الأنظار اتّجهت أمس إلى اللقاء الذي جمعَ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، بحضور وزير الخارجية جبران باسيل، وذلك من منطلق أنّ هذا اللقاء يمكن أن يشكّل محطة ليس فقط لإنعاش التسوية الرئاسية، إنّما لإخراج الملف الرئاسي برُمَّته من عنق الزجاجة، ولكنْ كما كان مرتقَباً، لم يحدث أيّ تبدّل في مواقف الرَجلين، فلا عون سحبَ ترشيحه ليتبنّى ترشيح فرنجية، ولا فرنجية بدوره كرّر علناً لازمتَه الشهيرة بدعم ترشيح عون، ولا أعلنَ أيضاً عن نيّتِه تعليقَ ترشيحه، إذ فضّلَ عدم التصريح، بل جُلّ ما قام به أنّه عرض لحيثيات التسوية بخلفياتها وأبعادها، فردّ عون بأنّه متمسّك بترشيحه، في رسالة واضحة أنّه غير معنيّ بهذه التسوية لا من قريب ولا مِن بعيد، ما يعني أنّ اللقاء انتهى إلى عدم اتفاق، وأنّ التسوية تعثرَت على أبواب الرابية. وبمعزل عن انعكاسات هذا التطوّر على جبهة 8 آذار الذي يبقى ثانوياً مقارنةً مع الانتكاسة الكبرى التي أصابت التسوية، فمِن الثابت أنّ جلسة 16 الجاري لن تشهد انتخابَ رئيس جديد، ولا أيّ جلسة مفترَضة، ربّما، في العام الجاري. وإذا كان اللقاء بين عون وفرنجية انتهى إلى لا شيء، فإنّ الأنظار ستتركّز في المرحلة المقبلة على ما يمكن أن يصدر عن الرئيس سعد الحريري أو أن يبادر إليه، خصوصاً بعد دخول التسوية مرحلة الموت السريري، وبالتالي السؤال هل من استعداد لإنعاشها، وكيف، وعن طريق مَن، وما الخطوة التالية لفرنجية؟
إستأثرَت التسوية السياسية بكلّ الاهتمام السياسي منذ لحظة الكشف عنها إلى اليوم، وفي حال لم تبرز أيّ معطيات جديدة تُعيد تعويمَها ربطاً بأيّ حراك متصل بها داخلياً أو خارجياً، فإنّ هذا الاهتمام سيتراجع تدريجاً لمصلحة الملفات الأخرى، بدءاً من اجتماعات الحكومة وقانون الانتخاب، مروراً بالنفايات، وصولاً إلى الحوار الذي لا بدّ أن يتأثر بما آلت إليه المبادرة الرئاسية سياسياً وحتى على مستوى العلاقات الشخصية.
وفي موازاة هذا الجو الذي يجزم بأنّ المبادرة عُلّقت حتى إشعار آخر، هناك مَن لا يزال يؤكد أنّها ما زالت قائمة وأنّ الكرة في ملعب الحريري القادر على إعادة تحريكها ودفعِها قدماً إلى الأمام في حال قرّر ترشيح فرنجية رسمياً، هذا الترشيح الذي سيَدفع الحزب إلى ملاقاة الحريري في منتصف الطريق من أجل انتخاب فرنجية.
ولكنْ على صعوبة هذا السيناريو في ظلّ تشديد الحزب المتواصل على دعمِه لعون، إلّا أنّ الترقّب أيضاً يتمحور حول حجم المواكبة الديبلوماسية لهذه المبادرة، إذ في حين تبيّنَ أنْ لا اتفاق سعودياً-إيرانياً حول لبنان والرئاسة تحديداً، فإنّ موقف القائم بأعمال السفارة الأميركية في لبنان ريشارد جونز حول ضرورة إجراء الانتخابات الآن، دفعَ المراقبين إلى محاولة استكشاف أبعاد الموقف الأميركي لجهة ما إذا كان مجرّد تكرار لموقف ديبلوماسي، أم أنّه يعبّر عن ضرورة الاستفادة من الدينامية التي ولّدتها المبادرة الرئاسية من أجل الذهاب إلى انتخابات تجَسّد التوافق السياسي في البلاد.
وإذا كان عنصر المفاجأة ساهمَ بتزخيم المبادرة الرئاسية، فإنّ الزخم بدأ يتراجع نتيجة المواقف الثابتة للأطراف التي لا مؤشّرات تدلّ على تبَدّلها في المدى المنظور. وعلى رغم أنّه لا يفترَض استبعاد مفاجآت جديدة، إلّا أنّ جزءاً من البحث انتقلَ من المبادرة إلى لململةِ ما تركته من انعكاسات سلبية في صفوف كلّ التحالفات.
برّي
وفي وقتٍ حاذرَ رئيس مجلس النواب نبيه بري تناوُلَ الشأن الرئاسي في لقاء الأربعاء النيابي»، مُكتفياً بالقول «إنّ أفضل سيناريو في هذا الشأن هو تفاهُم العماد عون والنائب فرنجية»، نَقل النواب عنه «أنّ المطلوب من اللبنانيين أن يعملوا جادّين للاستفادة من الظروف التي تجعل لبنان اليوم من أكثر البلدان القادرة أو المهيَّأة لمعالجة مشاكلها وإنجاز الاستحقاقات التي تواجهها».
وأشار إلى»أنّ استمرار الوضع على ما هو وعدمَ تعزيز التوافق يُفيدان الإرهاب الذي يتربّص بنا جميعاً، مؤكداً أنّ حلّ أزماتنا يتيح لنا توفيرَ المزيد من القوّة لمواجهة هذا العدوّ».
الراعي
وعلمت «الجمهوريّة» أنّ البطريركية المارونية والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي لن يغطّيا أيّ رئيس جمهورية يُنتخَب من دون رضى الأقطاب الموارنة».
وفي هذا الصَدد تقول مصادر كنَسية: «في الأساس، لن تُعقد جلسة انتخاب الرئيس في غياب المسيحيين، لأنّ البلد لا يحتمل أن يأتي رئيس من دون موافقة الأحزاب المسيحيّة».
وتلفتُ المصادر الى أنّ «الراعي يركّز نشاطه الآن واتصالاته على جمعِ الأقطاب المسيحيين الأربعة، في محاولة لإيجاد حلّ للأزمة الرئاسيّة». ورأت أنّ «على الأقطاب طرحَ المخارج اللازمة، إذ إنّ الراعي لن يطرح أيّ إسم توافقي، بل سيساعد على الوصول الى تسوية»، لافتةً في المقابل الى أنّ «التسوية القاضية بانتخاب فرنجية رئيساً متوقّفة بانتظار حلحلة الوضع المسيحي».
ويغادر الراعي صباح اليوم الى مصر في زيارة رسمية ورعوية، يلتقي خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدداً من المسؤولين، إضافة إلى تدشين مبنى المطرانية المارونية الجديد.
كنعان
وكان امين سر تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان زار بكركي أمس وعرضَ مع الراعي للمشاورات الجارية بين مختلف الاطراف اللبنانية بشأن الانتخابات الرئاسية.
وقال كنعان لـ«الجمهورية: «زيارتنا الى الصرح البطريركي هي للتأكيد على التواصل الدائم مع البطريرك والوقوف عند آخر معطيات الشأن الرئاسي الذي دخلَ مرحلة الاتصالات المسيحية ـ المسيحية، وهو ما يشجّعه غبطته، وقد وضَعته في أجواء العماد عون وموقف «التكتّل»، وأكّد البطريرك خلال اللقاء دعمَه التقاربَ المسيحي ـ المسيحي الذي وحدَه يؤسّس الى استعادة المسيحيين زمامَ المبادرة».
«القوات»
في هذا الوقت، أكّد مصدر قواتي لـ«الجمهورية» أنّ «معراب تشهد حركة غير اعتياديّة واجتماعات متواصلة، وهي أشبه بخلية نحل، لكنّ موعد قطاف العسل لم يحِن بعد».
واشار المصدر الى أنّ «القوّات» تضع في أولوياتها مصلحة المجتمع المسيحي، و«14 آذار» ومصلحة اللبنانيين عموماً، والدليل على ذلك كلّ التضحيات التي قدّمها الحزب الذي تنازَل دائماً عن المراكز النيابية والوزارية من أجل مصلحة لبنان واستقلاله وسيادته»، وشدّد المصدر على أنّه «لن يكون هناك رئيس من دون موافقتنا وموافقة بقيّة الأطراف المسيحية».
تطويق السياسيين
وفيما ظلّت المبادرة المطروحة حالياً محورَ اهتمام اميركي ـ سعودي ـ مصري، تلاقَت أطراف مسيحية فاعلة على رفض التدخّل الدولي في الشأن اللبناني بهذا الشكل الفاضح.
وقالت أوساطهم لـ«الجمهورية» إنّ طريقة تعاطي الدوَل والسفراء مع الأفرقاء اللبنانيين ومحاولة تطويق السياسيين والتهويل على المراجع الروحية والأطراف الداخلية هي من الأسباب التي أفشلت طرحَ اسم فرنجية وعزّزت المواقف الرافضة، وجعلت هذا الطرح في مأزق حقيقي».
هولاند
وكانت هذه المبادرة محور اتّصال هاتفي أجراه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالراعي، وتناوَل فيه الأوضاع العامة في لبنان وفرنسا، وشدّد خلاله على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية».
جونز
وفي غضون ذلك يواصل القائم بأعمال السفارة الأميركية في لبنان ريشارد جونز جولاته على المسؤولين للبحث معهم في الإنتخابات الرئاسية، فيزور ظهر اليوم الرئيس امين الجميّل في بكفيا، بعدما كان قد زار أمس بكركي وأمس الاوّل عين التينة.
وقال جونز في بكركي إنّه تَوافَق مع البطريرك «على أنه حانَ وقت إجراء الانتخابات الرئاسية، وأنّ على الأحزاب المعنيّة أن تعمل معاً وتَختار رئيساً للبلاد.
ولا يجوز وضع العراقيل على طريق هذه العملية». وأضاف: «كان هناك توافق على أنّ الوضع الحالي يَسوده ارتباك وأنّ على الأطراف إتمامَ الحوار في ما بينها للوصول إلى انتخابات رئاسية».
ورأى جونز أنّ «موعد إجراء الانتخابات هو الآن، لأنّ استمرار تعطيل عمل المؤسسات والفراغ لا يناسبان أحداً، وخصوصاً في الوقت الذي تشهَد فيه المنطقة اضطرابات وتحدّيات كبيرة، لذلك يجب أن يكون هناك رئيس يعمل مع الحكومة وأن يُتاح للشعب أن ينال ما ينتظره من حكومته من أمن واستقرار».
السفير المصري
من جهته، تنقّلَ سفير مصر محمد بدر الدين زايد أمس بين بكركي وعين التينة مشدّداً على ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي، ورأى أنّ «الأوضاع الداخلية والخارجية تفرض ضرورة إنهاء الفراغ».
وأكّد حِرص مصر على «أن تؤدّي الاتصالات والمشاورات إلى حلّ يُرضي جميع الأطراف اللبنانية» وعلى «أن يكون هناك توافقٌ يتمّ التوصل إليه، بما ينهي الأزمة الرئاسية».
السفيران السعودي والإماراتي
ولم تكن التسوية بعيدة عن العشاء الذي أقامه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في كليمنصو مساء أمس الأوّل للسفيرين السعودي علي عوض عسيري والإماراتي حمد بن سعيد الشامسي، بحضور نَجله تيمور، ووزيرَي الصحة وائل ابو فاعور والزراعة أكرم شهيّب.