IMLebanon

مشاورات تسبق الحوار والتشريع ودعوة محتملة لمجلس الوزراء

تحوّلت سياسة حافة الهاوية إلى نهج تعتمده وتحترفه معظم القوى السياسية التي عندما شعرَت أنّ إقحام الجيش في الخلافات السياسية ستكون تداعياته كبيرة عليها، تراجعَت فابتكرت صيغة استثنائية أمّنَت بموجبها رواتبَ العسكريين، خصوصاً بعد أن لمسَت صرامة قائد الجيش العماد جان قهوجي والقيادة التي لم تتأخّر في توجيه رسالة لا تحتمل التأويل إلى كلّ المعنيين بألّا «تتكرّر هذه السابقة عبر استدراكها قبل حصولها»، كما بعد أن أيقنَت مدى التفاف كلّ الشعب اللبناني حول المؤسسة العسكرية التي تشكّل الضمانة للاستقرار الأمني في ظلّ الفوضى السياسية، والتي شاءت الصدَف أن يسقط لها على مذبح الوطن شهيدان جديدان إبّان ممارسة واجبهما في تعقّب الفارّين من وجه العدالة. وفي المحصّلة حُلّت أزمة الرواتب، وما ينطبق على هذه الأزمة ينسحب على أزمة النفايات التي يبدو أنّ حلّها سيبصر النور أيضاً بعد أن كادت تدفع رئيس الحكومة تمّام سلام إلى الاستقالة، فيما جلسة الحوار اليوم ستشكّل مناسبة ليذلّل عبرها رئيس مجلس النواب نبيه بري عقبتين: تجاوُز آخر عقد النفايات تمهيداً لجلسة حكومية، وتجاوُز عقدة قانون الانتخاب في اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب تمهيداً لجلسة تشريعية. وفي هذا الوقت تكثّفَت المشاورات بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» عشية جلسة هيئة مكتب المجلس، كما المشاورات داخل كلّ فريق سياسي، سيّما 14 آذار التي عَقدت للغاية اجتماعاً قيادياً مساء أمس أعادت فيه التأكيد على ترتيب أولوياتها عشية جلسة الحوار والجلسة التشريعية. وإذا سارت الأمور وفق ما هو مخطّط لها ومرسوم ومِن دون مفاجآت سلبية، قد يُصار إلى «تأريخ» الأسبوع الأوّل من تشرين الثاني بأنّه شهد انفراجات في ملفات عدّة.

بعد إغلاق الباب على أزمة رواتب العسكريين عبر اجتراح حلّ قانوني لكنْ استثنائيّ، وفيما تبقى جلسة مجلس الوزراء رهن بلوغ خطة النفايات خاتمة سعيدة، يَحفل اليوم بأربع محطات أساسية، وهي: جلسة الحوار الوطني، اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب تحضيراً للجلسة التشريعية، اجتماع تكتّل «التغيير والإصلاح» والذي سيقيِّم خلاله الأجوبة التي يكون حصَل عليها لتحديد جدول أعمال الجلسة التشريعية، واجتماع كتلة «المستقبل» النيابية، فيما تشهَد البلاد اليوم إضراباً بدعوة من هيئة التنسيق النقابية مترافقاً مع اعتصام في ساحة رياض الصلح. وتوقّعت مصادر وزارية مطّلعة لـ«الجمهورية» أن يوجّه رئيس الحكومة بعد انتهاء جلسة الحوار الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء في حال تكلّلت الاتصالات الجارية بشأن تنفيذ خطة النفايات بالنجاح وأمّنت التغطية السياسية الجدّية والنهائية هذه المرّة لتنفيذها.

وفي حال انعقاد الجلسة مساء اليوم أو يوم غد الأربعاء مِن المنتطر أن يكون على جدول اعمالها تنفيذ خطة النفايات وإعطاء الضوء الاخضر للتنفيذ بحماية وفاقية وأمنية مع ما يتطلّب ذلك من تفاصيل ماليّة.

كما يفترض ان يوقّع الوزراء على المرسوم الذي تحمّلَ مسؤولية إصداره سلام لدفع رواتب العسكريين. وكان سلام أبدى أمس قلقه إزاء الأوضاع القائمة في البلاد والعجز عن إيجاد حلول للمشاكل الراهنة، وأكد أنّه سيستمر في تحَمّل مسؤولياته الوطنية سواءٌ أكان في رئاسة مجلس الوزراء أو خارجها.

المر

وفي خطوةٍ عملية ترمي إلى إيجاد حلول عِلمية وتقنية وبيئية في ملفّ النفايات، إقترَح نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر إنشاءَ وتركيبَ معمل لمعالجة النفايات في منطقة برج حمّود، تنفيذاً لترخيص معطى لاتّحاد بلديات المتن الشمالي عام 1990، حيث يُنَفّذ هذا المشروع خلال ستة أشهر، على أن توافقَ البلديات المتنية على المكبّات التي تقترحها الحكومة خارج منطقة المتن إلى حين إنجاز المعمل.

الحوار

وفي غياب حزب الكتائب الذي أكّد تعليق مشاركته في الحوار «طالما لا تزال أمور الناس معلّقة والنفايات في الشوارع ومجلس الوزراء معطلاً»، يستكمل المتحاورون اليوم البحث في مواصفات الرئيس العتيد والنأي بالنفس وانتخاب الرئيس من الشعب. كما أنّ ملف النفايات لن يكون بعيداً عن مناقشات المتحاورين.

تشريع

أمّا على الجبهة التشريعية، فتتابع هيئة مكتب المجلس النيابي اليوم في اجتماعها الثاني البحثَ في جدول أعمال جلسة «تشريع الضرورة»، بعدما كانت ضمّت في اجتماعها السابق قانونَ استعادة الجنسية، و18 بنداً آخر.

رعد

وعشية الجلسة لفتَ موقف للنائب محمد رعد انتقد فيه القوى السياسية التي تقول بتشريع الضرورة، خصوصاً أنّ «التيار الوطني الحر» من بين هذه القوى، فشدّد أنّه «ليست لدى «حزب الله» أيّ قناعة بتشريع الضرورة، فالتشريع يجب أن يكون تشريعاً مفتوحاً، ونحن إنْ قبِلنا بتشريع الضرورة في هذه المرحلة، فذلك حتى لا نخدشَ المساكنة التي تجمع بيننا وبين شركائنا الذين يُخطئون النهجَ في إدارة شؤون هذا البلد».

كنعان

وقال أمين سرّ تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ»الجمهورية»: «موقفنا لم يتبدّل، الأولويات الوطنية تبدأ بإعادة تكوين السلطة بشكل صحيح وسليم بدءاً من قانون الانتخاب مروراً بالضرورات الوطنية الأخرى، من استعادة الجنسية الموجود في أدراج المجلس منذ أكثر من 15 سنة وهو يشكّل أحد المرتكزات للبنان الانتشار إضافةً الى القوانين المالية الأساسية التي لها علاقة مباشرة بمشاريع إنمائية كبيرة ملحوظة منذ سنوات، وهذا يشكّل تشريع الضرورة بنظرنا.

من هذا المنطلق ما زلنا متمسّكين بانعقاد الجلسة التشريعية على أساس هذه الأولويات الوطنية، ونعتبر أنّ هذه الاولويات يجب ان تكون اولويات الجميع وليست اولويات «التيار» و«القوات» أو سواهما من الأحزاب السياسية. نحن لا نطمح الى عملية تجاذب سياسي حول مطالب وطنية واقتصادية ماليّة تطاوِل الجميع، لكنّ هذا الأمر بحاجة الى التزام وتخطّي كلّ الاعتبارات التي تَحول دون تحقيقها».

وأكّد كنعان «أنّ الميثاقية قائمة في كلّ زمن وليست لزمن دون آخر، وبالتالي فإنّ احترامها مرتبط بمبادئ دستورية وميثاقية تشكّل أساس نظامنا السياسي، وهي تساهم بشكل كبير بالمحافظة على العيش المشترك والشراكة الوطنية. من هذا المنطلق نقول: كما أنّ تشريع الضرورة يتعلق بمضمون الجلسة فإنّ الميثاقية تتعلق بآليّة انعقادها، وهذان الشرطان يتكاملان، وهذا ما اعتاد عليه المجلس منذ عقود من الزمن».

وهل في رأيه سيدرج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة؟ أجاب: نحن بانتظار تحديد جدول أعمال الجلسة ولا يمكننا استباق الأمور، إنّما الاتصالات التي أجريناها تمحورَت حول ضرورة أن يتضمّن جدول الأعمال هذا البند».

حوري

وبدوره، قال عضو كتلة المستقبل» النائب عمّار حوري لـ«الجمهورية»: «لا نستطيع ان نقول في ظلّ الشغور الرئاسي Business as usual ؛ فهناك فَرق بين ان يكون الرئيس موجوداً أو أن يكون غائباً. في المقابل لا نستطيع ان نقول سنقفِل باب المجلس النيابي ولا نشَرّع أبداً، لأنّ هناك مصالح الناس وقضايا حياتية ومعيشية وأموراً اقتصادية لا نستطيع تركَها.

من هنا جاءت فكرة تشريع الضرورة أو ضرورة التشريع في ظلّ هذا الوضع، وبالتالي لا نستطيع الذهاب الى مواضيع عادية جداً غير ملِحّة وتحتمل التأجيل. في المقابل سيجري تقييم كلّ عنوان بعنوانه، والعنوان الذي لا ينتظر نضطرّ للسير به كتشريع ضرورة، ويبقى دائماً الحلّ الأمثل هو انتخاب رئيس جمهورية، فنعيد بذلك الأمور إلى نصابها. ولكنْ الى ان ننتخب الرئيس طبعاً نحن مع تشريع الضرورة».

وعن اشتراط إدراج قانون الانتخاب على جدول اعمال الجلسة التشريعية، أجاب حوري: «لنُميّز بين أمرين: وضع أيّ قانون على جدول الأعمال شيء، وإقراره كقانون شيء آخر.

قانون الانتخاب ليس كبسة زرّ يوضَع ويُقَرّ من دون نقاش، فهو يستلزم نقاشاً طويلاً، ثمّ هناك 17 مشروع اقتراح قانون انتخابي، ومجلس النواب سبقَ أن أخذ توصية بالإجماع بأن لا يصدر قانون انتخابي في ظلّ الشغور حرصاً على حقّ الرئيس بردّ القانون أو إبداء ملاحظاته عليه، وبالتالي كلّ من ينادي بصلاحيات الرئيس، فهذه من أهمّ الصلاحيات التي يجب المحافظة عليها.

وعشية جلسة الحوار، قال حوري إنّ الحوار قطعَ شوطاً لا بأس به في موضوع مواصفات الرئيس عندما جرى الحديث عن مواصفات الرئيس أن يكون يمثّل بيئته ويكون مقبولاً من البيئات الأخرى، وهذا تطوّر بحدّ ذاته.

حلّ أزمة الرواتب

وفي مسألة رواتب العسكريين وما رافقَها من بَلبلة ومواقف، نشَطت الاتصالات على خط السراي الحكومي ووزارة الدفاع ووزارة المال، لتنتجَ حلّاً بَعد التوصّل الى مخرج قانوني يتيح لوزير المال علي حسن خليل صَرفها.

وقال قائد الجيش العماد جان قهوجي في مقابلة هاتفية مع وكالة «رويترز»: «هذه سابقة لم تحصل حتى إبّان الحرب ولا مرّة تأخّرت الرواتب.»

أضاف :«العسكريون لم يقبضوا رواتبَهم منذ 47 يوماً، وبالأساس راتب العسكري لا يكفيه، وأؤكّد أنّ هناك 80 بالمئة من العسكر ليس في جيوبهم قرش واحد على الأقلّ».

وخاطبَ قهوجي الساسة اللبنانيين بالقول: «إهتمّوا بلبنان واهتمّوا بالجيش، الجيش هو الخلاص».

قيادة الجيش

من جهتها، عمَّمت قيادة الجيش نشرةً توجيهية على العسكريين تحت عنوان «تأخّر دفع رواتب العسكريين لشهر تشرين الثاني». وأكّدت أنّ «ما حصل وعلى أهمّيته، لا يمكن أن يؤثّر على معنويات العسكريين، أو يزعزع ثقتَهم بالدولة أو يضعِف مِن عزيمتهم على مواصلة مهمّاتهم وواجباتهم، خصوصاً أنّ اللبنانيين جميعاً، يضعون كامل ثقتهم بالجيش، ويراهنون على دوره الإنقاذي في حماية الوطن من الأخطار والتحدّيات الجسام التي يتعرّض لها في هذه المرحلة المصيرية من تاريخه».

وتمنّت «ألّا تتكرّر هذه السابقة، من خلال قيام المعنيين باستدراكها قبل حصولها، وعدم إقحام الجيش في النزاعات والخلافات السياسية الضيّقة»، مبديةً ثقتَها بأنّ «أبناءَ هذه المؤسسة لن يقفوا عند مشكلة طارئة من هنا أو هناك، وسيتجاوزون ما حصَل بروح المناقبية والالتزام».

خليل

أمّا خليل فقال للوكالة نفسها «إنّ الإشكالية حول صرف الرواتب قد تمّ حلّها اليوم، ويجب على مجلس الوزراء أن يجتمع في أقرب فرصة للموافقة على نقل الاعتمادات المالية لكي نستطيع أن نغطي الأشهر المقبلة من دون أيّ إرباكات.»

وكان خليل أوضَح بعد لقائه وزيرَ الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش: «أخذنا استشارة قانونية لتأمين هذا الشهر وصَدر فعلاً توجيه من دولة رئيس مجلس الوزراء بعد سلسلة من الاتصالات التي أجرِيَت خلال اليومين الماضيين بين دولة الرئيس بري ورئيس الحكومة ووزير الدفاع وقائد الجيش والإدارة المعنية في وزارة المال، حيث وصَلنا إلى مخرج قانوني استثنائي بعد مشروع مرسوم التحويل من الاحتياط إلى بند الرواتب موضوع التنفيذ». وشدّد على أنّ «هذا الإجراء الاستثنائي يجب ان يبقى في وضعه الاستثنائي حتى صدور المرسوم عن مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن».

إضراب يستثني المدارس

وفي سياق آخر، تنفّذ هيئة التنسيق النقابية إضراباً عامّاً واعتصاماً اليومَ في ساحة رياض الصلح، للمطالبة بإدراج سلسلة الرتب والرواتب على جدول أعمال الجلسة التشريعية.

ودعَت الهيئة الإدارية لرابطة معلّمي التعليم الأساسي جميعَ المعلّمين في التعليم الأساسي في لبنان إلى المشاركة الكثيفة في الإضراب العام للدوامين الصباحي والمسائي الذي دعَت إليه هيئة التنسيق النقابية.

وكان الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار أعلنَ بعد التشاور مع نقابة المعلّمين أنّ اليوم هو يوم تعليم عادي في المدارس.