أنّنا أصبحنا أمام مشكلة رواتب العسكريين، وإذا كان البعض يريد خراب البلاد فليخرّبها على يده، ولكن من جهتي لن أسمح أبداً بخرابها على يدي».
وعن قانون الانتخاب قال بري: «طالما إنّ قانون الانتخاب يشكّل خلافاً بين الأفرقاء السياسيين لن أدرجه في جدول أعمال جلسة نيابية عامة إلى أن يتّفق الجميع عليه. وهناك عدد كبير من مشاريع القوانين الانتخابية ينبغي مقارنتها واستخلاص صيغة منها يتمّ التوافق عليها. على أنّه لن يكون هناك قانون انتخاب بلا نسبية، وسيكون هناك قانون انتخاب، وعندما تنجز مناقشته في اللجان النيابية سأدعو إلى جلسة نيابية تخصّص لمناقسته وإقراره».
سلام
وقالت مصادر سلام لـ«الجمهورية» إنّه سيعطي مهلة إضافية طلبَها الوزير أكرم شهيّب حتى ظهرِ غدٍ السبت، وهو لن يوفّر أيّ جهد في سبيل الوصول الى حلّ مُرضٍ لهذه «الكارثة الوطنية المعيبة». وأكدَت أن «الأمور مرهونة بخواتيمها»، مشيرة الى انّ سلام سيتّخذ في ضوئها «الموقف المناسب».
وعن موضوع رواتب العسكريين وموظفي القطاع العام، شدّدت المصادر على «أنّ هذا الأمر يحتاج الى قرار يتّخذه مجلس الوزراء، ولا حلّ له خارج المجلس». إلّا أنّها لفتت إلى «أنّ الاهتمام كلّه منصَبّ حالياً على معالجة أزمة النفايات».
إجتماع السراي
وكان شهيّب اختتم يومه الطويل أمس في السراي الحكومي التي انطلقَ منها نهاراً بعدما حمل الى سلام تقريراً كاملاً عن تفاصيل عمل الفريق التقني ومساره، قبل ان يزور كلّاً من وزير التربية الياس بوصعب الذي كلّفه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون التفاوض في ملف النفايات، ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل.
وقال شهيب في تصريحات له خلال جولته: «حتى اليوم ما زلنا نتسابق مع الزمن لحلّ هذه المشكلة»، وتوقّع «أنّنا سننتهي من الملف خلال 48 ساعة»، وقال: «نحن ما زلنا نعمل في ربع الساعة الأخير لبَتّ هذا الملف على أساس منطق الشراكة سلباً أو إيجابا، يجب ان نُنهي كلّ الأمور في خلال 48 ساعة».
وأكّد «إنّ المطلوب من القوى السياسية، لكي ننجح، ترجمة الأقوال الى أفعال، والتعاطي مع ملف النفايات بمسؤولية، والتجاوب العملي لإنجاح الخطة عبر تأمين مستلزمات نجاحها ومن بينها المطامر». لافتاً الى انّ «حزب الله» وحركة «أمل» أدّيا ما عليهما. وتحدّث عن عرض قدّمه حزب الكتائب وسينقله الى سلام.
وأوضَح شهيّب أنه لم يتحدث مع بوصعب عن مطامر «بل عن بعض الصعوبات التي نحاول تذليلها في مهلة تنتهي يوم غد (اليوم)». وأشار إلى أنّه «تمّ التوافق على الحلّ المستدام في خطة النفايات، وكان هناك دعمٌ لها على رغم وجود بعض الملاحظات. وأوضَح انّ بعض التعديلات أُدخِلت الى الخطة لتأمين التكامل بين الجميع، مشدداً على وجوب ان يتحمّل الجميع مسؤولياتهم في هذا الموضوع.
بدوره أوضَح بوصعب الذي زار سلام مساء أمس، أنّه ظهَر في التعديلات على الخطة عائق بسيط وليس مستعصياً على الحل، وأعلن من جهة ثانية «أنّ محرقة ضهور الشوير ستبدأ بالعمل خلال الأيام المقبلة وسيرى الشعب اللبناني النتيجة». مشيراً إلى «أنّها تعالج المشكلة على نطاق ضيّق، وهي تجربة لكي نرى إلى أين يمكن الوصول في خطة الوزير شهيّب».
بوصعب
وقال بوصعب لـ «الجمهورية» مساء أمس: «تبلّغنا من الوزير شهيب انّ هناك تعديلاً طرأ على الخطة يتمثّل بعدم شمول المتن وكسروان في الحلّ، فاعترضنا وتواصَلتُ مع العماد عون وأبلغت الى الرئيس سلام أنّنا لن نسير بهذا الحل ولن نسير بالحكومة، لن نقبل بخطة لا تتضمّن كسروان والمتن، وهي أصلاً لا تكون قابلة للتطبيق. ثمّ تبلّغنا مساءً بالعودة الى الخطة الأساسية، أي المتن وكسروان ضمن الحل المطروح، ويبقى الآن أن يؤكّدوا المطامر التي يتحدّثون عنها.
رفضنا ان تكون المشكلة عند المسيحيين. تريدون منّا المياه والكهرباء من معمل الزوق ونتحمّل دواخينَها بينما في النفايات تقولون لأهلنا اتركوها عندكم ولن نأخذها؟ هذه رسالة سمعوها منّي ومن الكتائب ووجَدوا أنّ موقفنا موحّد، وبالتالي هذا ما دفعَهم الى العودة لحلّ يشمل كلّ المعنيين بالأزمة».
وأكّد بوصعب «أنّني لستُ متفائلاً ولا متشائماً، وعلينا أن ننتظر غداً (اليوم) لنتأكّد مما إذا المكبّات قد تأمّنت فعلاً أم لا، وهل يستطيعون فرضَها أم لا، سواء في الشمال أو البقاع أو الجنوب، هل يستطيعون تأمينها وإعطاء كلمة نهائية فيها أم سنكون أمام المشهد نفسه، نتّخذ قراراً في مجلس الوزراء فيعترض الأهالي ويفَشّلون القرار؟
نحن جاهزون إذا استطاعوا السير بالمكبّات، أمّا خلاف ذلك فنحن في المتن وكسروان مع لامركزية الحلّ، ولكن يجب وضع خطة انتقالية ونكون مشمولين بالحلّ، على أن نصل الى مرحلة يعطوننا أموال البلديات وفق الشروط التي نضعها ومرسوم يوزّعها دورياً كلّ 3 أشهر من دون الحاجة كلّ مرّة الى قرارات جديدة في مجلس الوزراء، ونكون بذلك نؤسّس لبداية حلّ فعلي، أمّا في المرحلة الانتقالية فنصِرّ على ان تكون المتن وكسروان جزءاً من الحل المحكى عنه».
الراعي
وفي هذه الأجواء، واصَل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رفعَ سقف خطابه بعد عودته من روما، على الرغم من معرفته أنّ الأفق الداخلي والإقليمي والدولي مسدود بالكامل، وأنّ أيّ خرقٍ في قضية الرئاسة ما زال مستحيلاً.
وأبدى الراعي خلال قمّة روحية مسيحية للبطاركة في ختام سينودس أساقفة السريان الكاثوليك، أسفَه «لأنّ الكتلَ السياسية والنيابية تتصرّف في هذا الشكل بالنسبة الى رئاسة الجمهورية، فيما نعمل مع البطاركة والسفير البابوي داخلياً وخارجياً لحلّ الأزمة»، مشيراً إلى أنّ اللبنانيين «سَلّموا الرئاسة الى السعودية وإيران».
وعلّقَت مصادر كنَسيّة على هذا التصعيد، وقالت لـ«الجمهورية» إنّ «تصعيد الراعي يأتي بناءً على معطيَين: المعطى الخارجي الذي استشفّه بعد لقاءاته الخارجية، وتأكُدُه من أنّ رئاسة الجمهورية ليست على جدول أعمال الدول الكبرى. والمعطى الداخلي وعلى رأسه التعويل على اتّفاق الزعماء الموارنة على مرشّح رئاسي، والذي يبدو حتى الساعة من سابع المستحيلات، لذلك لم يبقَ أمام الراعي إلّا رفع الصوت والتذكير دائماً بأنّه لا رئيس على رأس الجمهورية».
جعجع
وفي المواقف، أكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أنّ «إيران هي المعطّل لانتخابات الرئاسة، كنتُ قبل فترة متأكّداً بنسبة 60 في المئة، الآن أصبحتُ متأكّداً بنسبة 90 في المئة، وما أتكلّم عنه ليس مجرّد تحليل، فلقد فوتِحت أكثر من جهة غربية بالموضوع وقالت إيران إنّها مستعدة لانتخاب رئيس توافقي في لبنان مقابل
تثبيت بشّار الأسد في سوريا، الأكيد أنّ إيران تستعمل الانتخابات الرئاسية ورقة للمساومة، وبالتالي لا أرى انتخابات رئاسية قريبة في لبنان ولا أيّ حلّ في الأفق».
وقال جعجع في لقاء مع «رابطة الإعلام» إنّ «السعودية لم تضع فيتو على أيّ مرشّح، وإذا كان هناك من أصدقاء للسعودية لا يريدون انتخابَ العماد عون فهذا لا يعني تعطيلاً، لأنّهم يحضرون الجلسات، أمّا الفريق الآخر الذي يعطّل فليحضر الجلسات ولينتخب من يريد».
وأكد جعجع انّه ما زال مرشّحاً لرئاسة الجمهورية ولكنّه مستعدّ للبحث في أيّ حلٍ جدّي إذا طرِح هذا الحل»، واعتبَر أنّه يختلف وعون «انطلاقاً من مواقعنا السياسية المختلفة، ونتفاهم ولا نغشّ بعضنا، لهذا ورقة النيات أصبحت ثابتة، وستترجَم أكثر فأكثر».
وعن العلاقة مع «حزب الله» قال جعجع: «النيّات صافية، لكن يجب أن تكون المشاريع السياسية بالصفاء نفسِه، وهي ليست كذلك، فمشروعُنا ومشروعهم متناقضان، نحن أولويتنا المصلحة الوطنية، وهم أولويتهم مصلحة الأمّة».
وعن الجلسة التشريعية وأولوية الوضع المالي، قال جعجع: «المواضيع المالية «على راسي قبل عيني» لكنْ في موازاتها هناك وجع ميثاقي، نتكلّم فيه منذ عشر سنوات، وهو قانون الانتخاب. عندما تمّ التمديد للمجلس تمّ التعهّد بأقرار قانون جديد، ولم يحصل ذلك، ما يجعل المرء يشعر كأنّه زوجٌ مخدوع. الآخرون يمَرّرون أولوياتهم، أمّا أولوياتنا فمتروكة، وهذا استدعى ردّة فعل».
مصدر عسكري
وفي مقابل التأزّم السياسي والمعيشي الذي تشهَده البلاد، يستمرّ الجيش في توجيه ضرباتٍ متتالية إلى المجموعات المسلّحة في جرود عرسال، وفي هذا السياق، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية»، أنّ «الجيش استهدف اجتماعاً لمسؤولين من المسلّحين في منطقة وادي الخيل في جرود عرسال»، مشيراً إلى أنّه «تبيّنَ أنّ الاجتماع كان لقادةٍ كبار ومسؤولين من جبهة «النصرة»، حيث تمكّنَت راجمات الصواريخ من إصابة مكان اجتماعهم بطريقة مباشرة بثلاثة صواريخ».
ولفتَ المصدر العسكري إلى أنّه «لم يتسنَّ للجيش التأكّد من هويّة قادة «النصرة» الذين سقطوا بين قتيل وجريح، وما إذا كان أمير الجبهة في القلمون أبو مالك التلّة من بين المصابين».
وأضاف: «الأكيد أنّ الجيش وجَّه ضربة قاسية لـ«النصرة» أتت بعد أيام من الضربة الكبيرة التي وجَّهها الأسبوع الماضي لهم، ما يدلّ إلى أنّ تحرّكات المسلحين باتت مكشوفة أمام الجيش». وأوضَح المصدر أنّ «هذا الاستهداف وما سَبقه، يدفع المسلحين للتراجع إلى ما وراء خطّ النار الذي تغَطّيه مدفعية الجيش، والذي بات من الصعب اختراقه».