عاش أمس اللبنانيون عموماً، وأهالي العسكريين المخطوفين خصوصاً، نصفَ فرحة، نتيجة نجاح صفقة التبادل بين الأمن العام و»جبهة النصرة»، والتي عاد بموجبها العسكريون الـ 16 إلى الحرّية مقابل الإفراج عن 25 موقوفاً إسلامياً، وتمّت بوساطة قطرية بعد مفاوضات شاقّة قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي رافقَ العسكريين من جرود عرسال إلى السراي الحكومي، مؤكّداً المثابرة على العمل لتحرير زملائهم المخطوفين التسعة لدى تنظيم «داعش». ومشيراً إلى «أنّ صفقة التبادل تمّت بشروط تحفَظ السيادة، وأقلُّ مِن ذلك لا يمكن». ولئن انتهَت معاناة هؤلاء العسكريين الذين خطِفوا منذ 2 آب 2014، لم تنتهِ بعد معاناة الشغور الرئاسي الذي سيمدَّد له مجدّداً اليوم في الجلسة الرقم 32 لانتخاب الرئيس العتيد، والتي لن تنعقد لأنّ نصابها لن يكتمل، وسيَدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الجلسة الرقم 33، ويتوقّع أن يكون موعدها قبَيل عيد الميلاد، في وقتٍ برزَت معطيات جديدة تؤشّر إلى تراجع حظوظ التسوية الرئاسية التي طرحَها الرئيس سعد الحريري في لقائه الباريسي الأخير مع رئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية، حيث أبلغَه خلاله أنّه يؤيّد ترشيحه لرئاسة الجمهورية على أن يتولّى هو رئاسة الحكومة المقبلة. وقد عزّز من فرَص تراجُع هذه التسوية تبَلوُر موقف للمملكة العربية السعودية عبّرَ عنه سفيرُها علي عواض عسيري من جهة، وتصاعُد التصلّب المسيحي الرافض لها من جهة أخرى.
قال السفير عسيري في تصريح له بعد عودته إلى بيروت أمس: «إنّ المملكة العربية السعودية تأمل أن يستعيد لبنان عافيته على كافة الصُعد وأن يؤدّي الحوار القائم بين القوى السياسية للانتقال إلى مرحلة جديدة تُثبت الاستقرار وتنعِش الاقتصاد وتنَظم الحياة السياسية».
وأضاف: «إنّ قيادة المملكة العربية السعودية تتابع التطورات الإقليمية عن كثب، كذلك تتابع التطورات الجارية على الساحة اللبنانية انطلاقاً من حِرصها الأخوي على لبنان وشعبه لكنْ من دون ان تتدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية، كون هذا الأمر شأناً سيادياً وللأشقّاء اللبنانيين وحدهم أن يتّخذوا القرارات التي تناسبهم. وبالتالي فإنّ دور المملكة كان ولا يزال يقتصر على تشجيع كافة القوى السياسية على الحوار والتلاقي والسعي من أجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا للبنان».
وعن الملف الرئاسي، أعربَ عسيري عن «أمل المملكة في ان تتمكّن القوى السياسية من انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة لوضعِ حدّ للشلل الحاصل في مؤسسات الدولة والذي بدأ ينعكس سلباً على الوضع العام»، مؤكداً «أنّها مع أيّ مرشّح يُجمع عليه الأشقّاء اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً، لأنّ رئاسة الجمهورية هي الموقع المسيحي الأوّل في الدولة».
«القوات»
وفيما لم تعُد زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الى السعودية مستبعَدة، أكّدت مصادر قياديّة في «القوات» لـ»الجمهورية» أنّ «الاتّصالات مستمرّة بين جعجع والقيادة السعودية لشرح الموقف المسيحي العام من التسوية الرئاسية المقترَحة، والتي كانت ستمرّ من دون رضى المسيحيين».
ولفتَت المصادر الى أنّ «موقف السعودية بات واضحاً، وقد أعلمَت جعجع أنّها لن تقوم بأيّ خطوة أو تباركَ أيّ تسوية من دون موافقة «القوّات» والدكتور جعجع أوّلاً، ومن دون مباركة مسيحيّة شاملة»، مشيرةً إلى أنّ «المملكة لا تَقبل أن يكون المسيحيون خارجَ لعبة اختيار الرئيس العتيد، وهي تتعاطى معهم من منطلق الشراكة والحفاظ على دورهم، ولن تسير برئيس لا يوافق عليه جعجع الذي يتفاهم مع القوّة المسيحية الثانية أي العماد ميشال عون، وبالتالي فإنّ جعجع يتواصل مع الرياض باسمِ المسيحيين جميعاً وليس باسم «القوات» وحدها».
ولفتت المصادر «القواتية» إلى أنّ «حركة «القوّات» واتّصالاتها أثمرَت، والتسوية الرئاسية قد توقّفَت حاليّاً بسبب الموقف المسيحي الجامع الذي عبّرَت عنه «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» وحزب الكتائب والبطريركيّة المارونية، خصوصاً أنّ ما طرِح من صفقة في خصوص قانون الانتخاب أثارَ مخاوف المسيحيين»، موضِحةً أنّ «القوات» و«التيار» وبقيّة المسيحيين مع الرئيس القوي، لكنْ أن يأتي بشروط تُطيّر حقوق المسيحيين وثوابتَهم، فهذا لن نقبل به، وبالتالي فإنّ المسيحي القوي سيأتي ضعيفاً».
المشنوق في معراب
وكانت معراب شهدت حركة اتّصالات ومشاورات، وزارَها القائم بالأعمال الاميركي ريتشارد جونز، فوزيرُ الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي حرصَ على التأكيد أنّ زيارته ليست بتكليف من الحريري «ولكنّني في جوّ أفكاره». وأشار إلى أنّ فرنجية لم يُعلن ترشيحَه رسمياً بعد، لافتاً إلى أنّ «كلّ الأمور خاضعة للنقاش الإيجابي وليس للمواجهة والمشاكل أو القضاء على مسيرة 14 آذار التي عمرُها سنوات».
وعن إمكانية اتّفاق قوى 14 آذار على قرار موحّد حول ترشيح فرنجية، استشهد المشنوق بالمثَل الإنكليزي القائل «حين تصِل إلى الجسر تَعبره»، فحين يُعلَن الترشيح رسمياً تتمّ مناقشته، وهذا ما يجب أن يحصل».
وعن مكمنِ الاختلاف بين «القوات» وتيار «المستقبل»، قال المشنوق: «إنّ لكلّ فريق وجهة نظره تجاه هذه القضايا المحدّدة، ولكن هذا لا يعني أبداً أنّنا أمام مواجهة أو في خلاف، بل نحن في مناقشة مفتوحة على كلّ الأمور، ورئيس «القوات» يقبَل منّا كلّ أفكارنا، ونحن نتقبّل كلّ أفكاره ونناقشها».
«حزب الله»
وعلى المقلب الآخر، وفيما يُنتظر أن تشهد الرابية زيارة وفود من «حزب الله» وغيره لتعزية عون بشقيقه، علمت «الجمهورية» أنّ الحزب أبلغَ إلى «المستقبل» في جلسة الحوار بينهما أمس الأوّل، كما سيُبلغ الجميع في أيّ مناسبة أخرى، سواء أكانت حوارية أو سياسية أو اجتماعية، أنّ لديه مرشّحاً رئاسياً واحداً إسمُه ميشال عون. ويَعتبر الحزب أنّ كلّ مَن يعتقد أنّه سيتحدّث مع عون خلافاً لهذا الكلام فهو مخطئ كثيراً، فموقفه كان ولا يزال الاستمرار في دعم ترشيحه طالما هو مرشّح.
وفي المعلومات أيضاً أنّ الحزب لن يتطوّع بناءً على طلب أحد للتدخّل لدى عون والقول له إنّ لدى الحزب مصلحة في ترشيح فرنجية، وإنّه يريده أن ينسحب لمصلحته، فالحزب لن يقوم بهذا الدور أبداً، وموقفُه واضح وصريح بدعم ترشيح عون طالما إنّ هذا الأخير مرشّح.
وتشير المعلومات إلى أنّ الحزب يَعتبر أنّ فرنجية ابن الخط الوطني ومن ثوابته، وأنّ أطراف فريق 8 آذار متّفقون جميعاً على دعم ترشيح عون طالما إنّ عون مرشّح.
«التيار»
وفي ظلّ التخوّف المسيحي من صفقة على حساب قانون الانتخاب، أكّد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أنّ «التيار» يريد للبنان»رئيساً قويّاً بتمثيله أوّلاً للمسيحيين واللبنانيين على قواعد الشراكة المتماثلة، وقانوناً انتخابياً عادلاً على قاعدة الشراكة المتناصفة»، وهو في سبيل ذلك، لن يألوَ جهداً أو يحسب وقتاً للحفاظ على ما أجمعَ عليه اللبنانيون، وعلى رأسِهم حلفاؤه الذين لم يتخلَّ عنهم مرّة».
الراعي
وفي أوّل موقف علنيّ من مبادرة الحريري، أعلنَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي من برلين، أنّ «محور لقاءاته مع المسؤولين الألمان كان الخروج من الفراغ الرئاسي المستمر منذ سنة وأربعة أشهر، بإجراء فوري لانتخاب الرئيس من أجل إعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية ومرافق الحياة العامة».
وأضاف: «لقد علمنا بمبادرة جديدة بهذا الشأن كانت لها أصداؤها الإيجابية والتحفّظية والسلبية، من مختلف المكوّنات السياسية، وإنّنا سنعمل كالعادة على التوافق بين الجميع، وتحمّل المسؤولية المشتركة، انطلاقاً من الواقع المستجدّ في شأن رئاسة الجمهورية، وانطلاقاً من حماية الجمهورية وكيانها ومؤسساتها، وجعلِها فوق كلّ اعتبار شخصي أو فئوي. وهذا كلّه يساعد بمقدار كبير على فصل مسألة انتخاب الرئيس عن النزاع السياسي – المذهبي الدائر في المنطقة وفي الداخل».
«المستقبل»
وكانت كتلة «المستقبل» نوَّهت بمبادرة الحريري من أجل إنهاء الشغور «في ظلّ التعقيدات والمخاطر غير المسبوقة في المنطقة، وفي ظلّ ما وصلت إليه مؤسسات الدولة اللبنانية من شَلل، بصفتها مبادرة نابعة من حسّ المسؤولية الوطنية التي تفرض على جميع المخلصين للوطن دعمَ هذه الخطوة الإنقاذية، تحت عنوان التسوية الوطنية الوفاقية، لإخراج لبنان من أزمة الشغور». وجدّدت «تمسّكها بنهج الحوار والتواصل ومدّ اليد».
وأكّدت أنّه «ثبتَ بالدليل القاطع أنّ موقع رئيس الجمهورية، هو الموقع المفصليّ الذي لا يمكن النظام اللبناني العمل من دونه. فرئيس الجمهورية رمز وحدة الوطن القادر على جمع اللبنانيين وتوحيدهم لِما فيه مصلحة وطنهم وإنسانهم.
واعتبرَت «أنّ الأساس اليوم هو البحث في سبل استيلاد فرَص تؤمّن الخروج من هذا المأزق المتمثّل بالشغور الرئاسي الخطير، والذي لم يعُد يتحمّل التأجيل للانتهاء منه، والانصراف بعد ذلك الى مسيرة إعادة البناء والنمو على مختلف المستويات».
إيران
وإلى ذلك، أملت الجمهورية الإسلامية الايرانية في أن يجد الاستحقاق الرئاسي طريقه الى الحل قريباً. وقال مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الدكتور علي أكبر ولايتي إثر لقائه امس رئيس مجلس النواب نبيه بري والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ووزير الخارجية جبران باسيل، إنّه اطّلعَ من بري «على آرائه في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس الجمهورية في لبنان وما يساوره من قلق مفهومٍ بالنسبة إلينا»، وأملَ في أن «يجد ملف الإستحقاق الرئاسي طريقه الى الحل في القريب العاجل وأن يتمّ انتخاب رئيس مقبول لدى غالبية الشعب اللبناني».
ملف العسكريين
إلى ذلك، وبعد عذاب دامَ 16 شهراً، طوِي ملف العسكريين الـ 16 الذين كانوا أسرى لدى» جبهة النصرة»، فيما ظلّ جرح العسكريين المخطوفين لدى «داعش» نازفاً. وبدأت صفقة التبادل بتسليم رفات الجندي اللبناني محمد حمية الذي قتِل في الأسر، وتضمّنت إطلاق السلطات اللبنانية سراح 13 سجيناً إسلامياً وتقديم مساعدات إنسانية للمدنيين في عرسال.
ومن بين السجناء الذين أطلِقوا خمس نساء، أبرزهنّ طليقة زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي سجى الدليمي مع أطفالها الثلاثة الذين كانوا معها في السجن، وعلا العقيلي زوجة أحد قياديي «النصرة»، وجمانة حميد.
وأقيمَ للعسكريين المحرّرين استقبال رسمي وشعبي في السراي الحكومي، في حين عمّت الاحتفالات ساحة رياض الصلح التي شهدَت حلقات رقص ووُزّعت الحلوى على المهنئين.
السفير القطري لـ«الجمهورية»
ونفى السفير القطري علي بن حمد المري أن تكون بلاده دفعَت المال لإنجاز صفقة التبادل، وقال لـ«الجمهورية»: « قطر لم تدفع دولاراً واحداً، بل أدّت دور الوساطة مع الوسيط، واستلزمَ التفاوض متّسعاً من الوقت». وإذ أكّد أن لا مفاوضات أو اتّصال لقطر مع «داعش»، أبدى استعداد بلاده «للقيام بأيّ عمل إنساني لمصلحة لبنان».
قزي
وفي المواقف، قال وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «نحن سعَداء بالإنجاز الذي حصل بفضل دور اللواء عباس ابراهيم، وكنّا نتمنّى أن يدعو رئيس الحكومة تمام سلام مجلسَ الوزراء إلى الانعقاد لإقرار صفقة التبادل كما كان مقرّراً سابقاً بأن لا صفقة قبل أن تُقرّ في مجلس الوزراء، خصوصاً أنّ في هذه الصفقة نقاطاً قضائية وأمنية وسيادية. ونحن نأسَف لهذا الأمر لأنّ هذا الإنجاز يجب أن تتحمّل مسؤوليته الحكومة مجتمعةً وليس فرادى».