لم تحجب رياح التسوية القاضية بتبنّي تيار «المستقبل» ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة، والتي هبّت على لبنان منذ أيام وخلّفت اضطراباً في صفوف الحلفاء والخصوم، الاهتمامَ عن متابعة تطوّر المواقف الروسية ـ التركية في ضوء اتّساع دائرة تداعيات إسقاط طائرة «سوخوي 24» ورفض الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان طلبَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتذارَ ومعاقبة المسؤولين. كذلك لم تحجب هذه التسوية الاهتمام بعودة السخونة السياسية إلى الجبهة السعودية ـ الإيرانية بعد فرضِ الرياض أمس عقوبات على 12 شخصاً ومؤسسة قالت إنّهم يعملون لمصلحة «حزب الله» وبينهم قياديّون، ودعوتِها إلى عدم «السكوت» عن الحزب طالما يشنّ «هجمات إرهابية». وردّ الحزب عبر كتلة «الوفاء للمقاومة» مؤكّداً أنّ استهداف السعودية له «هو استجابة سريعة للإملاءات الأميركية، خصوصاً أنّ هذا القرار هو نسخة مكرّرة عمّا سبقَ للإدارة الأميركية أن أعلنَته من إجراءات». وقد ترافقَت هذه الخطوة السعودية مع تأكيد وزير الخارجية عادل الجبير «أنّ الخيار العسكري في سوريا مازال مطروحاً، وأنّ دعم المعارضة التي تقاتل الرئيس بشّار الأسد سيستمرّ».
في غضون ذلك، استبعد وزير الخارجية السورية وليد المعلّم أن يؤدي إسقاط تركيا الطائرة الروسية الى عرقلة مسار الحل السياسي للأزمة في سوريا. وقال لـ«الجمهورية» التي التقَته على هامش زيارته لموسكو: «لا أرى أنّ مسألة إسقاط الطائرة الروسية يمكن ان تؤدي الى عرقلة مسار فيينا، هناك نيّة حقيقة لمتابعة هذا المسار».
وردّاً على سؤال عن جدّية النظام السوري في قبول الجلوس الى طاولة المفاوضات مع المعارضة، قال المعلّم: «المفاوضات ستكون مع الحكومة السورية وليس النظام، فلا تخلطوا في المسائل وتطلِقوا على الحكومة السورية الشرعية صِفة النظام». ورفض الإجابة عن مزيد من الأسئلة «لأنها تجاوزَت الخط الأحمر»، على حدّ قوله.
التسوية
داخلياً، ظلت التسوية التي طرحها الحريري مع فرنجية الحاضرَ الأكبر في الاهتمامات السياسية، وفي موازاة تنشيط الحركة في الكواليس، علمت «الجمهورية» انّ وفدين من حزب الكتائب سيزوران اليوم كلّاً من الرابية ومعراب للبحث مع كلّ من رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، في التسوية المطروحة وأبعادها والخلفيات.
موفد جنبلاط
وفيما أرجَأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط اجتماع «اللقاء الديموقراطي» الذي كان سيُعقد امس برئاسته لأيام، أوفد وزير الصحة وائل ابو فاعور الى بكفيا حيث التقى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل وتشاور معه في نتائج الإتصالات الجارية على اكثر من مستوى.
ثمّ زار ابو فاعور مساءً رئيس الحكومة تمام سلام في السراي الحكومي شارحاً له الظروف التي رافقت لقاءات باريس وما أنتجَته، في محاولةٍ لاستقصاء إمكانية إمرار ما سُمّي التسوية التي ظهرت معالمُها في لقاءات باريس الاخيرة.
وقالت مصادر رافقت اللقاءات إنّ سلام باركَ الحراك القائم، مؤكداً أنّ أيّ حركة مرحّب بها، خصوصاً إذا كان الهدف الخروج من الحلقة المقفلة التي تدور فيها البلاد والتي كربجَت المؤسسات. وشدّد سلام على اهمية ان تتوافر الظروف الملائمة لإخراج البلاد من المآزق التي أحدثها الشغور الرئاسي وانعكس شللاً على مختلف المؤسسات ولا سيّما منها السلطة التنفيذية بعد التشريعة.
الى ذلك، أفادت معلومات انّ ابو فاعور لم يطلب ممّن زارهم مواقف محددة او اجوبة على ترشيح فرنجية او غير ذلك، وإنّما نَقل اليهم رسائل من جنبلاط تتصل برؤيته للمرحلة المقبلة وضرورة إنجاز الإستحقاق الرئاسي قبل القيام بأيّ عمل آخر، والتفرّغ لاحقاً لإحياء المؤسسات، ليكون لبنان الرسمي حاضراً بكل مكوناته عند التسويات التي تصاغ للمنطقة مخافة أن يدفع أثماناً لا قدرة له على احتمالها.
…ومكاري في بكفيا
إلى ذلك، يزور نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري بكفيا قبل ظهر اليوم للقاء رئيس الكتائب والتشاور في جديد الإتصالات والسعي الى مقاربةٍ قابلة للتطبيق في شأن الاستحقاق الرئاسي. كذلك سيتناول البحث الصيَغ المطروحة لقانون الانتخاب قبل انطلاق اللجنة النيابية المختصة في مهمتها منتصف الأسبوع المقبل.
وفي التحرّك السياسي، عُقد اجتماع امس بين وزير الداخلية نهاد المشنوق والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري وزير المال علي حسن خليل، وتناوَل البحث التسوية السياسية التي يقترحها الحريري.
قانصو
وفي المواقف من التسوية، قال عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي النائب عاصم قانصوه لـ»الجمهورية»: «إنّ صورة التسوية المَحكي عنها غير واضحة بعد، ومن الأفضل الانتظار أياماً لكي تتبلور» .
وشدّد على»أنّ النائب الصديق سليمان فرنجية من أهل البيت، ووصوله الى الرئاسة يتوقف على موقف العماد ميشال عون المُتمسّك منذ أكثر من سنة ونصف سنة بترشيحه»، لافتاً إلى «عدم صدور أيّ موقف حتى الآن يشير الى انّ «حزب الله» تخلّى عن دعم ترشيح عون، حتى إنّ بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» اليوم (امس) لم يأتِ على ذكر هذا الامر، وبالتالي الامور لا معلّقة ولا مطلّقة». وسأل: «مَن قال إنّ السعودية وافقَت على ترشيح فرنجية؟».
وردّاً على سؤال، لفت قانصوه الى «أنّ التسوية معناها أنّ الرئيس سعد الحريري تجاوز المرحلة الماضية، علماً أنّه زار سوريا والتقى الرئيس السوري بشّار الاسد بعد اغتيال والده». ورأى أنّ المحكمة الدولية «ما رَح يطلع من أمرها شيء».
وأكّد قانصوه انّ الاسد «باقٍ، باقٍ، باقٍ»، وأنّه «سيكمل ولايته حتى اللحظة الاخيرة، وسيترشّح وسيفوز مجدّداً بولاية جديدة، أمّا الباقون فإمّا سيموتون او سيَرحلون أو سيسقطون»، كما أكّد «أنّ الأسد سيكون اكثر الاشخاص سروراً إذا وصل فرنجية للرئاسة»، وقال: «إذا تمكّن فرنجية من اعتلاء سدّة الحكم، سيكون لنا عندئذ أسدٌ في سوريا وشِبلٌ في قصر بعبدا».
الحوت
وقال نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت لـ«الجمهورية»: «إنّ حظوظ التسوية هي أقلّ من خمسين في المئة، لأنّ أمامها عوائق عدة: العائق الرئيسي هو العائق المسيحي، موقف الجنرال عون والدكتور سمير جعجع، وعائق آخر هو عائق 14 آذار بمكوّناتها المستقلة، لأنّ هذا أيضاً سيخالف ما كانوا يعلنون بأنّهم لن يقبلوا بمرشح من 8 آذار، وأعتقد أنّ الحظ الاساسي لنجاح هذه التسوية هو ان يتحوّل النائب سليمان فرنجية مرشحاً وسَطياً بين الفريقين، وهذا أمر مستحيل لأنه هو نفسه اعلنَ انّه لن يغادر اقتناعاته وتموضعه في 8 آذار. ومن هذا المنطلق، أقول إنّ حظوظ التسوية بالنجاح هي دون الخمسين في المئة».
وهل يؤيّد ترشيح فرنجية؟ أجاب الحوت: إنّ التعامل مع فرنجية كشخص واضح ومريح، وبالتالي هو يَعلم ما يريد ويُعلن ما يريد وصادق في ما يعلن، لكنّنا لا زلنا على اقتناعنا بأنّ هذه المرحلة لا تتحمّل مرشحاً من أيّ من الفريقين 8 و14 آذار، وبالتالي لا بد من البحث عن مرشح وسطي يقف على مسافة متقاربة من الفريقين، ليس اعتراضاً على الشخص، إنّما لأنّ المرحلة لا تتحمّل اصطفافات حادة».
وعن دافع تيار «المستقبل» الى تبنّي ترشيح فرنجية، قال الحوت: «لا أملك جواباً واضحاً حول هذه المسألة، لكن اعتقد انّ هناك سبيين: الاول ربّما شعورهم بأنّ البلد اصبح يعاني من ضغوط كبيرة جداً، لكن اعتقد أن ليس هذا الحل لإخراجه من هذه الضغوط.
والثاني غياب الرئيس الحريري الطويل، وقد تكون هذه التسوية مدخلاً لعودته، وهنا يمكن ان يكون الربح او الفائدة المباشرة، لكن اعتقد انّ السببين مطروحان».
وردّاً على سؤال آخر قال الحوت:»إنّ مشكلة التسوية تكمن في انّها تعطي رئاسة الجمهورية 6 سنوات لفريق 8 آذار، ورئاسة مجلس النواب بشكل طبيعي ومُتفق عليه لـ 8 آذار، بينما رئاسة الحكومة التي يمكن ان تزول في 24 ساعة من خلال الاستقالات أو بعدم الميثاقية او خلاف ذلك، يبقى ربح «المستقبل» او فريق 14 آذار هو ربح موهوم او غير مضمون».
سلام يجدّد ثوابته
وعشية توجّهه الى باريس للمشاركة في قمة المناخ الدولية سيؤكد سلام في كلمة اليوم في افتتاح معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الـ 59 في «البيال» على الثوابت التي أرادها ان تكون من مهمات حكومته.
وسيكرر الدعوة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل القيام بأي عمل آخر تمهيداً لإنطلاق العمل المؤسساتي على مختلف المسارات، لافتاً الى المخاطر المترتّبة على استمرار الشلل الحكومي، ورافضاً توجيه الدعوة الى ايّ جلسة لمجلس الوزراء ما لم يتمّ التفاهم على ملف النفايات بالصيغة الجامعة.
كذلك سيشدّد سلام على حجم المعاناة الإجتماعية والبيئية والصحية التي يعيشها لبنان، مطلِقاً الصوت مرة أخرى للخروج من الوضع الراهن.
خسائر النزوح
وكان سلام ترَأس امس إجتماعاً للجنة الوزارية المكلفة متابعة شؤون اللاجئين السوريين في حضور الوزراء: جبران باسيل، نهاد المشنوق، رشيد درباس وسجعان قزي. وهو الإجتماع الذي لم يعقد منذ اكثر من شهرين تقريبا للبحث في جديد الملفات وسبل تعزيز المساعدات الدولية لمواجهة كلفة النزوح ومساعدة المجتمعات اللبنانية المضيفة.
وأوضحت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ المجتمعين أجروا مراجعة شاملة للملف وما نفّذ مما خُّطط له في برامج سابقة انجزتها اللجنة لتحاكي مصادر التمويل والهيئآت الدولية التي تتابع الملف من جوانبه المختلفة.
وقالت مصادر شاركت في الاجتماع إنّ القراءات الأولية للمساعدات انتهت الى تسلّم لبنان ما يقارب 975 مليون دولار من أصل مليارين و400 مليون دولار خصصت للبنان في قمة الكويت الثانية التي عقدت للدول والمؤسسات المانحة للنازحين في دول الجوار السوري وغيرها من المناطق البعيدة التي انتشروا فيها.
وأوضحت انّ التقديرات التي توصلت اليها المراجع المختصة تحدّثت عن ارتفاع خسائر لبنان من 7 مليارات دولار العام ما قبل الماضي الى ما يقارب الـ 16 مليارا على كلّ المستويات ولا سيّما ما يتصل منها بتأثيرات النزوح الإقتصادية والأمنية والطبّية والتربوية وعلى البنى التحتية بعدما قدّرت كلفتها في نهاية العام الثاني من الأزمة الى ما فوق الـ 7 مليارات دولار.
وقرّ الرأي في الإجتماع على ان المخاطر المترتبة على لبنان ما زالت قائمة، لا بل تضخّمت في الأشهر الماضية وهي تتلخص بفقدان الإهتمام الدولي بالنازحين وتلبية حاجاتهم الضرورية، وترك امر اغاثتهم على عاتق الدول الفقيرة المحيطة بسوريا.
بالإضافة الى فقدان الرعاية الدولية وعدم الإهتمام بالمناطق الآمنية لنقلهم الى داخل الأراضي السورية البعيدة عن مسرح القتال في ظل فقدان اي خريطة طريق يمكن ان تؤدي الى هذه المرحلة المتقدمة من تخفيف عبء النزوح ومخاطره على لبنان وتركيبته الهشّة.
قهوجي
وفي الملفّ الأمني والجهود المستمرّة لمكافحة الإرهاب، عبّر قائد الجيش العماد جان قهوجي عن «قلقه من التهديد الامني المتزايد الذي تمثّله مخيمات النزوح السورية والتي قد تشكّل مخابىء محتمله للمسلحين»، لكنه أكد في المقابل «انّ الوضع الامني في البلاد تحت السيطرة على رغم وقوع انفجارين انتحاريين هذا الشهر».
وقال قهوجي لوكالة «رويترز»: «إننا تقريباً جففنا المصادر التي تفخخ السيارات، ويبقى هناك شخص ما يضع زنّاراً ناسفا ويرتدي معطفا»، مشيراً الى «اننا اصبحنا في منتصف الطريق في محاربة الارهاب بينما الدول الاوروبية ما زالت في البداية».
وقال قهوجي: «كان الارهابيون في السابق يفخخون السيارات على الحدود السورية ويرسلونها الى عرسال ومن ثم الى الداخل اللبناني. والآن لم يعد لديهم القدرة على ادخال هذه السيارات الى عرسال ولا اخراجها منها، لانهم تحت نظرنا ولهذا هم اختنقوا.»
وتحدث قائد الجيش عن الوضع في البقاع وتحركات المسلحين، فقال: «وضعُنا على الحدود جيد جدا. وهم لا يفزّعونني ونحن لن نسمح لهم بالتحرك وعندما نشعر بأيّ حركة نفتح النار بالمدفعية والطيران».
وأضاف: «نحن ننتظر الهبة السعودية منذ سنة ونصف سنة، ولقد اجرينا كل الاعمال التحضيرية والاجتماعات وحددنا احتياجاتنا ولكن كل شيء ما زال على الورق حتى الآن. وصلنا من الهبة السعودية حتى الآن 47 صاروخاً فرنسيا فقط». وأشار الى «أنّ الاميركيين يقدّمون لنا المساعدة كثيراً وكذلك البريطانيون».