Site icon IMLebanon

محاولات توفيقية بين المالية والميثاقية

مبارزة جديدة يفرضها السياسيون على اللبنانيين بعدما عجزوا عن التوافق على أي ملف او قضية، ابتداء من الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، الى تعطيل مجلسي النواب والوزراء، ومحاصرة اللبنانيين بالفساد والرشاوى وإذلالهم بالنفايات غير آبهين بمخاطرها الصحية الخطيرة. مبارزة جدلية جديدة حول جنس الملائكة، فيما البلد مهدّد جدياً بالانهيار من بوّابة المال والاقتصاد.

مؤيّدو التشريع استفادوا من هذا الاستحقاق لعقد جلسة تشريع تحت عنوان حماية لبنان من تهديد دولي بعزله مالياً، وفي المقابل، يرى المعارضون انّ هناك تهويلاً في إثارة الملف المالي، لفرض أمر واقع على اللبنانيين.

يبقى السؤال ما هي المخاطر التي تُحدق بلبنان مالياً، وهل هي مخاطر حقيقية أم تهويلية؟

في العلن، هناك مخاطر من مصدرين:

اولاً: من البنك الدولي والجهات المانحة التي قد تُلغي قروضاً وهِبات الى لبنان، قد يصِل مجموعها الى ما يوازي المليار دولار أميركي.

ثانياً: من المجموعة الدولية التي قد تضع لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة في حال لم يقرّ القوانين المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال والتهرّب الضريبي والتصريح عن نقل الاموال عبر الحدود.

في هذا الاطار، جاء تحرّك حاكم مصرف لبنان رياض سلامه وجمعية المصارف في اتجاه السياسيين لإقناعهم بضرورة إقرار هذه القوانين بعدما كانت المجموعة الدولية تجاوَبت مع طلب سلامة تأجيل تنفيذ عزل لبنان مالياً، والذي كان مقرراً أواخر تشرين الاول الماضي، ومنحته مهلة اخيرة حتى شباط المقبل، لتنفيذ ما هو مطلوب منه.

هل يعني ذلك انّ المهلة الدولية هي الأخيرة فعلاً، وان لبنان سيُعزل مالياً بعد ذلك؟

تبدو الاجابة عن السؤال معقدة، لأنّ الدول جدية في هذا التوجّه، خصوصاً انّ القوانين المطلوبة من لبنان معلّقة منذ اكثر من اربعة اعوام. كما انه لا توجد في البلد ظروف قاهرة مثل الحروب مثلاً، لكي يسمح المجتمع الدولي بفترة سماح اضافية. في المقابل، قد يكون من الصعب ايضاً تصوّر تنفيذ القرار لأنّ ذلك يعني انهيار لبنان، فهل المجتمع الدولي مستعد للذهاب الى هذا الحد؟

وتعتبر مراجع مالية انّ الذهاب في اتجاه عدم إقرار القوانين المطلوبة دولياً، والرهان على عدم عزل لبنان، فيه مجازفة غير محسوبة العواقب، وهي كَمَن يمارس لعبة السير على حافة الهاوية ويجازف بمصير البلد. وبالتالي، فإنّ إقرار هذه القوانين المالية أولوية مطلقة، ولا يملك ايّ فريق تَرَف التلهّي بالتجاذب السياسي حوله.

تذليل العقبات

في هذه الاجواء، قالت مصادر عاملة على خط تذليل العقبات أمام الجلسة التشريعية التي ستعقد الخميس والجمعة المقبلين، لـ«الجمهورية»، انّ المساعي جارية على قدم وساق لتذليل العقبات التي تحمل بعض المكوّنات الاساسية على الغياب عن الجلسة.

واشارت الى انّ اللقاء الذي عقد امس الاول في «بيت الوسط» جاء في هذا السياق. وأكدت انّ الجميع يساهم بروحية إيجابية على تغليب فكرة الضرورات على أيّ نَيل من الميثاقية. وذكرت المصادر انّ العمل جار على إيجاد مخارج، لإشعار الجميع بالارتياح من دون إهمال الضرورات الاقتصادية.

وقالت «ما في مزح بَقا» فكلّ لبناني سيُصاب مباشرة، وتسونامي كبير مُقبل على الاقتصاد اللبناني وحياة اللبنانيين ومستقبلهم اذا لم تنعقد الجلسة التشريعية. والعمل على عقد الجلسة ليس فيه تحدٍّ لأحد، بل نحاول إيجاد مخرج ونعوّل على مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في هذا الاطار.

إستعادة الجنسية

الى ذلك علمت «الجمهورية» انّ اجتماعاً سيعقد اليوم ويحضره النواب احمد فتفت وسمير الجسر وجمال الجرّاح عن تيار «المستقبل»، وانطوان زهرا وايلي كيروز عن «القوات اللبنانية»، وابراهيم كنعان وآلان عون عن «التيار الوطني الحر» والوزير بطرس حرب عن المستقلّين، للتداول في اقتراح قانون استعادة الجنسية.

الجميّل

من جهته قال الرئيس أمين الجميّل لـ«الجمهورية»: ما زلنا على موقفنا من جلسة تشريع الضرورة، ولن يُثنينا عن موقفنا الدستوري ايّ عائق او تفسير مطّاط للقانون والدستور».

وأضاف: «لَو بُذل شيء بسيط ممّا يُبذل اليوم من جهد لِفَتح باب مجلس النواب على دوره التشريعي، وإعادة الحكومة الى العمل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لانتخَبناه وكنّا بغِنى عن التلهّي بهذا الجدل القائم والذي لا نهاية له، ولكانت الأمور سارَت بشكل انسيابي وطبيعي.

فانتخاب الرئيس مفتاح لكلّ هذه الأزمات وإنهاء لهذا الجدل العقيم الذي يمكن ان يستهلك الجهود المبذولة من خارج كل الأصول الدستورية. والأخطر انه يقود الى تكريس أعراف وسوابق غريبة عجيبة يمكن ان تنقل البلد من المنطق الذي يفرضه النظام الدستوري الذي علينا احترامه الى منطق شريعة الغاب، وهو أمر لا يمكن لأحد ان يتدارَك مخاطره او يقدّر من اليوم الى اين يمكن ان يؤدي».

وقال الجميّل: «نسمع تفسيرات تعطى للدستور شرقاً وغرباً، وهي لا تعدو كونها من البدَع المطّاطة، ولعلّ أبرزها الحديث عن تشريع الضرورة. ففي ظلّ شلل المؤسسات وغياب رئيس الجمهورية مَن هي الجهة الصالحة التي تقول بتصنيف الضروري من هذه القوانين أو تلك؟ ذلك انّ من أهمّ صلاحيات هذا الرئيس مراقبة القوانين ومدى مطابقتها للدستور، وهو من يمتلك هذا الحق في ردّها والطعن بها. وهل كان يمكن ان يقبل في حال وجوده بما يجري لتفريغ الدستور من مضمونه؟».

وختمَ بالقول: «كل ما يجري هذه الأيام يخيفنا، فنحن نريد ان تمشي الدولة وتقلّع بكامل مؤسساتها. ونريد ان ينمو الإقتصاد ويزدهر. ولا نريد الخروج على القوانين الدولية الناظمة لهذا الاقتصاد، ولكن ما يوفّر ذلك ويضمنه هو أن نعمل من أجله من ضمن ما تقول به القوانين وما ينصّ عليه الدستور، فاحترام مقتضياته واجب الوجوب، فحذار من التلاعب به وتكريس الخروج عليه واعتبار ما يجري انه أسلوب حكم نشهد بعضاً من فصوله اليوم».

موقف مشترك

وكانت بعض القوى المسيحية قد حسمت أمرها في شأن التشريع، فأصَرّت «القوات» التي يعلن رئيسها الدكتور سمير جعجع اليوم موقفها من الجلسة، و«التيار الوطني الحر» على رَفض التشريع في ظل عدم وَضع قانوني الانتخاب واستعادة الجنسية على جدول الأعمال، وسط مباركة بكركي لهذا الإتفاق، وتشديدها على أولوية انتخاب الرئيس قبل أيّ تشريع مع تأكيدها على بقية الملفات الملحّة.

وشهدت بكركي مشاورات واسعة، فزارها جعجع وكنعان موفداً من رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون الذي سيتحدّث غداً بعد اجتماع «التكتل».

وأكد جعجع أنّ «قوانين المصارف وتبييض الأموال مهمة ولكنها ليست أهمّ من قانون الانتخاب الذي ما زال منذ عشر سنوات في مجلس النواب، فقانون الانتخابات الجديد وقانون استعادة الجنسية هما قانونان مهمّان، والباقي تفاصيل».

وقال كنعان: «إننا مع الاولويات، أكانت مالية او اقتصادية او اجتماعية، ولكن هذه الأولويات تسبقها اولويات مزمنة، كاستعادة الجنسية وقانون الانتخاب».

امّا الراعي فشدد مجدداً أمس على التقيّد بالدستور، «مع قلقنا على عدم حلّ القضية المالية العاجلة التي تُنذر بالخطر على الأمن القومي في البلاد». واعتبر أنّ «أولوية العمل في المجلس النيابي تبقى في انتخاب رئيس». وقال: «في ظلّ الفراغ الرئاسي لا يمكن التشريع بشكل عادي، ولا الخلط بين الضروري الوطني وغير الضروري، وبالتالي لا يجوز انقسام المجلس وتعطيل كل شيء».

ودعا «القوى السياسية والمجلس النيابي الى القيام بإجراء تقني يسمح بمعالجة القضية المالية التي تفاقمَت». وفي موقف شكّلَ غطاء لموقف «القوات» و«التيار» سأل الراعي: «لماذا مثلاً التردّد بشأن بَتّ مشروعي قانون هما مطلبان وطنيان تصرّ عليهما كتل سياسية ونيابية، مثل درس

قانون جديد للانتخابات مطروح أصلاً في اتفاق الطائف، ومشروع اقتراح قانون معجّل مكرّر خاص بتحديد شروط استعادة الجنسية مقدّم منذ 2001؟ ولماذا عرقلته بإدخال مواد تختصّ باكتساب الجنسية. فاستعادة الجنسية شيء ولها قانونها، واكتساب الجنسية شيء آخر يجب وَضع قانون خاص به».

صيّاح لـ«الجمهورية»

ومنعاً للالتباس، إستوضحت «الجمهورية» النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح مَوقف الراعي، فأكد أنّ موقفه هذا «واضح جدّاً ولا يحتمل التأويل، وهو يعتبر أنّ التشريع في ظلّ غياب رئيس للجمهورية مخالفة دستورية، وقد استند في ذلك إلى النصوص الدستوريّة». ولفتَ صيّاح الى أنّ «الإتفاق بين المسيحيين حصل». وقال انّ الراعي «يبارك كل ما يتوصّل اليه «القوات» و«التيار» ويدعم كل توافق مسيحي يحصل».